السلّة الغذائية المدعومة قد تسمن التجار ولكن لن تغني عن جوع المستهلك


2020-06-03    |   

السلّة الغذائية المدعومة قد تسمن التجار ولكن لن تغني عن جوع المستهلك

بعدما تحوّلت السلع الغذائية إلى ما يشبه بورصة يرتفع سعرها مع ارتفاع سعر الدولار ولا ينخفض مع انخفاضه، أعلنت وزارة الاقتصاد الأسبوع الماضي عن سلّة غذائية مدعومة، إذ سيؤمّن مصرف لبنان الدولارات المخصّصة لاستيراد المواد الغذائية المشمولة بالسلّة ويسلّمها للمستوردين بسعر وسطي بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، أي على الـ 3200 ليرة للدولار.

وزارة الاقتصاد رأت في هذه السلّة حلّاً سيؤدّي إلى خفض أسعار السلع الغذائية وضمان الأمن الغذائي، مع العلم أنّ أسعار هذه السلع وانطلاقاً من تحديد  سعر الدولار على 3200  سيتم تثبيتها على سعر مرتفع جداً ولا سيّما إذا ما قارنّاه مع ما كان عليه قبل الأزمة حين كان الاستيراد على دولار 1508، هذا طبعاً إن لم يستمر سعرها في الارتفاع في حال لم تنجح الوزارة في مراقبة الأسواق تماماً كما حصل في الفترة السابقة.

الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي اعتبر أنّ “السلّة المدعومة” ليست حلاً، ولن تؤدي إلى خفض أسعار المواد الغذائية، فما حصل ليس دعماً لهذه المواد بل لعدد قليل محدد من المواد الغذائية وعلى رأسها الحبوب، فهذا يعني أنّ أسعار باقي السلع ستبقى على ما هي عليه، أي أنها ستستمر بالارتفاع مع ارتفاع سعر الدولار.

يشوعي وفي حديث مع “المفكرة القانونية” اعتبر أيضاً أنه وفي حال عدم مراقبة وزارة الاقتصاد لآليات تنفيذ هذه “السلة” ستتحوّل إلى مصدر لجني المزيد من الأرباح لبعض التجار على حساب المواطن ولاسيّما مع وجود احتكارات وغياب المنافسة الكافية.

المشكلة في الاحتكار والسلّة المدعومة “ترقيع”

رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برّو اعتبر أنّ دعم بعض السلع الغذائية عبر  مصرف لبنان، لن يؤدّي إلى أي تراجع في الأسعار بل سيستنزف الدولارات القليلة الباقية داخل البلد، وسيكون المستوردون المستفيدين الأساسيين من هذا الدعم.

برّو وفي حديث مع “المفكرة القانونية” اعتبر أنّ موضوع ارتفاع الأسعار ليس مستجداً،  فأسعار السلع في لبنان كانت وقبل 17 تشرين وأزمة الدولار الأخيرة، أعلى من الأسعار في دول المنطقة بنسبة تصل إلى 30%، والسبب في ذلك هو أن أكثر من 90% من القطاعات تخضع في لبنان إلى الاحتكار.

ورأى برّو أنّ معالجة موضوع ارتفاع أسعار السلع لا يكون بالترقيع عبر حلول مجتزأة كدعم السلّة الغذائية، ولكن عبر تحرير السوق وكسر الاحتكارات، لافتاً إلى أنّ نظام لبنان في ظلّ قوننة الاحتكارات ليس نظاماً اقتصادياً حرّاً بل هو نظام اقتصاد احتكاري لا يطبّق في أي دولة في العالم.

وفي حين أشار برّو إلى أنّ  المرسوم الاشتراعي رقم 34 الصادر بتاريخ 5/8/1967 والذي يقونن الاحتكار يستثني المواد الغذائية، لفت إلى وجود احتكار غير معلن في قطاع المواد الغذائية إذ تسيطر مجموعة من كبار التجار على السوق وذلك بالتواطؤ والشراكة مع بعض السياسيين، وهؤلاء أي التجار يفرضون الأسعار التي يريدونها على السوق، لذلك يجب إلغاء الإحتكار المقونن وغير المقونن والعمل على إقرار قانون المنافسة  الموضوع في أدراج مجلس النواب منذ أكثر من 10 سنوات.

انطلاقاً ممّا تقدّم  اقترحت جمعية حماية المستهلك تكليف لجنة فنية في وزارة الاقتصاد كي تتحقق من أسعار المنتجات المنوي دعمها في بلد المنشأ وتقارنها بأسعار المبيع في لبنان بهدف تحديد نسب الأرباح الشرعية للمستوردين  حتى لا يتمّ وضع الدولارات في أيدي من يحتكر السلع ويستغل اللبنانيين قبل الأزمة وخلالها.

وأوضح برّو أنّ مؤشر الجمعية للشهرين الأخيرين يؤكد ارتفاع أسعار السلع الأساسية بمعدل 13.66%؜ مما يرفع التضخم إلى أكثر من 72% منذ أول تشرين الأول 2019، طالباً من وزارة الاقتصاد الدعوة إلى جلسة طارئة للمجلس الوطني لحماية المستهلك باعتباره المؤسسة القانونية التي تتحمل مسؤولية اقتراح علاج الأزمة.

وأشار برّو إلى أنّ الجمعية تتابع تغيّر أسعار سلّة السلع والخدمات ذات الاستهلاك اليومي للعائلات، ومعظمها غذائية إضافة إلى المحروقات والاتصالات والنقل التي لم تتغير أسعارها، ولكنّها تباع  بسعر الدولار حسب سعر الصرّافين اليومي، وأحياناً بسعر أعلى تحسّباً لارتفاع الدولار. ويعطي مثالاً على ذلك علبة صودا مستوردة ارتفع سعرها من 400 ليرة لبنانية إلى 4000 ليرة أي عشر أضعاف، وبالتالي فالرقم الحقيقي لارتفاع هذه السلع يتجاوز  عملياً 280%.

المستوردون منفتحون على أي حلّ والعبرة بالتنفيذ!

يستغرب رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني البحصلي الحديث عن احتكار في قطاع السلع الغذائية، فأصغر دكّان يحتوي على الأقل على صنفين من الزيت أو الأرز أو أي مادة غذائية يبيعها، أمّا المتاجر الكبرى فهي تحتوي على أصناف لا تُعدّ من هذه المنتجات، وبالتالي الحديث عن الاحتكار ليس واقعياً برأيه، مشيراً إلى أنّ أسعار السلع لم ترتفع وما ارتفع هو الدولار ولبنان يستورد معظم السلع من الخارج وبالدولار طبعاً.

البحصلي وفي حديث مع “المفكرة القانونية” اعتبر أنّ السلّة الغذائية المدعومة من مصرف لبنان ستؤدي إلى انخفاص في أسعار السلع الغذائية ولكنّه يشدّد على نقطتين أساسيتين، أولهما أنّ هذه السلة تتضمن جزءاً من الفاتورة الغذائية أي أنّ ما سينخفض سعره ليس كلّ المواد الغذائية بل المواد المحددة في السلة، وثانياً أنّ انخفاض الأسعار لن يكون غداً فهناك دورة قد تأخذ وقتاً يصل إلى ثلاثة أشهر ولاسيّما أنّ المواد الغذائية المستوردة قبل بدء التنفيذ والبضائع الموجودة على مشارف المرفأ أو الموجودة في المستودعات مدفوع ثمنها بالدولار على أساس يتراوح بين  الـ4000 و الـ3800 ليرة للدولار، وبالتالي ستباع على هذا الأساس لأن الدفع من قبل المستوردين يكون عادة قبل الشحن.

ويؤكد البحصلي أنّ المستوردين يدعمون أيّ حلّ يضمن تأمين الدولار لهم (بدلاً من شرائه من السوق بأسعار مرتفعة) ويضمن عدم فقدان المواد الغذائية من الأسواق، وهم بالتالي لا يعترضون على موضوع دعم السلة الغذائية  ولكن تبقى العبرة بآليات التنفيذ الواردة في قرار دعم هذه السلة.

وفي هذا الإطار، يوضح البحصلي أنّ المستوردين اجتمعوا مع وزير الاقتصاد راوول نعمة ووضعوا ملاحظاتهم لديه وتحديداً تلك التي تتعلق بالأمور التقنية، فالآلية الجديدة تتطلّب تقديم المستورد ملفاً لوزارة الاقتصاد لتدرسه وبعد موافقتها يذهب الملف إلى المصرف وبعدها إلى مصرف لبنان، ما قد يؤدي إلى عرقلة العمل في حال لم يُدرس الملف بسرعة من قبل هذه الجهات.

ومن الملاحظات التي قدّمها المستوردون للوزارة هو اشتراط تقديم “بوليصة” شحن وشهادة منشأ قبل الموافقة على صرف الدولار، وهذا يعني أنّ على المستورد شحن البضائع ودفع ثمنها قبل حصوله على الدعم.

ويربط البحصلي نجاح “السلّة الغذائية المدعومة” بقدرة المصرف على تأمين الدولار للمستوردين، موضحاً أنّ المصرف سيؤمن هذه الدولارات من التحويلات الخارجية التي تصل عبر مؤسسات التحويل المالي مثل OMT، والتي يقوم مصرف لبنان بوضع يده عليها وسدادها بالليرة اللبنانية، وفق سعر 3200 ليرة للدولار. وتقدّر هذه الأمول بما يتراوح  بين 60 إلى 80 مليون دولار شهرياً.

واعتبر البحصلي أنّ تحديد سقف الصرف على 3200 ليرة مقبول، فهو يوفّر على المستوردين جزءاً من الفاتورة الغذائية وبالتالي تنخفض أسعار السلع المدعومة في الأسواق، هذا فضلاً عن أنّ أي دعم تحت الأسعار العالمية سيفتح المجال أمام تهريب السلع المدعومة كما يحصل مع الطحين والمازوت.

ماذا تتضمّن السلّةّ الغذائية؟

يُشار إلى أنّ السلّة الغذائية المدعومة تضمّ عدداً من المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية للصناعة وهي: السكر فوق 20 كيلو مكرر أو خام، الأرز أكياس فوق 20 كيلو حبة قصيرة أو ما يعادلها بالسعر، مواد لصناعة الزيوت النباتية، زيت دوّار الشمس الخام، الحبوب (عدس، حمص، فاصوليا، فول، السمسم) والخميرة وحليب للاستهلاك الفردي البودرة لمن هم فوق السنة ومعلبات تونة ضمن عبوات محكمة الغلق والمواشي الحية وأبقار حلوب وماعز واغنام حلوب والعلف (شعير، ذرة، كسبة الصويا، تفل الشمندر) الأدوية واللقاحات البيطرية للمواشي والدواجن.

هذا فضلاً عن مواد صناعات الألبان والأجبان (حليب بودرة، حليب بودرة خالي الدسم، جراثيم مزروعة لصناعة اللبن) والأسمدة المعبّأة بأكياس فوق 20 كيلو (أسمدة نيتروجينية، أسمدة فوسفاتية، أسمدة بوتاسية) وبذور وشتول (بذور الخضروات وبذور أشجار مثمرة، شتول الأشجار المثمرة، درنات البطاطا).

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني