مع نهاية الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب يوم 25-07-2015، يكون المجلس قد ختم دورته النيابية الأولى. استبق رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر الحدث بأن أعلن في 29-06-2015 “أنه قرّر تنظيم دورة استثنائية خلال العطلة للمجلس، وأن هناك عددا هاما من مشاريع القوانين التي سيتم النظر فيها خلال هذه الدورة تتعلّق خاصة بالمحكمة الدستورية، وبقانون المالية التكميلي لسنة 2015 وبالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبرسملة البنوك العمومية، وبالاستقلالية الإدارية والمالية لمجلس نواب الشعب، وتنقيح النظام الداخلي للمجلس”[1]. وبعد خمسة أيام فقط أي بتاريخ 04-07-2015، تغيرت المعطيات مجددا وأعلن رئيس الجمهورية التونسية باجي قائد السبسي حالة الطوارئ. ومن آثار هذا الاعلان اعتبار مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم لحين رفعها. ويعني هذا أنه يفترض أن يواصل النواب عملهم على مستوى اللجان الفنية أو الجلسة العامة طيلة الصيف.
وكانمجلس نوّاب الشعب قد اشتغل طيلة دورته النيابية الأولى في تجانسٍ كامل مع سياسة حكومة الحبيب الصيد التي انبثقت عنه وحظيت بتأييد أغلبية تجاوزت ثلثي نوابه. فكان أن تعهد المجلس النيابي عند بداية عمله بأن يعطي أولوية مطلقة لقائمة مشاريع القوانين التي طلبت الحكومة إستعجال النظر فيها. وقد بادلت الحكومة هذا الاهتمام بتسامحها إزاء مراجعة المجلس التشريعي لمبادرتها التشريعية التي تتعلق بمشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء. فقبلت أن يقدم للجلسة العامة مشروع جديد صاغته لجنة التشريع العام رغم اعتراض وزير العدل على ذلك خلال جلسات نقاش مشروع القانون بالجلسة العامة.
ويستدعي النظر في العمل التشريعي خلال الدورة النيابية الاولى بحثاً عن درجة التزامه بروح الدستور وتوجهاته.
المبادرة التشريعية
وبنظرة سريعة الى حصيلة هذا العمل، نلحظ أن الجانب الأكبر من مشاريع القوانين التي تقدمت بها الحكومة لمجلس نواب الشعب تعلّق بقوانين مصادقة على اتفاقيات قرض او امضاء اتفاقيات تعاون دولي على علاقة بالتعاون الاقتصادي، وتاليا بقوانين لا صلة لها بتنزيل الدستور الجديد. فقد انحصرت مشاريع القوانين المتصلة بتنزيل الدستور ب5 فقط.
فقد عرضت الحكومة التونسية خلال الفترة التي تفصل بين بداية الدورة النيابية و10-7- 2015، 42 مشروع قانون على مجلس نواب الشعب[2] في اطار ممارستها للمبادرة التشريعية. ويلحظ أن 24 من هذه المشاريع اتصلت بالمصادقة غلى اتفاقيات وقروض خارجية وبتعاون دولي. بالمقابل، لم تطرح الحكومة الا خمسة مشاريع قوانين على علاقة بتنزيل الدستور، أهمها مشروعي قانون بإرساء مؤسسات دستورية هي المجلس الاعلى للقضاء والمحكمة الدستورية. كما طرحت الحكومة خلال ذات المدة ثلاثة مشاريع قوانين تمس بالحريات العامة وجب طرح السؤال حول تلاؤمها مع روح الدستور وهي مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين ومشروع قانون مكافحة الارهاب ومنع غسل الاموال ومشروع قانون منع الاتجار بالبشر. وتعلقت بقية المشاريع بمتفرقات على علاقة مباشرة بمسائل اقتصادية ظرفية أو بإدارة الشأن العام. ويلحظ بالمقابل أن الحكومة قد استردّت خلال هذه الفترة أهم مشروعين يتعلقان بالحريات العامة وهما مشروع تنقيح مجلة الاجراءات الجزائية ومشروع قانون حق النفاذ للمعلومة.
ويسجّل في الفترة نفسها ضمور دور نائب الشعب كجهة اقتراح لمشاريع القوانين، الى درجة دفعت رئيس مجلس نواب الشعب الى دعوة النواب وحثهم على ممارسة دورهم بهذا الشأن من دون انتظار مبادرات الحكومة[3]. اقتصرت مبادرة هؤلاء على اقتراح مشروعي قانون أساسيين: الأول يتعلق بالمحكمة الدستورية تم تقديمه بموازة اقتراح للحكومة بهذا الشأن، ومقترح قانون أساسي يتعلق باستقلالية مجلس نواب الشعب وقواعد تسييره. ويكشف الاطلاع على نص اقتراح الكتلة النيابية أن أهم ما تضمنته تعلق بوضع شروط عضوية للمحكمة الدستورية تعطي نواب مجلس الشعب أفضلية في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية[4]. فيما تضمن اقتراح القانون الأساسي باستقلالية مجلس نواب الشعب، مسعى نيابيا لاستغلال المبادرة التشريعية لتطوير الامتيازات المالية على مستوى التأجير والمنح التي يتمتعون بها. وعلى هذا الأساس، جاز القول بأن المبادرة التشريعية النيابية خلتْ من الاعتبارات المبدئية والخلفية السياسية التي تتصل بالمشروع المجتمعي والحريات العامة واصلاح مؤسسات الدولة وبرزت فيها بالمقابل شبهة العمل على خدمة مصالح فئوية.
المصادقة على القوانين
اقترن ضعف أداء نواب مجلس الشعب كجهة اقتراح تشريعي بضعف الأداء التشريعي عموما للمجلس. فطيلة الدورة النيابية الاولى، والى حدود تاريخ تحرير هذا المقال[5] تمت المصادقة على 25 قانونا فقط.
ويمكن تبويب القوانين التي صدرت على النحو الآتي:
– 18 قانونا يتعلق بالمصادقة على قروض خارجية
– وقانون يتعلق باصلاح اقتصادي، هو قانون إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة. ويسمح هذا القانون لأشخاص القانون الخاصّ بالمساهمة في
عمليات الإنتاج في إطار شراكة مع المؤسسة العمومية التي تحتكر ادارة المجال،
– قانون يمنح امتيازا لصغار الفلاحين بالتنازل عن ديون الدولة المستحقة،
– وقانون يتعلق بالاعفاء من معلوم المغادرة .
– قانون بتعلق بتسوية وضعية البناء بدون رخصة الذي اعقب الثورة
– قانونين يندرجان في اطار التعاون الدولي .
– قانون ينقح أحكام قانون المالية لسنة 2015
– وقانون ينقح قانون المالية لسنة 2013 ويلغي معلوم المغادرة على الأجانب من دول الجوار التونسي.
ويشار في هذا الإطار الى أن المجلس التشريعي صادق خلال دورته الأولى على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء، إلا أنه تم تعطيل هذا المشروع بموجب قرار دستوري، أعلن عدم دستورية جانب من أحكامه.
وبالنتيجة، لم يصل مجلس نواب الشعب خلال فترة عمله الإعتيادية من دورته النيابية الاولى الى الحدّ الادنى من الانتاجية التشريعيّة. فمعدّل انتاجه للتشريعات بلغ ربع ما كان يسنّه مجلس النواب قبل الثورة. لا بل أن إنتاجيته بقيت أقلّ من إنتاجية المجلس الوطني الـتأسيسي رغم أن هذا الأخير عمل في ظروف أكثر صعوبة جعلته يتحمل عبء صياغة الدستور في ظلّ صراعات سياسية شديدة[6]. فرغم هذه الظروف الصعبة، لم يسجل المجلس التأسيسي أي تعطيل لجلساته وعمل لجانه، باستثناء ما تعلق منه من ارتفاع معدلات تغيب أعضائه.وهذا ما سنحاول تفصيله أدناه.
الأعمال التشريعية التي تتعلق بالمجال الاقتصادي: موارد الموزانة العامة
اكتفى المجلس التشريعي بالمصادقة على قانونين يمكن اعتبارهما ذات أثر مباشر على الملف الاقتصادي. يتعلق القانون الأول بإنتاج الطاقات المتجددة، فيما يخص القانون الثاني معلوم المغادرة المفروض على الأجانب. بالمقابل، ظلّ مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص والذي تعهد مجلس نواب الشعب بايلائه أولوية مطلقة في عمله التشريعي ضمن قائمة الأربعة وعشرين قانونا موضوع نقاش داخل لجنة المالية. وقد تولّت الحكومة التونسية خلال ذات الدورة سحب مشروع قانون التخفيف من العبء الجبائي على أصحاب الدخل الضعيف بدعوى الحاجة لمزيد مراجعته. وكانت الحكومة أعلنت عن هذا المشروع كمدخل لتحقيق العدالة الجبائية، فيما تعلّق بأصحاب الدخل السنويّ المنخفض.
ويظهر تعاطي الحكومة كجهة اقتراح تشريعي مع ملف الجباية مرتجلاً. فقد حاولت الحكومة في مرحلة أولى أن تكسب تعاطف الطبقات الاجتماعية محدودة الدخل من خلال عرضها لمشروع قانون يعد بتخفيض العبء الجبائي عنها، لكنها تراجعت لاحقا عن مشروعها لأسباب تبدو على علاقة بحاجتها لجباية الأموال من مداخيل هذه الطبقات. وقد أدّى غياب مقاربة اصلاح جبائي شامل لاستمرار تحمّل الأجراء لضغط الجباية في مقابل تهرّب أصحاب المهن الحرة وأصحاب الرساميل من الاضطلاع بواجبهم الجبائيّ. وعليه، بقي المبدأ الذي أرساه الفصل العاشر من الدستور والمتمثل في وجوب “أداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة … وفق نظام عادل ومنصف” خارج مجال اهتمام السلطة التشريعية. ويذكر في هذا الاطار أن حكومة السيد مهدي جمعة التي سبقت الانتخابات التشريعية كانت أكثر جرأة في تعاطيها مع ملف الاصلاح الجبائي، اذ حاولت بمناسبة قانون المالية التكميلي لسنة 2014 تقديم حلول جزئية لمعالجة التهرب الضريبي للمهن الحرة غير التجارية.
أما القانــون المتعلق بضبط الإعفاءات بمناسبة مغادرة البلاد التونسية، فقد أعفى رعايا الدول المغاربية من معلوم المغادرة الذي فُرض بموجب قانون المالية لسنة 2014. وقد كشف هذا الاعفاء أن التعاطي الرسمي مع الجباية كان هنا أيضاً ارتجاليا واحتاج لمراجعات سريعة كانت بدورها ارتجالية املاها ضغط المناطق الحدودية والتحركات الاحتجاجية.
الأعمال التشريعية التي تتعلق بالحريات العامة
تولت الحكومة التونسية اقتراح ثلاثة مشاريع قوانين يمكن اعتبارها على علاقة مباشرة بالحريات العامة هي مشروع قانون أساسي يتعلق بمكافحة الإرهاب وبمنع غسل الأموال ومشروع قانون يتعلق بزجر الإعتداء على القوات المسلحة ومشروع قانون أساسي يتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته. وفي موازاة ذلك، تولى المجلس التشريعي العمل على مشروع القانون الأساسي المتعلق بالحق في النفاذ الى المعلومة، ومشروع القانون المتعلق بتنقيح واتمام مجلة الاجراءات الجزائية. واذ ورد هذان المشروعان الأخيران ضمن لائحة أولويات الحكومة المشار اليها أعلاه، فإن الحكومة التونسية تولّت لاحقاً وبالتنسيق مع مكتب رئاسة مجلس نواب الشعب سحبهما. وقد برر وزير العدل محمد صالح بن عيسى طلبه بسحب مشروع قانون تنقيح مجلة الاجراءات الجزائية بأنه من المفيد القيام “بمزيد من التدقيق والتعمق في هذا النص القانوني في مختلف جوانبه خاصة بالنسبة إلى ضمانات المحتفظ به وتواجد المحامي منذ الساعات الأولى للإيقاف”[7] . كما أضاف الوزير “أن المسألة لن تتجاوز بضعة أيام ومن المنتظر أن يعود المشروع ليتم ترتيبه حسب الأولويات في أعمال مجلس نواب الشعب”. وربط تصريح عضو الحكومة بين ضمانات ذي الشبهة عند الاحتفاظ به لدى باحث البداية وسحب المشروع وعاد ليربط بين معاودة نقاش المشروع بعد تعديله ورزنامة عمل مجلس نواب الشعب. وكان من اللافت أن الحكومة لزمت الصمت بعد سحبها لمشروع قانون حق النفاذ للمعلومة رغم حدة الانتقادات الحقوقية التي واجهتها بهذا الخصوص.
ويبدو جلياً أن سحب المشروع كان على علاقة بحسن النظر في مشروع قانون مكافحة الارهاب. فمشروع قانون مكافحة الارهاب يحدد أجل الاحتفاظ بالمشتبه بهم بخمسة أيام تقبل التمديد لمرتين لذات المدة، فيما كان مشروع تنقيح مجلة الاجراءات الجزائية يهدف الى لتنقيص مدة الاحتفاظ بالمشتبه بهم لدى مصالح الامن من ثلاثة ايام تقبل التمديد لذات المدة لمرة واحدة الى 48 ساعة تقبل التمديد لمرة واحدة بقرار معلل من القضاء. كما كان مشروع تنقيح المجلة الجزائية يكرس حق المحتفظ به في الاتصال بمحاميه بمجرد ضبطه. ويتبين جلياً أن فلسفة مشروع قانون مكافحة الارهاب تصادمت مع الرؤية الحقوقية لمشروع تنقيح مجلة الاجراءات الجزائية. فاختارت الحكومة ومكتب مجلس نواب الشعب رفعاً للحرج أن تتم التضحية، ولو لفترة معينة، بإصلاح مجلة الاجراءات الجزائية خدمة للأحكام الاستثنائية التي سيكرسها قانون مكافحة الارهاب. وذات التضحية أقصت مشروع قانون حق النفاذ للمعلومة. فتكريس هذا المشروع وما تضمنه من أحكام تمنع حجب تلك المعلومات كلما تعلق الأمر بانتهاكات حقوق الانسان، يتعارض مع ما يبشر به مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين من توسيع لمفهوم أسرار الدفاع الوطني على نحو يشمل كافة أوجه العمل الأمني.
وبالنتيجة، أمكن القول أن تشريعات أول سلطة تركزت وفق أحكام الدستور الجديد لم تكن في مستوى أحكامه فيما تعلق بالحريات العامة والحقوق الأساسية. فغابت عن العمل التشريعي المبادرات التي كان يفترض أن تكون أداة لغربلة التشريعات التي تتعارض مع الدستور. وكانت التشريعات التي تم الاهتمام بها تميل الى الشاغل الأمني أكثر من بحثها في تنزيل “ثقافة الدستور”. ووصل الأمر الى أن نجح الانسجام بين الحكومة والأغلبية بمجلس نواب الشعب في تعطيل اصلاحات تشريعية كان من الممكن أن تطور جزئيا الحق في المحاكمة العادلة وحرية الاعلام والمعلومة. وهذه المعطيات تؤكد أن تعاطي المشرع مع ملف الحريات كان بمنأى عن روح الدستور، هذه الروح التي باتت قيدا على توجه المؤسسة التشريعية نحو توفير غطاء تشريعي للحرب على الارهاب. وفي ذات الاتجاه، كانت روح الدستور في مرمى نيران تشريعات تنزيل المؤسسات الدستورية في صورة تجسد تحول تشريعات تنزيل الدستور الى محاولة انقلاب ناعم عليه.
تنزيل الدستور مناسبة لتسجيل الندم عليه: مشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء نموذجا
حمل الدستور التونسي مجلس نواب الشعب مسؤولية إرساء المجلس الأعلى للقضاء في أجل أقصاه أربعة أشهر من تاريخ انتخاب أعضائه. وألزم الدستور ذات المجلس بارساء المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة واحدة بداية من ذات التاريخ.
لم ينجح المجلس التشريعي في احترام الآجال الدستورية التي تتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء. وقد حقق بذلك أول خرق صريح منه لأحكام الدستور. وكشفت نقاشات الأغلبية النيابية لمشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء ومن قبلها أعمال لجنة التشريع العام، وما صدر عن أعضائها البارزين من تصريحات، أن “المشرعين” يعتبرون أن قواعد استقلالية القضاء التي أرساها الدستور كانت نتيجة لضغط القضاة على المجلس الوطني التأسيسي[8] وأن استقلالية القضاء يجب الحد منها لان القضاء لم يتم اصلاحه بعد. وقد أكد وزير التعاون الدولي والتنمية ياسين ابراهيم الانقلاب على مبادئ استقلالية القضاء. وهذا ما نقرأه في تصريح صحفي جاء فيه أن حركة النهضة لا تريد “استقلالية كبيرة للقضاء على اعتبار أنّ القضاء ظلمها في وقت ما، وما زال غير ناضج وفيه فساد”. وقد أردف “أنّ هذا الموقف هو وجهة نظر نواب النهضة وأيضا موقف الحركة الرسمي الذي حاولت تمريره في الدستور. غير أنّ أبوابا كثيرة انفتحت عكس ما كانت تتصوّره، وفي النقاش حول قانون المجلس الأعلى للقضاء استعادت حركة النهضة وجهة نظرها”[9]. وذات الأمر أقر به وزير العدل الذي اعتبر أن المزاج السياسي الذي تم في ظله سن أحكام باب السلطة القضائية بالدستور قد تغير[10]. وفي الاتجاه نفسه، لم يخفِ نواب مجلس الشعب التونسي عند مناقشتهم للفصل الأول من مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء احتفاءهم بنجاحهم في إسقاط التنقيح الذي ينص على أن المجلس يضمن استقلال السلطة القضائية. فتولوا مباشرة بعد اعلان نتائج التصويت التصفيق لنجاحهم. وذات السلوك تكرر بمناسبة نقاش الفصل الرابع من ذات المشروع. وقد دفع ذلك رئيس الجلسة الى تنبيه النواب لكون عملهم التشريعي ليس معاديا لأحد في اشارة ضمنية للقضاة.
كشفت نقاشات مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء عن استماتة من نواب مجلس الشعب في الدفاع عما اعتبروه حق وزير العدل في التدخل في ادارة القضاء. وقد وصل الامر الى حدّ تبرؤ وزير العدل من توجهات النواب، بحيث ذكر أن تنقيحات لجنة التشريع العام لمشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء “سبب لاثارة نقاش يضع الجميع في مأزق”[11].
وقد نجحت المعارضة داخل مجلس نواب الشعب رغم قلّة عدد أعضائها في الكشف عن نوايا الأغلبية بالحدّ من استقلالية القضاء. وقد اضطرت هذه الأخيرة الى القبول بتوافقات حول مشروع القانون تتضمن اعترافا بالسلطة القضائية تجنبا للحرج أمام الرأي العام. إلا أنه ورغم تلك التوافقات، بقي مشروع القانون دون مستوى المبادئ المكرسة دستوريا. وقد نجح ثلاثون نائبا في تجاوز الضغوط السياسية للطعن والتي وصلت الى حدّ تهديد كتل هؤلاء بالطرد من الائتلاف الحاكم في صورة الخروج عن مساندة مشروع القانون أو الطعن فيه.
وتبعا لذلك، أثبتت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدم دستورية القانون محبطة بذلك سعي النواب الى الانقلاب على الدستور. واذ سعت لجنة التشريع العام من مجلس نواب الشعب الى الالتفاف حول بعض المؤاخذات التي تضمنها الحكم الدستوري، رفضت الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي ابداء رأيها الالزامي في مشروع القانون لعدم التزامه بقرار هيئة الرقابة على دستورية مشاريع القوانين. وقد أحرج هذا الموقف جمع نواب مجلس الشعب ودفعهم لان يقرروا إرجاع مشروع القانون مجددا للجنة التشريع العام لمراجعته بشكل يستجيب لقرار الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين.
وكخلاصة، أمكن القول أن الأزمة الاقتصادية وما استتبعها من مساع للبحث عن حلول لها أبعد المؤسسة التشريعيّة عن تحقيق طموحات الدستور المتمثلة في إيجاد معادلة جديدة قوامها الحقّ في التنمية المتوازنة والعدالة في تحمّل الأعباء العامة. ومن جهة أخرى، دفعت الاختيارات السياسية وفوبيا الحرب على الارهاب ذات السلطة التشريعية للعمل على تحويل الدستور لعبء يسعى المشرع لتخفيف حدة الالتزام به والانقلاب عليه متى تيسر ذلك. الا أن مقاومة طيف من نواب المجلس التشريعي والمؤسسات الدستورية منع من إنجاح الانقلاب التشريعي على الدستور وان لم يمنع تعطيل تنزيل مبادئ حقوق الانسان التي أرساها الدستور في حقل التشريعات.
نشر في العدد 2 من مجلة المفكرة القانونية في تونس
[1]موقع مجلس نواب الشعب – المستجدات.
[2]دون اعتبار قانون المالية.
[3]كلمة الاستاذ محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب بتاريخ 12-05-2015
[6]يراجع في خصوص المعطيات الاحصائية التي تتعلق بعمل المجلس الوطني التأسيسي وتحليلها تقرير د. وحيد الفرشيشي حول العمل التشريعي لمجلس نواب الشعب خلال سنة 2014، منشور على الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية. ويراجع ملخص عنه، في المفكرة القانونية-تونس، العدد 1، أفريل 2015.
[7] – جريدة المغرب 24-06-2015.
[8]“اشار رئيس كتلة نواب حركة النهضة ووزير العدل السابق الاستاذ نور الدين البحيري عند انطلاق مناقشة مشروع القانون الاساسي للمجلس الاعلى للقضاء الى ضرورة “عدم التقيد بالفصول التي وردت بباب السلطة القضائية واعتماد كل فصول الدستور حماية للسلطة التنفيذية والتشريعية من هيمنة القضاة”، في نقاش مشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء خوف من تغول القضاة، سعيدة بو هلال، جريدة الصباح، 18-03-2015.
[9]تصريح ياسين ابراهيم وزير التنمية والتعاون الدولي لجريدة المغرب التونسية، 05-06-2015.
[10]تصريح اعلامي لوزير العدل التونسي على هامش ندوة الدولية حول المجلس الاعلى للقضاء بتاريخ 07-04-2015.
[11]“وزير العدل يسائل النواب بشأن مشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء التونسي: لماذا تنزعون صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء لصالحي؟” منشور على الموقع الالتروني للمفكرة القانونية.