نصائح خالد علي: كيف أناصر القضايا الاجتماعية


2013-07-31    |   

نصائح خالد علي: كيف أناصر القضايا الاجتماعية

خالد علي هو أحد أشهر المحامين المصريين في الدفاع عن القضايا الاجتماعية في مصر من خلال المحاكم. بعد عمله لسنوات في مركز هشام مبارك، أسس المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وقد اشتهرعلي بدعاوى عدة، أكثرها شهرة دعواه الآيلة الى إلزام الحكومة المصرية في 2009 بإنشاء اللجنة المختصة بمراجعة الحد الأدنى للأجور. فاز بجائزة “المحارب المصري ضد الفساد” لعام 2011. وتقدم كمرشح مستقل لانتخابات رئاسة الجمهورية في مصر. استهل علي مؤتمر“المحامي المناصر للقضايا الاجتماعية” بالحديث عن عدد من تجاربه في هذا المجال، وقد تخلل كلماته كم من العبر والنصائح التي رأينا من المفيد استخراجها على حدة ونشرها في هذا الملف (المحرر).
1-حسن اختيار الأشخاص الذين ستُرفع الدعوى من خلالهم:
عند رفعنا قضية ما، من المهم دائما اختيار الحالة الأنسب. فبخصوص قضية إلزام الدولة بوضع حد أدنى للأجور، اخترنا عاملا عنده خمسة أبناء، مرتبه لا يتجاوز 800 جنيه مصري، وأبرزنا عقد إيجار شقته وإيصال الكهرباء وإيصال المياه وشهادات ميلاد أولاده لإظهار مراحلهم الدراسية. ويجب التفسير للمدعي الذي اختير لرفع الدعوى ما هي عواقب القضية ليكون على بينة من أمره. بالإضافة الى وجوب أخذ رأيه فيما إذا كان قادرا على تحمل نتائج الدعوى لكيلا يتراجع عنها بعد ذلك. وهذا ما قمت به في قضية الحد الأدنى للأجور حيث شرحت للعامل المختار أنه من المحتمل أن يُفصل من عمله وأخذت موافقة صريحة منه على تحمله ذلك.
لذلك عندما أصمم القضية أو الفكرة يجب أن أختار النموذج الذي ينفع أن تنطبق عليه الحالة… وعندما أختار الحالة يجب أن أختار تلك القادرة على الصمود أو أختار أكثر من اسم لأنه في بعض الأحيان من الممكن أن يتعرض بعض المدعين الى ضغوط. ولقد تعرضنا لذلك في قضية طنطا للكتان، حيث ضغطت الشركة على المتقاضي الأساسي في القضية فألغى التوكيل المعطى لنا، وما أنقذنا أننا لم نكن نعتمد على مدع واحد في القضية. لذلك يجب أن يتم اختيار شخص له صفة ومصلحة وأن يكون قادرا على التحدي لأن أغلب القضايا التي نرفعها هي تحد للنظام القائم.
2-حسن اختيار المحكمة التي ستقدم أمامها الدعوى:
يجب أن ندرس أمام أي محكمة سترفع القضية، فنحن نعلم سلفا أن توجّه بعض القضاة في مبادئ معينة هو في اتجاه محدد وقدرتنا على التأثير فيهم منعدمة تماما. بينما هناك قضاة آخرون منفتحون ينظرون الى المواثيق الدولية. ولا أخفي أننا في بعض الأحيان نستهدف دوائر معينة ونمتنع قصداً عن أخرى لأننا نكون على يقين بأننا لن نستحصل على حكم لمصلحتنا لدى الأخيرة. إنني أنصح الزملاء بأن يستخرجوا كل الأحكام الصادرة عن الدوائر التي يستهدفونها لمعرفة ما إذا كان القاضي يستند الى مبادئ من المدرسة التقليدية التي لا تجدد أم أنه منفتح وينظر الى المواثيق الدولية في عمله.
3-لا للتقاضي الذي يضفي مشروعية على المحاكم الاستثنائية:
لقد ندمت على رفعي قضية أمام القضاء العسكري لأنني اقتنعت لاحقا بنصيحة كان قد أسداها لي المحامي المناضل أحمد سيف بأن المثول أمام هذا القضاء يعطيه شرعية يجب ألا تُمنح له. فالقاضي يتعامل على أنه رتبة عسكرية والمحامون يعاملون كعساكر، ما أدى الى صدامات كبيرة، وخصوصا مع زملاء محامين متخصصين في القضاء العسكري وأدى الى تحقيقات معهم.
4-وجوب إشراك المتقاضين في الدعوى: الكيس الأسود
من الأهمية ألا نتعامل مع القضايا باعتبارنا مكتباً للمحاماة، فلا نقول للمدعي أن يلازم منزله ولا يتعاطى في تفاصيلها وأننا سوف نهتم بالقضية بدلا منه. بل يجب أن ندعوه الى الجلسات، والى كل الجلسات، هو وكل صاحب حق لأن وجوده في الجلسة سوف يجعله على بينة مما يدور في القضية، ما سيؤثر به ويدفعه الى قول معلومات جديدة تفيدنا في القضية. إنني تعلمت من القضايا العمالية أن هناك ما يسمى بـ”الكيس الأسود” لكل قضية وهو موجود مع صاحب القضية نفسه. فالأخير أكثر شخص متمكن من وقائع القضية وتواريخها وتفاصيلها. فضلا عن أن الأفكار لدعم القضية ممكن أن تخرج عنه هو، فلذلك يجب على المحامي أن يستمع لصاحب القضية جيدا، ما سيولد تعاطفا إنسانيا يحفز المحامي نفسه على إيجاد حلول وأفكار جديدة. بالإضافة الى دراسة أي مستند يقدمه صاحب القضية وإن كنا مقتنعين بأن لا قيمة إضافية له في الدعوى.
5-التعامل مع القاضي وكأنه طفل:
من المهم أن نتعامل كمحامين مع القاضي على أنه لا يعرف شيئا عن موضوع النزاع لأنه لو تعاملت معه على أنه ملم بالقضية أكثر منك وأن ما بحوزتك من مستندات لن يجدي نفعا، فإن ذلك سيجعلك تقصّر في تقديم مستندات ممكن أن يتبين لك لاحقا أنها كانت مفيدة. فيجب أن نتعامل مع القاضي على أنه طفل توجهه نحو الموضوع ولا تبخل في تقديم أي مستند وأن تدلي بأي تفصيل لأن ذلك غاية في الأهمية. إن الكثير من القضاة لا يكونون يصغون جيداً الى ما يقوله المحامي الى أن تطرح أمامهم هذه التفاصيل التي تثير اهتمامهم. وإنني لا أقصد بقولي هذا التقليل من شأن القضاة بل أقصد أن على المحامي أن يبذل أقصى مجهود ممكن للانتصار لقضيته.
6-تحويل القضية الى قضية عامة: اهتمام الإعلام، وإشراك القاضي في كتابة أحكام تاريخية:
المحامي الذي يريد أن يعمل في قضايا الرأي العام لا يجديه نفعا أن يتعامل معها على أنها قضية أمام المحكمة فقط، بل عليه أن يبني فريقا إعلاميا للحملات. فلكي تستقطب هذه القضايا الرأي العام لا بد أن يصدر المحامي بيانا قبل الجلسة يشرح فيه أنه تم رفع دعوى مع ذكر موضوعها وأهميتها وأهدافها وما الى ذلك من تفاصيل، ما سينتج منه تلقف الصحف للبيان ومتابعة القضية قبل الجلسة وبعدها فتتحول الى حملة إعلامية. إن ذلك سيسلط الضوء على القضية ويحث القاضي على التفكير مليا بأن هذه القضية ستترك أثرا في تاريخ مهنته، لأن القضاة أيضا يتباهون بالأحكام التاريخية التي تصدر عنهم. فعندما يشعر أن القضية مصدر اهتمام يُعطي لها أولوية في عملية البحث ويكون أكثر حذرا في كل خطوة يتخذها في هذه المسألة.
7-إحاطة القضية بدعم شعبي من شأنه أن يوازن قدرة القوى المناوئة لها في التأثير على القاضي:
كان همنا عندما تنطلق الدعوى أن تتحول الى حملة، فلم نكن نذهب الى الجلسات بمفردنا، وخصوصا في دعاوى (الطعن في قرارات) الخصخصة، فكنا نأخذ معنا كل عمال المصنع فيقفون أمام باب المحكمة قبل الجلسة رافعين لافتات ويقومون بالهتاف. وعند بدء الجلسة، يسيطرون على قاعة المحكمة ويخاطبون القاضي شارحين وضعهم بأنهم مفصولون ومظلومون، ما يخلق تأثيرا إنسانيا وقانونيا في غاية الأهمية. وحتى بعد انتهاء القضية، يقف العمال خارج المحكمة فيهتفون ضد المحكمة إذا لم يعجبهم قرارها بينما يهتفون تأييدا للمحكمة إذا أعجبهم الحكم. بالإضافة الى ذلك، إن المحكمة تقصر حينئذ الفترات بين الجلسات لأنها لا تستطيع أن تؤجل لفترات طويلة في ظل وجود هذا الحشد الكبير من الناس المدافعين عن قضيتهم.
إن القاضي بشر والقضايا الاستراتيجية صعبة حيث يكون الخصم إما الدولة وإما المستثمرون الذين لديهم قنوات فضائية وصحف، ويتهمونني طوال الوقت بأنني أعطل عجلة الإنتاج وأنني أحث العمال على الانقلاب ضدهم وأهرّب المستثمرين من البلاد. فمثلا، في قضايا الخصخصة تكون الحملات الإعلامية التي تواجهني ضخمة جدا ويتهمونني بأنني سوف أكبّد مصر خسائر في قضايا التحكيم الدولي، لذلك يجب أن أخلق توازنا في التأثير على القاضي.
إن المستثمرين الخصوم يقومون بدفع أموال لعمال وأشخاص لكي ينظموا تظاهرات بوجهنا في المحاكم، حتى أنهم يمنعوننا من الدخول اليها، فهل سأقف مكتوف اليدين ولا أقوم بحملات للتأثير وأنا أجابه هذه التحركات؟! إن جل ما أقوم به هو تأثير إنساني، فإن من المبادئ في العمل الاستراتيجي ألا يكون المحامي بديلا من المتقاضين بل يجب على هؤلاء أن يحضروا الجلسات وأن يشرحوا للقاضي مشاكلهم لأنه في بعض الحالات لا يكون لدي أنا كمحام الإجابة عن بعض المسائل بل تكون لدى المدعين أنفسهم. وهذا هو التأثير الذي أتحدث عنه. أما الوقوف والهتاف في الخارج فهو لكي أصدّر قضيتي الى الرأي العام، لأن الصحف لن تأتي لتغطية الجلسة والاهتمام بالقضية إلا إذا رأت كمًّا من البشر في المحكمة، يتظاهرون في الشارع فتتحول القضية الى حملة. فأنا عملياً لا أكون أؤثر على (حيادية) القاضي بل أحاول أن أنشئ توازن قوى بوجه دولة ووزراء يتهمونني، ورجال أعمال يشتمونني ويدفعون الأموال لتنظيم حملات ضدي. فما أقوم به هو ليس التأثير على القاضي بمعنى توجيهه بل التأثير عليه بسلاح المعرفة بتفاصيل القضية والتجمع لنشر القضية التي هي طوق النجاة الأخير للمدعين.
إنني أؤكد أن الحملات لا تؤثر على حيادية القاضي، فالفكرة فقط أن رؤيته وفلسفته في كتابة الأسباب تتأثر، وتوجهه يتأثر فيجب ألا أتعامل باستخفاف ويجب أن أبذل مجهودا في تهيئة المجتمع للقضية.  كما أن الحملة لا تهدف فقط الى مخاطبة القاضي بل أيضا الى مخاطبة المجتمع وإطلاعه على القضية.
8-الدعم الشعبي كضرورة لتنفيذ الأحكام:
“إن الحركة العمالية تلقفت الحكم (الصادر في قضية الحد الأدنى للأجور) وتحول المطلب بتنفيذ الحكم الى مطلب اجتماعي كبير جداً حيث اهتمت كل الصحف بالحكم وأفردت صفحات كبيرة له وانفتح ملف هيكلة الأجور في البلد. والعمال قاموا بتظاهرتين أمام مجلس الوزراء لتنفيذ الحكم وما زالت الحركة مستمرة الى هذه اللحظة”.
“لقد نفذنا أول حكم في تاريخ المركز المصري لرفع الحراسة القضائية عن نقابة المهندسين بعد 15 سنة من الاستحصال عليه بعدما تشكلت حركة “مهندسين ضد الحراسة” من كل الأطياف السياسية، حيث نظموا مؤتمرا حضره 15 ألف مهندس، ما أجبر الحكومة على تنفيذ الحكم. فيما كنا قد استحصلنا في مركز هشام مبارك للقانون على حكم برفع الحراسة عن نقابة الزراعيين، إلا أن صاحب القضية كان شخصا منفردا ولم يكن هناك حركة تدعمه فلم نستطع تنفيذ الحكم، وهذا ما يؤكد أهمية أن تخلق القضية حركة. إنما الحركة يجب ألا تكون بديلا من رفع قضية قضائية لأن القضية تمكن الحركة من فكرة “شرعية مطالبها”، لذلك أدعو المحامين الى ألا يترفعوا عن النضال القانوني على حساب النضال في الشارع، لأن النضال القانوني هو أحد أجنحة المقاومة وأجنحة الهجوم أيضا”.
إعداد: نرمين السباعي
محامية، فريق عمل المفكرة القانونية

نُشر في العدد العاشر من مجلة المفكرة القانونية

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، مصر ، المهن القانونية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني