ما بعد مظاهرات سبتمبر في مصر.. “الإصلاح” تحت سقف الرئيس


2019-10-16    |   

ما بعد مظاهرات سبتمبر في مصر.. “الإصلاح” تحت سقف الرئيس

أشارت النيابة العامة في بيانها حول تظاهرات سبتمبر، أن “سوء الأحوال الاقتصادية” كان سبباً من أسباب تلك التظاهرات. وهو ما يعكس إدراك الدولة لغضب شعبي يفصح عن نفسه للمرة الأولى بالنزول إلى الشارع بعد خمس سنوات من غياب الاحتجاج الميداني. هذا على الرغم من ضراوة الدولة في التعامل مع هذه التظاهرات، وتبني الاعتقال التعسفي بصورة هي الأكبر منذ تولي السيسي الحكم لقمع يشمل الجميع بدون تمييز.

في البداية، قَبلت الدولة المظاهرات التي دعا لها المقاول محمد علي، بعد اتهامات الفساد لمسؤولين عسكريين، بنوعين من ردود الفعل، التجاهل من ناحية، وإنكار هذه الاتهامات، مقرونًا باتهامات مضادة للمقاول والمتفاعلين معه بالتآمر على مصر، من ناحية أخرى، مُستخدمة أذرعها الإعلامية لترويج ذلك عبر المحطات التلفزيونية والصحف المملوكة للدولة. إلا أن أحدا من ممثلي الدولة أو أدواتها لم يأتِ على ذكر أي من القضايا الاجتماعية أو القرارات الاقتصادية التقشفية للحكومة، لا بالانتقاد أو لجهة احتمالية تسببها بغضب عام. فيما صدرت تعليمات لنواب البرلمان بالامتناع عن التعليق على الأحداث الجارية بالبلاد خلال الفترة نفسها “ولو بشكل عقلاني”، بحسب موقع مدى مصر. ثم في وقت لاحق، تمّ توظيف أعضاء البرلمان وغيرهم للتعبير عن اتجاه الدولة للتعامل مع الموقف بما أُطلق عليه “إصلاح”؛ وهو التحول الذي يرصده هذا المقال.

لنُضحي بالسُلطات ويعيش الرئيس

بدأت الشرارة الأولى لهذا التحول بأوامر رئاسية، تزامن فيها الحديث عن تأثر المواطنين بقوائم منظومة التموين الجديدة، عبر تغريدة على الحساب الرسمي للسيسي بموقع تويتر، مع التأجج العام واستمرار دعوات التظاهر. وقد حصل كل ذلك في ظل غياب أي بوادر ذات صلة بموضوع التموين في الفترة الماضية. وقد بدا وكأن الإرادة الرئاسية تسعى إلى إسناد هذه المظاهرات إلى أمور تتولى مسؤوليتها الحكومة بوزرائها حصرًا. بعد ساعات قليلة، صدر قرار بإعادة مليون و800 ألف مواطن كانوا حُذفوا من قوائم التموين، بالإضافة إلى قرار خفض سعر البنزين 25 قرشا، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ 2014.

لاحقا وُظف البرلمان ضمن اتجاه الدولة للتعامل مع الموقف بشيء مما سُمي بـ “الإصلاح”. فأعلن رئيسه عن إصلاحات سياسية، وإعلامية قادمة.

في أعقاب ذلك، توالت الأنباء عن تغيير حكومي سيعصف بأغلبية الوزراء “لفشلهم في إدارة الملفات المسؤولين عنها” كما جاء على لسان مصادر لجريدة الشروق المصرية. بعد مرور أكثر من أسبوع، لم تُترجم هذه الأنباء لواقع. إلا أن البرلمان الذي سجل إعجابه بالحكومة في مواقف عدة، على مدار الأشهر الماضية، شرع في نقد سياسات الحكومة، التي ما كان لها التنفيذ والاستمرار من دون موافقة رئيس الجمهورية. يلوم عبد العال الحكومة قائلًا “الحكومة تتعبنا، وتسبب لنا إرهاقاً… ولا نعرف لماذا”.

لم يقتصر الأمر على استدعاء البرلمان لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي في جلسة عامة لمطالعة نتائج أدائها بعد حوالي عام ونصف على تشكلها. لكن صحيفة الشرق الأوسط أشارت إلى أن هيئة مكتب البرلمان تسعى الآن لمناقشة سبعة طلبات مقدمة من النواب لمساءلة الحكومة، على أن تتطرق إلى سياستها بشأن التعليم، وتنمية الاستثمار في سيناء، ونتائج تطبيق استراتيجية مواجهة الفساد. كما طالب برلماني آخر عن محافظة السويس بالإفراج عن 1000 من المقبوض عليهم بالمظاهرات الأخيرة، مُستخدما كلمة “مُعتقل” في الإشارة إليهم. والجدير بالذكر هنا أن المسؤولين الرسميين لم يعتادوا استخدام لفظ “معتقل” وإنما يعتمدون النفي الدائم لوجود مُعتقلين سياسيين في مصر.

ولكن هذا البرلمان الذي يتخذ دوره في خطة الرئاسة لاستيعاب ما حدث في سبتمبر، تتردد أنباء عن احتمالية الإطاحة به من قبل الرئيس نفسه. فوفقا لتصريحات نقلها تقرير لمدى مصر عن مصادر برلمانية وحزبية، مُقربة من جهاز الأمن الوطني، هناك توجه رئاسي بتجميد نشاط البرلمان الحالي قبل انتهاء دورات انعقاده المفترضة في يونيو القادم. أرجعت المصادر هذا لعدم رضى جهات بالدولة والرئيس شخصيًا عن أداء البرلمان، بعد ورود تقارير أمنية للسيسي بذلك. بالرغم من وجود بعض العقبات التي تحول دون حدوث التجميد وأبرزها عدم دستورية حل البرلمان، لكن مصادر بالتقرير نفسه أوضحت أنه لن يُعلن عن فض البرلمان رسميًا، بل سيتم تخفيض عدد جلساته إلى واحدة شهريًا إلى أن تتوقف في فبراير المقبل.

صدى التحول في إعلام الدولة والسوشيال ميديا

يمكننا التعرف على اتجاه الدولة أو الرسائل التي تحاول توجيهها بهدف “الإصلاح” إذا ما تابعنا عددا من وسائل الإعلام خاصة أن الإعلام في الفترة الأخيرة أصبح مملوكا للدولة أو لمسؤولين سابقين أو رجال دولة مقربين من أجهزتها كما هو حال شركة إعلام المصريين على سبيل المثال.

فنجد أن البرلماني والصحفي مصطفى بكري، المعروف بتأييده للنظام، طالب بضرورة رفع القيود عن الإعلام، ومصالحة الصحافة. كما شدد في برنامجه على أهمية رفع المعاناة الاقتصادية عن كاهل المواطن المُتعب من ارتفاع الأسعار، معدداً الضغوط التي يتعرضون لها، ومطالبا الحكومة بالقيام بمهامها. وبالعودة لتصريحاته قبل عامين والتي أشاد فيها بكري برفض الحكومة الانصياع للمطالب الفئوية، ووقوفها ضد فوضى التظاهرات مثل “أيام يناير” على حد وصفه، نلحظ الفجوة بين الموقفين في موضع متشابه.

في حلقة تلفزيونية لبرنامج “على مسؤوليتي” اجتمع وجهان معروفان بالولاء للنظام، هما ياسر رزق وأحمد موسى، لنقاش فرص الإصلاح السياسي والتآلف بين الأحزاب من مختلف التيارات باستثناء الديني منها، وإفساح مجال لهم فيالإعلام وفتح المجال العام بأكمله؛ وهو الخطاب الجديد على برنامج أحمد موسى.

من ضمن الموضوعات التي حظيت بتجاهل إعلامي تام خلال السنوات الماضية هو ملف المُعتقلين، لا تُغطى أخبار مُعظمهم، حتى الاستثنائي منها هذه المرة بالإفراج عن عدد من المقبوض عليهم على خلفية مظاهرات سبتمبر. يُكتفى بذكر الترويج للإرهاب والتحريض وغيرها من التهم كأسباب قانونية لتبرير القبض عليهم. وهذا ما نطالعه عبر عدد من المنابر الإعلامية، التي تشمل المذيع عمرو أديب. إلا أن أديب أطل مؤخرًا بمظهر مختلف حيث دعا للإفراج عن المعتقلين على خلفية قضايا سياسية. وقد صرح إذا بوجود مُعتقلين عشوائيًا خلال الأحداث الأخيرة، بعد أيام قليلة من إذاعته لاعترافات لأشخاص أدعى أنهم ضمن الأجانب المشاركين في تظاهرات سبتمبر، الذين عادوا وأعلنوا بعد الإفراج عنهم عن تعرضهم للتعذيب وانتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب، ليتبين كذب الأخبار التي ساقها أديب.

التحول النسبي من قبل الدولة وأدواتها، لا ينحصر على مُكتسبات في شكل عطايا الحاكم للمحكوم، وإنما تمتد لتضم مزيدا من الإجراءات القمعية كـ “حقوق مُكتسبة” للشرطيين. يوثقها المواطنون بأنفسهم، عاكسين شعورهم بالرفض من الزحف الأمني على خصوصياتهم، بالمخالفة للقانون. يأتي أبرزها في تفتيش الهواتف المستمر حتى بعد إحكام الأمن قبضته على الأوضاع. ولا يخلو الأمر من حالات استيلاء على الهواتف في مقابل عدم اعتقال أصحابها. التواجد المكثف للأمن في محيط ميدان التحرير، واعتبار التواجد داخله بحد ذاته مؤشرا خطرا، يزيد من احتمالات الاعتقال فيه بصورة أكبر، هو مكتسب قمعي آخر للدولة.

خاتمة
يطرح المشهد سيناريو التضحية بالحكومة التي أخذت على عاتقها مهمة تنفيذ حزمة القرارات الاقتصادية الصعبة منذ توليها، أو البرلمان الذي يُنتظر منه إصدار قوانين انتخابات مجلس الشيوخ والنواب القادمين، قبل التجميد المُتوقع من قبل البعض، بعدما أدى كل منهما الدور المنوط به، سواء قبل تظاهرات سبتمبر أو بعدها، ليصبحا الآن غير مرضي عنهما، وربما يمتد عدم الرضى إلى أبواق الدولة الإعلامية كذلك، لأن رياحا شعبية يُراد لها أن تأتي على الكل إن لزم الأمر، دون المساس برئيس جرت العادة أن يُمنح صلاحيات وحقوقا، حتى وإن استلزمت تغيير الدستور، لكنه الآن مُضطر للمرة الأولى أن يظهر كمانح لشيء ما أسموه “إصلاح”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، حراكات اجتماعية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني