محكمة القنيطرة ترفض تفتيش الهواتف من دون إذن قضائي حماية للحق في الخصوصية


2020-06-29    |   

محكمة القنيطرة ترفض تفتيش الهواتف من دون إذن قضائي حماية للحق في الخصوصية

أصدر الرئيس عبد الرزاق الجباري القاضي بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة حكما قضائيا مبدئيا[1] يتعلق بإحدى قضايا الإتجار غير المشروع في المخدرات، حيث قضى باستبعاد محضر للشرطة، بسبب عدم شرعية الدليل الجنائي بعد قيام ضابط أمن بتفتيش هاتف أحد المشتبه فيهم وقراءة الرسائل النصية من دون أمر قضائي. كما قضى في الوقت ذاته باستبعاد محضر لمتهم آخر رفض التوقيع عليه، بعدما تبين للمحكمة وجود تناقض بين سبب رفض التوقيع وما تم تضمينه في محضر الشرطة.

أهمية الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية تكمن في أنه يعدّ من بين التطبيقات القضائية النادرة في المنطقة التي تكرس رفض ممارسة تفتيش الهواتف من طرف عناصر الشرطة دون الحصول على إذن قضائي، وإن تعلق الأمر بحالة تلبس بالجريمة، وذلك ضماناً للحق في حماية الحياة المكفول دستوريا. وكانت “المفكرة القانونية” وثقت مخالفة صادرة عن أحد مستشاري محكمة الجنح في بيروت ربيع معلوف بوجوب إبطال التحقيقات الأولوية على خلفية تفتيش هاتف خليوي من دون إذن قضائي مسبق.

كما أنه من جهة ثانية يعيد الى الواجهة طرح الإشكال المتعلق بحجية محاضر الشرطة، والتي ما فتئت المنظمات الحقوقية المغربية والدولية تدق ناقوس الخطر بشأنها، لانتقاصها من مبدأ قرينة البراءة.

ملخص القضية

تعود تفاصيل هذه القضية إلى 29 أبريل من العام الجاري، حينما توصلت عناصر الشرطة القضائية بمنطقة المهدية بإخبارية مفادها أن شخصين يقومان بترويج المخدرات بالقرب من السوق النموذجي بالمدينة. وبعد توقيفهما وإخضاعهما لتفتيش جسدي، عثر بحوزتهما على قطعتين صغيرتين من مخدر الشيرا، ومبالغ مالية ضئيلة. وفي هذه الأثناء رن هاتف أحدهما، فأجاب عن الاتصال ضابط الشرطة محرر المحضر، فطالبه المُخاطِبُ بما يلي: “أنا أنتظرك أحضر معك أي شيء”، وبعد فحص هاتفه، وعُثِر على رسالة نصية بينه مع صديقه يطلب منه تزويده بقطع، وقد تم توقيف هذا الأخير أيضا.

عند الإستماع للمشتبه فيهما اعترفا بحيازتهما للمخدرات بقصد الإستهلاك والمتاجرة، غير أن أحدهما رفض التوقيع على محضر الإستماع إليه، في حين أكد الثالث تعاطيه لاستهلاك المخدرات، كما عاينت الشرطة أيضا خرق المشتبه فيهم لقانون الطوارئ الصحية، نظرا لعدم توفرهم على رخصة التنقل الإستثنائي، وعدم إرتداء الكمامات الواقية.

وبناء على ذلك قررت النيابة العامة متابعة الأول والثاني في حالة اعتقال من أجل الإتجار في المخدرات، بينما تابعت المتهم الثالث من أجل استهلاك المخدرات في حالة سراح.

بطلان محضر الإستماع لمتهم رفض التوقيع

أثار دفاع المتهم دفعا ببطلان محضر الشرطة نظرا لكون موكله رفض التوقيع عليه، لكونه غير موافق على التصريحات المدونة فيه، وليس لكون “تلك التصريحات سوف تورطه أكثر”، حسب إفادة محرر المحضر.

وقد استجابت المحكمة لهذا الدفع بعدما تبيّن لها بحسب المحضر أن المتهم “رفض التوقيع” عليه، وتم ذكر السبب في ذلك بالعبارات التالية: “بعد قراءة المصرّح لمحضر أقواله، وافق على ما جاء فيه، وأصر دون أن يبدي أي ملاحظة أو يرغب في أي زيادة أو تغيير أو حذف، فرفض التوقيع معللا أن ذلك سوف يورطه أكثر”.

وقد اعتبرت المحكمة تبعا لذلك أنه “من غير المستساغ، عقلا وقانونا وواقعا، أن يعبر المتهم عن موافقته الكلية على ما نسب إليه في هذا المحضر من تصريحات، وإصراره عليها من دون إبداء أي ملاحظة بخصوصها، ثم يعترض، في نفس الآن، على نسبتها إليه بعلة أنها ستورطه أكثر؛ إذ لو كان المتهم متخوفا من توريط نفسه، حقيقةً، بهذه التصريحات لأَحْجَم عن الإدلاء بها منذ البدء في إجراء الإستماع إليه، مما تكون معه ضمانة الإشارة إلى “رفض التوقيع” وعِلَّته المبينة بذيل المحضر المذكور لم تُنجز على الوجه القانوني السليم”.

إستبعاد محضر الشرطة لعدم شرعية الدليل الجنائي

اعتبرت المحكمة أن تحصيل مضمون الرسائل النصية والمكالمات المشار اليها في محضر الشرطة جاء مخالفا لمبدأ “المشروعية الدستورية”، وخرقا لسرية الاتصالات الشخصية المكفولة دستوريا للمتهم شأنه في ذلك شأن كل المواطنين، وهي الاتصالات التي لا يمكن الترخيص بالإطلاع عليها أو باستعمالها ضد أي شخص إلا بأمر قضائي، سواء كان هذا الأمر صادرا عن النيابة العامة أو قضاء التحقيق أو قضاء الحكم، تطبيقا للفقرة الثالثة من الفصل 24 من الدستور التي نصت على ما يلي: “لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها. ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”.

واعتبرت أنه أمام خلو الملف من أي أمر قضائي يخول ضابط الشرطة القضائية الإطلاع على الاتصالات الشخصية للمتهم، فإن مشروعية مضمونها كدليل جنائي أضحت منتفية، ويتعين على المحكمة عدم الإعتداد بها عند تكوين قناعتها، واستبعادها عن ذلك حمايةً وصوناً للحق الدستوري في ضمان سرية الاتصالات الشخصية.

مواضيع ذات صلة

مخالفة للقاضي ربيع معلوف: تفتيش الهواتف يتطلب إذنا من قاضي التحقيق

تطور لافت في محاكمة حيازة المخدرات في المغرب: “الأصل في الإنسان البراءة

قرينة البراءة  في قرار لافت مغربي


[1] حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة  ملف جنحي رقم: 596-2103-20 صادر بتاريـخ: 18-06-2020.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني