من أمام قصر العدل في بيروت: يا قاضي حاسب معنا هيدا المسؤول جوعنا


2019-11-07    |   

من أمام قصر العدل في بيروت: يا قاضي حاسب معنا هيدا المسؤول جوعنا

وفي اليوم 21 للإنتفاضة ما زال الناس في الشارع، وبعد أيام عديدة من قطع الطرقات ومن الوقفات الإحتجاجيّة أمام مبانٍ وشركات مسؤولة عن الفساد أو متواطئة مع الفاسدين وتستر عليهم، وعن هدر الأموال في الدولة، وجّه المتظاهرون، صباح الأربعاء 6 تشرين الثاني 2019، بوصلتهم هذه المرّة نحو القضاء ليطالبوا باستقلاله ومحاسبة جميع المسؤولين عن الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي يعيشها لبنان، وإخراج ملفات الفاسد والجرائم المالية من جوارير مكاتبهم.

في ظلّ ملفات الفساد التي تثار في هذه الفترة، وفي ظلّ طرح مطالب استعادة الأموال المنهوبة ورفع السريّة المصرفيّة، وفي وقت يقف فيه المتظاهرون في وجه جميع من يعتبرونهم مسؤولين عن الوضع المتردي للبلاد والعباد، قرّرت المجموعات والأفراد الذين يتنقّلون بين الساحات والمرافق في بيروت ومناطقها، أن يضعوا القضاة أمام مسؤولياتهم ، ليؤكّدوا من أمام قصر العدل في بيروت أنّ القضاء هو “واحد منّن”، من أولئك المساهمين في خراب لبنان، بسبب خضوعهم للفاسدين وللسلطات الرئاسية والتشريعية والتنفيذية.

وضمن الوقفة الواحدة للمطالبة باستقلاليّة القضاء، تنوّعت مقاربة هذا المطلب، بحيث اعتبر بعض المتظاهرين (ومنهم محامون) أنّ هذه الوقفة تشكّل دعما لبعض القضاة النزيهين الذين يحاولون العمل باستقلاليّة ما استطاعوا إليها سبيلا ومنهم رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، رافضين التعميم على الجسم القضائي بأكمله. سرعان ما لاقت هذه المقاربة اعتراضاً من عدد كبير من المتظاهرين، معتبرين أنّ شعار “كلّن يعني كلّن” يسري على القضاة أيضا، وأنّ الوقفة لن تكون انتقائيّة بحيث تشكّل دعما لقضاة لم يلمس الناس أيّ عمل فعليّ من قبلهم لتغيير المحسوبيّة وتبعيّة القضاء لسلطة الزعماء (والسلطة التنفيذيّة). ويأتي هذا الاعتراض كنتيجة طبيعيّة لانتفاضة قام بها مواطنون قلبوا الطاولة على الجميع من دون انتقائيّة، رافضين أيّ خطابٍ قياديّ من السلطة أو من مجموعات الإنتفاضة وأفرادها، ولن يكون القضاء الذي يمكن أن يؤثّر فعلا في محاسبة الفاسدين وملاحقتهم، مستثنى من المعادلة. أمّا من الناحية العمليّة، فمنذ انطلاق الانتفاضة في 17 تشرين الأوّل، حاول بعض الجسم القضائي عبر نادي قضاة لبنان وقضاة خارج النادي العمل على تقديم شكاوى واستدعاءات بحقّ بعض زعماء السلطة أو وزرائها، أو تقديم بلاغات تطالب بإقرار قوانين رفع السرية المصرفيّة، دون لمس أيّ نتيجة فعليّة حتّى الآن بسبب التدّخلات والتعقيدات السياسيّة.

  “الفساد أساس الملك”

حمل المتظاهرون لافتات لمطالب عامّة تخصّ القضاء، بدءا من المطالبة باستقلاليّته، و”رفع الحصانة عن السياسيّين واستعادة الأموال المنهوبة، إلى “تفعيل دور التفتيش القضائيّ”، و”رفع يد السلطة التنفيذيّة عن القضاء فورا”. ولم تغب اللافتات المطالبة بالحرية للمعتصمين المعتقلين اعتباطيّا في كلّ لبنان، خاصّة وأنّ موجة الإعتقالات ما زالت مستمرّة في بيروت والمناطق، ولا تكون هذه الإعتقالات فقط من القوى الأمنيّة ردّا على مواجهات مع المتظاهرين، بل تتعدّاها لاعتقالات من قبل مخابرات الجيش على خلفيّة تعبير عن رأي ومشاركة في التظاهرات. ويقابل هذا تساهل الدولة مع المعتدين على المتظاهرين نهاية الشهر الماضي، فلم يتم توقيّف أي منهم برغم جميع الفيديوهات الموثّقة للهجوم، ورغم انتشار أسماء المعتدين على وسائل التواصل الإجتماعيّ، فكتب الناشطون على إحدى اللافتات: “حاسبوا اللي ضرب الثوّار، العدالة لحسين العطّار” (وحسين هو شاب استشهد خلال الإنتفاضة ولدى إقفال طريق المطار وهو يحاول ردع البعض من استغلال المسافرين، حيث، وبرغم نشر إسم قاتله لم يتحرّك القضاء أو القوى الأمنيّة لملاحقته).

وتنوّعت المطالب والشعارات التي تصف حالة القضاء في لبنان وتنادي بواجب القضاة: “لا نريد قضاة يتلّقون التعليمات”، “المشكل إنّو القاضي راضي”، “شياطين خرس على مين؟”، “القاضي النزيه واقف لحاله”، “بدنا قضاء مستقلّ حتّى يحاسب الكلّ”، “القضاء بدّو يحاسب، كلّ مين سارق وكلّ مين ناصب”، “القضاء العادل عماد الدول”، ” المادة 80 من الدستور: المجلس الأعلى مهمّته محاكمة الرؤساء والوزراء”، “إفتح إفتح ملفّات بدنا نلاقي المصريات”، “في لبنان: الفساد أساس الملك” (ردّا على شعار القضاء: العدل أساس الملك)، و”القاضي الشرعيّ، منّو شَرْعي”.

 “قضاة السلطة الفاسدين”

لم تغب المطالب الداعية لاستقلاليّة القضاء أو الإنتقادات الموجّهة لعمل القضاة الحاليّ وتقيّدهم بأهواء السلطة وناسها عن الهتافات والأغاني التي أطلقها المتظاهرون خلال وقفتهم أمام قصر العدل:

 “يا قاضي قاضي على مين؟/ قاضي على المظلومين/قاضي على المحرومين قاضي على الفقرا بس/وتارك كل الفاسدين/وتارك كل السياسيّين/وكل ولاد السياسيّين/وكل أصحاب السياسيّين”.

” قاضي بحاسب ثوّار/ يحمي جيوب التجّار/قاضي يحكم الثوّار/وتارك قاتل العطّار”

“يا قاضي حاسب معنا/هيدا الزعيم جوّعنا/ يا قاضي اسمع اسمع/من الساحة مش رح نطلع/روحوا احضروا تلفزيون/الملفات قدّام العيون/القاتل اللي قدام العيون/بدنا قضاء مستقل/يحاكم ويحاسب الكلّ”.

“يا قاضي العدل شعبك حاميك/اكشفهم ولا تكون شريك/شعبك المقهور بناديك/اكشف أسرار الحراميّي”

“يا قاضي صار الهدر قانون/والسرقة شرع والنهب فنون/واللي إيدو نضيفة ما بكون/يقبل يحمي هالبلطجيّة”.

ولم تقتصر الشعارات  على المطالب العامّة، فقام المتظاهرون، والذين كسروا حاجزا كان يعتريهم قبل 17 تشرين الأوّل  2019، وهو ذكر أسماء رؤساء ونوّاب وزعماء أحزاب السلطة، كما ذكر أسمي كلّ من المدّعي العام الماليّ علي ابراهيم والنائب العام التمييزيّ غسّان عويدات:

“كلّن يعني كلّن/والقاضي واحد منن/كلّن يعني كلّن/عويدات واحد منن”

“وإنت شريكن يا ابراهيم/ولاد المسؤولين ضرايبهم مش دافعين/وإنت شريكن يا ابراهيم/فليسقط علي ابراهيم”

“افتح افتح هالجارور/عالفساد عم منثور/ويا قاضي كنّك نزيه/كنت حاسبتلنا نبيه/يا قاضي عن شعبك حامي/أوعى تنسى رياض سلامة”.

ومثلما يفعلون في كلّ تظاهرة أو احتجاج من أوّل أيام الإنتفاضة، وجّه المتظاهرون تحيّة إلى صور والنبطية وطرابلس وبعلبك وغيرها من المناطق في لبنان دعما لما تقوم به ولصمودها في وجه السلطة وأزلامها وضغوطها. ومن قصر العدل، سار المتظاهرون إلى تحت جسر العدليّة مرورا بمركز الأمن العام ومبنى الtva التابع لوزارة الماليّة، مردّدين هتافات وشعارات الإنتفاضة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني