قبل أشهر خرج طلّاب من الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا AUST متحدّثين عن عدم قدرتهم على معادلة سنوات دراستهم أو شهادتهم في أحد الاختصاصات لأنّه غير مرخّص. أعاد هذا الأمر الحديث عن التعليم العالي الخاص الذي شهد فضائح في السنوات الماضية وعن دور مجلس التعليم العالي وجدّية الإجراءات التي يتّخذها لمنع مخالفات لجامعات دفع ويدفع ثمنها طلّاب حُرموا من معادلة شهادات. طلّاب منهم من اضطرّ إلى إعادة درس الاختصاص في جامعة أخرى مع ما يعنيه ذلك من ضياع سنوات إضافية وإنفاق المزيد من الأموال. ومنهم من لجأ إلى القضاء ومن بينهم طالبة في كليّة الصيدلة في جامعة الجنان اطّلعت “المفكرة” على ملفّها، حصّلت بعد سنوات من التقاضي على تعويض بـ 20 مليون ليرة كعطل وضرر عن سنوات ضاعت وآلاف من الدولارات دُفعت في اختصاص اكتشفت لاحقًا أنّه غير مرخّص.
مصدر في مجلس التعليم العالي يؤكّد لـ “المفكرة” أنّ ما تحدّث عنه طلّاب AUST صحيح، وذلك لأنّ الجامعة لم تحصل بعد على إذن بمباشرة تدريس اختصاص تصميم الأزياء كانت قد قدّمت عليه في العام 2018. ويشير إلى أنّ موضوع مخالفة الجامعة قيد البحث في اللجنة المعنيّة وأنّ إجراءات عقابية اتخذت حاليًا في حق الجامعة ريثما ينتهي التحقيق، وأنّ الوزارة ستعمل على تسوية أوضاع الطلاب.
قصّة الاختصاصات غير المرخّصة ليست جديدة إذ اتخذ مجلس التعليم العالي إجراءات في حقّ جامعات عدّة خلال السنتين الأخيرتين للسبب نفسه حسب ما تُشير أمينة سر مجلس التعليم العالي حرّية باز، إلّا أنّه عند مراجعة بعض هذه الإجراءات التي حصلت “المفكرة” على نسخ منها، يتبيّن وبوضوح أنّ بعض الجامعات تُعيد المخالفة نفسها بعد اتخاذ الإجراءات في حقها. وهذا الأمر يطرح سؤالًا عن جدّية هذه الإجراءات ومدى قدرتها على ردع المخالفات ولاسيّما في ظل لجوء مجلس التعليم العالي في الكثير من الأحيان إلى تسوية أوضاع الطلاب تحت ضغط من هؤلاء من جهة ومن جهة أخرى بفعل ضغوطات سياسيّة وطائفيّة كما يقول الباحث التربوي الدكتور عدنان الأمين الذي يعتبر أنّ بعض الجامعات والمعاهد باتت تبني على التسويات لتخالف ولاسيّما أنّها تعرف مسبقًا أنّ أوضاعها ستسوّى فتبني على تجاوز القانون.
الأمر نفسه يؤكّده الدكتور عبد الحسن الحسيني (عضو سابق في لجنة مزاولة مهنة الهندسة وفي مجلس التعليم العالي) وهو أنّ تسوية أوضاع الطلاب باتت عرفًا يقونِن المخالفة تحت حجّة عدم وجود نص قانوني يمنع التسوية.
شهاداتنا في اختصاصات لم ندرسها
تتحدّث طالبة فضّلت عدم ذكر اسمها كيف فوجئت بعد سنتين من الدراسة في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا (AUST) في اختصاص تصميم الأزياء، بأنّ الاختصاص غير مرخّص وأنّ من تخرّج من هذا الاختصاص خلال السنوات الماضية والذي تدرّسه الجامعة حسب ما تقول منذ أكثر من 10 سنوات، حصل على شهادة “تصميم غرافيكي” (Graphic Design) كون هذا الاختصاص مرخّصًا، مع العلم أنّ خرّيجي الاختصاص لا يتعلّمون، بحسب هذه الطالبة، أيّ مواد تخوّلهم العمل في مجال التصميم الغرافيكي.
تروي هذه الطالبة لـ “المفكرة” أنّه بعدما عمدت الجامعة هذا العام إلى رفع القسط أو ما يُسمّى university fees (يدفع مع بداية كلّ فصل) من 575 دولارًا إلى 2100 دولار، قرّرت هي الانتقال إلى جامعة أخرى لأسباب ماديّة كون كلفة الفصل ستصل إلى 3500 دولار تقريبًا. وبعد تسجيلها في جامعة أخرى فوجئت هذه الطالبة بأنّها لن تستطيع تعديل موادها وأنّ عليها البدء من جديد لأنّ اختصاصها الذي درسته لسنتين في AUST غير مرخّص. واجهت هذه الطالبة، وحسب ما تروي، إدارة الجامعة لكنّ أيّ جواب حاسم لم يصلها باستثناء ما قاله أحد الموظفين لها عبر الهاتف بأنّ “الاختصاص مش مرخّص”. طلّاب آخرون من الجامعة نفسها التقتهم “المفكرة”، قرّروا ترك الجامعة وعدم المجازفة بسنوات إضافيّة بعدما علموا أنّ اختصاصهم غير مرخّص، مشيرين في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ الجامعة اجتمعت معهم طالبة منهم إكمال دراستهم في الاختصاص من دون أن تحسم لهم ما إذا كان سيتمّ الترخيص للاختصاص.
طالبة أخرى فضّلت أيضًا عدم ذكر اسمها كونها قرّرت التوجّه إلى القضاء لتحصيل حقّها، تحدّثت إلى “المفكرة” مشيرة إلى أنّ الجامعة اجتمعت مع طلّاب تصميم الأزياء وأخبرتهم بأنّ الشهادة التي سيحصلون عليها ستكون تصميم غرافيكي و”من يريد أن يكمل أهلًا وسهلًا ومن يريد أن يترك فله الحريّة”، مضيفة أنّ أحد المعنيين في الجامعة تواصل معها كونها لم تحضر الاجتماع وحاول إقناعها بأنّ حصولها على شهادة بالفن (بشكل عام) مع “تركيز” تصميم أزياء يفتح أمامها فرص عمل أفضل من شهادة في تصميم الأزياء.
وتحدّث الطلّاب في هذه الجامعة عن اختصاص آخر غير مرخّص هو التحليل الجنائي ( forensic science ) وأنّ الجامعة تُعطي شهادة فيما يُسمى علوم المختبرات العياديّة (Clinical Laboratory Science).
الأمر لا يتعلّق فقط باختصاصي تصميم الأزياء والأدلة الجنائيّة، إذ تروي إحدى خرّيجات هذه الجامعة لـ “المفكرة” أنّها حين تخرّجت العام 2019 من اختصاص فنون جميلة ذهبت إلى الجامعة اللبنانيّة لاستكمال دراسات عليا، ففوجئت بأنّه لا يمكنها ذلك لأنّ شهادتها هي “التصميم الغرافيكي”.
وتقول هذه الطالبة: “عرفت لاحقًا أنّ الفنون الجميلة غير مرخّصّة في هذه الجامعة، وشهادتي تصميم غرافيكي وأنا لم أدرس شيئًا يتعلّق بهذا الاختصاص الذي يُسمح لي بمتابعة دراسات عليا فيه، وبذلك حرمت من إكمال دراستي ومن الحصول على الماجستير”.
هل ستتّخذ أي إجراءات في حق الجامعة؟
قبل البدء بسرد ما حصل مع جامعة AUST وطلّابها، تجدر الإشارة إلى أنّه عادة تقدّم الجامعة ملفّ ترخيص يدرسه مجلس التعليم العالي وبعدها يحوّل إلى اللجنة الفنية. وفي حال الموافقة، يرفع مجلس التعليم توصية إلى مجلس الوزراء بإعداد مرسوم بالترخيص لهذا الاختصاص، وهذا الترخيص يخوّل الجامعة تأسيس الكليّة ولا يعطيها الحقّ بالمباشرة الذي يتطلب ترخيصًا آخر يسمّى “ترخيص مباشرة”، وعند تخريج الدفعة الأولى تحصل الجامعة على “الاعتراف”.
ما تحدّث عنه طلاب AUST، أكّده مصدر في مجلس التعليم العالي “المفكرة”، مشيرًا إلى أنّه في ما خصّ اختصاص forensic science أعطيت الجامعة هذا العام “ترخيص مباشرة” وأنّها كانت في السابق تدرّسه بموجب هذا الترخيص وتُعطي شهادة بالعلوم الصحية مع “تركيز” تحليل جنائي (Minor).
وأشار المصدر إلى أنّ الجامعة حصلت على “ترخيص مباشرة” هذا العام بعد أن اتخذت في حقّها إجراءات عقابيّة متعلّقة بتدريس هذا الاختصاص من دون ترخيص، وأنّها تعمل على تسوية أوضاع الطلاب الذين درسوا هذا الاختصاص. وطلب مجلس التعليم العالي من الجامعة تقديم لوائح مقفلة لأسماء الطلاب الذين تخرّجوا وفي كلّ المقرّرات التي درسوها، فإذا تبيّن أنّ المقرّرات مطابقة للمواصفات التي أخذوا على أساسها “ترخيص المباشرة”، تُعطى الجامعة “اعترافًا مؤقّتًا” وتسوّى أوضاع الطلّاب السابقين، حسب المصدر.
أمّا في ما خصّ تصميم الأزياء، فأشار المصدر إلى أنّ الجامعة حصلت على ترخيص أوّل في هذا الاختصاص وقدّمت العام 2018 “طلب مباشرة” لم تحصل عليه حتّى اللحظة، مشيرًا إلى أنّ هذا الترخيص لا يعطي الجامعة الحق في مباشرة التدريس بل فقط بتأسيس الكليّة وبنائها.
أمينة سر التعليم العالي الدكتورة حرية باز توضح لـ”المفكرة” أنّ اللجنة الفنية كجهة مخوّلة قانونًا تعمل على الـتأكّد من صحة ما ورد من أخبار عن الجامعة ليُصار بعدها إلى تسليم التقرير إلى مجلس التعليم العالي. وفي انتظار تقرير اللجنة ليُبنى على الشيء مقتضاه، توضح باز أنّه تمّ تقديم طلب خطي رسمي مرفق بجدول بأسماء الاختصاصات في هذه الجامعة إلى اللجان المختصّة وطلب منها عدم المصادقة على أيّ مستند من هذه الجامعة لم يذكر عليه الاختصاص باللغتين العربية والإنكليزية، مع النظر في مضون الإفادة للتأكد أنّ المواد متطابقة مع المنهج، وأنّ الجامعة مُنعت من استقبال أي طالب جديد في اختصاص تصميم الأزياء.
ويُشار إلى أنّ “المفكرة” حاولت التواصل مع الجامعة مرّات عدّة وجاء الردّ بأنّ المعنيين فيها سيعاودون التواصل معنا، ولكنّ هذا الأمر لم يحصل حتى تاريخ نشر هذا المقال.
ويشكّك مصدر متابع لعمليّات الترخيص في مجلس التعليم العالي بإمكانيّة أن تُتّخذ أيّ إجراءات عقابيّة حقيقيّة بحق الجامعة المذكورة أو جامعات أخرى تخالف بشكل صريح القانون، ولاسيّما أنّ الجامعة تُدرّس الاختصاص منذ سنوات بعلم من الوزارة التي لم تتحرّك. ويعلّق المصدر على ما قامت بها الوزارة ريثما ينتهي التحقيق بأنّ هذه إجراءات روتينيّة ترافق أيّ عملية معادلة أو مصادقة.
إجراءات مجلس التعليم غير رادعة
تتحدّث باز عن ورشة في مجلس التعليم العالي لإعادة الأمور إلى السكّة الصحيحة بعد فترة سادت فيها الفوضى بسبب عدد من العوامل منها شغور منصب مدير عام التعليم العالي لفترة طويلة وغياب اللجنة الفنّية، ما أخّر ملفّات عدد من الجامعات والتي استغل بعضها هذا الوضع للمباشرة في اختصاصات قبل حصولها على إذن المباشرة الأمر الذي دفع ثمنه مئات الطلّاب.
وفي إطار الورشة، تتحدّث باز عن أنّ الوزارة ستطلق في غضون شهرين موقعًا إلكترونيًا يُتيح للطالب التعرّف على الجامعات والاختصاصات والفروع المرخّصة، فضلًا عن إنشاء، وضمن الخطة الخمسية، لجانٍ للتقييم داخل الجامعات ولجان في الوزارة لضمان الجودة ولاسيّما أنّ مشروع القانون الوارد في المرسوم 8538، المتعلّق بضمان الجودة في التعليم العالي لا يزال في أدراج مجلس النواب منذ أكثر من 10 سنوات.
وفي حين لا تنكر باز إمكانيّة وجود جامعات مخالفة حتى اليوم، توضح أنّ مجلس التعليم العالي اتخذ وضمن القوانين المرعيّة الإجراء عشرات الإجراءات في حقّ جامعات خلال العامين الماضيين، النسبة الأكبر منها يتعلّق بمباشرة تدريس قبل الحصول على أذونات المباشرة.
ومن هذه الإجراءات منع الجامعة اللبنانية الكندية LCU مثلًا العام الماضي، من استقبال طلّاب جدد في برنامجي الإجازة الجامعية والماستر في عدد من الاختصاصات وفرض غرامات مالية عليها لتدريسها في مستويات شهادات غير مرخصّة وفي برامج قبل الحصول على “إذن مباشرة”. كما صدر في حقّ الجامعة نفسها في آذار الماضي، إجراءات لمباشرتها التدريس في اختصاصات عدة بمستوى البكالوريوس والماجستير قبل حصولها على “إذن مباشرة”. واللافت أنّ العقوبات كانت في الاختصاصات التي سبق واتخذت سلسلة إجراءات بسببها العام الماضي، بالإضافة إلى اختصاصات أخرى.
ومن الجامعات التي اتخذت في حقّها إجراءات هذا العام جامعة التكنولوجيا والعلوم التطبيقية اللبنانية الفرنسية ULF إذ فرضت عليها غرامة مالية لمباشرتها التدريس في فرعها الجغرافي في ديك المحدي وفي اختصاصي إدارة المؤسسات والتأمين والبنوك قبل حصولها على إذن مباشرة التدريس. كما فرضت غرامات مالية على جامعة البلمند لمباشرتها التدريس في اختصاصي علم النفس وعلوم الحياة في الدكوانة قبل حصولها على الإذن بمباشرة التدريس.
ومن الجامعات التي اتخذت في حقها إجراءات العام الماضي كانت جامعة الآداب والعلوم والتكنولوجيا في لبنان AUL والجامعة الأميركية للثقافة والتعليم AUCE .
التسويات تقونِن المخالفات
يُحيلنا وعد الوزارة عن إمكانية تسوية أوضاع الطلّاب إلى السؤال عن السند القانوني لهذا النوع من التسويات وعن دورها بقوننة المخالفات التي ترتكبها الجامعات وتشجيعها على تكرارها. وفي هذا الإطار، تشرح باز أنّ قانون تنظيم التعليم العالي لم يذكر أيّ شيء عن تسوية أوضاع الطلاب، وأنّ التسوية تكون بناء على توصية من مجلس التعليم العالي، مشيرة إلى أنّ التسويات غالبًا ما تكون لطلاب سجّلوا في اختصاصات لم تأخذ الجامعة فيها إذن مباشرة.
وترفض باز فكرة أن تكون التّسويات مدخلًا للمُخالفات إذ تعتبر أنّ حصولها ليس بالأمر السهل لأنّها تأتي بعد مقارنة اللجان المختصّة البرامج التي درسها الطلاب والمواد وعدد الساعات، فإذا تطابقت مع الاختصاص تسوّى أوضاع الطلاب وفي حال لم تتطابق لا تسوّى، مشدّدة على أنّ الهدف هو الطلاب وأنّ التسوية لا تمنع خضوع الجامعة للإجراءات العقابيّة التي ينص عليها القانون.
من جهته يرى الأمين أنّ تسوية أوضاع الطلاب تحوّلت إلى ما هو أقرب من تقليد أو عادة، فهو إجراء قديم توسّع خلال السنوات الماضية حين أصبحت الجامعات والمعاهد تبني على التسويات لتخالف ولاسيّما أنّها تعرف مسبقًا أنّ أوضاعها ستسوّى فتبني على تجاوز القانون. ويرى الأمين أنّ ما يجعل التسوية مقبولة أكثر هو أنّها تأتي من ضغوطات اجتماعيّة من قبل الطلاب انطلاقًا من الكلفة والسنوات التي تكبّدوها من جهة، ومن ضغوطات سياسية من جهة أخرى فتتحوّل إلى عنصر تشجيع للجامعة لإعادة المخالفة.
وفي الإطار نفسه، يقول الحسيني إنّ تسوية أوضاع الطلاب بات عرفًا يقونن المخالفة تحت حجّة عدم وجود نص يمنع التسوية، مُشيرًا إلى أنّه عند الحديث عن تسوية يعني وجود مخالفة للقوانين والأنظمة الأكاديميّة المرعية الإجراء وعلى اتفاق بين الطرفين على تمرير هذه المخالفة، ما يعني بطريقة أو أخرى تشجيع على تكرارها.
التراكيز وأسماء الجامعات
صحيح أنّ الصرخة خرجت مؤخّرًا من الـ AUST إلّا أنّ هذا لا يعني أنّها الجامعة الوحيدة التي تدرّس في اختصاصات أو فروع من دون الحصول على إذن مباشرة. ولذلك قامت “المفكرة” بمقارنة الاختصاصات التي تعرضها بعض الجامعات الخاصة على موقعها الإلكتروني مع التراخيص المنشورة على موقع وزارة التربية. ولأنّ هناك تراخيص قد لا تكون ملحقة بسبب عدم تجديد البيانات على موقع الوزارة سألت “المفكرة” الوزارة عن عدد من الاختصاصات التي لم تجِد تراخيصها على الموقع ليتبيّن أنّ بعض الجامعات تعرض اختصاصات على موقعها كأنّها أساسيّة مع أنّها تعطيها كـ” تراكيز” (Minor) وهو ما يصفه مصدر متابع بأنّه غش وتضليل تمامًا كما حصل مع طلاب AUST الذين سجّلوا على أساس أنّهم يدرسون تصميم أزياء ليتبيّن أنّ الاخصاص فنون أو تصميم غرافيكي مع “تركيز” تصميم أزياء. وبعيدًا من جانب الغش يسأل المصدر عن كيفيّة فهم بعض الجامعات أو من يُعطي التراخيص، لمفهوم التراكيز، فهي يجب أن تكون مرتبطة مباشرة بالاختصاص وليست بعيدة عنه.
وفي إطار ما يُسمّى الغشّ لجذب الطلّاب أيضًا، يُشير الحسيني إلى موضوع أسماء الجامعات كأنْ تربط الجامعة اسمها ببلد ما وكأنّها تقدّم منهاجًا من هذا البلد أو ترتبط معه باتفاقيات. ويوضح الحسيني أنّ مجلس التعليم العالي اتّخذ قرارًا خلال وزارة أكرم شهيّب بأن تغيّر كلّ جامعة تربط اسمها ببلد غير مرتبطة معه باتفاقيات، اسمها. ولكن هذا القرار لم يُطبّق حتى اليوم مع أنّه تمّ طرحه مُجدّدًا حين كان طارق المجذوب وزيرًا للتربية.
طفرة التعليم العالي الخاص
يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في لبنان حاليًا 49 مؤسّسة حسب ما تُشير باز موضحة أنّ النسبة الأكبر من هذه المؤسسات هي جامعات إذ إنّ هناك 3 معاهد جامعية و8 كليّات. وبحسب آخر إحصاء لمجلس التعليم العالي فهناك 224 ألفًا و596 طالبًا مسجلًا في التعليم العالي للعام الدراسي 2022/ 2023 في لبنان منهم 66 ألفًا و323 في الجامعة اللبنانيّة.
وبدأت طفرة التعليم العالي الخاص في لبنان في تسعينيات القرن الماضي وارتبطت بداية بإعادة الإعمار وسياسات البنك الدولي لجهة تشجيع القطاع الخاص وإيجاد تعليم عال يُحاكي سوق العمل كما يشرح الأمين، مشيرًا إلى أنّ ازدياد أعداد الجامعات أو المعاهد الجامعية لاحقًا أصبح نتيجة لحاجة سياسيّة متعلّقة بالاستقطاب والزبائنيّة.
ويُشير الأمين في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ هناك حوالي 23 مؤسّسة موجّهة نحو جماعة معيّنة أي أنّها منشأة من قبل جمعية أو هيئة ذات توجه ديني معيّن بينها 12 مؤسسة مسيحية و8 مؤسّسات تابعة لزعيم سياسي كلّها إسلامية و19 مؤسسة تعتبر مستقلة عن الجامعات والأحزاب السياسية.
وكان الأمين خلال مقال نشر العام الماضي من قبل معهد عصام فارس فصّل توزيع الجامعات وطرق الحوكمة فيها.
ويرى الأمين أنّ هذه الجامعات استطاعت اجتذاب أعداد كبيرة من التلامذة، لأسباب عدّة منها تسهيل الدخول عبر التخفيضات التي تُجريها وعبر إشعار الطالب أنّه في “بيئته”، معتبرًا أنّ عددًا كبيرًا من الجامعات هدفها الاستقطاب أي أنّها تعمل بمبدأ الشركة وعندما يصبح هذا هو المعيار يصبح السؤال عن الجودة صعبًا. فكيف إذا ما أضيفت عوامل أخرى تتعلّق بتوزّع هذه الجامعات طائفيًا وسياسيًا، ما يتيح مجالًا واسعًا للتسويات ولترخيص جامعات لا تتمتّع بالمعايير المطلوبة.
الأمور نفسها يتحدّث عنها الحسيني مُشيرًا إلى أنّ المسمار الأوّل في نعش التعليم العالي كان عبر ترخيص 20 جامعة بمرسوم واحد وبعناوين عامة في تسعينيات القرن الماضي. وبعد ذلك بسنوات وتحديدًا في العام 2014، جاء قانون تنظيم التعليم العالي الذي سمح للشركات المدنيّة بتأسيس جامعة، وأدخل الجامعات الخاصة ولاسيّما الجديدة بعضو في مجلس التعليم العالي سيدافع بطبيعة الحال عن مصالحها.
ويرى الحسيني أنّ المشكلة الأساسيّة للقانون كانت أنّه أتى من دون استراتيجيّة، إذ كان الأَوْلى وضع قانون تعليمي عام يحدّد الاستراتيجيّات الوطنيّة والتدقيق والجودة وأنواع الشهادات والهدف من إنشاء جامعات، يتفرّع عنه قانونان، قانون ينظم التعليم العالي الخاص وآخر للجامعة اللبنانيّة.
ويشرح الحسيني أنّه في جميع دول العالم، يعتبر التعليم العالي منتجًا للوظائف ويموّل من خلال ابتكارات وأبحاث يبيعها وعندما يصبح مموّلًا من الطلاب كما في لبنان يصبح سلعة، معتبرًا أنّه لا توجد جامعة في العالم يمكن أن تستمر من دون أن تبيع أبحاثًا وابتكارات أو تحصل على تبرّعات كالجامعات العريقة بهدف الحفاظ على هذا الصرح، وإلّا تتحوّل إلى مؤسّسة تبيع شهادات.
وبيع الشهادات هنا ليس بالمعنى الحقيقي بل يتجسّد من خلال تسجيل طلاب غير مؤهّلين وتسهيل نجاحهم وفتح اختصاصات لا تكلّف الجامعة بل تجذب طلابًا يريدون شهادة للترقية أو للتباهي.
20 مليون ليرة عطل وضرر
طلّاب عدّة كانوا ضحايا اختصاصات غير مرخّصة ومنهم من لجأ إلى القضاء ليحصّل وبعد سنوات من التقاضي على 20 مليون ليرة أي حوالي 200 دولار كتعويض عن الضرر، تمامًا كما حصل مع طالبة في جامعة الجنان.
تروي هذه الطالبة لـ “المفكرة” أنّها التحقت في العام 2013 بكليّة الصيدلة في جامعة الجنان (أقفلت الكليّة) وأنّها درست فيها 5 سنوات كلّفتها حوالي 100 ألف دولار، مشيرةً إلى أنّها في السنة الدراسيّة الثانية سمعت أنّ الاختصاص غير مرخّص فراجعت إدارة الجامعة ليأتيها الرد مطمئنا بأنّ الجامعة تعمل على تسوية أوضاعها وأنّ لديها شراكات مع جامعات خارجيّة وأنّ لا خوف على معادلة شهادتها الأمر الذي لم يحصل.
اضطّرت الطالبة إلى إعادة اختصاصها في جامعة أخرى بكلفة 47 ألف دولار إضافيّة. وتقول لـ “المفكرة” اختصاص الصيدلة أقفل بعد 8 سنوات من افتتاحه دفع خلالها مئات الطلّاب ثمنًا من سنواتهم وآلاف الدولارات، مضيفة “كان تعويضي 20 مليون ليرة لا أعرف كيف ستجبر الـ 200 دولار سنوات ضاعت وأكثر من 150 ألف دولار عدا تكاليف الدعوى القضائية”.
وتعتبر وكيلة الطالبة المحامية إيمان مصطفى أنّ المسار القضائي للقضيّة يطرح عددا من الأسئلة حول حصول تدخلات سياسيّة، إذ إنّ محكمة الاستئناف قضت بتخفيض قيمة التعويض من خمسين مليون ليرة (كان الحكم قبل انهيار الليرة) إلى 20 مليون ليرة العام الماضي متسائلة: “كيف للمستأنف الذي يطلب زيادة تعويض أن يصدر بحقّه تخفيض تعويض، وأين القاعدة القاونيّة التي تقول لا يُصار الطاعن بطعنه والأهم أين قاعدة أن يكون التعويض معادلًا للضرر وجابرًا له”.
للاطلاع على إجراء منع الجامعة الكندية من استقبال طلاب جدد في برنامج الماجيستير في إدارة الأعمال
للاطلاع على إجراء منع الجامعة الكندية من استقبال طلاب جدد في برنامجي الإجازة والماستر في هندسة البيوتكنولوجيا
للاطلاع على إجراء منع الجامعة الكندية من استقبال طلاب جدد في برنامجي الإجازة والماستر في هندسة المساحة
للاطلاع على إجراء منع الجامعة الكندية من استقبال طلاب جدد في برنامجي الإجازة والماجيستير في هندسة المعلوماتية والاتصالات