من بوّابة محكمة بن عروس.. الحرب القطاعية تطرق طبولها مجدداً: وكأنّنا لا نتعلّم من تجاربنا


2020-10-12    |   

من بوّابة محكمة بن عروس.. الحرب القطاعية تطرق طبولها مجدداً: وكأنّنا لا نتعلّم من تجاربنا
رسم رائد شرف

مساء يوم 09-10-2020، شهد محيط المحكمة الابتدائية ببن عروس تظاهرة لقوات الأمن الداخلي استعملت فيها السيارات الإدارية وشارك فيها المئات، وقد دعت لها نقاباتهم المهنية. في ذات الحين، كانت مجموعة من المحامين تتجمهر بمقر المحكمة. كانت مناسبة تجمّع هذه الحشود جلسة استنطاق قاضي التحقيق بالمحكمة لرئيس مركز الأمن الوطني بالمروج الخامس ومساعده المتهمين باحتجاز محامية بمقر عملهما وتعنيفها.

حرصت نقابات الأمن على تنبيه السائلين عن سبب محاصرتها للمحكمة لكونها لا تطلب تدخلا في القضاء وبرّرت تحركها بخشيتها من تأثير محتمل للمحامين على الأبحاث. وفي الاتجاه نفسه، نبهت النقابات إلى أنه كان للمحامين السبق في تحركاتهم الجماعية والضغط على القضاء من خلال ذلك، بما أوجب تداعي الأمنيين لكي لا يتم إيقاف زميليهما من دون مبرر حقيقي لذلك. وانتهت هذه النقابات إلى التذكير بأنّ الحق في التظاهر مضمون لمنظوريها أيضا الذين لم ينسب لهم اقتحام للمحكمة ولا تشويش على عملها.

من جهتهم، ينفي المحامون عنهم تهمة التدخل في القضاء ويؤكدون احترامهم الكامل لاستقلاليته. كما أكدوا أن التحركات الاحتجاجية التي قادتها عمادتهم بداية من 11-08-2020 وتوجت باعتصام بمقر المحكمة الابتدائية ببن عروس انطلق بتاريخ 06-09-2020 استمر يومين كاملين وشارك فيها قرابة المائة وخمسين محاميا كان سببها بطء التعاطي القضائي مع القضية على أهميتها. وكان الهدف منها تحقيق العدالة والإسراع  بمباشرة الأبحاث. وقد قدموا دليلا على قولهم أنهم “فكوا الاعتصام بمجرد تدارك وكيل الجمهورية ببن عروس الأمر وتوجيه استدعاء للمتهميتن”[1].

يوم 09/10/2020، قرر قاضي التحقيق إبقاء المتهمين بحالة سراح. سُر رجال الأمن بالقرار وانسحبوا في تحرك كشف عن احتفالهم بنصر يعتقدون أنه لم يكن ليتحقق لولا تضامنهم. في ذات الحين، غادر المحامون المحكمة وإن كان القرار القضائي لم يكن في مستوى تطلعاتهم.

لم تذكر الأوساط القضائية حصول تجاوزات أثناء التحقيق غير ما يذكر دوما من حضور مكثف للمحامين النائبين لزميلتهم الشاكية بمكتب التحقيق لا يلائم مساحة المكان وما تداوله الوسط القضائي من كون المحامين أصروا على عدم حضور ملحقة قضائية تتربص بمكتب التحقيق جلسة الاستنطاق. وفيما أن هذا الإصرار يخالف القانون المنظم لعمل المعهد الأعلى للقضاء ويشكل تدخلا غير مبرر في عمل المحكمة، فإن قاضي التحقيق انتهى إلى قبوله، فيما يبدو تخفيفا لحدّة الاحتقان ومنعا لتحوّله لسبب إشكال.

في المقابل ومباشرة بعد تداول خبر إبقاء المتهمين بحالة سراح، تعددت التعليقات في جانب المحامين الذين اتهموا القضاء بالخضوع لسلطة الأمنيين وانتهت بأن دعت جمعية المحامين الشبان عموم المحامين لتحرك احتجاجي يوم 12-10-2020 بمقر المحكمة الابتدائية بتونس هدفه دفع عمادة المحامين لاتخاذ قرارات احتجاجية ضد ما سمته “تدهور الأوضاع بمرفق العدالة المفتقد أصلا لأدنى مقومات المرفق وأبسط مستوجبات العدالة وتنامي مظاهر إنهيار الدولة كالإستقواء على السلطة القضائية وتغول جهاز البوليس وتواتر الإعتداءات على المواطنين داخل وخارج أسوار المراكز الأمنية”.

بعيدا عن الشقين المتنازعين وعن تحركاتهما وعن تبادلهما للاتهام بالتدخل في القضاء، يبدو مشهد محكمة بن عروس وما تبعه من تطورات وما ينتظر من معارك تعقبه في كثير من تفاصيله تكرارا لأحداث مماثلة عرفتها جل المحاكم التونسية تنطلق دوما بتضامن قطاعي وتنتهي بمحاولة فرض قرارات محددة تخدم الموقف الجماعي فتطيح بشروط المحاكمة العادلة والتي منها إبعاد القضاء عن تأثيرات متخاصمين ونفوذهم.

[1] رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان طارق الحركاتي لـ«المغرب»: «وكيل الجمهورية تدارك الأمر ولهذه الأسباب تم فك الاعتصام في محكمة بن عروس» – فتحية سعادة – صحيفة المغرب – 08-10-2020

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، أجهزة أمنية ، محاكم مدنية ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني