اختارت مصارف لبنانية عدة من بينها “سوسيتيه جنرال” و”بنك بيروت والبلاد العربية” و”سرادار” و”البنك الإسلامي اللبناني” أن تختم العام 2023 بصرف مزيد من الموظفين وتحضير آخرين للصرف لاحقا عبر “إيداعهم” في منازلهم بانتظار تطوّر الأوضاع، لقاء رواتب بالليرة اللبنانية لا تكفي لدفع اشتراكات مولد الكهرباء. ويحصل هذا الطرد في وقت أدّى فيه انهيار القطاع المصرفي إلى انعدام فرص العمل وانهيار الرواتب ووصول موظفيه إلى حائط مسدود، وأيضا في وقت فقدت فيه مجالس العمل التحكيمية، التي تنظُر بالخلافات بين العمال وأصحاب العمل، دورها بفعل تعطلها بانكفاء مفوضي الحكومة وعدد من مستشاري المجالس عن العمل. وكذلك يؤكد وزير العمل مصطفى بيرم للمفكرة القانونية عدم تلقي الوزارة، التي عادة ما تتولى الوساطة بين الطرفين، أيّ شكاوى أو طلب وساطة منذ أشهر من موظفي مصارف، داعيا هؤلاء إلى مراجعة الوزارة في حال شعورهم بأيّ غبن: “أبواب وزارة العمل مفتوحة للجميع، ونحن سبق وتدخلنا لتحسين التعويضات عندما كان هناك إجحاف بحق الموظفين”.
في المقابل، يصف نقابيون مصرفيون وموظفون للمفكرة ما يحصل منذ 2019 ولغاية الآن، من صرف موظفين حالياً، ب”المذبحة”، حيث طالما تمتّع موظفو المصارف، “في أيام العزّ” بامتيازات على صعيد الرواتب والتأمينات وب “البونيس” مع حلول الأعياد، إضافة إلى بدلات نقل عادلة. وبذلك ينضمّ موظفو المصارف، إلى المودعين في محاولة مجالس إداراتها حلّ مشاكلها وخسائرها على حسابهم، من دون أي تدخل تشريعي أو إجرائي رسميين فعّالين يضمنان حقوقهم كضحايا للمصارف وسياساتها مع مصرف لبنان والمسؤولين عن إدارة البلاد.
كان موظفو المصارف حتى أمد قريب يتباهون بمزايا وظائفهم الدائمة والثابتة ومكتسباتهم في عقد العمل الجماعي، وهو عقد العمل الوحيد الذي كان لا يزال قائما في لبنان من إرث النضالات النقابية والمفاوضات الجماعية. وها هم اليوم يتعرّضون للصرف والتوقيف عن العمل وفرض إجازات غير مدفوعة، والطلب منهم بعدم الالتحاق بالعمل والبقاء في المنزل، وشتى أصناف التعسف، بذرائع تخفيض النفقات، وإقفال فروع ودمج بعضها، وتقليص عدد الموظفين وتخفيض أجورهم الحقيقية.
وتبيّن مراجعة سريعة لفرص العمل في القطاع إلى حجم الكارثة التي ضربتْ هذه الفئة من الموظفين الذين طالما اعتبروا “محظوظين”. وقد بلغ عدد موظفي وموظفات المصارف في نهاية العام 2019، 24 ألفاً و886 موظفا، ولكنه انخفض في آذار 2023 إلى 15 ألفا و537 موظفة، أي أنه تمّ إخراج نحو 9 آلاف و349 موظفا من العمل، وفق إتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان. وقد ارتفع عدد المصروفين كثيرا في الأشهر الأخيرة، ويُرجّح أن يرتفع أكثر مع نهاية العام الجاري، مع تزايد وتيرة الصرف في عدد من المصارف الكبيرة والصغيرة، واتخاذ الإجراءات التعسفية أشكالاً وبُدعاً جديدة.
موظفون موقوفون عن العمل
يتخوف موظفون في مصارف عدة، في اتصالات مع “المفكرة” مما يسمونه “البدعة الجديدة” لإدارات بعض المصارف بذريعة تخفيف الكلفة، قوامها الطلب من موظفين البقاء في منازلهم مع إعطائهم رواتبهم الأساسية، من دون المساعدات الاجتماعية وبدل النقل. كما بدأ الضغط عليهم لتقديم استقالاتهم وإن مكرهين، ونقل بعضهم للعمل في شركات تأمين تابعة لمصارفهم للسعي في تأمين عملاء.
ويؤكد رئيس اللجنة الاجتماعية في جمعية المصارف (وهي التي تجري مفاوضات العقد الجماعي مع اتحاد ونقابات موظفي المصارف) ورئيس مجلس إدارة البنك اللبناني السويسري الدكتور تنال الصباح أنّه بدأ مفاوضات العقد الأسبوع المقبل. وردا على قانونية طلب إدارات المصارف من الموظفين عدم الالتحاق بعملهم، يشدد الصباح على أن لا قيمة قانونية لهذا الطلب، أي “أنها ليست مقدمة لعمليات صرف، وكل ما في الأمر هو إجراء لتوفير بدلات النقل، كون قيمة بعضها تتخطى قيمة الراتب في معظم الأحيان”.
وبدأت بدعة إيداع الموظفين في منازلهم مع “فرنسبنك بنك” وBLC Bank ( اللبناني للتجارة)، وانتقلت اليوم، إلى مصارف أخرى، وليس آخرها بنك بيروت والبلاد العربية (BBAC) ومصرفا سرادار والإسلامي اللبناني، وهذا الأخير هو بصدد الإعلان عن تصفيته وشطبه من لائحة المصارف مع نهاية العام الحالي، حسب ما أكد ل”المفكرة” مدير فرعه في الحمراء نادر الخطيب.
ويؤكد رئيس نقابة موظفي المصارف في بيروت إبراهيم باسيل للمفكرة أن عدم معالجة الأزمة المالية وعدم إقرار خطة نهوض اقتصادي وعدم إقرار إعادة هيكلة المصارف كلها عوامل أدّتْ إلى نتائج كارثية على القطاع المصرفي عموما وموظفي المصارف خصوصا، “لذا بدأنا نسمع اليوم عن موجة جديدة من الصرف”.
ويرى رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج أن الانخفاض الكبير لعدد موظفي المصارف ليس بسبب الصرف فقط. فهناك من بلغوا سن التقاعد وأُنهيت عقودهم فورا، ومن اقتربوا من بلوغ السن فدفعت المصارف الأشهر المتبقية للتقاعد لتوفر التأمين وبدل النقل والتقديمات كافة. وهناك الفئة الثالثة التي اتّخذت الإدارات قرارها بالتنسيق معنا كاتّحاد نقابات، مثل مصارف الاعتماد المصرفي، اللبناني للتجارة، وبيروت والبلاد العربية، فعقدنا معها اتفاقيات حول صرف نحو 700 موظف حصلوا على تعويضات أكثر من التعويضات التي تنصّ عليها المادة 50 من قانون العمل، وتحويل جزء منها إلى الدولار الأميركي، ودفع جزء آخر “فريش”، وقبض جزء نقدا بالليرة اللبنانية، ولكن في نهاية المطاف، هي اتفاقيات استحوذت على موافقة الجمعيات العمومية في هذه المصارف، قبل أن يوقع الإتحاد عليها”.
والفئة الرابعة هي التي “تفاوضت فيها إدارات المصارف، مع موظفيها مباشرة، ورفضت إنجاز اتفاقيات مع اتحاد النقابات، وصرفت موظفين بتعويضات اعتبرناها مقبولة إلى حد ما”.
والفئة الأخيرة ، وفق الحاج، “هم من صرفتهم إداراتهم من دون الرجوع لنا، ومن دون موافقتهم، تحت عنوان قدّم استقالتك، وهي استقالة بمثابة صرف طالما أنها قدّمت تحت الضغط والإكراه”.
من جهته يؤكد باسيل أن النقابة ضد الصرف بالمطلق، وخاصة مع تعويض زهيد، مشيراً إلى أن النقابة دعتْ مندوبي المصارف إلى “اجتماعات مفتوحة لعرض أوضاع موظفي كل مصرف على حدة”.
مجلس العمل التحكيمي وسنوات طويلة من الانتظار
ورغم الكارثة الاقتصادية التي منيوا بها، نادراً ما يلجأ الموظفون المصروفون إلى مجالس العمل التحكيمي ذي التمثيل الثلاثي للدولة والعمال وأصحاب العمل، والمعنية بالدفاع عن حقوق المصروفين وتحصيل حقوقهم. إذ أن “محاكمها مأزومة تعاني من نقص في القضاة وفي حضور المندوبين إلى المحاكم وتأخر الأحكام سنوات”، وفق ما يقول عضو إتحاد نقابات موظفي المصارف أكرم العربي ل”المفكرة”، “تحتاج المجالس نفسها إلى إصلاح، وهي غير قادرة على التحكيم وبالتالي تحصيل الحقوق”. وضرب العربي مثالا عن الموظفة المصروفة من بنك شمال أفريقيا والشرق الأوسط، التي ما زالت تنتظر منذ 4 سنوات تحصيل حقوقها رغم أن مهلة قانون العمل للبتّ بالدعاوى لا تتجاوز 6 أشهر “فكيف سيفكر الموظفون باللجوء إليها؟”.
وعن تبليغ وزارة العمل، أكد العربي أن الاتّحاد يقوم بدوره في هذا الشأن: “كل شخص يتبلّغ إنذار صرفه، فورا يبلغ الاتحاد الوزارة”. إلا أنه لا يوجد أرقام دقيقة عن عدد الذين أبلغ الاتحاد عنهم. مع ذلك، يرى العربي أن المصروفين يفضّلون عقد تسويات مع إدارة البنك، إما منفردين أو عبر النقابة والاتّحاد.
بدورها، تؤكد المديرة العامة لوزارة العمل مارلين عطالله في اتصال مع “المفكرة” أن على الشركات والمؤسسات التشاور مع وزارة العمل في حال الإقدام على إنهاء عقود موظفيها أو في حالات الصرف الجماعي، سندا للمادة 50 البند “و” من قانون العمل، وإلاّ يُعتبر إنهاء العقود صرفا تعسفيا. ومع ذلك، وفق عطالله، لم تتلقّ وزارة العمل أيّ طلبات تشاور في 2023، إلاّ في “بعض الحالات الفردية”.
تقليص عدد الفروع ودمج وتصفية وشطب من لائحة المصارف
صرف البنك الإسلامي اللبناني، من مجموعة الاعتماد اللبناني، مؤخرا أكثر من 20 موظفا. ويُعتبر هذا البنك “الحلقة الأضعف في مجموعته”، وفق مدير فرعه في الحمرا نادر الخطيب. والمصرف بصدد تصفية أعماله حاليا تمهيداً لإقفال فرعيّه المتبقيين في طرابلس وبيروت، وبالتالي صرف 16 موظفا، 4 منهم في طرابلس و12 في بيروت.
بدأ موظفو البنك الإسلامي اللبناني تحركاتهم وإضرابهم لتحصيل حقوقهم منذ 28 تشرين الثاني الماضي، حيث كانت الأمور تسير في اتجاه تنفيذ عمليات الصرف، بشكل يطيح بحقوق البعض في مقابل إقناعهم “ولو بالقوة والظلم” بتعويض بائس لا يتعدى 1500 دولار بعد سنوات طويلة من الخدمة. وحُرم هؤلاء طوال فترة الأزمة من تحسين أوضاعهم وزيادة رواتبهم أسوة بباقي مجموعة الاعتماد اللبناني. فلقد أشار الخطيب إلى أن الرواتب متدنية و”هي تتراوح بين 150 و200 دولار شهرياً فقط، كما حرمنا من نسب أخذها موظفو الاعتماد ولم نكن نحصل عليها أبداً”.
لجأ موظفو الإسلامي اللبناني إلى نقابتهم وإلى الإتحاد، وأسفرت المفاوضات في 15 كانون الأول الحالي، بين المندوبين النقابيين والمدير العام للمصرف محمد اللاذقي، عن اتفاق إنهاء خدمات الموظفين الـ16 عبر دفع الراتب المعتمد كأساس لاحتساب التعويضات: الراتب الأساسي+ زيادات غلاء المعيشة + المساعدات الاجتماعية على أساس 12/16، 16 شهرا (12 صرف+ 4 إنذار)، ثابتة بغض النظر عن عدد سنوات الخدمة، إضافة إلى دفع شهر عن كل سنة لغاية 10 سنوات، وشهر ونصف الشهر عن كل سنة من 11 سنة لغاية 15 سنة، وشهريّن عن كل سنة لغاية 16 سنة وما فوق، على أن يُحتَسب كسر السنة سنة كاملة.
سرادار يصرف نقابيا
قبل العام 2019 كان لدى مصرف سرادار 16 فرعا في بيروت والمناطق، يعمل فيها نحو 400 موظف. اليوم أقفل فروعه كافة باستثناء فرع الأشرفية في المبنى الرئيسي وأبقى على 150 موظفا، مع ترك الفروع المؤجرة، وعرض الفروع المملوكة للبيع.
ويكشف أحد أعضاء اللجنة النقابية في المصرف، (فضّل عدم ذكر إسمه) ل”المفكرة” أن إدارة البنك تخطط اليوم لصرف أكثر من 50 موظفا، وهناك أرقام متداولة عن صرف 70 إلى 80 موظفا. مع العلم أن آخر عملية صرف طالت رئيس مجلس المندوبين في اتحاد موظفي المصارف ورئيس اللجنة النقابية في سرادار الذي تمنى على “المفكرة” عدم ذكر إسمه. ويشرح النقابي المصروف بإسهاب نهج المصرف في صرف الموظفين منذ العام 2015، مشيراً إلى أنه لدى الدمج بين سرادار وبنك الصناعة والعمل، بدأت عمليات صرف الموظفين عبر بروتوكول. ومع انتهاء مدة البروتوكول أصبحت عمليات الصرف تتمّ إفراديّا، عبر استدعاء الموظف، والطلب منه تقديم استقالته، ودفع التعويضات وفق المادة 50 من قانون العمل، أي من شهر إلى 12 شهرا، حسب سنوات الخدمة.
ومع اقتصار الفروع على الأشرفية اليوم، استمرت عمليات الصرف تتمّ على هذا الأساس، من شهر إلى 12 شهرا، بحسب سنوات الخدمة، كما تنص عليها المادة 50 من قانون العمل.
عارض اتحاد نقابات موظفي المصارف صيغة الصرف المعتمدة، وأبلغ رئيس مجلس إدارة سردار أن التعويضات مجحفة وأن المادة 50 اليوم مرّ عليها الزمن، ودعاه إلى الاتفاق على بروتوكول للصرف، ولكنه لم يتجاوب. واستمرّ المصرف بتصيّد الموظفين فرادى، والتضييق عليهم لتقديم استقالات طوعية، ومن لا يريد الاستقالة، يجبرونه على ذلك بالإكراه، ويصرفون له تعويض شهر عن كل سنة خدمة وشهريْ إنذار: “بالتالي قمنا تحركنا كنقابة واتحاد، ودعونا إلى جمعية عمومية عبر الواتس آب، الأسبوع الماضي. ولكن حصلت ضغوطات على الموظفين وفشلت الجمعية العمومية، إذ لم يأت أحد باستثناء 5 أشخاص، من بينهم زميلين كان قد تمّ إبلاغهما بصرفهما، لكن لم يكونا قد وقّعا على كتابي الاستقالة”، وفق النقابي المصروف. ويؤكد هذا النقابي أن العقد الجماعي يمنع صرف النقابيين: “لم أوقع على استقالة بل على إبراء ذمّة بعد أن تمّ إيداع كل التعويضات التي اتفقنا عليها بحسابي الفريش”.
إقفال 4 فروع في بيروت والبلاد العربية
يدور الحديث في أروقة BBAC أنه في أواخر هذا العام سيتمّ إبلاغ نحو 100 إلى 150 موظفاً بالتزام منازلهم لمدة 6 أشهر، مع إبقائهم ضمن ملاك المصرف واعطائهم الراتب الشهري الأساسي، مع راتب آخر أو أكثر بالليرة اللبنانية مع التوقف عن من دفع بدلات النقل والمساعدة الاجتماعية الشهرية، وهي بالدولار الأميركي. وبعد 6 أشهر سيتم اتخاذ القرار المناسب، وفق ما ستؤول إليه الأوضاع، سلبا أم ايجاباً، وفق قول موظف في البنك للمفكرة.
وتبلغّت هذا الأسبوع 4 فروع قرار إقفالها قبل آخر هذا العام في بدارو، بنت جبيل، جب جنين وعاليه، وسيتم دمج موظفيها بالفروع المتبقية. وطبعا لن تستوعب الأخيرة كل موظفي الفروع المقفلة فيُرسل هؤلاء إلى بيوتهم، وفق الموظف نفسه “يعني إذا كان هناك 10 موظفين في الفرع، سيتم خفض العدد، من دون معايير محددة، إذ يختار المدير من يرحل ومن يبقى”.
وأشار إلى أنه في السابق، كان يتم صرف الموظفين عبر بروتوكول محدد: “لنفترض أن تعويض الموظف 100 مليون، كان المصرف يشتري للموظف من مصرف لبنان جزءا من تعويضه أو كله لولار، يعني يقبض راتبه على أساس 1500، إذا ضُرب ب 15 الف، سعر اليوم، كان مقبولا بعض الشيء”.
موظف آخر في BBAC قرر ترك المصرف ب “إرادته” والبحث على وظيفة خارج البلاد، لكنه يضع استقالته في خانة الإكراه: “تركت إراديا لكن بالإكراه، فالبنك لا يؤمن للموظف الراتب الذي يكفيه وعائلته، فيضطر للبحث عن عمل آخر. كان راتبي قبل الأزمة نحو 3 آلاف دولار، أما اليوم لا يتعدى ال 500 دولار لا يكفي مصاريفنا”. ليضع ما يحصل ضمن استراتيجية المصرف لصرف الموظفين: “إذا ما عجبك الراتب فلّ، لتوفير الراتب وتعويضات الصرف”.
سوسيته جنرال
وصلت “المفكرة” معلومات تفيد أن موظّفي مصرف “سوسيتيه جنرال” يتعرّضون إلى صرف تعسفي وعمليات تضييق هدفها الإحراج للإخراج، ما أدّى الى توقيف عشرات الموظفين عن العمل بشكل غير إنسانيّ لا يمتّ إلى “العدالة بصلة”، كما وصّف أحد الموظفين. كما أصدرت نقابة موظفي المصارف في طرابلس والشمال، بيانا تحذيريا يهدد بالتصعيد وتؤكد أنها “لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما يتعرض له موظفو “السوسيتيه جنرال”، وستواجه من أجل الدفاع عنهم وإنصافهم وإيصالهم الى حقوقهم كاملة، وتحذر من مغبة الاستمرار بهذا السلوك مع الموظفين، والذي لا يمكن السكوت عنه وسيدفعنا الى تصعيد لن يكون في مصلحة أحد”.
يصف رئيس النقابة حسان ريفي، في اتصال مع “المفكرة” ما يحصل في “سوسيته جنرال” ب “المذبحة”، معلنا أن هذه المعلومات وردتْ إلى النقابة يوم أمس الجمعة، كاشفا عن “لائحة جديدة لصرف أكثر من 150 موظف في جميع فروع المصرف، منهم 15 موظفا في فروع الشمال حلبا، الذي سيقفل مع فرعيْ طرابلس وأميون، مع فروع أخرى بشكل نهائي”.
وحذر ريفي من استكمال هذه المذبحة، رافضا السكوت عما يحصل، مهددا بالتصعيد وصولا الى إقفال جميع المصارف في الشمال.
أحد الموظفين في “سوسيته جنرال” شرح ل”المفكرة” أن تبليغ الموظفين يتم عبر مدير الفرع، بعد أن يستلم رسالة عبر البريد الإلكتروني من مسؤول الموارد البشرية، تتضمّن رقم مبلغ التعويض لكل موظف البالغ 12 شهرا لكل مصروف، إضافة إلى شهر عن كل سنة خدمة. مع العلم أن الراتب يراوح بين 16 و20 مليون ليرة لبنانية، أي أن أقصى تعويض لموظف قضى 20 عاماً في خدمة المصرف لن يتجاوز 6500 دولار، ليذهب إلى بيته بلا عمل وهؤلاء لديهم عائلات ومدارس وجامعات ومتطلبات معيشية كلها مدولرة.
ويلفت إلى أن بعض الموظفين وقعوا على كتب استقالات بالإكراه، أما البعض الآخر فقد رفض ذلك، بانتظار تحسين التسوية.
إلى مفاوضات عقد العمل الجماعي الثلاثاء
أمام استمرار عمليات الصرف التي تحولت مؤخرا الى إجبارية تعسفية، وبتعويضات زهيدة، توصّل اتحاد نقابات موظفي المصارف إلى تحديد موعد مع اللجنة الاجتماعية في جمعية المصارف عند الثالثة والنصف من بعد ظهر الثلاثاء المقبل 19 كانون الأول الجاري، للبدء في مفاوضات حول تجديد عقد العمل الجماعي، والوصول إلى بروتوكول صرف موحّد لكل المصارف، حيث يؤدّي التوافق عليه، في حال حصوله، إلى إضافته الى العقد الجديد، وإلزام المصارف بتطبيقه.
وكان اتحاد نقابات موظفي المصارف، وفق ما قاله رئيسه جورج الحاج ل”المفكرة”، قد اقترح، قبل صدور إعادة هيكلة المصارف، تعديل المادة 4 من قانون الدمج الذي يتطرّق إلى تعويضات الصرف الناتجة عن الدمج أو التصفية أو تبدّل أسماء المساهمين. وشرح: “عدلنا المادة 4 من القانون وبدلا من أن تكون تعويضات الصرف 6 أشهر كحد أدنى و3 سنوات كحد أقصى، جعلناها 20 شهرا كحد أدنى وشهرين عن كل سنة خدمة من دون سقف، أي إذا كان لدى الموظف 25 سنة خدمة، يحصل على 25 شهرا مضروبة ب 2 يعني 50 زائد 20، يساوي 70 زائد 4 أشهر إنذار ما يعني حصوله على 74 شهرا”. تبنت هذا المشروع كتلة “نواب الجمهورية القوية” وقدمته إلى المجلس النيابي. لكن للأسف لم يُقرّ لغاية اليوم وما زال في أدراج اللجان المشتركة، متمنيا على نائب رئيس المجلس النيابي، كونه يترأس جلسات اللجان المشتركة، سحبه من الأدراج وطرحه على جدول الأعمال للنقاش “لأنه مجرد أن يصدر قانون هيكلة المصارف سيكون حتما هناك مصارف لن تستطيع التكيُّف مع القوانين الجديدة، وهذا سيؤدي إلى خروجها من النظام المصرفي”.
شغف انتهى بالطرد
عملت انجيلينا طوروسيان في القطاع المصرفي لمدة 27 عاما، أمضت منها العشر الأخيرة في بنك سرادار. تروي طورورسيان ل”المفكرة” قصة “شحطها”، وفق ما تصف طريقة صرفها، “في منتصف تشرين الثاني الفائت دخلت إلى مكتبي صباحا، وبدأت العمل على ورقة من ضمن مهامي وبينما أنتهي من طباعتها تلقيت إتصالا من قسم الموارد البشرية، يطلبون مني التوجه إلى مكتبهم فورا”. تقول أنها فرحت بالاتّصال كونها كانت قد طلبت نقلها إلى قسم آخر في المصرف “لكنهم أبلغوني بشحطي من العمل”. في البداية لم تستوعب طوروسيان ما حصل: “رفضت أن أصدق أنه يمكن صرفي بهذه البساطة، وأنا أم لطفلين، ومساعدة أساسية لأهلي. انهرت، بكيت، اسودّت الدنيا في وجهي. فردت المسؤولة عن تبلغي بالقول: “عليك أن تفرحي سيكون لك تعويض لمدة سنة كاملة صار فيكي تحطي إجر ع إجر وترتاحي”.
اختارت انجيلينا أن تدرس إدارة الأعمال، ثم دراسات عليا في العلوم المصرفية والتحليل المالي: “قضيت حياتي أدرس وخضعت لدورات وورش تدريبية لا تعدّ ولا تحصى من أجل هذا العمل. وكانت صدمتي بأن يتمّ شحطي بهذه الطريقة عبر إعطائي تعويضا غير عادل، لا يمكن أن أصفه إلاّ ب الطرد التعسفي” حيث لم يكن راتبي يتجاوز 400 دولار بينما كان قبل الأزمة 3000 دولار”. تقول طوروسيان أن “زمن الانهيار انتهى”، وها هي اليوم بدأت التفكير بخطة بديلة وربما دراسة جديدة لإيجاد عمل يستحق خبراتها ومؤهلاتها.