هيئة الحقيقة والكرامة والمحكمة العسكرية في تونس: عدالة انتقالية من دون مصالحة


2018-01-25    |   

هيئة الحقيقة والكرامة والمحكمة العسكرية في تونس: عدالة انتقالية من دون مصالحة

أنشأ القانـــون الأساسي حول العدالة الانتقالية عدد 17 لسنــة 2014 هيئة الحقيقة والكرامة معطيا إياها صلاحية نقل الملفات القضائية المتصلة بمسارات العدالة الانتقالية من المحكمة الناظرة بها إلى القطب المتخصص المنشأ بموجب القانون نفسه للنظر في هذه الملفات. وقد ظنّ أعضاء المجلس الوطني التأسيسي أن الهيئة ستسارع في ممارسة هذه الصلاحية لنقل ملفات شهداء وجرحى الثورة من المحاكم العسكرية إلى القطب المتخصص في قضايا العدالة الانتقالية. إلا أن الهيئة أعرضت خلال السنوات الأولى عن القيام بذلك، ملتزمة بما يشبه الهدنة بينها وبين المحكمة العسكرية. ومع إعلان الهيئة عن قرارها في عقد جلسة استماع حول قضية وقائع الرش بسليانة الحاصلة بتاريخ 27/11/2012 (وهي حادثة تدخلت فيها العناصر الأمنية في ظل حكومة النهضة لتفريق احتجاجات)، تبدو الأمور وكأنها بدأت تتجه في منحى مختلف. وهذا ما نستشفه من أمرين اثنين:

الأول، حاجة الهيئة للتصدي للتنكر لشرعيتها في عقد جلسة استماع في أحداث سليانة، وبخاصة بعد الخطاب التصعيدي للمحكمة العسكرية إزاءها. وقد تمثل أول أشكال التنكر لهذه الشرعية في البيان الصادر عن الوكالة العامة للقضاء العسكري بتاريخ 24/08/2017 والذي أدان الدعوة إلى جلسة الاستماع على اعتبار أنّه يشكل تدخلا في عمل القضاء وأنّه يؤثر سلبا على حسن سير الأبحاث في القضية. وقد رأى البيان أن موقف الهيئة يخالف أحكام الفصل 109 من الدستور ويتعارض مع مبدأ استقلال القضاء الذي يفرض امتناع كافة السلط ومختلف الهيئات عن التدخل في الملفات المعروضة على أنظار المحاكم المختصة بأي شكل من الأشكال. وقد صعّدت المحكمة العسكرية موقفها بعد إصدار الهيئة بيانا يطلب منها بلهجة آمرة تعليق نظرها في أحداث الرش لحين إصدارها قرارا آخر بهذا الخصوص، بحيث رفضت المحكمة الطلب بدعوى عدم شرعيته. وما زاد من حرج الهيئة أن الاتحاد الجهوي للشغل بسليانة وهو صاحب الدور الهام في احتجاجات هذه الجهة وأحداثها، اختار أن يؤيد موقف المحكمة العسكرية. وتبعا لهذا الموقف الذي أدى إلى إفشال جلسة الاستماع سياسيا، باتت الهيئة محكومة باستخدام سلاح سحب القضية (للمرة الأولى) من المحكمة العسكرية، تحت طائلة التسليم بفقدان دورها في أول مواجهة معها.

الثاني، حاجة الهيئة لتفعيل مسار المحاسبة القضائية ونقض ممارسات الإفلات من العقاب، ومنها ما شهدته محاكمات ضحايا الثورة أمام المحكمة العسكرية. وعليه، من المرجّح أن يسارع مجلس الهيئة في نصف السنة الأخير من عهدته إلى إصدار قرارات متعددة يحيل بموجبها مجمل القضايا التي يتعهد بها القضاء العسكري إلى المحاكم المتخصصة بالعدالة الانتقالية. ومن شأن هذه الخطوة التي تأخر اتخاذها كثيرا أن تعلن انطلاق مسار المحاسبة، على مقربة من الموعد المحدّد مبدئيا لتكليل مسار العدالة الانتقالية بالمصالحة. ومن هذه الزاوية، قد تؤدي الصحوة المتأخرة للهيئة، في حال حصولها، إلى قلب تسلسل حلقات هذا المسار ونقض فلسفته.

نشر في العدد الخاص حول المحاكم العسكرية في دول المنطقة العربية.

النسخة اللبنانية

النسخة التونسية

يراجع : مقال إيمان عبد اللطيف – اتحاد الشغل يساند القضاء العسكري هيئة بن سدرين في ورطة أحداث الرش – نشر بجريدة الصباح التونسية بتاريخ 28-08-2017

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم عسكرية ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني