مرة جديدة، تهتز أوساط المجتمع اللبناني بسبب العنف الأسري. فسارة الامين إنضمت الى قافلة الضحايا اللواتي دفعن حياتهن ثمناً للسكوت والرضوخ لأبشع أشكال العنف والضرب من قبل الزوج والتي غالبا ما تنبني على ذرائع وحجج غير مقبولة وغير منصفة، بمعزل عن مدى صحتها. ولكن رغم ذلك يعمل بها لأنها مفروضة ومنتهجة من قبل المحيط، في مجتمع اعتاد أن يحمّل المرأة مسؤولية المحافظة على تماسك الأسرة وصورتها امام الناس مهما تكبدت في هذه المهمة من مشقات وحتى ولو كانت على حساب حياتها. نعم، فكما الصيّاد المحترف يستدرج فريسته ليصطادها، نجح علي الزين في إحكام القبض على زوجته ليسلبها روحها ب17 رصاصة توزعت على أنحاء جسدها فأردتها أرضاً أمام أعين أطفالها. وكل ذلك يحصل في مناسبة عائلية غالية على قلبها وهي عيد ميلاد ابنتها، يتخللها ورود وزينة بالونات وقالب "كاتو"، وعلبة سجائر. فبعدما أنجز الزوج مهمته، كان على ما يبدو بحاجة ليدخن سجارة احتفالاً ربما بإنجاز يخاله عظيماً.
في نيسان من العام 2014، نجحت أرواح رلى يعقوب، منال عاصي، مارغريت طنوس، رقية منذر والكثيرات غيرهن من النساء في دفع مجلس النواب اللبناني الى الإفراج عن قانون العنف الأسري رغم العديد من التحفظات من قبل الجمعيات على بعض مواده. الاّ ان هذا الأمر لم يضع حداً لمسلسل التعنيف والضرب وصولا الى القتل، بل ان حلقاته باتت أكثر وحشية كما تشهد عليه أحداث قتل عدة: ومنها حالة ياسر ع.ص. الذي رمى زوجته سهير ص.ع بتاريخ 5/أيار 2015 من الشرفة بحجة انه يريد التخلص من الفقر وحالة سارة التي أُفرغ مشط الرشاش في جسدها دون رحمة. فالأمر لا يحتاج في كثير من الأحيان الى قوانين رادعة بل يتطلب العمل على معالجة موطن الخلل الذي يكمن في التربية الذكورية داخل المجتمع والتي تنظر الى المرأة كما لو أنها تصبح منذ لحظة زواجها من ممتلكات الرجل التي يحق لها التعامل معها كما يراه مناسباً.
اذاّ رفضاً لمسلسل الإجرام والقتل بحق النساء، نفذ التجمع النسائي الديمقراطي اعتصاماً نهار الأربعاء 27/5/2015 امام قصر العدل في بيروت بمشاركة عدد كبير من الجمعيات والناشطين والناشطات في المجتمع المدني بحضور أمهات وأقارب مجموعة من الضحايا اللواتي لم يصدر بعد الحكم في حق قاتلهم وسط شعارات رفعت تعتبر بان "الساكت عن الجريمة شريك فيها"، وأن "العدالة حق لترقد أرواح الضحايا بسلام".
أقصى درجات العقوبة
"اطلب من القضاء البدء في محاكمة قاتل ابنتي. فهو موجود في الحبس منذ ستة أشهر والى الآن لم يتم تعيين ولا جلسة. اريد ان يكون ملفه اول ملف وان ينال حكم الإعدام ليكون عبرة لغيره لأنه بالشكل انسان ولكنه وحش ومجرم". هذه كانت كلمات والدة نسرين روحانا. ومثلها مثل حال والدة فاطمة بكور، فهي لم تكد تحتفل بإبنتها العروس حتى عادت اليها مذبوحة وقالت: "أريد أن أسأل اذا قاض من هؤلاء القضاة ذبحت ابنته ماذا يفعل؟ كل ثلاثة اشهر نحضر جلسة استماع يتحدث فيها القاضي كلمتين ثم يقول لنا "روحوا عبيوتكن" الى متى سيبقى زوجها نائما في السجن؟ الى متى سيستمر هذا العذاب اريد لابنتي العروس ان ترتاح في قبرها اطلب من وزير العدل العدالة. فقد كفانا وتعبنا".
ولا يفكر شقيق الضحية سارة الأمين كثيراً في انتقاء القصاص اللازم عقاباً على خسارة شقيقته. فهو لا يقبل بأقل من الاعدام وقال:" كل نساء لبنان هن سارة ولا يجوز ان يكون الحكم على سارق دجاجة اهم من قاتل بـ17 رصاصة دعونا نشعر ان لبنان قد استعاد عافيته وان المواطن هو بالدرجة أولى".
الوجع مستمر وقد تتكرر الجملة عينها على ألسنة أهالي الضحايا، فالدماء مازالت تغلي في عروقهم ولم تبرد طالما خسروا أغلى الغوالي فيما المجرم لم ينل العقاب في ظل مماطلة القضاء التي لا ينتج عنها سوى التسيب والاستهتار الذي يؤدي الى استمرار مسلسل القتل دون تردّد.
وقد جاءت كلمة نقابة المحامين في الاعتصام التي ألقتها المحامية بريجيت شلبيان لتدعم أهالي الضحايا. فقد أكدت المطالبة بالاسراع في المحاكمات فرأت ان "انصاف النساء ضحايا جرائم العنف الاسري لا يكون فقط عبر تصدر هذه القضية صفحات الاعلام والتنديد بها والتظاهر، بل عبر اجراء محاكمة سريعة لمرتكبي هذه الجرائم مع التأكيد على ضرورة عدم التفتيش عن ذرائع لتبرير هذا الفعل الجرمي وتخفيض العقوبة بحق المجرم، فمرتكب جريمة عنف أسري ليس بمريض نفسي، بل هو شخص اعتاد النظر الى المرأة بصورة دونية، وعلى انها شيء امتلكه بتاريخ زواجه منها له حق التصرف به دون اي مراقب او حسيب". وطالبت القضاء اللبناني باسم النقابة "باتخاذ الاجراءات القانونية الصارمة ضد مرتكبي جرائم العنف الاسري وبالاجتهاد لضمان انهاء العنف الاسري بكافة اشكاله وضمان انهاء الافلات من العقاب". وأكدت على: "ضرورة ادخال ثقافة اللاعنف والتربية على المساواة الجندرية في المناهج التربوية لإعداد اجيال متوازنة مشبعة بثقافة حقوق الانسان ومؤمنة بمبدأ عدم التمييز ضد المرأة".
اعتصامان والقضية واحدة
وفي حديث الى المفكرة القانونية اعتبرت المحامية منار زعيتر من "التجمع النسائي الديمقراطي" ان "الجريمة التي حصلت مع الضحية سارة الامين تدخل ضمن مسلل العنف المستمر ضد المرأة لأسباب كثيرة من بينها ان ظاهرة العنف ضد المرأة تدخل ضمن بنية المجتمع اللبناني في ثقافته وسلوكه شبه اليومي الذي يعتبر ان العنف ضد النساء من الضرب بالكف وتوجيه الاهانات هو أمر طبيعي ولكن ينصدم عندما تتحول الى جريمة قتل. كما اننا امام قوانين احوال شخصية تشكل فضاء لقهر النساء وعذابهن. فالى الآن، مازالت فكرة مؤسسة الزواج مبنية على معادلة سلطة وخضوع عوضاً عن ان يكون هناك تكافؤ في العلاقة. ناهيك عن أننا الى اليوم لم نشهد على حكم يؤمن معادلة الردع والعقاب العادل والتعويض العادل وهذه الأسباب جميعها تدفعنا للقول ان هذا المسلسل سيستمر".
وعن الغاية من الوقفة الرمزية قالت:"جئنا لنقول امام قصر العدل ان الجرائم التي حصلت لم نعرف ما كانت نهاية أحكامها. فيما بدأنا نسمع عن أشخاص خرجوا من السجن مثل زوج رولى يعقوب. وان العدالة حق ونحن بانتظارها. فمن حق الضحايا أن ترقد أرواحهن بسلام ولا يمكن التعاطي مع ملف قتل النساء مثل التعاطي مع ملف الارهاب والسرقة والاتجار هذه ملفات خاصة وتحتاج الى محاكمات خاصة".
ليس اعتصام التجمع النسائي الديمقراطي هو التحرك الوحيد الذي سيجري في هذا الأسبوع رداً على الجريمة المروعة التي طالت سارة الأمين وغيرها من الضحايا، فهناك أيضاً المسيرة التي دعت اليها منظمة "كفى" نهار السبت 30/5/2015 التي تنطلق من أمام متحف بيروت وصولاً الى قصر العدل، ولان القضية هي واحدة كان لا بد من السؤال عن السبب وراء هذا التشرذم والانفصال في صفوف المجتمع فيما القضية واحدة. وعن ذلك قالت زعيتر: "ان الدعوة الرسمية من قبل "كفى" وصلت بعد دعوة التجمع النسائي الديمقراطي التي قمنا بالاعداد لها سريعاً وبشكل عفوي. وربما حصل خطأ من قبل الطرفين، الا انه في النهاية نحن كتجمع نسائي ديمقراطي لا غبار علينا في مسألة التحالف والتشبيك مع الجمعيات".
واعتبرت زعيتر ان وجود تحركين يقوي القضية التي تحتاج الى تحركات مكثفة، وقالت: "نحن سنشارك في تحرك السبت، فنحن دوما مع التشبيك والتنسيق وبدليل حضور مجموعة كبيرة من الجمعيات ومنها اللجنة الاهلية، ابعاد، لا فساد، متطوعون بلا حدود، رابطة المراة العاملة، الجمعية اللبنانية لتعزيز ديمقراطية الانتخابات،الهيئة اللبناني لمناهضة العنف ضد النساء، عدل بلا حدود والنجدة الاجتماعية".
واعتبرت الصحافية والناشطة الاجتماعية ناريمان الشمعة ان: "المشاركة في الاعتصام ليست من اجل الضغط لقيام القضاء بالاستعجال وان يأخذ احكاما عادلة بحق المجرمين وحسب، وانما ايضا هي رسالة توعية للاهل حتى لا يضغطوا على بناتهم للعودة الى أزواجهن اذا كانت الحياة الزوجية قد وصلت الى منحى فيه عنف وان كان يقال انها تعود من اجل اولادها فإنها بعد موتها لن تكون موجودة من اجل أولادها".
وأكدت هلا ابو علي من جمعية "شمل" ان العنف سواء أكان موجها ضد المراة او الرجل هو أمر مرفوض وقالت: "نرفض كل أشكال العنف الممارس من قبل المجتمع اللبناني الذي يأتي نتيجة ظروف سياسية واجتماعية يخضع لها الشعب ويتم التعبير عنها بهذه الطريقة". وقد رفضت ان يكون الإعدام هو القصاص العادل للمجرمين معتبرة ان: "الاعدام يؤدي الى دورة عنف فنحن لدينا ضحية وهناك مجرم الذي هو نفسه ضحية هذا المجتمع. لذا يجب البحث في الاسباب الرئيسة التي أدت الى هذه الجريمة ووضع الاصبع على الجرح. كما انه من الضروري البحث في الاسباب التي تؤدي الى ارتفاع وتيرة العنف في المجتمع اللبناني".
وشدد رياض عيسى من جمعية متطوعون بلا حدود على ضرورة: "ان ينتفض المجتمع اللبناني ضد ما يحصل من جرائم ونصرة للقضاء ودم الضحايا بهدف الاسراع بمحاكمة المجرمين محاكمة عادلة وقاسية لعلها تكون رادعة حتى لا يستسهل الرجل اللبناني فكرة القتل او التعنيف الموجه ضد زوجته. آن الأوان ليصبح هذا الموضوع من الماضي وبما اننا نعتبر انفسنا راقين وحضاريين فإنه من المهم الانتباه الى ان أبهى سمات التحضر تكمن في إعطاء المراة كامل حقوقها فيما يتمثل التطور والتقدم بأن يسود الامن والعدل في المجتمع".
أما المحامية نادين موسى فإعتبرت انه "لن يسترد المواطن عامة والمرأة خاصة حقوقه وأولها الحق بالحياة الا عندما تتغير الطبقة السياسية التي لدينا برمتها ويصل العنصر النسائي بقوة الى مركز القرار. نحن ما عدنا نصدق وعودهم الفارغة وتنظيرهم الذي مللنا منه. فهم يكذبون علينا. نريد قوانين تحمي المواطن وتحمي المراة في حياتها. عندما يتم قتل إمراة بهذا الشكل الوحشي فإن هذا الأمر يدق ناقوس الخطر في كيان المجتمع بأسره الذي يشهد انهياراً وهو الى الزوال".