ملاحظات حول مشروع قانون تنظيم حالة الطوارئ في تونس: هكذا علق مشروع القانون دولة القانون


2019-01-06    |   

ملاحظات حول مشروع قانون تنظيم حالة الطوارئ في تونس: هكذا علق مشروع القانون دولة القانون

أودعت رئاسة الجمهورية في 30 نوفمبر 2018 مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ مع طلب استعجال النظر فيه. تعتبر المصادقة على مشروع هذا القانون ضرورية من أجل تعويض الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ وذلك احتراما لمقتضيات الفصل 65 من الدستور الذي ينصّ على ضرورة تنظيم المسائل التي تمسّ الحقوق والحريات بمقتضى قوانين أساسية. فتنظيم حالة الطوارئ التي تمثّل حالة استثنائية يمكن خلالها الحدّ من ممارسة عديد الحقوق والحريات نظرا لوجود خطر يهدد الأمن والنظام العام، يتم في تونس إلى اليوم بمقتضى أمر رئاسي وهو ما يعتبر خرقا صارخا لأحكام دستور 2014.

ولا بدّ من التذكير في هذا السياق بأن مسألة تقنين حالة الطوارئ ليست حديثة. فقد قدّم عدد من النواب المنتمين إلى مختلف الكتل النيابية منذ 26 أكتوبر 2016 مقترح قانون أساسي يهدف إلى تنظيم حالة الطوارئ. لكن مجلس نواب الشعب لم يوليه أولوية. وفي الواقع، تعدّ مسألة تعويض أمر 1978 بقانون أساسي ضرورة تمسّ عديد الجوانب القانونية. فهي من جهة، تضمن تفعيل أحكام الدستور وذلك من خلال وضع ضمانات لعدم المسّ من الحقوق والحريات واحترام مقتضيات الفصل 49 من الدستور خلال مدّة سريان حالة الطوارئ. وهي من جهة ثانية تؤسس للتفرقة بين حالة الطوارئ التي لم ترد بالدستور وحالة الخطر الداهم التي أسّس لها الفصل 80 من الدستور الذي يولي رئيس الجمهورية امكانية اتخاذ تدابير في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، وفق اجراءات وضمن ضوابط محددة في هذا الفصل.

فأمر 1978 الذي لا يزال ينطبق إلى اليوم يعطي لرئيس الجمهورية صلاحية واسعة وذلك سواء للحدّ من الحقوق والحريات عبر إعلان حالة الطوارئ ولكن أيضا في تقدير ضرورة إعلانها من عدمه ومدة تمديدها. فبالرغم من استقرار الأوضاع في تونس وعدم حصول أحداث تؤثّر بصفة متواصلة على الأمن العام، عاشت تونس فترات طويلة حالة الطوارئ كما أنها لا تزال تعيشها دون انقطاع منذ شهر جوان 2017. فإن كان من المفروض أن تكون هذه الحالة وقتية إلا أنها أصبحت حالة دائمة.

ويشكل اقتراح رئاسة الحكومة لمشروع القانون والمصادقة عليه بمجلس الوزراء دليلا على وجود إرادة سياسية لإخراج حالة الطوارئ من وضعها المخالف للدستور وتقنينها. إلا أن هذه الرغبة تم التعبير عنها بطريقة ضخّمت من السلطة التقديرية للسلطات المكلفة بإعلان وتطبيق حالة الطوارئ (1) ممّا يمسّ من ممارسة المواطنين لعديد الحقوق والحريات (2).

سلطة شبه مطلقة في إعلان حالة الطوارئ وإنفاذها

ينصّ الفصل 2 من مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ على المجال الذي ينطبق فيه إذ “يمكن الإعلان عن حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو بجزء منه في حالة حصول أحداث تكتسي خطورتها صبغة الكارثة أو خطر وشيك يهدد الأمن والنظام العام وسلامة الأفراد والمؤسسات والممتلكات والمصالح الحيوية للدولة”. فحالة الطوارئ التي لم يتمّ تعريفها لذاتها في أي فصل آخر من فصول هذا المشروع بل فقط من خلال الإجراءات المتبعة في اتخاذها وتبعاتها القانونية خلال سريانها، تم حصرها في صورتين اثنتين : الأولى، حالة “حصول أحداث تكتسي خطورتها صبغة الكارثة”، من دون تعريف مفهومي الأحداث والكارثة. والثانية، حالة “خطر وشيك يهدد الأمن والنظام العام وسلامة الأفراد والمؤسسات والممتلكات والمصالح الحيوية للدولة”.

ومن هنا، يمكن التساؤل عن معنى عديد المصطلحات التي لم يتم تعريفها والتي سيتم على أساسها إعلان حالة الطوارئ كمفهوم الأمن والنظام العام ومفهوم المصالح الحيوية للدولة. فمن ناحية الصياغة القانونية لا يمكن لنص قانوني يترتب عليه وضع حدود لممارسة الحقوق والحريات وعقوبات سالبة للحرية، أن لا يحتوي على تعريفات المفاهيم الأساسية التي يتمّ على أساسها إعلان حالة الطوارئ. فعدم تحديد المفاهيم يمّس من ضرورة وضوح النص القانوني من خلال إرساء فراغ تشريعي يسمح للسلطة بتحديد المفهوم كما تريد عند تطبيق النص وهو ما يترتب عنه مسّ صارخ لمبدأ السلامة القانونية كما أنه يعطي للسلطات سلطة تقديرية واسعة في الحدّ من حقوق الأفراد.

وعلى هذا الأساس، لا بدّ من تحديد مفهوم “حالة الطوارئ” والتي لم يحدّدها مشروع القانون حتى بهدف تمييزها عن حالة الخطر الداهم وفي ذلك دلالة لعدم اجتهاد صاحب المشروع باستناده المفرط على أمر 1978 فهو نفس المفهوم المنقول عن المثال الفرنسي (état d’urgence) والذي لا ينص عليه الدستور بل تم إعطاء صلاحية إعلانها إلى مجلس الوزراء لكونه المختص لاتخاذ التدابير اللازمة أثناء حالة الحصار (état de siège) المذكورة بالدستور الفرنسي وهو نفس القياس الدستوري المعتمد في مشروع القانون إذ تم إعطاء صلاحية إعلان حالة الطوارئ إلى رئيس الجمهورية لكونه المختص باتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة الخطر الداهم. فبالرغم من أن بعض التجارب المقارنة كالبرتغال وإسبانيا قد أسست صلب نظامها القانوني لحالة مشابهة لحالة الطوارئ، فإن تجارب مقارنة أخرى مثل ألمانيا لا يوجد بنظامها القانوني حالة استثنائية يقع خلالها الحدّ من الحقوق والحريات بخلاف “حالة التوتّر” (état de tension) وهو مفهوم في تناغم مع القانون الدولي ومع الدستور الذي حدّد حالة استثنائية واحدة

ومن هنا، يكمن التساؤل: هل يمكن للمشرع إضافة حالة استثنائية أخرى لم ينصّ عليها الدستور للحد من الحقوق والحريات؟ فلئن أقرّ المجلس الدستوري الفرنسي هذه الإمكانية فإن تقدير هذه الفرضية يخضع أساسا خاصة إلى خصوصية الحالة الاستثنائية وطبيعتها وكذلك إلى طبيعة الإجراءات المتخذة.

بالرجوع إلى عديد التجارب المقارنة، نلحظ أنها تضع معايير يجب احترامها عند إعلان حالة الطوارئ وهي: الضرورة أي أن يكون الإعلان عن حالة الطوارئ ضروريا لضمان عودة الحالة العادية، التناسب أي أن تتناسب الإجراءات المتخذة مع مسبّباتها، التعليل أي أن يكون قرار إعلان حالة الطوارئ معللا من قبل الجهة التي أصدرته وكذلك الطابع المؤقت للحالة.

وبالرجوع إلى مشروع القانون، لا نجد أي تنصيص على تحديد معايير الضرورة والتناسب والتعليل عند إعلان حالة الطوارئ. أما بخصوص الطابع المؤقت لها، فقد أعطى مشروع القانون لرئيس الجمهورية صلاحية إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ومجلس الأمن القومي (الفصل 3 من مشروع القانون) وهي مدّة طويلة جدّا مقارنة بالمدة التي نصّ عليها أمر 1978 (ثلاثون يوما) أو بالمدة المحددة بالقوانين المقارنة (ففي فرنسا تم تحديد المدة ب ـ15 يوما) أو حتى بالنسبة للمدة التي حددها الدستور بالنسبة لحالة الخطر الداهم. فبالرجوع إلى أحكام الفصل 80 من الدستور يمكن أن يقع طلب إنهاء العمل بحالة الخطر الداهم بعد ثلاثين يوما من إعلانها ويكون التصريح بنهايتها من قبل المحكمة الدستورية. فلا يمكن منطقا لمدّة حالة الطوارئ أن تتجاوز مدّة حالة الخطر الداهم لكونها أقلّ خطورة منها.

كما خوّل مشروع القانون لرئيس الجمهورية التمديد في حالة الطوارئ لمدّة ثلاثة أشهر (الفصل 4 من مشروع القانون) مع ضرورة استشارة رئيس الحكومة ومجلس الأمن القومي مع توجيه تقرير إلى رئيس مجلس نواب الشعب للإعلام بأسبابه وهو ما يعتبر تعليلا دون أن يكون للمجلس إمكانية صلاحية على تطبيق أمر التمديد من عدمه على هذا القرار. فمشروع القانون ذكر إمكانية التمديد في المدة دون أن يحدّد هل يكون التمديد لمدّة واحدة فقط أم يمكن التمديد لعدّة مرات وهو ما يفتح الباب أمام تأويل العبارة على إطلاقها وذلك بإمكانية التمديد لمدد غير محدّدة ممّا يمكن أن يجعل حالة الطوارئ حالة شبه دائمة.

فيما يتعلّق بالصلاحيات، فقد أعطى النص الدستوري لرئيس الجمهورية صلاحية اتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة “خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة” وهو ما يتناغم مع أحكام الفصل 77 من الدستور الذي ينصّ على أن “يتولّى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة، ويختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة”. فالقراءة المنسجمة بين فصول الدستور تجعل الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية مقتصرة على حالة “الخطر الداهم” ولكن تمكينه من صلاحيات إعلان حالة الطوارئ واتخاذ التدابير بشأنها هو قياس دستوري تم على أساس الفصل 80 ولكنه أيضا تأثر بما جاء به أمر 1978. فهذا الخيار الذي يعطي هذه الصلاحية للسلطة التنفيذية تم اعتماده في عديد كبير من الدول (كفرنسا والبرتغال) لكن دولا أخرى كبلجيكا مثلا فضّلت أن يتم إعلان حالة الطوارئ من قبل السلطة التشريعية بواسطة قانون.

وعلى هذا الأساس، يجب في إطار مشروع هذا القانون الذي يتعلق بالحد من ممارسة الحقوق والحريات وضع ضمانات لكي لا يتم التعسف في إعلان حالة الطوارئ وتمديدها. ومن المفيد لهذه الغاية أن يضع المشروع آلية تمكن السّلط من ممارسة الرقابة بعضها على البعض وفق ما نجده في عديد التجارب المقارنة. ففي المملكة المتحدة لا يكون إعلان حالة الطوارئ إلا بعد موافقة المجلس التشريعي على جميع الإجراءات المتخذة خلالها وهو تقريبا الخيار الذي تم اعتماده أيضا ببلجيكا. كما أنه في فرنسا لا يمكن التمديد في مدة حالة الطوارئ إلا بعد موافقة المجلس التشريعي.

حالة الطوارئ : وضعية تنتفي خلالها الحقوق والحريات

ينصّ الفصل الأول من المشروع على الآتي: “يهدف هذا القانون إلى تنظيم حالة الطوارئ وفق ما تقتضيه ضوابط حفظ الأمن والنظام العام المقررة بالدستور”. وبالرجوع إلى الدستور لا نجد ما يحيل صراحة إلى ضوابط الأمن والنظام العام، فالفصل 49 من الدستور الذي ينصّ على أن “يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها”. فلم يتضمّن الدستور على أساس هذا الفصل إمكانية الحدّ من الحقوق والحريات بهدف حماية النظام العام و هو مفهوم واسع يختلف عن مفهوم الأمن العام.

كما أنه بالرجوع إلى الفصل 80 من الدستور الذي يتعلّق بـ”حالة الخطر الداهم” والذي لا يتعلّق كما ذكرنا سابقا بـ”حالة الطوارئ” التي لا ترقى إلى خطورتها وتأثيرها على السير العادي لدواليب الدولة يعطي النص الدستوري حالات معينة لاتخاذ اجراءات استثنائية. ومن منا نتساءل هل ترقى حالة الطوارئ إلى الحالة الاستثنائية التي يمكن معها الحد من ممارسة الحقوق والحريات ؟ هل يتوافق هذا مع مبدأي الضرورة والتناسب المذكورين بالفصل 49 من الدستور ؟

  • صلاحيات وزير الداخلية

فقد أعطى مشروع القانون صلاحيات لوزير الداخلية والوالي من أجل اتخاذ عديد الإجراءات التي من شأنها المسّ بعدد كبير منها من الحقوق والحريات. فقد تم إعطاء وزير الداخلية صلاحية وضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية في صورة تعمد ممارسة نشاط من شأنه تهديد الأمن والنظام العام (الفصل 7 من المشروع). ولا يتضمّن مشروع القانون أي ضمانات للأشخاص إذ لم يتم تحديد المدّة القصوى للإقامة الجبرية كما لم يتم إعطاء الأشخاص موضوع الإقامة الجبرية أي ضمانات للدفاع من خلال توجيه القرار لهم والسماح لهم باستئنافه أمام الهيئات القضائية. وقد طرحت مسألة الإقامة الجبرية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وكذلك أمام المجلس الدستوري الفرنسي اللذين أقرا بعدم شرعية قرارات الإقامة الجبرية في صورة عدم احترامها لقرينة البراءة ولقاعدة التناسب بين الإجراءات المتخذة وبين الخطر الذي يمثله الشخص والتي لا يمكن تقديرها بصفة موضوعية إلا من خلال إعلام المعني وسماعه. وهذا ما يتأكد من الرجوع للفصل 27 من الدستور التونسي اللذين يكرسان قرينة البراءة ومبادئ المحاكمة العادلة.

كما تم إعطاء وزير الداخلية إمكانية اعتراض الاتصالات والمراسلات وتفتيش المحلات مع إعلام وكيل الجمهورية. ويجب التذكير بأن القانون الأساسي المؤرخ في 7 أوت 2015 قد حددّ بالفصول 54 وما يليه إجراءات اعتراض الاتصالات والمراسلات في المادة الإرهابية وذلك مع تفصيل الإجراءات المتعلقة بها وآجالها. ولكن المقصود بإجراءات اعتراض الاتصالات والمراسلات بمشروع هذا القانون هو جميع الحالات الأخرى التي يتم التحقيق فيها أثناء حالة الطوارئ. وهو ما يفتح بابا واسعا لهضم الحقوق الدستورية المنصوص عليها بالفصل 24 من الدستور “تحمي الدولة الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية”. فتأسيس الضمانات لحماية هذه الحقوق تكون بتشريك القضاء في متابعة هذه الإجراءات وذلك بإعلام قاضي التحقيق عوضا عن وكيل الجمهورية الذي يعدّ جزءا من السلطة التنفيذية لكونه تابعا لوزارة العدل.

كما تم إعطاء رئيس الإدارة المكلفة بالعلاقة مع الجمعيات، وهي جهة غير واضحة إذ أن إدارة تكوين لجمعيات تابعة لرئاسة الحكومة بينما توجد وزارة تخص بالعلاقة مع المجتمع المدني وهي بطبيعتها غير دائمة وتخضع لإرادة رئيس الحكومة عند تكونه لحكومته، صلاحيات واسعة جدّا تقضي بتعليق عمل الجمعيات. فهذه الصلاحيات الخطيرة التي وردت بالفصل 11 من مشروع القانون، لم يتم التنصيص معها على ضمانات جديّة لفائدة الجمعيات المعنية للدفاع عن أنفسها خاصة وأن قرار التعليق ليس محددّا بمدّة معينة.

  • صلاحيات الوالي

إضافة إلى جميع الصلاحيات التي تم إعطاؤها إلى وزير الداخلية للحدّ من الحقوق والحريات، تم صلب الفصل 5 من مشروع القانون إعطاء الوالي صلاحيات واسعة للحدّ من الحقوق والحريات داخل المجال الترابي الذي يديره. وتتمثل هذه الإجراءات في منع جولان الأشخاص والعربات، تنظيم إقامة الأشخاص وتحجيرها على كلّ شخص يتعمّد عرقلة نشاط السّلط العمومية، منع كلّ صدّ عن العمل، الغلق المؤقت لقاعات العروض والقاعات المخصصة للاجتماعات العمومية والمحلات المفتوحة للعموم ومنع أو تعليق الاجتماعات والتجمّعات والمواكب والاستعراضات والمظاهرات التي من شأنها أن تشكّل خطرا على الأمن والنظام العام. جميع هذه الصلاحيات تخضع فقط إلى السلطة التقديرية للوالي !

ولذلك يشكل هذا الفصل خرقا لعديد الأحكام الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات ويرجع للوالي دوره كأداة سياسية بيد السلطة. إذ أن إعطاء سلطة واسعة للوالي إلى جانب السلط التي تم إعطاؤها للحكومة يعطي أكثر آليات للسلط المركزية لفرض سيطرتها خلال حالة الطوارئ. كما يمكن أن يكثر من حالات اتخاذ قرارات تعسفيّة على مستوى الولاية لا يكون للشخص المعني بها أي وسلة للتظلم أو للدفاع عن نفسه. فحتى في التجارب المقارنة  نادرا ما تم إعطاء السلطات الإدارية المحلية مثل هذه السلطات. ولكن المثال الأقرب هو المثال الفرنسي الذي نستشفّه من خلال قراءة مشروع هذا القانون. فقد أعطى للوالي عديد الصلاحيات للحد من الحقوق العامة كالجولان والتنقل ومن إقامة الأشخاص الذي لا يتم إلا بقرار معلل ومحدود في الزمن مع احترام الضرورة والتناسب. كما أنه من الناحية الشكلية لا يمكن للوالي اتخاذ مثل تلك القرارات لذاته بل لا يمكن له اتخاذها إلا بناء على الإجراءات المتخذة من قبل وزير الداخلية.

وبناء على كل ما سبق ولئن نصّت عديد القوانين المقارنة إمكانية الحد من الحقوق والحريات فإنه في أغلبها لا يتم ذلك إلا عبر احترام الضرورة والتناسب وهو ما يستوجبه الفصل 49 من الدستور مّا يجعل مشروع القانون المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ مشروعا لا يحترم الحقوق والحريات ويفتح الباب للسلطة التنفيذية في التعسف بسلطتها.

  • نشر هذا المقال في العدد | 13 | ديسمبر 2018، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:

العمران في تونس: أسئلة منسية في زمن البناء الفوضوي

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني