هل يجب إقامة مخيمات للاجئين السوريين في لبنان؟


2014-12-09    |   

هل يجب إقامة مخيمات للاجئين السوريين في لبنان؟

لم تتخذ الدولة اللبنانية أي خطوة في اتجاه إقامة مخيمات للاجئين السوريين، إذ تضاربت المواقف السياسية بين مؤيد ورافض دون أن يبرز أي إجماع. في المقابل، التزمت المنظمات الدولية ومنها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (“المفوضية”) وجمعيات المجتمع المدني الصمت إزاء هذه المسألة فامتنعت عن أي موقف في اتجاه أو آخر. وبعيداً عن الخطاب السياسي والأمني بما قد يتخلله من ديماغوجية وعنصرية، تحاول هذه المقالة تقديم حجج موضوعية لإغناء هذا النقاش نظراً لأهمية هذه المسألة ليس فقط بالنسبة للبنان كمجتمع مضيف بل أيضاً بالنسبة للاجئين أنفسهم. فمفهوم المخيّم يطبق على تجمعات اللاجئين التي تتضمن قيوداً ما على حقوقهم وحرياتهم، كالحد من إمكانيتهم بالتنقل بحرية وبتقرير مكان إقامتهم وبالعمل وبالوصول الى الخدمات والحماية.فهل يجب إقامة مخيمات على الحدود اللبنانية – السورية أو على الأراضي اللبنانية؟ وماذا تعلمنا تجارب الدول المضيفة الأخرى، خاصة بالنسبة لما قد يترتب على إقامة مخيمات على المدى الطويل بالنسبة الى أوضاع اللاجئين أو بالنسبة الى المجتمع المضيف؟

خطورة إقامة مخيمات للاجئين السوريين في المناطق الحدودية
في وقت سارعت الأردن وتركيا الى تنظيم إقامة ما بين 20% الى 30% من اللاجئين السوريين في مخيمات داخل أراضيها، طرح مجلس الوزراء اللبناني في أيار 2014 إمكانية إقامة مخيمات على الأراضي السورية أو في المنطقة الحدودية العازلة بين لبنان وسوريا، وذلك في محاولة لإبعاد اللاجئين خارج الصلاحية الإقليمية للبنان، وتالياً خارج مسؤولية الدولة. إلاأن “ورقة سياسة النزوح السوري” التي اعتمدها مجلس الوزراء في تشرين الأوّل 2014 لم تتطرق الى هذه المسألة. وقد يعود ذلك الى ضعف الدعم الدولي لهذه المبادرة، خاصة أن المفوضية أعلنت أنها لن تدعم إقامة مخيمات قرب الحدود نظراً لعدم توافر الأمان فيها ولعدم استطاعة الدولة اللبنانية بسط سلطتها عليها[1]. فيرجح أن تتحول هذه المناطق الى ساحات لأعمال عسكرية ليس من شأنها أن توفر ملجأً آمناً للمدنيين الهاربين من النزاع المسلح. وتشير المعايير الدولية الى عدم جواز إقامة مخيمات للاجئين في أماكن يدور فيها نزاع مسلّح وعلى وجوب إقامتها على بعد مسافة معقولة من الحدود مع بلد الأصل[2] أي على الأقل على مسافة 50 كم[3] وذلك بهدف الحفاظ على الطابع الإنساني والمدني للجوء. وتتوضح بالتالي خطورة طرح مجلس الوزراء، ما يؤدي الى حصر النقاش حول مدى وجوب إقامة مخيمات داخل الأراضي اللبنانية.

ضرورة تنظيم تجمعات اللاجئين غير الرسمية
تتخذ مسألة إقامة مخيمات داخل الأراضي اللبنانية أهمية بالغة نظراً لتكاثر المخيمات غير الرسمية. تشير آخر التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية الى أن ما يقارب 60% من اللاجئين السوريين يقيمون في منازل وشقق وغرف مستقلة، فيما يقيم 40% منهم في خيام وملاجئ جماعية ومبان غير منتهية ومرائب للسيارات ومنشآت عشوائية.[4]وتشير الأرقام في بداية شهر أيلول 2014 الى وجود ما يقارب 1400 تجمع مؤقت غير رسمي يقيم فيها أكثر من 186,000لاجئ، وتتوزع معظمها في عكّار والبقاع.[5] تعاني هذه التجمعات من ظروف معيشية وصحية رديئة تعرض المقيمين فيها للخطر. كما أنها لا تخضع لأي تنظيم أو إشراف إن كان من الدولة اللبنانية أو المنظمات الدولية أو اللبنانية، ما يجعل اللاجئين المقيمين فيها عرضة للاستغلال أو الطرد من أصحاب الأراضي أو من أشخاص وجمعيات ذات نفوذ (كالشاويش) تفرض نفسها كحكّام بالقوة. ويبدو أن السلطات اللبنانية تتصدى لمحاولات تنظيم هذه التجمعات أو تحسين ظروف الإقامة فيها كوضع ملاجئ جاهزة للسكن وذلك خوفاً من تحوّلها الى مخيمات رسمية أسوة بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. إلا أنه من البديهي أنه أصبح من الضروري معالجة تكاثر هذه التجمعات حماية للاجئين والمجتمع المحيط. فهل يكمن الحلّ في تحويلها الى مخيمات رسمية؟

الأمم المتحدة: مخيمات اللاجئين هي الوسيلة الأخيرة لمعالجة أزمات اللجوء
لم تتخذ مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أي موقف واضح إزاء إنشاء مخيمات على الأراضي اللبنانية. إلا أنها أوضحت موقفها من هذه المسألة على الصعيد الدولي لدى إقرارها سياسة “البدائل للمخيمات” في تموز2014[6]. وكانت سياسة المفوضية في العقود السابقة تعتمد على النموذج التقليدي لإلزام اللاجئين بالإقامة في مخيمات، خاصة في حالات الطوارئ التي تشهد عبوراً كثيفاً للأشخاص الى بلد مضيف مجاور. وبفعل هذه السياسة، يقيم 40% من اللاجئين في العالم – والبالغ عددهم 17 مليوناً – في مخيمات، بينما يقيم الآخرون في مدن وقرى في الدول المضيفة. لكن هذه السياسة شهدت تغيراً جذرياً بحيث باتت المفوضية تعدّ المخيمات اليوم كوسيلة استثنائية وأخيرة لمعالجة أزمات اللجوء، وتشجع على البحث عن بدائل للمخيمات من أجل تأمين الحماية اللازمة للاجئين ومراعاة إمكانيات الدولة المضيفة. وقد جاء هذا التغيير بعد دراسة تجارب المخيمات في دول عدة، أظهرت أن الآثار السلبية لإقامة المخيمات على المدى الطويل على اللاجئين والدول المضيفة تجاوزت بكثير الإيجابيات الناجمة عن إقامتها.

التجارب السابقة: الآثار السلبية للمخيمات تتجاوز مبررات إقامتها
وبالفعل، تظهر التجارب السابقة عدداً من الآثار السلبية، أبرزها الآتية:[7]

الاحتواء الجغرافي يحد من حرية تنقل اللاجئين:
تسمح المخيمات بالنسبة للدولة المضيفة بعزل اللاجئين عن مواطنيها واحتوائهم في أماكن غالباً ما تكون بعيدة عن المدن، ما يسهّل السيطرة على وجودهم وتنقلهم وإبقاءهم بعيداً عن الأنظار بهدف تخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما نلمسه في لبنان في قرارات فرض منع تجوّل السوريين (رغم عدم قانونيتها) أو في تزايد طرد المستأجرين السوريين من مناطق سكنية مختلفة. وغالباً ما يؤدي هذا الاحتواء الجغرافي الى فرض قيود واسعة على حقوق اللاجئين كالحدّ من حرية التنقل وحرمانهم من إمكانية العمل والدراسة خارج المخيمات. فتتحوّل المخيمات الى سجون مفتوحة لآلاف الأشخاص مع ما يستتبع ذلك من آثار نفسية تتفاقم مع تلك الناجمة عن تجربة الحرب والابتعاد عن الوطن. كل ذلك يساهم في إضعاف إمكانية اللاجئين بالعيش باستقلالية وكرامة وباتخاذ القرارات المناسبة لإدارة حياتهم.

المخيمات لا تساهم في حفظ الأمن:
قد يكون الدافع الأمني من أهم المبررات لإقامة مخيمات بالنسبة للدول المضيفة من أجل الحد من التوتر الأمني الناتج من تصادم اللاجئين مع المواطنين أو مع قوى الأمن أو في ما بينهم، لأسباب غالباً ما تتعلق بالنزاع الذي تولّدت عنه أسباب اللجوء. وقد تبدو المخيمات للوهلة الأولى الحل الأنسب لمعالجة هذه المشاكل الأمنية في لبنان. فلا شك بأن وجود مسلحين سوريين على الأراضي اللبنانية وإقدام الجيش اللبناني على مداهمة تجمعات اللاجئين وطرد اللاجئين منها أو حرق الخيم قد أظهرت ضرورة الحفاظ على الطابع الإنساني والمدني للجوء عبر فصل المدنيين عن المسلحيين. لكن التجارب أظهرت أن المخيمات غالباً ما  تؤمن، بفعل عزل الاجئين فيها وانعدام الآفاق أمامهم، بيئة حاضنة للأفكار المتشددة والمتطرفة وللتجنيد القسري اللاجئين (ومن ضمنهم القاصرون) للمشاركة في النزاع المسلح. وتالياً تساهم المخيمات في تفاقم المشاكل الأمنية بدلاً من الحد منها. وهذا ما تبينه تجربة مخيم الزعتري في الأردن حيث تتزايد المشاكل الأمنية على نحو يضع جميع اللاجئين في خطر.[8]

المخيمات تعزز المخاطر على الفئات المستضعفة
تشكل المخيمات وسيلة فعّالة لرصد أعداد اللاجئين واحتياجاتهم وتسمح بتحديد الأشخاص الأكثر احتياجاً بينهم، وفي مقدمتهم ذوو الاحتياجات الخاصة وكبار السن والأطفال الأيتام أو المنفصلون عن عائلاتهم، ما يسرّع إمكانية وصولهم الى الحماية والمساعدة. لكن التجارب أظهرت أن عزل المخيمات عن المجتمع المحيط غالباً ما يساهم في ارتفاع العنف تجاه الفئات الأكثر ضعفاً فيها كالنساء والأطفال والأشخاص الذين لا يلتزمون بالعادات الاجتماعية المفروضة من الأكثرية.

المخيمات تضعف من إمكانية اللاجئين إعالة نفسهم
تشكل المخيمات وسيلة سهلة وسريعة لتوصيل المساعدات للاجئين ولتأمين التمويل من الدول الممولة، خاصة في حالات الطوارئ. لكن الدراسات الحديثة أظهرت أن اللاجئين المقيمين في المخيمات لسنوات عديدة يستمرون بالاعتماد على المساعدات نظراً لانعدام إمكانيتهم بالعمل وتأمين العيش لأنفسهم. وتتزايد المخاطر بسبب ارتفاع كلفة تمويل المخيمات وصعوبة استمرار هذا التمويل بعد انتهاء حالة الطوارئ، خاصة أن المخيمات غالباً ما تبقى قائمة بعد انتهاء النزاع الذي أنتج اللجوء. في المقابل، يتمكن اللاجئون المقيمون خارج المخيمات من الاندماج مع المجتمع المضيف والاعتماد على أنفسهم وتطوير قدراتهم عبر التعليم والعمل، وتالياً التحرر من رابطة الاعتماد على المنظمات المساعدة. إضافة الى ذلك، تشجع المخيمات نشوء نظام متواز للخدمات بدلاً من تقوية النظام الخدماتي الموجود في البلد المضيف، ما قد يؤثر سلباً على الاقتصاد المحلي.

الخلاصة
إن التجارب السابقة لمخيمات اللاجئين إن كان في لبنان أو دول أخرى تؤيد التوجه نحو عدم تشجيع احتواء وعزل اللاجئين فيها. إلا أن هذا التوجه لا يؤدي الى التنصل من أي مسؤولية تجاه اللاجئين الموجودين حالياً على الأراضي اللبنانية والذين لا تزال الدولة اللبنانية مسؤولة عن حمايتهم بالتعاون مع المنظمات الدولية. ونظراً لوجود معارضة قوية لإقامة المخيمات في مجلس الوزراء، قد يؤمن ذلك المناخ السياسي الملائم لتمكين المفوضية من تطبيق سياستها الجديدة حول البدائل للمخيمات. فالمطلوب هو تنفيذ خطة شاملة تعتمد على تنظيم إقامة اللاجئين على نحو يسمح لهم بالعيش باستقلالية وسط المجتمع اللبناني. وفي حال مضي الدولة اللبنانية في تجاهل ضرورة اتخاذ خطوات عملية في هذا المجال، قد تصبح مخيمات اللاجئين السوريين أمراً حتمياً لا مفر منه.

* محامية وباحثة في القانون, عضو في المفكرة القانونية

نشر هذا المقال في العدد | 23 |كانون الأول/ديسمبر/  2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
اللاجئون السوريون في لبنان من زوايا مختلفة
للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا


[2]UNHCR Executive Committee Conclusion No. 94 (LIII) – 2002 on the civilian and humanitarian character of asylum
[3] UNHCR, Operational Guidelineson Maintaining the Civilian and Humanitarian Character of Asylum, September 2006
[4] UNHCR Lebanon, Shelter Update,  August 2014
[5] Syria Refugee Response Lebanon, Informal Settlements (IS) Locations, As of 1 September 2014
[6] UN High Commissioner for Refugees (UNHCR), UNHCR Policy on Alternatives to Camps , 22 July 2014, UNHCR/HCP/2014/9
[7] بدائل لمخيمات اللاجئين: هل يمكن أن تتحول السياسة إلى ممارسة؟شبكة الأنباء الانسانية (ايرين)، 9-10-2014
Lucy Hovil, With camps limiting many refugees, the UNHCR’s policy change is welcome, The Guardian, 2/10/2014
[8] Security woes plague Syrian refugees in Jordan’s Zaatari camp, Today’s Zaman, 25/4/2014
انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني