Valet Parking: لمن تعود غلال “البهورة”؟


2011-10-25    |   

Valet Parking: لمن تعود غلال “البهورة”؟

اتخذ وزيرا الداخلية والبلديات والسياحة قرارا مشتركا بتاريخ 21 أيلول 2011 بتنظيم احد الاعمال التي بات يمارسها عدد كبير من الشبان وهو عمل راكني السيارات Valets Parking، وذلك بعد صدور آراء متعددة عن مجلس شورى الدولة بهذا الخصوص.  
وهذا القرار الذي لا نعرف مثيلا له في اي من الدول السياحية، يؤشر الى الأهمية الكبرى التي باتت هذه المهنة تكتسبها والى تزايد اعداد الشباب المنخرطين فيها. فما سبب تطور هذه المهنة؟ هل مرد ذلك هو زيادة عدد المطاعم والملاهي التي تفتح من دون تأمين اي مواقف للسيارات، خلافا لما يفرضه القانون؟ واذا كان الأمر كذلك، ما الذي يجعل هذه المهنة التي لا تحتاج الى مواهب متقدمة مجزية وجاذبة للشباب اللبناني، بخلاف العمل في محطات البنزين او الزراعة او الارشاد السياحي؟ فهل مرد ذلك هو فعلا النقص في مواقف السيارات، او الذهنية اللبنانية التي تستحسن ربما ترك السيارات مباشرة امام مداخل المؤسسات من دون تكبد عناء البحث عن مكان لها، وقطع المسافات ذهابا من مكان توقيفها اليها وايابا منها اليه، وهي الذهنية نفسها التي تؤدي الى رفع البدلات المسددة في مناسبات كهذه؟
واهم من ذلك، ومع تسجيل تعاظم خدمة ركن السيارات، ما السبب الداعي اليوم الى تنظيمها والى حصر ممارستها ضمن مؤسسات خاصة غايتها تأمين ركن السيارات تحظى بترخيص من المحافظة المختصة؟ بمراجعة المسؤوليات الملقاة عليها، يظهر ان هذا التنظيم هدف بشكل خاص الى ضمان الشروط الآتية:
–         جعل المؤسسات المرخصة مسؤولة بالتضامن مع المؤسسات السياحية التي تعمل لصالحها عن اي ضرر يصيب السيارات او اشخاص اصحابها او مقتنياتها، وهذا امر نافل طالما ان هذه المسؤوليات تبقى منظمة ضمن مبادئ القانون العام،
–         الزامها بتسديد كفالة قدرها عشرة ملايين ليرة لبنانية، لتغطية ما قد يترتب عليها من مسؤوليات. الا ان قيمتها تبقى هي هي مهما بلغ حجم المؤسسة المعنية او عدد الموظفين العاملين لديها، الأمر الذي يجعل قيمتها غير مقنعة،
–         فرض معايير على اصحاب هذه المؤسسات او المستخدمين فيها بحيث يكونون جميعا من التابعية اللبنانية ومن "ذوي السجل العدلي النظيف" (يجب ان يكونوا متمتعين بالحقوق المدنية وألا يكونوا محكوماً عليهم بجناية او بمحاولة جناية او بجنحة شائنة او بمحاولة جنحة شائنة). واذا كان هذا الأمر يوحي بوجود شيء من الضمانات لرواد المؤسسات، فانه بالمقابل يبعث القلق بشأن فرص عمل "ذوي السجل العدلي غير النظيف". فبعد منعهم من سوق الدراجات لتوصيل طلبيات المطاعم ليلا delivery، ها هم يمنعون من أداء مهنة ركن السيارات التي ربما شكلت فرصة عمل جدية لكثيرين منهم. فهل المطلوب معاملة اي من هؤلاء كعدو محكوم بالتهميش ام على العكس تماما فتح الأبواب امامه لتأهيل ذاته؟ وتبقى بالطبع الطبقية غالبة هنا ايضا: فتماما كما عومل سائقو الدراجات النارية بازدراء طبقي مع استسهال تحميلهم مسؤولية الخلل الأمني (حادثة صيدا ومنع الدراجات النارية فيها، حادثة عين الرمانة وما لحقها من اجراءات..)، يغلّب اليوم اعتبار حماية اصحاب السيارات المتروكة امام مداخل المؤسسات السياحية على اعتبارات اعادة التأهيل او فتح فرص عمل امام الشباب. سيما وانه كان يمكن الاستعاضة عن إقصاء هذه الفئة الإجتماعية بفرض مراقبة مشددة عليهم. لا بل ان القرار لم يكتف بذلك: فلم يمنع العمل في هذا المجال على المحكوم عليهم باحدى الجرائم المذكورة سابقا فحسب، بل ايضا الملاحقين بأي منها بل ايضا فايضا ذوي السيرة غير الحسنة!! ممّا يشكل مسّا بقرينة "البراءة" وعقوبة بمنع ممارسة مهنة قبل صدور اي حكم. كما نلحظ هنا حصر هذه المهنة بلبنانيين، فيما ان حصرا مماثلا يدخل ضمن صلاحيات وزير العمل وحده- الذي تم تهميشه اصلا بالكامل في إطار هذا القرار المشترك.      
–         إلزام راكني السيارات بالتقيد بقوانين السير وببعض القواعد المدنية (عدم تشغيل زمور الانذار، عدم ركن السيارة على الرصيف الخ…)، وقد يكون هنا من الأنسب البحث عن آليات عملية لمعاقبة راكن السيارة في حال المخالفة مع تعديل قوانين السير عند الاقتضاء.
–         الى ذلك، تضمن القرار بندا غريبا جدا مفاده إلزام راكني السيارات بعدم تسليمها الى اصحابها اذا بدوا في حالة سكر، والاتصال بقوى الامن الداخلي. وهذا الامر انما يعني تكليف هؤلاء بوظيفة ضبط الأمن مع اعطائهم صلاحيات بحجز ممتلكات الغير التي كانوا قد اؤتمنوا عليها، ومما يشكل عمليا فرصة ثمينة لابتزاز اصحاب السيارات الذين بات على شاربي الكحول منهم ان يسددوا أضعاف ما يسددونه حاليا لاستعادة سياراتهم.
تبعا لما تقدم، يجدر التساؤل عن مدى قانونية قرار مماثل وعن النتائج الاجتماعية المتأتية عنه: فهل يجوز بقرار مشترك عن وزيرين تقييد حرية اساسية كحرية العمل في ميدان معين بشرط الحصول على ترخيص مسبق مع حظر ممارستها على عدد كبير من الافراد (غير اللبنانيين، ذوي السجلات العدلية غير النظيفة او الملاحقين…)؟ وألا يتعارض ذلك مع الدستور لا سيما مع أحكام مقدمته التي ينص البند (و) منها على ليبرالية النظام الاقتصادي مما يكفل المبادرة الفردية، ومع الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي نص في المادة السادسة منه على الحق بالعمل الذي يشمل حرية اختيار المهنة.
وماذا اذا حصر الترخيص المسبق ببعض اصحاب القربى والحظوة؟ واكثر ما يخشى منه هو ان يكون الهدف الأساسي لهذا القرار هو وضع اليد على الغلة وفق قواعد المحاصصة لا بل حتى الاحتكارات او ان يؤدي ببساطة الى ذلك. انها غلة البهورة التي اخرجت السلطة من ثباتها تماما كما هي حال تنظيم مكاتب استقدام بعض اليد العاملة الأجنبية والتي تتولى وزارة العمل الترخيص لها.
 
 
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني