بعد مخاض عسير حطت سلسلة الرتب والرواتب رحالها في الهيئة العامة. الولادة لم تتم لا قيصريا ولا طبيعيا، اعيد الملف الى لجنة نيابية تقوم بانجاز تقرير واضح حول السلسلة ليرفع الى الهيئة العامة بعد 15 يوما.
وكانت الجلسة افتتحت عند الساعة 10:50 صباحا. الحضور النيابي كان لافتا، على قدر اهمية الملف، او بالاحرى قياسا على اهتمام النواب بهذا الملف. والفرق واضح بين الاثنين، يضاف الى ذلك تحضير النواب لكلمات مكتوبة. النائب انطوان زهرا كان مذهولا بهذا الحضور الواسع (نواب لم تعهد كراسي المجلس حضورهم في الجلسات الخمس الماضية)، فتمنى ان تحظى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بذات الزخم وذات الاهتمام.
تليت المادة الاولى من المرسوم رقم 10415 المتعلق بزيادة غلاء المعيشة. اذ ذاك، بادر زهرا الى المطالبة بأن تكون الجلسة سرية. وهنا سجل اعتراض الرئيس بري. فتداخل كل من النواب سامي الجميل وعلي فياض وعلاء الدين ترو وسيمون ابي رميا للتذكير بحق المواطن بالحصول على المعلومات اعمالا لمبدأ الشفافية، بمقابل مداخلات كل من النواب جوزيف معلوف واحمد فتفت الذين ناصروا سرية الجلسة بغية تفادي المزايدات وازدواجية الخطابات وتسهيل اقرار السلسلة. وعندها طرح الاقتراح على التصويت، فسقط الاقتراح وابقيت الجلسة علنية. وبطبيعة الحال استهلت الكلمات مع النائب فؤاد السنيورة الذي أدلى بدلو التهويل من خطر اقرار السلسلة على النمو الاقتصادي والهدر والفساد، واختتم خطابه الذي دام لاكثر من نصف ساعة بالمطالبة باحالة السلسلة الى لجنة نيابية لدراستها بتأنّ. وهكذا دارت الكلمات في حلقة قوامها الارقام، ووجوب وقف الهدر والفساد، والرأسمالية وحيتان المال، وجيوب الناس والتريث ثم التريث ثم التريث. رتابة النقاشات افضت الى حال من الفوضى وعدم اصغاء النواب لبعضهم البعض، في سياق يدعو للتساؤل فيما اذا كان هناك نية مبيتة بترحيل السلسلة أو دفنها.
وعلى الرغم من حرص الرئيس بري على تأمين الاجماع وتفادي الانقسام الآذاري، تناغما مع التوافق السائد في البلد، الا ان انشطار النقاش ما بين "حريص" على مراجعة الارقام ومتمسك بوجوب اقرار السلسلة تفاديا لفورة اجتماعية، حال دون ذلك. وبناء عليه، حسم النواب خياراتهم وفق انتماءاتهم السياسية بمناسبة التصويت على اقتراح قدمه نائب آخر من كتلة القوات اللبنانية وهو الاقتراح الرامي الى تشكيل لجنة تنجز تقريرا خلال 15 يوما وترفعه الى الهيئة العامة. فالى جانب نواب تيار المستقبل ، اصطف نواب كتلة التغيير والاصلاح في ما عدا النائب نبيل نقولا الذي امتنع عن التصويت ونواب جبهة النضال، ليصل عدد المؤيدىة للتأجيل الى 65 مقابل 27 صوتا. والسؤال المطروح هو: الى اي مدى ستكون هذه اللجنة فاعلة؟ خاصة وان تمثيل الكتل السياسية فيها مقتصر على النواب آلان عون وجورج عدوان وابراهيم كنعان وغازي يوسف وجمال الجراح وهنري حلو وسامر سعادة، في ظل رفض كتل التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة الدخول في ما اعتبروه محاولة لدفن السلسلة. اذا سلمنا جدلا ان اللجنة نجحت بانجاز التقرير خلال المهلة المحددة، فهل رفعه الى الهيئة العامة كفيل بتذليل العقبات امام اقرار السلسلة وارضاء اصحاب الحقوق؟
من تابع هذا المشهد، يتيقن حجم التآمر السياسي للتنكر لحقوق المواطنين. يوم البارحة كان "ظالما يسجل في تاريخ المجلس" (التعبير لنبيه بري الذي أمل أن لا يكون اليوم كذلك)، ظالما بامتياز. وانتهت الجلسات التشريعية التي بدأت بشعارات سريالية غير مالوفة عن المجلس النيابي (فهو لا يعمل تحت الضغط وينصف الجميع ويجد ويجتهد لهذه الغاية)، بدحض بليغ لها. واتضح أن كل ما قيل عن صراعات مستفحلة بين أصحاب المصارف والنواب ليس الا تمنيات بتحول لم تحن ساعته بعد. وبهذا القرار، بدا واضحا أن النقاش العام الحقيقي لن يكون في الأسابيع القادمة داخل ردهاته، انما في قلب الشارع.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.