1400 معمل غذائي مرخص عدا عن مصنعي المعقمات والمستلزمات الطبية: من يضمن سلامة العامل والمستهلك في زمن الكورونا؟


2020-03-30    |   

1400 معمل غذائي مرخص عدا عن مصنعي المعقمات والمستلزمات الطبية: من يضمن سلامة العامل والمستهلك في زمن الكورونا؟

بين قرار رئيس الحكومة حسان دياب الرقم 53/2020، والقاضي باستثناء بعض الشركات الخاصة العاملة في مجال التصنيع الغذائي من الإقفال، وبين صوت صاحب أحد معامل تصنيع رقائق البطاطا (التشيبس) وهو يطلب من عمال مصنعه بفروعه الثلاثة تصنيع مئة طن من البطاطا في يومين كون "الناس محبوسة ببيوتها وعم تنقرش كل الوقت"، كما قال لهم، مئات العمال والموظفين الذين لا نعرف حتى الآن من يسهر على حمايتهم وتأمين معايير السلامة العامة لهم في زمن الكورونا. فوفق مدير عام وزارة الصناعة داني جدعون، لدينا نحو 1300 إلى 1400 مصنع غذائي مرخص في لبنان (ليس لدينا رقم غير المرخص من بينها). وهذه معامل كلها استثناها القرار الذي بني على كتاب أرسله وزير الصناعة عماد حب الله إلى الحكومة. قرار لم يميز بين الصناعات الضرورية وتلك غير الضرورية، فالبنسبة لجدعون "كل الصناعات الغذائية ضرورية، يعني إذا الأولاد طلبوا من أهاليهم تشيبس أو شوكولا هن ومحجورين بالبيت، شو بيعملوا؟"

ويرى مدير عام الصناعة أن "العبرة في تنفيذ إجراءات الحماية المطلوبة، والتي عممتها وزارة الصناعة في كتاب أصدره الوزير حب الله"، ومن المفروض أن تسهر على تطبيقها قوى الأمن الداخلي "وقد أرسلنا هذه المعايير إلى وزارة الداخلية أيضاً"، وفق ما قال. ولكن ماذا عن مراقبي وزارتي العمل والصناعة؟ وأين المفتشون المولوجون بمراقبة تأمين معايير سلامة العمل في المعامل والمصانع؟ يقول مصدر في وزارة العمل: "نحن نعمل على جدولة دوام المناوبات في ظل الأوضاع الحالية وسنباشر المراقبة وفق المتاح. المتاح هنا ليس بحجم المهام المطلوبة كون وزارة العمل أعلنت أكثر من مرة أنها تعاني من نقص في عدد المفتشين والمراقبين.

كتاب دياب لم يستثنِ المؤسسات الصناعية الغذائية فقط، بل أيضاً معامل أدوات التنظيف والمعقمات المطلوبة بشدة في هذه الأيام، مع كل الصناعات المرتبطة بتأمين مستلزمات تعليب وتوضيب وأجهزة التصنيع المتعلقة بالصناعات الغذائية والتنظيفية والتعقيمية. وعليه، لم يعد الأمر يقتصر على 1400 مصنع ومؤسسة تعمل في المجال الغذائي، بل صرنا نتحدث عن نحو ألفي مؤسسة صناعية عاملة حالياً، خاصة وأن معامل عدة انخرطت بصناعة المنظفات والمواد الغذائية والإحتياجات الطبية ومنها الكمامات والقفازات تبعا للشلل في الصناعات الأخرى، وتلبية لحاجة السوق التي تضاعفت على المأكولات والمنظفات.

ويؤشر بيان وزير الصناعة عماد حب الله الذي صدر اليوم الإثنين 30 آذار 2020، إلى تكاثر التساؤلات المحقة للمواطنين حول نوعية هذه الصناعات الجديدة، وما إذا كانت المعامل المستجدّة على إنتاجها تعتمد معايير الجودة وتطابق المواصفات المطلوبة. ومنح حب الله هذه المصانع والمعامل مهلة 48 ساعة لتسجيل نفسها في وزارة الصناعة لترخيصها وفق المعايير. 

وبين كل هذه المعطيات، يعلق العامل الذي يحتاج للعمل والدخل المادي ويخشى من الكورونا "جابوني غصبا عني من البيت" تقول موظفة في أحد المعامل للمفكرة "خايفة كتير ألتقط الفيروس، بس ما بدي إخسر شغلي". وعن معايير تأمين سلامة العمال، تقول: "في كفوف وكمامات. بس ما في احترام للمسافة بين العمال، وفي عجقة وسرعة بالإنتاج ونحن ما منعرف إذا الكمامة عن جد بتحمي، وإذا لازم نضل لابسين نفس الكمامة بكل نهار العمل".

 

"الكورونا مش عيب وانبتهوا ع حالكم"

وبعدما ثبتت إصابة موظفتين في أحد معامل منطقة بصرما في الكورة، عممت إحدى المريضتين، رسالة صوتية تؤكد إصابتها بالكورونا، وأن حالها الصحية جيدة، داعية الأهالي إلى حجر أنفسهم في المنازل. وتشير إلى أن الشركة كانت "تتبع إجراءات الحماية اللازمة للعمال"، وفق ما قالت. وتختم رسالتها بالقول: "نعم أنا معي كورونا ومش عيب يكون معنا كورونا. انبتهوا ع حالكم واهتموا بحماية عائلاتكم ولا تتلهوا بالكلام وتناقل الأخبار". وتعمل الموظفتان في شركة الزعني، الأولى تعمل في المختبر، والثانية في التصميم. وكانت شركة الزعني تصنّع مواد التنظيف والكريم المرطب، وحديثا بدأت تصنيع مواد التعقيم تماشيا مع ارتفاع الطلب عليها في زمن فيروس كورونا. وأكد رئيس بلدية بصرما إيلي صليبا للمفكرة أن "المعمل معروف باتباعه إجراءات حمائية. ومع ذلك اتفقنا مع صاحبه على إقفاله لمدة 14 يوما تجرى خلالها فحوصات لجميع العمال وحجر صحي". ونقل صليبا عن صاحب المعمل أن "الموظفتين التقطتا العدوى من زغرتا وليس من العمل، كونهما من زغرتا، التي تسجل نحو 13 إصابة بالكورونا وهو اعلى معدل إصابات في المنطقة المحيطة بها.

على خط هاتفي آخر، يأتي صوت أحد الموظفين في وزارة معنية بمراقبة استمرار بعض المعامل والمصانع والشركات المرتبطة بالصناعات الغذائية وملحقاتها، وبتصنيع مواد التنظيف والتعقيم، ليقول "نحن ملتزمون بالتعبئة العامة"، في إشارة إلى عدم حضور معظم الموظفين إلى مكاتب العمل. يترجم الجواب بعضا من إرباك كبير يطفو على سطح إدارة الأزمة الحالية في لبنان والتباس لدى الوزارات في تطبيق "التعبئة العامة" وكذلك تضارب الصلاحيات أحياناً بين إدارات رسمية وبعض الأجهزة الأمنية العاملة على الأرض. ويفيد موظف معني بالمراقبة في إحدى الوزارات أن عناصر قوى الأمن يردون أحياناً "نحن منفذو أوامر وزارتنا"، لدى الطلب منهم تنفيذ مهمات محددة.

وتؤكد مصادر قوى الأمن الداخلي عن تسطير عناصرها 2500 محضر مخالفة لغاية اليوم الإثنين. تتوزع هذه المحاضر مناصفة على أشخاص وعلى مؤسسات. وأقفل هؤلاء، وفق مصدر قوى الأمن، بعض المؤسسات المخالفة بالشمع الأحمر، أو تم تسطير غرامة مالية مع إنذار (غرامة ما بين 100 إلى 600 مئة ألف ليرة). ولا تتعلق المخالفات بمؤسسات صناعية فقط بل تشمل "إقفال شقة كانت مفتوحة للعب الميسر (القمار) ومحل للألعاب الإلكترونية، كما معمل لتدوير البلاستيك يشغّل عماله بلا إجراءات حمائية وأخر لا يحترم المسافات بين العمال". 

 

لا تحديد للصناعات الضرورية من عدمها

هذا الإرباك يتيح أيضاً المجال أمام جشع صناعي آخر أرغم موظفيه وعماله على الإنتهاء من إنتاج أطنان من البيسكويت والنقولات. فهي كما رقائق "تشيبس" مطلوبة بشدة اليوم، وهذا زمن تحقيق الأرباح. يقول أحد المتابعين لأوضاع العمال البالغ عديدهم نحو 300 عامل "هذا الصناعي يعرف أن الدولة لم تميّز بين الصناعات الغذائية الضرورية من عدمها، ولذا استشرس في الإفادة من التغطية الشرعية التي يتمتع بها".

وتنص المادة 1 من القرار 53/2020 الصادر عن رئيس الحكومة حسان دياب: تستثنى من قرار مجلس الوزراء رقم 1 الصادر في 15/3/2020 (التعبئة العامة)، مصانع المنتجات الغذائية على أنواعها من دون استثناء (كل ما هو صالح للأكل)، وتعبئة المياه للشرب، والأدوية والمنتجات الطبية والأمصال، والمرطبات والعصائر والمشروبات.

كما يستثني الكتاب من الإقفال معامل تصنيع المعقمات والمطهرات والمنظفات وتوابعها المستوفية الشروط الصحية، ومستلزمات التعبئة والتغليف والحفظ، من كرتون وورق وبلاستيك ونايلون وزجاج وخشب والمنيوم وستانلس ستيل. كذلك الكمامات والتجهيزات الشخصية للحماية (كفوف وأغطية واحذية وملبوسات (أوفرأول) وواق للعيون، والمعدات الصناعية لزوم تجهيزات المصانع على أنواعها الناقلة للمنتجات والمخارط والمولدات الكهربائية والقوالب لزوم العبوات البلاستيكية، والورق الصحي وورق تنشيف اليدين والطباعة المخصصة للمنتجات الغذائية والصحية والمنشورات التوعوية الصحية والتغليف والتعبئة، والأسرة والمعدات والمستلزمات الطبية والاستشفائية والصحية، وكذلك كل ما يتصل بسير العمل لاسيما المتعاقدة مع الوزارات ومؤسسات الدولة والبلديات واتحاداتها، شرط التقيد بمقتضيات الوقاية والسلامة الصادرة عن وزارة الصحة العامة.

وأتبع دياب الكتاب 53 بالكتاب 54 الذي يعلق العمل بين السابعة مساء والخامسة فجراً ويسري على المصانع والمؤسسات أيضا بما فيها المؤسسات الغذائية التي اسثنيت بموجب الكتاب 53. ولم يُستثنَ سوى المطاحن والأفران والصيدليات والمصانع التي تنتج المستلزمات الطبية على اختلافها، ومن بينها تلك التي شملها كتاب وزير الصناعة اليوم.

 

الترخيص تحت طائلة المسؤولية

أصدر حب الله بياناً اليوم في 30 آذار 2020 ، يمنح عبره مهلة 48 ساعة لمصانع الكمامات وPPE لتسجيلها "تحت طائلة المسؤولية". وطلب حبّ الله من هذه المصانع التقدّم إلى وزارة الصناعة  ل "تسجيل مصانعهم والإفادة عن نوع منتجاتهم ومواصفاتها والقدرة على الإنتاجية خلال 48 ساعة، للسماح لها بالعمل وفق أحكام الدوام الإستثنائي، وإفساحا في المجال أمام أجهزة الوزارة لإجراء الكشوفات والرقابة اللازمة لقوننة أوضاعهم وتقرير السماح لهم بالإنتاج والتسويق". وأكد وزير الصناعة أنه "سيصار إلى ضبط المخالفين ومنعهم من الإنتاج والتسويق وصولاً إلى إقفال مؤسساتهم". 

وقال مدير عام وزارة الصناعة داني شمعون للمفكرة أن الوزارة تحاول التوفيق بين حاجة البلاد للمواد الضرورية وخصوصا الغذائية والطبية وملحقاتهما في ظلّ الحاجة وعوائق الإستيراد، لتعتبر أنّ كل الصناعات الغذائية ضرورية من دون استثناء، ومعها المستلزمات الطبية ومن بينها المستعملة في الحماية الشخصية (كمامات وقفازات وغيرها) ومواد التعقيم والتنظيف والصناعات المرتبطة بتوضيب الأغذية والأدوية وتجهيزاتهما.

ووفق جدعون عممت الوزارة المعايير المطلوبة في كتاب أصدره وزير الصناعة، وحدد القدرة التشغيلية ب 30% لتتمكن المؤسسات من احترام المسافة بين العمال وتأمين وسائل حمايتهم من جهة وتلبية احتياجات السوق من جهة ثانية.

وأصدر وزير الصناعة عماد حب الله الخميس 26/3/2020 قرارين حدّد فيهما الإجراءات الوقائية العامة في المصانع الغذائية وغيرها، وحملا الرقم 15/1 ويتعلق باجراءات الوقائية العامة لمصانع الأغذية، والرقم 16/1 ويتعلق بالاجراءات الوقائية العامة في المصانع باستثناء مصانع الأغذية.

وتتلخص إجراءات الحماية في الصناعات الغذائية، في لائحة طويلة وردت في كتاب حب الله، أبرزها وأخذ حرارة العمال الذين يتداولون الأغذية بشكل يومي ومنع دخول أي عامل تتخطى درجة حرارته الـ 37 درجة مئوية أو تظهر عليه أي من العوارض المرضية[1]. ويحيل كتاب وزير الصناعة من يريد مزيدا من التفاصيل إلى مراجعة الدليل التوجيهي حول ممارسات التصنيع الجيد في المصانع الغذائية اللبنانية الصادر عن وزارة الصناعة بتاريخ 1/5/2016 على الموقع الإلكتروني للوزارة. أما القرار 16/1 المتعلق بالإجراءات الوقائية العامة في المصانع غير الغذائية وهو ينص على لائحة مختصرة من الدليل المذكور.

بعد عرض هذه الإجراءات المهمة التي تنص عليها قرارات وزارة الصناعة لتأمين نظافة العمال في المصانع والشركات وكذلك نظافة وسلامة الغذاء الذي يتناوله المواطنون في زمن الكورونا والخوف من انتقال العدوى بطرق مختلفة، لا بد من طرح سؤال جوهري وأساسي: من يضمن سلامة العمال والموظفين وغذاء المواطنين؟ وهل تكفي دوريات عناصر الأمن من قوى أمن داخلي ومخابرات الجيش وأمن الدولة؟ وهل فعلاً يعرف هؤلاء العناصر بكل هذه الإجراءات ويأخذون وقتهم للتدقيق فيها ومراقبتها؟ وأين دور مراقبي وزارتي الصناعة والعمل والصحة ومعهم البلديات؟ 

 

 


[1]  ومن هذه الشروط الإضافية: "توفير عدد مناسب من دورات المياه ومغاسل الأيدي يتناسب مع عدد العاملين بالمصنع، وأماكن كافية ومناسبة لتغيير ملابس العاملين في مواقع تكون بعيدة عن أماكن الإنتاج لمنع التلوث التقاطعي (التماس والاختلاط المباشرين)، وتزويد مغاسل الأيدي بالماء الساخن والصابون السائل أو أي مادة مطهرة مناسبة مرتكزة على نسبة كحول 70% وبالمناشف الورقية وسلة للنفايات، وعدم السماح بتداول الأغذية إلاّ لمن كان حاصلاً على شهادة صحية سارية المفعول من وزارة الصحة تفيد خلوّه من الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق الغذاء". كما يفرض الكتاب على كلّ شخص أثناء العمل في مناطق تداول الأغذية "أن يُواظب على غسل يديه مراراً بشكل جيّد باستعمال الماء والصابون، وقبل البدء بالعمل وبعد الخروج من دورة المياه، وبعد لمس أية مادة ملوثة أو تداول أية مادة يحتمل أن تكون مصدراً لنقل الأمراض، وبعد الأكل أو التدخين أو لمس الشعر أو الأنف أو الأذن أو الفم أو الوجه، وكذلك ارتداء الملابس الواقية والمناسبة أثناء العمل بما في ذلك غطاء الرأس والأحذية حفاظاً على النظافة الشخصية والمحيطة، والعناية بنظافة الأظافر وتقليمها، ومنع القيام بأي عمل ينتج عنه تلويث للغذاء مثل الأكل والشرب أو التدخين أو البصق أو خلافه في مكان العمل، واستخدام القفازات المعقمة التي تستخدم مرة واحدة فقط مع مراعاة ان ارتداء القفازات لا يغني عن غسل الايدي، وارتداء جميع العاملين في اقسام الانتاج وخاصة في اقسام التعبئة كمامات لتغطية الفم والانف اثناء العمل،وتدريب جميع العاملين في المنشأة الغذائية على الاشتراطات والقواعد الصحية لتداول الأغذية لمنع تلوثها بشكل دوري، واتخاذ الاحتياطات الخاصة بالزائرين لمواقع تداول الأغذية لمنع تلوثها وتتضمن هذه الاحتياطات ارتداء الملابس الواقية والتأكد من حالتهم الصحية قبل السماح لهم بالدخول".

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، استقلال القضاء ، لبنان ، الحق في الصحة والتعليم ، حقوق العمال والنقابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني