“
بعد القرار الملكي الصادر مطلع السنة الجارية، والذي يُمكن النساء لأول مرة في تاريخ المغرب، من ولوج مهنة “العدل”، اجتازت 299 امرأة النجاح في مباراة ولوج خطة العدالة لسنة 2018، مقابل 501 من الرجال، أي بنسبة 37.38%.
ويعد هذا الأمر حدثا هائلا في تاريخ هذه المهنة التي كانت في السابق حكرا على الرجال فقط، إذ كان من شروط اجتياز المباراة أن يكون المترشح “ذكرا”. إلا أن الملك محمد السادس قد وافق بناء على فتوى قدمها المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة دينية حكومية)، على السماح للنساء بممارسة هذه المهنة. وذكر بلاغ الديوان الملكي آنذاك (يناير)، أنه “بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية، كلف الملك وزير العدل بفتح خطة العدالة أمام المرأة، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذا الهدف”، بحسب تعبير البلاغ.
ومن المعلوم أن مهام القائمين بهذه المهنة يتولون المصادقة على عقود الزواج.
بين الترحيب والجدل..
خلف فتح باب مهنة “العدل” أمام النساء، جدلاً محتدماً بين فريقين. متشدد يرى الأمر مخالفة للتعاليم الدينية، ومنفتح يعتبره من الخطوات الشجاعة نحو المساواة بين الجنسين.
ومن بين المعترضين على هذه الخطوة، الشيخ حسن الكتاني، أحد وجوه التيار السلفي المتشدد. إذ سبق له وقال في تدوينة عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن “جمهور الفقهاء ومنهم مالك أجمعوا على أن الزواج الذي تعقده المرأة باطل، وهو الحق: قال صلى الله عليه وسلم:”لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها”.(صحيح رواه ابن ماجة.)”
وزاد “هناك مشكل أكبر من هذا لا بد من التنبه إليه، وهو أن طلاق المرأة القاضية لا يقع، فإذا طلقت القاضية امرأة عن زوجها، فطلاقها لا ينفذ، وبالتالي هذه المرأة ما تزال على عصمة الرجل الأول فمن تزوجت فهي جمعت بين رجلين، هذا كله على مذهب الجمهور غير الحنفية”.
في المقابل، عبر رئيس المجلس الجهوي للعدول بالرباط، عبد الغفور حجي، عن رفضه لتصريحات الكتاني، معتبرا أن “المجلس العلمي الأعلى قد أعطى رأيه في الموضوع، وأباح ممارسة المرأة لهذه المهنة”.
وشدد في تصريح سابق لموقع “كشك”، على أن سبب عدم السماح في السابق للنساء بممارسة مهنة العدول تعود إلى تراث فقهي ظل معمولا به، الذي كان يرفض أن توثق النساء العقود، كيفما كان نوعها، بعلة أن شهادة المرأة ناقصة، استنادا إلى فهم معين للآية القرآنية “وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى”.
وأضاف أن “قرار الملك محمد السادس، بالسماح للمرأة بممارسة مهنة “عدل” سيشكل قفزة نوعية نحو التحديث واكتساب تجربة منفردة ومتميزة نظرا للكفاءة العالية التي تمتاز بها المرأة المغربية”، على حد تعبيره.
ابتهاج..
وفي الوقت الذي يحتدم الجدل بين المؤيدين للقرار الملكي، والرافضين له. تنتشي الناجحات في المباراة ويحزمن حقائبهن استعدادا لانطلاق التدريب والتكوين بمدينة الرباط والذي سيستمر ستة أشهر.
وفي هذا الصدد، تعتبر سعيدة، إحدى الناجحات في المباراة، أن “فتح هذه المهنة في وجه النساء تحصيل حاصل للمسلسل الذي دشنه المغرب منذ سنوات في تعزيز مكانة المرأة في المجتمع، وأيضا في المساواة بينها وبين أخيها الرجل”، موضحة أن “المرأة أثبتت كفاءتها في أكثر من مجال، دون الحديث عن إقرار دستور 2011 لمبدأ المساواة بين الجنسين، ناهيك عن مصادقة المغرب على مجموعة من المعاهدات الدولية التي تناهض التمييز المبني على الجنس”.
ولم تخفِ سعيدة، في تصريح للمفكرة القانونية، تخوفها من هذه التجربة الجديدة، مشددة على أنه “من الطبيعي أن تواجه هذه التجربة الفتية بعض العقبات والعراقيل”، خاصة أن “المجتمع المغرب مكون من فسيفسياء فكرية ومرجعيات ثقافية مختلفة”، تضيف المتحدثة، معلقة بالقول “لكن أنا متفائلة جدا بشأن هذه التجربة، وأتوقع لها نجاحا كبيراً على غرار الكثير من المهن الأخرى التي تتقاسمها المرأة والرجل”.
وعلى الرغم من تخوفاتها بشأن هذه التجربة، إلا أنها لا تُخفي ابتهاجها وفرحها بنجاحها في المباراة، إذ قالت في هذا الصدد “جميل أن تدخل التاريخ من بابه الواسع، جميل جدا أن أحظى بشرف الانتماء إلى أول فوج في تاريخ المغرب للنساء العدول، أكيد هذا وسام شرف”، توضح المتحدثة.
تكوين قبلي..
قبل تمكنهن إلى جانب زملائهن الذكور، من ممارسة مهنة العدل، المتمثلة في توثيق عقود الزواج والطلاق، والإشراف على قسمة الإرث إلى جانب أمور أخرى يؤطرها المغرب بمرجعيات دينية وفقا للمذهب المالكي الذي يتبعه المغرب، سيتلقى الناجحون تمرينا لمدة ستة أشهر بالمعهد العالي للقضاء المتواجد بالعاصمة المغربية الرباط.
وسيتلقى “العدول المتمرنون”، تكوينا يتعلق بالمقتضيات القانونية المنظمة لخطة العدالة، بالإضافة إلى الطرق المتعلقة بكيفية تلقي وتحرير مختلف الشهادات، وأيضا التعرف على الإجراءات المتعلقة بإدارة التسجيل والتمبر وإدارة الضرائب والمحافظة العقارية والتعمير والأراضي الفلاحية، مع القيام بزيارات ميدانية إلى المؤسسات المعنية.
وفي أعقاب ذلك، سيلتحق المتمرنون بـ”قسم قضاء الأسرة” لمدة شهرين، يليه تدريب آخر مدته أربعة أشهر بأحد المكاتب العدلية. وهناك سيعمل على مساعدة العدل على جميع الإجراءات، بالإضافة إلى مواكبة مجموعة من الندوات واللقاءات العلمية.
“