
بين 9 و10 نيسان 2014، تناول المجلس النيابي المادة 186 التي كانت تبرر العنف التأديبي ضد الأطفال فألغاها في اليوم الأول قبلما يعود الى تعديلها في اليوم الثاني لوجود حساسية تتصل بالطوائف والأحوال الشخصية. وما يثبته الكاتب في هذا المقال هو أمران يتميزان عن السائد في الخطاب العام:
أولا، أن التعديل يؤدي عمليا الى افراغ المادة من أي مفعول تبريري لأي جرم من أي نوع كان، بل لأي عمل عنفي من أي نوع كان،
ثانيا، أن تعديل المادة بدل الغائها لا يؤدي تاليا الى أي تراجع تحت ضغط القوى الطائفية في هذا المجال، انما على العكس تماما هو ضرورة وحاجة لمنع هذه القوى عن استغلال الفراغ القانوني الذي قد يحصل بنتيجة الغائها. (المحرر)
بحث مجلس النواب اللبناني في جلسته التشريعية المنعقدة بتاريخ 9 نيسان 2014، في الإقتراح المقدم من النائب سيمون أبي رميا الآيل الى تعديل المادة 186 عقوبات وانتهى الى الغائه من دون مناقشة التعديل. وكان الاقتراح قد نص على الغاء تبرير ضروب التأديب التي ينزلها الأساتذة بتلاميذهم، ليبقي التبرير قائما بالنسبة الى :«ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد ذووهم، على أن لا تترك أي اثر على جسد الأولاد أو تحدث ضررا في صحتهم الجسدية أو النفسية».وكانت المفاجأة في اليوم التالي، أي في جلسة مجلس النواب المنعقدة في 10 نيسان 2014، حيث أعيد البحث بهذا الإقتراح بحجّة أن فريقاً قد فسّر الإلغاء بأنه محصور بالأساتذة فيما اعتبر فريق آخر أن البند الأول من المادة 186 من قانون العقوبات قد ألغي. وقد اعتبر رئيس مجلس النواب أن:«القصة فيها حساسية ومرتبطة بالأحوال الشخصية»تاركاً أمر التفسير للهيئة العامة.بعد ذلك شهدت الجلسة نقاشات مستفيضة بين من اقترح إلغاء البند بأكمله وليس الإستعاضة عنه بتعديل، وبين من طرح تعديل البند بصيغ متعدّدة. وقد طرح اقتراح الإلغاء على التصويت فسقط بأغلبية 36 نائباً ضد الإلغاء و34 نائباً معه، ثم طرح اقتراح تعديل البند ليصبح على الشكل الآتي:«يجيز القانون ضروب التأديب اللاعنفي الذي يمارسه الآباء والأمهات بأولادهم، على ألا تترك أي أثر على صحتهم النفسية والجسدية» فصدّق. وتعليقا على ذلك، أرى أن المجلس قد حقق انجازين هامين:
الإنجاز الأول، وهو يتصل بإلغاء تبرير التأديب الحاصل من قبل الأساتذة.
ونتج ذلك عن الغاء البند الأول من المادة 186 والذي أجمع عليه النواب في يومي 9 و10 نيسان. إلا أن هذه الخطوة ليست كافية بحد ذاتها لمنع الأساتذة من ممارسة هذا التأديب خلافاً لما ينص عليه القانون، فالإعتبارات الإجتماعية تمنع الطلاب المعنّفين في الكثير من الأحيان من إيصال شكواهم إلى الأجهزة المختصة في وزارة التربية والتعليم العالي وإلى القضاء المختص، فتبقى هذه الجرائم طي الكتمان دونما رادع ودون أي محاسبة حقيقية. وإننا في هذا السياق نجد أن هذا التعديل يجب أن يترافق مع إعداد الأساتذة أنفسهم ونشر ثقافة نبذ التعنيف فيما بينهم، وإن تحقيق ذلك يتم بشكل أساسي من خلال إقرار اقتراح القانون المتعلق بالفحوصات النفسية الإلزامية للعاملين في المؤسسات التربوية، المقدّم من النائب شانت جنجانيان بتاريخ 18/7/2012 نزولاً عند رغبة جمعية "أبناء الحياة" التي كانت قد أعدته([1])، والذي لم يجد طريقه إلى اللجان النيابية حتى تاريخه.
فهذا الإقتراح ينص على إخضاع متولي إدارة المؤسسات التربوية بمختلف أنواعها وأفراد الهيئة التعليمية والعاملين فيها بما فيهم الحرّاس والخدم لفحص نفسي إلزامي تجريه لجنة طبية متخصصة ومستقلّة معينة بموجب مرسوم متخذ في مجلس الوزراء، ويشمل هذا الفحص اختبارات نفسية تعتمد على ركائز لفحص الشخصية وسماتها، واختبارات انعكاسية مختلفة لفحص حالته النفسية وذلك بالإضافة إلى الشروط القانونية والتنظيمية المنصوص عليها في القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
والأهم من ذلك أن الإقتراح المذكور، ينص من نحو آخر، على قيام وزارة التربية والتعليم العالي بالتعاون مع الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة، بإعداد منهج تعليمي خاص بالمواد التعليمية المتعلقة بحقوق الأطفال وبعلم النفس لدى الأطفال وأصول التعامل معهم،على أن يصدر هذا المنهج ويعمّم بقرار عن وزير التربية والتعليم العالي، على أن يتم اعتماده كشرط إلزامي لكل من ينوي مزاولة مهنة التعليم.
ويفرض،بغية تأمين الإلتزام بأحكامه،عقوبة جزائية متمثّلة بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة مالية تراوح ما بين ضعفي الحد الأدنى الشهري للأجور إلى عشرة أضعاف هذا الحد، أو بإحدى العقوبتين، على كل شخص يخالف الموجبات المنصوص عليها في متنه أو في النصوص التنظيمية الصادرة تطبيقا له. فضلاً عن إمكانية القضاء بمنع مزاولة المهنة.
الإنجاز الثاني: ضوابط التأديب الذي يمارسه الأبوان
في هذا المضمار، أرى أن صيغة التعديل التي أقرها مجلس النواب في نهاية المطاف، ومفادها:
«يجيز القانون ضروب التأديب اللاعنفي الذي يمارسه الآباء والأمهات بأولادهم، على ألا تترك أي أثر على صحتهم النفسية والجسدية»
هي الصيغة الصائبة، وذلك للأسباب الآتية:
– أنه حصر حق التأديب بالآباء والأمهات من دون سائر الأقارب. ونلحظ هنا أن النص أملى احتراماً لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وهو ما انتهجه المشرّع في العديد من تشريعاته السابقة.
– أن إلغاء البند بأكمله كان سينقلنا إلى فراغ تشريعي في موضوع تأديب الأولاد ما سيفتح الباب أمام إمكانية التذرّع في المستقبل من قبل من يمارس ضروب التأديب بأحكام المادة 183 من قانون العقوبات التي تنصّ:«لا يعدّ جريمة الفعل المرتكب في ممارسة حق بغير تجاوز». ومن المسلّم به أنه لا يشترط في الحق المقصود في النص أعلاه أن يكون النص القانوني مصدره، إذ يمكن أن يكون العرف أو القواعد الدينية أو قواعد الأحوال الشخصية مصدراً للحق المبرر فعل ارتكابه بغير تجاوز. وخير دليل على تحليلنا هذا، هو أن نص المادة 183 المشار إليها، قد اتخذ سنداً من قبل بعض الفقه والإجتهاد للإقرار بحق الزوج المسلم في تأديب زوجته على اعتبار أن هذا الحق يستمد وجوده من القرآن الكريم،وذلك رغم عدم النص عليه في المادة 186 من قانون العقوبات([2]).
– أن النص المعدّل للمادة 186 قد قيّد بأية حال حق التأديب بشروط وقيود دقيقة تعدّ بمثابة إلغاء له، وهذا ما يستفاد من عبارة " التأديب اللاعنفي" وبعدها من عبارة "على ألا تترك أي أثر على صحتهم النفسية والجسدية".
الصورة منقولة عن موقع now.mmedia.me
([1])- للإطلاع على اقتراح القانون:منشور على الموقع الإلكتروني لجمعية أبناء الحياة،
http://enfantsdelavie.com/about.html
([2])- يراجع في هذا المجال:د.سمير عالية،أصول قانون العقوبات(القسم العام)،دراسة مقارنة،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،الطبعة الثانية،1996،ص:345-346 والمراجع الواردة فيه.
متوفر من خلال: