ملاحظات حول مقترح قانون المنافسة المنتظر (2): آليّات حماية المنافسة


2021-05-04    |   

ملاحظات حول مقترح قانون المنافسة المنتظر (2): آليّات حماية المنافسة
رسم رائد شرف

في هذه المقالة، سنتناول الإطار المؤسساتي لحماية المنافسة، والعقوبات التي نصّ عليها المقترح في سياق ردع مخالفة أحكامه. (للاطلاع على الجزء الأول)

1. ملاحظات حول تكوين الهيئة الوطنية للمنافسة وصلاحياتها

ينشئ المُقترح هيئة وطنية للمنافسة ضمن وزارة الاقتصاد. ويشدّد اقتراح الوفاء للمقاومة على ضرورة إنشائها “في مهلة ستّة أشهر من إصداره (أي القانون)”، تفادياً للتجارب السابقة حيث تأخّر التكوين الفعلي للهيئات المنشأة بموجب قوانين لسنوات، أبرزها هيئتي سلامة الغذاء ومكافحة الفساد اللتين لم تنشآ بعد، والهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً الذي استغرق إنشاؤها سنتين من تاريخ صدور القانون. ويضع المقترح الهيئة تحت إشراف وزير الاقتصاد رغم تأكيد النص على تمتّعها بالاستقلال المالي والإداري. ويوضح النص أنّها لا تخضع لأحكام النظام العام للمؤسّسات العامّة ونظام الموظفين وقانون المحاسبة العمومية وأنظمة مجلس الخدمة المدنية، بل فقط لرقابة ديوان المحاسبة المؤخّرة.

وتتألّف الهيئة الوطنية للمنافسة من مجلس المنافسة (وهو مجلس إدارتها) وجهاز تحقيق وأمانة سرّ[1]. واختار المشروع من هذا المنطلق إنشاء هيكلية للإطار الجامع لكلّ هذه المكوّنات وهو “الهيئة الوطنية للمنافسة”، في حين لا يعرف القانونان الفرنسي والتونسي هيكلية جامعة[2].

ويكلّف بحسب الصيغة المعدّلة من الوزير راوول نعمه موظفاً من الفئة الثانية على الأقلّ بموجب قرار صادر عن وزير الاقتصاد بوظيفة مفوض للحكومة لديها. وكان مشروع بطيش قد اختار التوجّه الفرنسي في هذا المجال بحيث كان مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة مخوّلاً لهذه الوظيفة.

من جهة أخرى، يتكوّن مجلس المنافسة من 7 أعضاء هم:

  • قاضيان (حاليّان أو سابقان) من الدرجة 10 على الأقل أحدهما من قضاة مجلس شورى الدولة والثاني من قضاة ديوان المحاسبة يكونان رئيس ونائب رئيس المجلس مداورة؛
  • وثلاثة أشخاص من ذوي الخبرة والكفاءة في مجالات الاقتصاد و/أو الحقوق و/أو المنافسة و/أو حماية المستهلك، حائزون على شهادات جامعية في مجالات الاقتصاد و/أو الحقوق و/أو التدقيق و/أو المحاسبة؛
  • وشخصان من ذوي الخبرة والكفاءة في مجالهم يمثلان قطاعي الإنتاج والتوزيع، حائزان على شهادات جامعية في مجالات الاقتصاد و/أو الحقوق، و/أو التدقيق و/أو المحاسبة.

ويتمّ تعيين الأعضاء بموجب مرسوم حكومي بناء على اقتراح وزير الاقتصاد، وبناء على اقتراح وزير العدل بالنسبة إلى القاضيين.

(!) التحفّظ التّاسع: استقلالية الهيئة المفقودة

تتمتع هذه الهيئة بصلاحيات إنزال عقوبات إدارية بالمخالفين، من دون أن تتمتّع بالاستقلالية المرجوّة، فهي تحت سلطة وصاية وزير الاقتصاد، كما يعيّن أعضاؤها بموجب مرسوم حكومي. من هذا المنطلق، تتعارض وضعيتها مع مقتضيات المحاكمة العادلة. فإنّ منح الإدارة صلاحية إنزال عقوبات إدارية بحق الأشخاص – أي عملياً امكانية استيفاء حقّها مباشرة – يرشح عن خطورة كبيرة على صعيد الحرّيات العامّة. من هنا، وضع تطوّر الفقه والاجتهاد المقارن (الفرنسي والأوروبي) ضوابط عدّة لا بدّ أن تترافق مع صلاحية إنزال عقوبات إدارية، منها ضرورة خضوع هذه العقوبات لمقتضيات المحاكمة العادلة (إلى جانب مبدأ شرعية الخطأ والعقوبة، ومبدأ التناسب بينهما، وانتفاء الأثر الرجعي للعقوبة الأكثر قسوة، وضرورة خضوع القرار الذي ينزل عقوبة إدارية بشخص لرقابة مرجع قضائي)[3].

ويلحظ من باب المقارنة أنّ القانونين الفرنسي[4] والتونسي[5] نصّا على إنشاء “هيئة إدارية مستقلّة”.

(!) التحفّظ العاشر: معايير العضوية غير مبرّرة

لا يتضمّن القانون أيّ مبرّر لاستبعاد القضاة العدليين من عضوية المجلس (هم 4 مثلاً في القانون التونسي إلى جانب قضاة من مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة)[6].

من جهة أخرى، يبدو التنوّع في تكوين المجلس إشكالياً وذلك بالنظر إلى معطيات عدّة:

  • فمن غير المفهوم اشتراط الخبرة “و/أو” في المجالات المختلفة المعدّدة (حقوق، منافسة، حماية مستهلك)، وهو أمر لم يكن وارداً في مقترح بطيش حيث تمّت إضافة عبارة “أو”. فقد يؤدّي ذلك إلى ضرب التنوّع المطلوب في تكوين المجلس؛
  • كما من غير المفهوم إضافة المقترح شرط الشهادة في الاقتصاد أو القانون أو التدقيق أو المحاسبة حصراً كشرط إضافي عن الخبرة في المجالات المذكورة – وهو أمر لم يكن أيضاً وارداً في مقترح بطيش –، فهذا قد يضرب أيضاً التنوّع المطلوب في تكوين المجلس.
  • ومن جهة أخيرة في هذا المجال، يبدو التمثيل ضمن المجلس في الصيغة المعتمدة حكراً على قطاعي الإنتاج والتوزيع. فما سبب استبعاد[7] قطاعات أساسية كالصناعات اليدوية والخدمات والمهن الحرّة (فرنسا[8]) أو قطاع الزراعة (– الفلاحة – الذي يلحظه القانون التونسي)، فهذا قد يضرب أيضاً التنوّع المطلوب في تكوين المجلس.

(!) التحفّظ الحادي عشر: خلوّ النص من أحكام خاصّة بتضارب المصالح

يكتفي النص بوضع موانع للتعيين (مادة 28-ثالثاً) في المجلس وموجب تصريح الأعضاء عن الذمّة المالية (مادة 28-رابعاً). في المقابل، يخلو هذا النصّ من أيّ موجب بالإعلان عن تضارب المصالح[9]، وهي أحد العوامل الأساسية لضمان شفافية العمل داخل المجلس ومقتضيات المصلحة العامّة.

2. ملاحظات حول صلاحيات الهيئة والمجلس

يناط بالهيئة “حصراً البت بقضايا المنافسة وتتصدّى لأيّ وضع من شأنه الإخلال بالمنافسة”. وبشكل عام تتمتّع بصلاحيات أهمّها وضع الاستراتيجية العامّة للمنافسة، وإبداء الرأي بمشاريع النصوص القانونية المتعلّقة بالمنافسة، وتقصّي المعلومات للكشف عن الممارسات المخلّة بالمنافسة وإجراء التحقيقات بها، ودراسة طلبات الموافقة على التركيز الاقتصادي وإصدار القرارات بشأنها إلخ[10]. كما للهيئة إحالة شكوى أمام مجلس المنافسة.

أما مجلس المنافسة، فيتمتّع بصلاحيات استشارية (المادة 33) وصلاحيات قضائية (المادة 34 وما يليها). أكثر تحديداً، يُناط بمجلس المنافسة صلاحيات الملاحقة (فله بحسب المادة 34 أن يضع يده على المخالفات المخلّة بالمنافسة حكماً أو بناءً على شكوى) كما هي الجهة التي تتلقّى الشكاوى، وهي الجهة المناط بها اتخاذ القرارات بشأن الملاحقات[11] (المادتان 35-36).

وبالنسبة للجهات المخوّلة تقديم الشكاوى للمجلس، توضح المادة 34-ثانياً أنّها تقدّم إلى المجلس من قبل الوزير أو الهيئة الوطنية للمنافسة أو المؤسّسات الاقتصادية أو الهيئات المهنية والنقابية وجمعيات المستهلكين المسجّلة أصولاً وغرف التجارة والصناعة والزراعة والهيئات المنظّمة القطاعية والسلطات المحلية. أما البند ثالثاً من المادة نفسها فيشير إلى إمكانية تقديم شكوى مباشرة من كل ذي صفة أو مصلحة، بدون تحديد ما إذا كانت القائمة المحدّدة في البند السابق حصرية. ويبقى للمقرّر العام طلب الملاحقة بالطبع.

وللمجلس اتخاذ التدابير التحفّظية[12] لتفادي حصول ضرر محدق وحال لا يمكن تداركه، يمسّ بمصالح الاقتصاد العامّة أو قطاع معني أو المستهلك أو أحد الأشخاص المعنيين. وإن كانت هذه المادة استعادة للقانون الفرنسي[13] فهي عدّلت المعايير المعتمدة للضرر، حيث يقتضي أن يكون جسيماً ومباشراً atteinte grave et immediate.

من جهة أخرى، يسمح المقترح بالطعن استئنافاً بكلّ من قرارات مجلس المنافسة أمام محكمة الاستئناف المدنية الناظرة في القضايا التجارية في بيروت وقرارات المقرّر العام – جهاز التحقيق – (حول حماية سرّية الأعمال أو التنازل عنها أو قرار التحقيق بدون تقرير مسبق) أمام الرئيس الأوّل لمحكمة الاستئناف في بيروت (مادة 55). وتُعتبر الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف مبرمة، وغير قابلة للطعن تمييزاً، وذلك بخلاف القانونين الفرنسي[14] والتونسي[15] حيث تبقى إمكانية الطعن تمييزاً قائمة.

من جهته، يناط جهاز التحقيق بصلاحيات التحقيق[16] (مادة 31).

وتستدعي ممارسة هذه الصلاحيات على هذا الوجه عدداً من التحفّظات:

(!) التحفّظ الثاني عشر: عدم الفصل بين صلاحيات الملاحقة والتحقيق والحكم

يخلو النص من أيّة ضوابط تحمي الفصل بين صلاحيات الملاحقة والتحقيق والحكم – وذلك من مقتضيات المحاكمة العادلة –، لا سيما لجهة تنظيم عدم إمكانية الأشخاص أنفسهم النظر في مراحل الملاحقة المختلفة. ويكتفي المقترح الحالي بالنص على أنّه “ينظّم عمل الهيئة بموجب نظام داخلي يضعه المجلس (…) ويصدر بقرار يوقّعه الوزير”. والجدير بالذكر أنّ مسألة الفصل بين سلطات الملاحقة والتحقيق والحكم طرحت بقوّة ضمن هيئة المنافسة الفرنسية[17]. وفي هذا الصدد، رأت محكمة استئناف باريس أنّ إناطة الهيئة بصلاحيات الملاحقة والتحقيق لا يخرق مبدأ عدم جواز الجمع بين هاتين الصلاحيّتين إذ إنّ أي عضو من أعضاء الهيئة لم يضطلع في الملف نفسه بالدّورين[18]. وفي الاتجاه نفسه ذهب المجلس الدستوري الفرنسي معتبراً أنّه يمكن للهيئة نفسها الاضطلاع بوظيفة استشارية وبوظيفة قضائية بالنسبة للقرارات نفسها، بدون أن يكون ذلك مخالفاً لمبدأ الحياد، شرط ألّا يضطلع أيّ عضو من أعضاء الهيئة في الملف نفسه بالدورين[19].

(!) التحفّظ الثالث عشر: تقويض الشفافية في عمل الهيئة

ينصّ المُقترح[20] على منع الغير من الاطّلاع على بيانات الهيئة الوطنية للمنافسة ومعلوماتها وتقاريرها وسجلّاتها “المعلن صراحة أنّها سرية”. ويلحظ أنّ المقترح يخلو من أيّة شروط أو ضوابط لإعلان أيّ مستند سرّي، الأمر الذي قد يتعارض مع قانون الحق في الوصول للمعلومات ويهدّد مقتضيات الشفافية.

الأمر نفسه بشأن موجب مجلس المنافسة نشر القرارات الصادرة عنه، حيث أبقى المقترح للمجلس إمكانية “نشر القرار كاملاً أو مقتطفات منه”[21].

3. ملاحظات حول المنظومة العقابية الرادعة

هنا، نتناول العقوبات الإدارية التي يتّخذها مجلس المنافسة، والتي تنقسم بين إبطال الممارسات المخلّة بالمنافسة وإنزال غرامات بحق المخالفين.

ونسارع هنا إلى القول إنّ العقوبات تبقى غير فعّالة في هذا المضمار، فضلاً عن أنّه لا يوجد أيّ تناسب ما بينها وبين خطورة الأفعال المحظورة (الممارسات أو الاتفاقيات المخلّة بالمنافسة بما فيها استغلال وضع مهيمن أو التبعية الاقتصادية، والمقاطعة والممارسات التقييدية، والإخلال بالموجبات المفروضة في حالة التركيز الاقتصادي). ومن شأن ذلك أن يزيد من الشكّ في قابلية المقترح لإحداث تغيير ملموس على صعيد حماية المنافسة وردع الممارسات المخلّة بها طالما أنّه “تشريع دون أسنان”.

وقبل المضي في تبيان تحفّظاتنا في هذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى ما أكّده وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش واضع المسودّة الأساسية، لـ”المفكرة”، لجهة أنّ مروحة العقوبات المنصوص عنها تأتي من باب الواقعية ولتسهيل حظوظ تمرير نصّ يعتبر ثورياً بالنظر إلى واقع الاحتكارات وقوّة لوبيّاتها في لبنان.

(!) التحفّظ الرابع عشر: معاقبة الممارسات المخلّة بالمنافسة بوقفها؟

في هذا المجال، يكتفي المقترح بإنزال عقوبة البطلان المطلق بجميع الأعمال والاتفاقيات والتحالفات المخلّة بالمنافسة كما وبكلّ نص أو شرط متعلّق بحقوق الملكية الفكرية قد يكون له أثر سلبي على المنافسة أو نقل التكنولوجيا[22]. كما أنّه يكتفي بحظر إساءة استغلال وضع مهيمن والممارسات المخلّة بالمنافسة في حالة التبعية الاقتصادية أو الممارسات التقييدية أو أعمال المقاطعة من دون الإشارة إلى أيّ عقوبة[23].

وهذا التوجه يقبل الإنتقاد من زوايا متعددة، أبرزها (1) ضرورة تضمين النص عقوبات مالية وغرامات رادعة على الأعمال المخلة بالمنافسة على اختلافها، و(2) ضرورة تضمين النص عقوبة على إشتراك شخص طبيعي بشكل فاعل في ابتكار أو تنظيم أو وضع قيد التنفيذ الممارسات المخلة بالمنافسة. ويلحظ هنا أن العقوبة عن هذه الأفعال تصل في القانون الفرنسي إلى 4 سنوات حبس وغرامة قدرها 75000 يورو[24].

(!) التحفّظ الخامس عشر: عقوبات غير رادعة لمخالفة نظام عمليات التركيز الاقتصادي

للمجلس فرض غرامة مالية[25] حدّها الأقصى 5% من حجم أعمال الشخص المعنوي في حال إتمام عملية تركيز اقتصادي من دون التبليغ عنها، وفي حالتي إتمام العملية قبل صدور قرار المجلس بالموافقة عليها أو إغفال معلومات في التبليغ أو تضمينه تصريحاً غير صحيح. وفي الحالة الأخيرة للمجلس سحب قرار الموافقة[26].

وللمجلس في حال إتمام عملية تركيز من دون التبليغ عنها، “إلزام أطرافها بالتبليغ عنها وفق الأصول أو الرجوع إلى وضعهم السابق”[27]. ولكن لا صلاحية للمجلس بفرض غرامة إكراهية[28] في هذا السبيل، بما يختلف عن القانون الفرنسي[29]، ويطرح التساؤل حول فعالية تدخّل المجلس هنا.

(!) التحفّظ السادس عشر: غياب العقوبات الجزائية والعقوبات على الأشخاص الطبيعيين

لا يضع المقترح سوى عقوبات إدارية على الأشخاص المعنويين. ويخلو من أيّ عقوبة جزائية سواء على الأشخاص المعنويين أو على الأشخاص الطبيعيين ممّا يضعف فعاليّة القانون ويغيّب الرادع المتناسب مع خطورة الأفعال المحظّرة المخلّة بالمنافسة.

كما يخلو المقترح من أي عقوبات تطال الأشخاص الطبيعيين، بما يخالف القانون الفرنسي، حيث يبلغ مقدار العقوبة المالية على الأشخاص الطبيعيين في حال إخلالهم بموجب التبليغ عن عملية تركيز اقتصادي 1.5 مليون يورو[30]. وإذ خفف المقترح من ذلك من خلال ترك تحديد الغرامة المتوجّبة على الأشخاص الطبيعيين لمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء، يبقى هذا الأمر غير مبرّر وغير قانوني لتعارُضِه مع مبدأ شرعية العقوبات والذي يفترض أن يحدد المشرّع العقوبات الجزائية، ولكونه يدخل تفريقاً غير مبرّر بين الأشخاص المعنويين والأشخاص الطبيعيين، مؤدّاه إضعاف فعاليّة القانون وتحديداً لجهة مكافحة عمليات التركيز وتنظيم الممارسات المخلّة بالمنافسة. وما يعزّز هذا الأمر هو تقاعس الحكومات المتعاقبة عن إصدار المراسيم التطبيقية للقوانين، من دون أن يكون هنالك أيّة آلية قضائية لإلزامها بذلك.

والملفت أنّ اقتراح الوفاء للمقاومة عالج المسألة بحيث أخضع الأشخاص الطبيعيين إلى الغرامة نفسها المفروضة على الأشخاص المعنويّين.

(!) التحفّظ السابع عشر: في مهلة تسوية الأوضاع المنافية للمنافسة

يمنح المقترح كلّ شخص إمكانية تسوية أوضاعه وفقاً لأحكامه خلال مدة سنة من تاريخ نفاذه، من خلال إلغاء أو وقف أي ممارسة أو اتفاق أو ترتيب قائم قبل نفاذه. ويبدو الطابع الواسع لإمكانية التسوية هذه خطيراً بالنظر إلى مصلحة المجتمع والاقتصاد، ويقتضي إرفاقها من جهة أولى بمعايير واضحة عن الأفعال غير القابلة للتسوية من حيث خطورتها أو طابع العقوبة الجزائي المقرون بها أو استحالة وقفها بشكل آني، ومن جهة أخرى بشروط واضحة تسمح لهيئة المنافسة بتتبّع عملية إلغاء أو إيقاف الفعل إن كانت تحتاج إلى وقت، ضمن مهلة السنة المذكورة.

وختاماً هنا، نشير إلى أنّه يمكن لمجلس المنافسة إعفاء[31] الشخص المعني من العقوبة كلياً في حال زوّد المجلس بمعلومات أو أدلّة ثبوتية حاسمة، وجزئياً في حال زوّده بأدلّة ذات قيمة مضافة واضحة، أو لم يحتجّ صراحة على الممارسات المنسوبة إليه، أو بادر إلى اتّخاذ إجراءات كفيلة بإعادة المنافسة. وأضيف في نسخة نعمه أنّه “لا يمكن أن تقلّ قيمة التسوية عن 50% من قيمة العقوبة الممكن فرضها وعن الحد الأدنى لها المحدّد بموجب القانون”، في محاولة لتحديد نسبة العفو الجزئي.

وللمقرّر العام – وهو يرأس جهاز التحقيق في الهيئة الوطنية للمنافسة[32] – إمكانية عرض تسوية[33] على الشخص المعني الذي لم يعترض على المخالفات المنسوبة إليه، يحدّد بمقدارها الحد الأدنى والأقصى لمقدار العقوبة المالية الممكن فرضها. ولكن لا يمكن أن تقلّ قيمة التسوية عن 50% من قيمة العقوبة الممكن فرضها وعن الحد الأدنى لها المحدّد بموجب القانون. ويطرح السؤال نفسه هنا: ماذا عن العقوبة على الأشخاص الطبيعيين المحدّدة بموجب مرسوم؟

4. ملاحظات حول دعاوى المسؤولية والتعويض عن الضرر الناجم عن الممارسات المخلّة بالمنافسة

(!) التحفظ الثامن عشر: تخفيف مسؤولية المشاريع الصغيرة والمتوسطة أو إعفاؤها بالكامل؟

يضع المقترح[34] قواعد ترعى المسؤولية التضامنية للأشخاص عن الأضرار اللاحقة بالغير من جراء ارتكاب أفعال منافية للمنافسة، إذ يتمّ إعفاء المشاريع الصغيرة أو المتوسطة الحجم من المسؤولية التضامنية عند توفّر بعض الشروط. وتعود هذه المشاريع وتتحمّل هذه المسؤولية فقط بشكل ثانوي subsidiaire. غير أن مقترح نعمة أعفى هذه المشاريع من المسؤولية التضامنية والفردية. وإضافة كلمة “فردية” يفضي عمليا إلى إفراغ المادة من مضمونها.

الجزء الأول

نشر هذا المقال في العدد 68 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان. احتكارات المحاصصة الشاملة

  1. المواد 25، 31، 34 وما يليها.
  2. كذلك، لم ينشئ اقتراح بزّي إطاراً جامعاً بل فقط مجلس منافسة مكوّناً من هيئة مجلس ومكتب مقرّر شؤون المنافسة ومكتب فني لسياسات الأسعار وأمانة سرّ.
  3. لطفاً مراجعة اجتهاد مجلس شورى الدولة الفرنسي لاسيما القرار: CE, sect., 28 juill. 1999, GIE Mumm-Perrier-Jouët
  4. Art. L461-1 code de commerce français
  5. الفصل 11.
  6. الملفت أنّ اقتراح بزّي كان يمنح عضوية المجلس حصراً لقاضيين عدليين. وسقط سهواً في صيغة نعمه المعدّلة أنّ وزير العدل يعيّن العضوين القاضيين بعد استشارة مجلس القضاء الأعلى، في حين أنّهما ليسا قاضيين عدليين. والملفت أنّ اقتراح الوفاء للمقاومة صحّح هذا الخطأ، ليصبح التعيين من قبل وزارة العدل بعد استشارة مكتب مجلس شورى الدولة ومجلس ديوان المحاسبة. كما أضاف اقتراح الوفاء للمقاومة آليات تعزّز شفافية التعيين، بحيث يرشّح كلّ من مكتب مجلس شورى الدولة ومجلس ديوان المحاسبة ثلاثة أسماء يختار من بينها وزير العدل.
  7. المادة 28 أولاً-ت/-
  8. Art. L. 461-1 code de commerce français
  9. V. en droit français L. no 2017-55 du 20 janv. 2017, art. 12 et l’article 2 de la loi n° 2013-907 du 11 octobre 2013 : « I. – Au sens de la présente loi, constitue un conflit d’intérêts toute situation d’interférence entre un intérêt public et des intérêts publics ou privés qui est de nature à influencer ou à paraître influencer l’exercice indépendant, impartial et objectif d’une fonction ».
  10. المادة 26.
  11. المادة 36، منها على سبيل المثال: وقف الممارسات المخلّة بالمنافسة وإعلان بطلانها؛ منح استثناءات وفقاً للحالات المحدّدة؛ فرض شروط خاصّة على المخالفين؛ الموافقة على التعهّدات المقترحة من الأشخاص؛ إجراء التحقيقات الإضافية التي يراها ضرورية؛ فرض التدابير التحفظية في حالات الضرورة؛ فرض غرامات وعقوبات مالية إضافية؛ نشر قراراته على موقع الهيئة الإلكتروني إلخ…
  12. المادة 38.
  13. Art. L. 464-1 code de commerce français
  14. Art. L. 464-8 code de commerce français
  15. الفصل 28.
  16. تنشأ في القانون الفرنسي دائرة تحقيق لدى الهيئة (Art. L. 450-1 et s.). كما تناط هذه الصلاحية بموظفين من قبل وزير الاقتصاد. ويختار المقرّر العام لكلّ قضية عضواً أو أكثر من دائرة التحقيق للقيام بوظيفة المقرّر (Art. L. 450-6).
  17. Répertoire de droit commercial, Dalloz, Vo Concurrence.
  18. Paris, 27 nov. 2001, SA Caisse nationale du crédit agricole et a., BOCCRF 31 janv. 2002.
  19. Cons. conc. no 02-D-14 du 28 févr. 2002, BOCCRF 27 mai 2002.
  20. المادة 25-ت.
  21. المادة 45.
  22. المادة 7.
  23. المواد 8-9-10-11.
  24. Art. L. 420-6 code de commerce français : « Est puni d’un emprisonnement de quatre ans et d’une amende de 75 000 € le fait, pour toute personne physique, de prendre frauduleusement une part personnelle et déterminante dans la conception, l’organisation ou la mise en œuvre de pratiques visées aux articles L. 420-1 (L. no 2016-1920 du 29 déc. 2016, art. 3, en vigueur le 1er mars 2017), L. 420-2 et L. 420-2-2 ».
  25. وللمجلس (المادة 40) فرض عقوبات مالية إضافية في حالة عدم تنفيذ الأحكام والقرارات والتعهدات المقبولة، تراعى فيها خطورة الأفعال ومدى الضرر ووضع الشخص وإمكانية التكرار (V. Art. L. 464-2 code de commerce français).
  26. وتجدر الإشارة إلى أنّ قيمة الغرامة المالية كانت في اقتراح بزّي 10% من مجموع رقم أعمال الفرقاء المعنيين.
  27. المادة 21.
  28. فلا صلاحية للمجلس بفرض غرامة إكراهية إلّا في حالتي عدم تنفيذ الأطراف الأحكام والقرارات والتعهدات المقبولة والواردة في قرار المجلس (المادة 21-5-ب و39)، وحالة إنجاز عملية تركيز خلال قيام المجلس بتحقيق إضافي (المادة 21-7). وتحدّد المادة 39 من المقترح أنّ قيمة هذه الغرامة قد تصل إلى 10% من متوسّط حجم أعمال الشخص اليومي في حين كانت %5 في مقترح بطيش. ويرفع اقتراح الوفاء للمقاومة هذه القيمة بحيث لا تقلّ عن 10% ولا تزيد عن 20%.
  29. Art. L.430-8 code de commerce français 
  30. Idem
  31. المادة 47.
  32. والتي تتضمن مجلس المنافسة وجهاز التحقيق.
  33. المادة 46.
  34. المادتان 65 و66
انشر المقال

متوفر من خلال:

اقتصاد وصناعة وزراعة ، مجلة ، سياسات عامة ، سلطات إدارية ، مؤسسات عامة ، منظمات دولية ، تشريعات وقوانين ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني