إعلان 25 جويلية 2021: هل قُبر دستور 27 جانفي 2014؟


2021-08-03    |   

إعلان 25 جويلية 2021: هل قُبر دستور 27 جانفي 2014؟

بإعلان رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد مساء 25 جويلية 2021 [يوم الإعلان عن الجمهورية التونسية وإلغاء الملكية في 25 جويلية 1957] قراره تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي المتعلق بالحالة الاستثنائية، دخلت تونس مرحلة غموض دستوري وقانوني خطير على المسار الديمقراطي وعلى الحقوق والحريات. فالقرارات الأولى لرئيس الجمهورية والتي صدرت في شكل أوامر انطلاقا من 26 جويلية 2021 تدعونا إلى طرح عديد التساؤلات وإلى التعبير عن مخاوف عديدة تتزامن دائما مع الحالات الاستثنائية.

1) هل فعّل الرئيس حقيقة الفصل 80؟

للإجابة عن هذا السؤال سنتعرض لكل الشروط التي حتّمها الفصل 80 من الدستور ونلاحظ مدى التزام رئيس الجمهورية بها في إعلانه وفي الأوامر الرئاسية التي صدرت تباعا انطلاقا من 26 جويلية 2021.

– في وجود خطر داهم مهدّد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة: هذا الشرط الأساسي الذي تنطلق معه الحالة الاستثنائية جعل الدستورتقديره لرئيس الجمهورية وهو ما كان.

– في وجوب استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب: في إعلان 25 جويلية أكد رئيس الجمهورية استشارته لرئيس مجلس نواب الشعب ولرئيس الحكومة، دونما تفاصيل عن شكل الاستشارة ومضمونها وهو ما نفاه جملة وتفصيلا رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، ولم ينفه أو يؤكده رئيس الحكومة هشام المشيشي المتواري عن الأنظار منذ ليلة الـ 25 جويلية 2021 والذي لم تصدر منه إلا رسالة على صفحته،

– في إعلام رئيس المحكمة الدستورية: بانعدام المحكمة الدستورية انعدم هذا الشرط إذ نكون أمام إستحالة ماديّة. ولم يكن ممكنا إعلام رئيسها.

– في اعتبار مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة فترة الحالة الاستثنائية: أصدر رئيس الجمهورية أمره يوم 25 جويلية 2021 ولكنه لم ينشره إلا في 29 جويلية 2021 [الأمر الرئاسي عدد 80 المؤرخ في 29جويلية2021] القاضي بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب لمدة شهر، وهو ما يتعارض تماما مع منطوق الفصل 80 الذي يوجب انعقاد المجلس بصفة دائمة. وقد عمل رئيس الجمهورية على منع المجلس من الانعقاد بغلق مقر المجلس أمام النواب وتكليف الأمن والجيش بإنفاذ هذا الأمر وهو ما كان فعلا.

– في عدم جواز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة يؤكد الفصل 80 على منع تعطيل عمل الحكومة، وبما أنها تزكّى من قبل مجلس النواب فلا يحق له إقالتها في فترة الحالة الاستثنائية ومن باب أولى وأحرى ألا يقوم بذلك رئيس الجمهورية الذي لا سلطان له على الحكومة بموجب الدستور [الفصل 89]. إلا أنّ رئيس الجمهورية بادر بإصدار أوّل أمر له في حالة الاستثناء هذه [الأمر الرئاسي عدد 69 في 26 جويلية 2021 يتعلق بإعفاء رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة). فما هو سنده الدستوري؟ كما تمّ ذلك في ظروف غامضة جدّا أحاطت باختفاء رئيس الحكومة وانقطاعه عن العالم منذ 25 جويلية إلى اليوم.

بالمحصّلة وبالرّجوع إلى الشروط العشرة التي وضعها الفصل 80 لم يطبّق رئيس الجمهورية منها إلا شرطين شكليين: إعلان التدابير في بيان إلى الشعب وتحديد المدة بثلاثين يوما مع إمكانية التمديد. كيف توصف الحالة إذا؟

2) هل ما زلنا تحت طائلة الفصل 80 خصوصا والدستور عموما؟

بعدم توفر شروط الفصل 80 تكون الأوامر الرئاسية مترجمة “لشرعية” غير الشرعية الدستورية. فلماذا التمسك بالفصل 80؟ إن ما نلاحظه هو بحث الرئاسة عن شرعية دستورية بحدّها الأدنى إن لم نقُلْ بصفة شكلية لا غير. إلا أن ذلك لا يستقيم تماما وذلك نظرا للسببين التاليين:

– أوّلا عدم الالتزام بشروط الفصل 80 وهو ما ذكرناه فيما سبق.

– ثانيّا إسناد الرئيس لنفسه صلاحيات تتضارب تماما مع الفصل 80 من ناحية ومع بقية أحكام الدستور وروحه.

فمن ناحية، أقرّ الرئيس لنفسه صلاحيّة إصدار المراسيم في هذه الفترة وهو ما يتعارض تماما مع الفصل 80 والذي يوجب أن يكون مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم ليشرع بل ليضاعف عمله التشريعي.

من ناحية ثانية أقرّ الرئيس لنفسه برئاسة السلطة التنفيذية وحقه في تسمية رئيس حكومة يعمل تحت إشرافه وفي ذلك خرق واضح لأحكام الفصل 80 الذي يوجب مواصلة الحكومة لعملها ولا يمكن إعفاؤها أو حتى إصدار لائحة لوم ضدها في فترة الحالة الاستثنائية.

من ناحية ثالثة أقرّ الرئيس لنفسه رئاسة النيابة العمومية وهو ما ورد في بيان 25 جويلية ولكن لم يصدر فيه أمر حتّى الآن، وهي سابقة خطيرة جدّا، لم يقترفها أي رئيس جمهورية أو حكومة سابقة ولو في أحلك فترات الاستبداد والدكتاتورية.

كيف نوصّف هذه الوضعيّة التي يقرّ الرئيس لنفسه فيها بتجميع كل السلطات؟

في اعتقادنا نحن أمام حالة انقلاب على الدستور في أحكامه وروحه وأقلّه نحن أمام وضعيّة غصب موصوف للسلطة. ويتأكّد ذلك في نظرنا بإقرار الرئيس لنفسه وبموجب أمر رئاسي “رفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب طيلة مدة تعليق أعماله” (الفصل 2 من الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 في 29 جويلية 2021)، فما هو السند القانوني أو الدستوري لذلك؟ لا شيء يبرّر هذا الإجراء على المستوى القانوني.

إن هذه الإجراءات المعلنة في 25 جويلية 2021 تخرجنا تماما من أحكام دستور 2014، وتجعلنا على مستوى التّطبيق أمام تنظيم مؤقت للسّلط العموميّة انطلق في 25 جويلية وسيتواصل إلى حين عودة السير العادي لدواليب الدولة.

3) أي عودة للسير العادي لدواليب الدولة؟

لقد استعمل رئيس الجمهورية ذاته هذه العبارة “نحن في تنظيم مؤقّت للسّلط العمومية” في تصريحه أمام جماهير الحبيب بورقيبة في 25 جويلية 2021. وللعبارة دلالات هامّة: فهل المقصود بذلك أن الفترة الاستثنائية تحتّم تنظيما استثنائيّا للسّلط؟ أم أنّ لرئيس الجمهورية تصوّره لتنظيم السّلط في انتظار العودة إلى الوضع العادي وكيف ستكون هذه العودة؟

  • في تنظيم مؤقت للسلط خارج دستور 2014 بتجميع السلط في يد رئيس الجمهورية انطلاقا من 25 جويلية 2021، نلاحظ بأنّنا في تنظيم للسّلط في تعارض تامّ مع دستور 2014: هذا الأخير أقرّ نظاما برلمانيّا معدّلا تخضع فيه الحكومة لرقابة البرلمان الذي يمنحها ثقته وبإمكانه إعفاؤها، إلا أنّ ما يحصل منذ انطلاق “الحالة الاستثنائية” هو إرساء فعلي لنظام رئاسوي يذكر [بل يتجاوز في أوجه عدة] النظام الرئاسي الذي كان سائدا في تونس إلى حدود ثورة 17 ديسمبر 2010- 14 جانفي 2011، ذلك النظام الذي أدى إلى الثورة عليه وإسقاطه سنة 2011. هذا التمشي يتأكد مع ما كان أعلنه رئيس الجمهورية منذ فترة في رغبته في العودة إلى دستور الأوّل من جوان 1959.

هل هذه الأحداث والأوامر تطرح علينا سؤال العودة إلى الوضع العادي؟ كيف ستكون هذه العودة؟

بخروجنا من الدستور انطلاقا من 25 جويلية وتعليق عمل مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن كلّ أعضائه وإقالة الحكومة وإعلان ترؤس النيابة العمومية، هل يمكن العودة إلى أحكام دستور 2014؟ إننا نعتقد أنه لن يكون من اليسير العودة إلى الدستور الحالي بل إنه بتواصل إحالة النواب على القضاء إما لإيقافهم أو التحقيق معهم ومواصلة تفعيل القضاء العسكري خاصة بعد إعفاء وزير الدفاع [الأمر الرئاسي عدد 69 المؤرخ في 26 جويلية 2021] وإعفاء وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري [الأمر الرئاسي عدد 68 المؤرخ في 23 جويلية 2021]، فإن مجلس نواب الشعب لن يكون على ما هو عليه قبل 25 جويلية 2021 وفي انتظار ما سيصدر عن الرئيس من مراسيم فإننا ننتظر نصّا سينظم مؤقتا السلطات العمومية، إلى حين إنهاء العمل تماما بدستور 2014 والانطلاق بموجب الاستفتاءات في تغيير النظام السياسي والانتخابي كليّا.

اعتقادنا راسخ أنّنا خرجنا تماما من دستور 2014. فما هي المخاطر التي قد تنجرّ عن ذلك؟

4) في مخاطر الخروج عن الدستور

كل المؤشّرات تؤكد أنّنا خرجنا عن دستور 2014 ولازال الرئيس يستعمله كمظلة مؤقتّة إلى حين تعويضه بنصّ آخر. فما هي مخاطر ذلك؟

في خطورة الخروج عن الدستور على الانتقال الديمقراطي في تونس: إن آليات الديمقراطية التي أعطت دستور 2014 والذي لم يتمّ إنفاذ عديد أحكامه [إرساء الهيئات العمومية والمحكمة الدستورية والمساواة بين المواطنين والمواطنات وحماية الحقوق والحريات العامة والفردية واستكمال مسار العدالة الانتقالية …] وهي بالأساس آلياّت الدّيمقراطيّة التمثيليّة والتّشاركيّة مهدّدة اليوم بإيقاف العمل بدستور جاء نتيجة ثورة ودماء أبطال وزعماء سياسيين منهم شكري بلعيد ومحمد البراهمي. هذا التهديد للمسار الديمقراطي نراه جليّا حين تجمّد كل المؤسّسات وتجمّع كل السلطات في يد شخص واحد رئيس الجمهورية وكل التجارب السابقة (وهي تعدّ بالعشرات) لم تفرز أي نظام سياسي ديمقراطي اجتماعي بعد تجميع السلط في يد شخص واحد. إنّ أهميّة إرساء المؤسسات وعملها كمؤسسات هي الضمانة للانتقال الديمقراطي حتى وإن كان متعثرا، بينما تركيز السّلط في يد واحدة لن يكون إلا مدخلا للاستبداد والديكتاتوريّة وهو ما سيشكّل الخطر على الحريّات.

في تهديد الحريّات، كل الحريات: لا يمكن لتجميع السلط أن يكون ضامنا للحريات، رغم تأكيد رئيس الجمهورية في كل تدخلاته مع ممثلي المنظمات والجمعيات والإعلاميين والإعلاميات على عدم المساس بالحريات الفرديّة والعامة. إلا أن ما يحصل يدعو إلى الاحتياط والريبة.

أوّلا: رفع الحصانة عن النواب بأمر رئاسي من دون أي سند دستوري لذلك. وهو ما يعرّض كل حقوقهم وحرياتهم للخطر. وهو ما بدأنا نلمسه بإيقاف النائبين ياسين العياري وماهر زيد وإصدار بطاقات جلب ضدّ النواب محمد العفاس وغيره من نواب كتلة الكرامة.

ثانيا: تفعيل دور القضاء العسكري في دولة مدنية وإقحام الجيش في الحياة السياسية والشأن العام، نعتبره ضربا لمدنية الدولة وخطرا محدقا بالحقوق والحريات خاصّة وأن تدخل الجيش والقضاء العسكري سيؤدي إلى تطبيق مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية [الصادرة بموجب الأمر العلي المؤرخ في 10 جانفي 1957] وهي من أشدّ النصوص عداوة للحقوق والحريات حيث أن الأصل في هذه المجلة هو الانضباط العسكري والخضوع للسلطة الهرمية ولا علاقة لها بالحياة المدنية المبنيّة أساسا على الحريّة والاختلاف والمساواة.

ثالثا: ضرب الحريات الأساسية: رغم مصادقة الجمهورية التونسية على العهد الدولي للحقوق المدنيّة والسياسيّة وتحديدا مادتّه الرّابعة والمتعلقة بالحالات الاستثنائية، إلا أن التدابير المعلنة إنطلاقا من 25 جويلية 2021 تتعارض تماما مع أحكام العهد. هذا الأخير يقرّ في مادته الرابعة بأنه في الحالات الاستثنائية لا يجب المساس بالحق في التعبير والتّنظم والتّظاهر السّلمي وبحريّة المعتقد ومنع ممارسة التّعذيب إلا أنّ الأمر عدد 70 المؤرخ في 26 جويلية 2021 والذي تأكد بموجب الأمر عدد 83 المؤرخ في 30 جويلية 2021 “يمنع كافة الّتظاهرات والتّجمعات العائليّة والخاصة والعامة بالفضاءات المفتوحة أو المغلقة” وهو ما يمثل ضربا صارخا لحق التظاهر السلمي والتجمهر!

بالمحصلة إن ما يحصل في تونس إنطلاقا من 25 جويلية 2021 وبقطع النظر عن توصيفه: إنقلابا، غصبا للسلطة، تجاوزا خطيرا للدستور، يمثل وضعيّة خطيرة لا عهد لتونس بها تضرب المؤسّسات الدّستورية كافة: البرلمان، الحكومة، القضاء وتمسّ من الحقوق والحريات الأساسية وتزجّ بالمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وفي الشأن العام ممّا يهدّد مدنية الدولة.

هذه الوضعية الخطيرة والتي ستتوضح معالمها تدريجيّا في الأيّام القادمة لن يكون معها ممكنا العودة إلى دستور 2014 الذي يستعدّ رئيس الجمهورية لقبره تماما بعد أن أعلن مرارا وتكرارا رفضه لهذه الوثيقة التي جاءت لتعلن الحقوق والحريات ولتمكّنه من رئاسة الجمهورية.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، سياسات عامة ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، تونس ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني