استئناف تونس تؤكد قانونية جمعية تطالب بإلغاء الفصل 230: تجريم المثلية يحطّ من الكرامة الإنسانية


2019-07-03    |   

استئناف تونس تؤكد قانونية جمعية تطالب بإلغاء الفصل 230: تجريم المثلية يحطّ من الكرامة الإنسانية

أصدرت محكمة الاستئناف بتونس حكما بتاريخ 17 ماي 2019 يكرس الحق بإنشاء جمعية للدفاع عن الكرامة الإنسانية للملثيين والأقليات الجنسية وحقوقهم وبخاصة حقهم بعدم التمييز على أساس الميل الجنسي. صدر هذا الحكم في القضية التي قدمها المكلف العام بنزاعات الدولة ضد جمعية شمس في مرحلتها الاستئنافية، بهدف تعليق نشاط جمعية شمس لحيادها عن أهدافها ولقيامها بمخالفات عدة، من أبرزها “التشجيع على تبنّي مواقف المثليين الجنسية واتباع أهوائهم”. وكان المكلف العام بنزاعات الدولة استأنف في 2019 الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية في تونس بتاريخ 23 فيفري 2016[1] والتي رجعت بموجبه عن الإذن على العريضة بتعليق نشاط جمعية شمس لمدة 30 يوما لمخالفتها أحكام المرسوم عدد 85/2011 المتعلق بالجمعيات. فانتهت القضية الاستئنافية بتصديق الحكم الابتدائي وردّ الاستئناف المقدم ضده.

إذ يشكل هذا الحكم شاهدا جديدا على تطور وظيفة القاضي في حماية الحقوق والحريات، فإننا سنعمد هنا إلى تفصيل أبرز ما توصل إليه:

1- تعريف الأقليات الجنسية:

فيما تضمّنت أهداف الجمعية وفق نظامها الأساسي الدفاع عن “الأقليات الجنسية”، اعتبر المكلّف العامّ بنزاعات الدولة أن الجمعية خرجت عن أهدافها بحيث تحولت إلى الدفاع عن الأشخاص المثليين. وفيما ردت جمعية شمس بأن الأقليات الجنسية تشمل الأشخاص المثليين بالضرورة، وجدت محكمة الاستئناف نفسها مضطرة للبحث عن التعريف للأقليات الجنسية، بغياب نص وضعي تونسي.

ولهذه الغاية، لجأت المحكمة إلى مبادئ “جاكارتا” وإعلان “مونريال” للحقوق الإنسانية للأقليات الجنسية المتممة للمواثيق الدولية الأساسية، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. وقد خلصت المحكمة عند النظر في هذه النصوص إلى تعريف “الأقليات الجنسية” على أنها تشمل “كل تقارب جنسي بين طرفين يخرج عن الإطار الطبيعي (أنثى وذكر)” علما أن كلمة “الطبيعي” جاءت هنا ترجمة عن عبارة فرنسية هي “ groupe dominant” أي الغالبية. وهو تعريف واسع لأنه يشمل الهوية والميول والممارسات الجنسية المختلفة، مما يوسع من دائرة الأقليات الجنسية لتشمل كل الأشخاص من ذوي التوجه المخالف للتوجه الغالب، من مثليين ومثليات ومزدوجين ومزدوجات الميل الجنسي والعابرين والعابرات والمؤكدين والمؤكدات.

2- التوسع في المصادر الدولية بما فيها المصادر التي لم تصادق عليها تونس:  

لقد استندت المحكمة على مجموعة كبرى من المصادر المباشرة وغير المباشرة لتأكيد مفهوم الأقليات الجنسية، كما سبق بيانه. ويأتي هذا التوجه متوافقا مع الفصل 20 من الدستور الذي يجعل المواثيق الدولية أعلى نفوذا من القانون ومن شأنه أن يؤدي إلى تدعيم منظومة حقوق الإنسان وإتمامها وتعديل ما لم يعد منسجما مع هذه المواثيق.

وفي هذا السياق، يسجل علاوة على ما تقدم، أن المحكمة لم تكتفِ بالإشارة إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه تونس، بل أيضا على مجموعة من الوثائق الأخرى من أبرزها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومبادئ جاكرتا وإعلان مونريال، والتي ليست من النصوص التي صادقت عليها تونس. وفيما لم تبرر المحكمة الاستشهاد بهذه الاتفاقية، بإمكاننا أن نستشف منه أنه تم على سبيل الاستئناس في سياق تعريف الأقليات الجنسية، وإثباتا لاستناد التعريف التي توصلت إليه على مجموعة من الوثائق الدولية والإقليمية، منها إعلانات عالمية كمبادئ جاكارتا الصادرة في سنة 2006 عن مجموعة من خبراء حقوق الإنسان حول تطبيق الشرائع الدولية في مجال حقوق الإنسان بالنسبة للميولات الجنسية والهوية الجندرية، وكذلك إعلان مونريال لسنة 2006 حول حقوق الأشخاص ذوي الميول والهوية الجنسية والجندرية المختلفة والصادرة عن منظّمات غير حكومية أهمها المنظمة العالمية لحقوق LGBT .

وهذا التأكيد متعدد المصادر حول إقرار الأقليات الجنسية إنما يعكس إرادة المحكمة لتبيان أن المنظومة الدولية لحقوق الإنسان الحكومية والغير حكومية قد أقرت بوجود الأقليات الجنسية بمختلف مكوناتها وبتمتع هذه الأقليات بالحقوق الإنسانية وفي مقدمتها مبدأ عدم التمييز.

3- فتح الباب أمام اعتماد النظام القانوني للأقليات الجنسية:

بالرغم من أن المحكمة لم تذهب حد إقرار نظام شامل لحقوق الأقليات الجنسية، إلا أنها أشارت إلى ذلك بصفة غير مباشرة مع التركيز على بعض جوانب هذه الحقوق.

فعلى مستوى الإشارة غير المباشرة، فإننا نلاحظ بأن اعتماد المحكمة على إعلان مونريال وعلى مبادئ جاكارتا لم يهدف فقط إلى تحديد مفهوم “الأقليات الجنسية” ولكن أيضا إلى تظهير التوجه الدولي نحو إقرار تمتع الأقليات الجنسية بجميع حقوق الإنسان من دون تمييز. فالغاية من المبادئ والإعلان هو ترتيب نظام قانوني شامل لهذه المجموعات المختلفة عن المجموعات الغالبة أو المهيمنة. إلا أن المحكمة وبغاية الالتزام بما هو معروض عليها اكتفت ببعض جوانب هذه الحقوق وأهمها الدفاع عنهم والإحاطة بهم وإلغاء التمييز ضدهم والدفاع عن كرامتهم.

4- مشروعية الدفاع عن المثليين وانعكاساتها القانونية:

رأى المكلف العام بنزاعات الدولة أن الدفاع عن حقوق المثليين (والذي تنتهجه جمعية شمس) يتعارض مع الفصل 230 من المجلة الجزائية التي تجرّم العلاقات المثلية، فضلا عن تعارضه مع القيم الاجتماعية والإسلام وأنه يؤدي التشجيع على تبني مواقف المثليين الجنسية واتباع أهوائهم.

وردا على هذا الادعاء، وبعدما ثبتت المحكمة أن “الدفاع عن المثليين هو هدف مباشر وواضح للجمعية كما هو ثابت من أحكام النظام الأساسي للجمعية وأن العمل على إلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية (الفصل الذي يعاقب اللواط والمساحقة بثلاث سنوات سجنا) يدخل في موضوعها مثلما يقتضيه نظامها الداخلي”، فإنها رأت بالمقابل أنه لم يثبت أن الجمعية “تستبطن نشاطا يشجع على ممارسة الجنسية الشاذة كما لم يرشح ما يدل بصورة مباشرة أو غير مباشرة على تبنيها مفاهيم جنسية مريبة تسعى إلى نشرها بطريقة أو بأخرى في الفضاء العام”. وعليه، خلصت المحكمة إلى القول بأن الجمعية تهدف من خلال عملها على الأقليات الجنسية إلى “حفظ الكرامة الإنسانية ومنع الإعتداء عليها إنطلاقا من الميولات الجنسية المختلفة” وأنها “لم تتغول على القوانين الداخلية وخاصة منها المبادئ الأساسية المضمنة في الدستور التونسي وفق ما أورده الفصل 3 من مرسوم الجمعيات”.

وفيما يكتسي هذا التوجه أهمية خاصة بما يتصل بحرية إنشاء الجمعيات والتعبير، فإن التدقيق في أسناد الحكم يسمح بطرح سؤال عما إذا كان موقف المحكمة يفيد إقرارا غير مباشر بعدم دستورية تجريم المثلية.

بالطبع، لم تقرّ محكمة الاستئناف بذلك صراحة، طالما أن الدستور يمنع عليها مراقبة دستورية القوانين (الفصل 148 سابعا) وأنها بنت موقفها لرد الدعوى على التمييز بين المطالبة بتعديل القانون (الدعوة إلى إلغاء االفصل 230) والتشجيع على مخالفته. إلا أن اعتبارها أن العمل على إلغاء المادة 230 يرادف في عمقه “حفظ الكرامة الإنسانية ومنع الاعتداء عليها انطلاقا من الميولات الجنسية” إنما يشكل بقراءة عكسية إقرارا واضحا بكون الفصل 230 حاطا من الكرامة الإنسانية وبمثابة اعتداء غير مبرر عليها.

  • لقراءة المقال باللغة الانجليزية اضغطوا على الرابط أدناه:

Tunisian Court Defends Advocacy of Homosexual Rights

 

 


 كل الشكر للأستاذ منير البعطور الذي مدنا بهذا الحكم[1]

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني