مكتومو القيد في شمال لبنان: في ظل تقاعس الدولة.. الحلول فردية


2020-07-09    |   

مكتومو القيد في شمال لبنان: في ظل تقاعس الدولة.. الحلول فردية

يشكّل مكتومو القيد في لبنان شريحة كبيرة من سكّان الأطراف والمناطق الشعبية غالبيّتهم غير مسجّلين في أي من سجلّات الأحوال الشخصية في لبنان تعرّف عنهم “بطاقة تعريف من المختار”. وتعتبر قضية مكتومي القيد مسألة إشكالية شائكة بفعل تداخل عوامل كثيرة. فإلى جانب العوامل الذاتية والشخصية للأفراد، من قلة وعي وسيادة الطقوس العرفية والتقليدية في أوساط بعض الشرائح الإجتماعية في مناطق الأطراف، لا يمكن إغفال الإطار السياسي والقانوني العام، حيث تطغى الحسابات الطائفية والديمغرافية على الجانب الحقوقي الإنساني لناحية منح الجنسية اللبنانية.

وتتنوّع أسباب انعدام الجنسية لدى معظم المنتمين إلى هذه الشريحة لعلّ أكثرها شيوعاً هو عدم قيد ولادات أفرادها في سجلات النفوس خلال المهل القانونية (سنة من تاريخ الولادة) وعدم استدراك الأمر لاحقاً باللجوء إلى القضاء. وغالباً ما يعود ذلك إلى الزيجات العرفية المنتشرة في مناطق الأطراف، والولادات الناجمة عن علاقات خارج إطار الزواج وعدم تسجيل الزواج. وثمة أسباب قانونية لكتمان قيد الكثيرين وعلى رأسها تمييز قانون الجنسية ضد المرأة من خلال عدم إعطائها الحق في منح جنسيتها لأبنائها إذا تزوّجت من أجنبي فما حال إذا كان الأخير مكتوم القيد أو عديم الجنسية هو الآخر؟

وبحسب دراسة لجمعية “روّاد” حول ملامح عديمي الجنسية، ثمة فئتين منهم حسب أسباب انعدام الجنسية: عديمو الجنسية لأسباب إدارية الذين أشرنا إليهم أعلاه والثانية عديمو الجنسية لأسباب تاريخية أي الأشخاص الذين يتحدّرون من أصول لم يشملهم الإحصاء السكاني في العام 1932  

وخلصت الجمعية بعد دراسة عيّنة من حوالي ألف أسرة مقيمة في لبنان من الأسر التي تضمّ على الأقل فرداً واحداً لا يحمل جنسية، إلى أنّ عدم تسجيل الولادات أدّى إلى تزايد مكتومي القيد واستمرار الظاهرة من جيل إلى آخر. وبيّنت الدراسة أنّ الأسباب الأساسية وراء هذه الظاهرة هي جهل الأهل وإهمالهم تسجيل الولادة مع السلطات المعنيّة، وعدم استحصالهم على شهادة ولاد وعدم حيازتهم كامل المستندات والوثائق اللازمة للقيام بتسجيل الولادة، وعدم تسجيل الأهل زواجهم، بالإضافة إلى كلفة عملية التسجيل وتشعّب مراحلها.  

وبالطبع تتسع قاعدة مكتومي القيد في المناطق الريفية والأطراف كمنطقة وادي خالد في عكار، ويشكّل أبناء اللبنانية المتزوّجة من أجنبي ولم تسجّل زيجتها رسمياً أساس هذه الشريحة في مدينة طرابلس حيث يحرم هؤلاء من جنسية والدتهم.

طرابلس: “بؤر” من مكتومي القيد نتيجة التعقيدات الإدارية

ما يزيد الطّين بلّة في قصص مكتومي القيد أنّها تنتقل من جيل إلى جيل وبذلك تتحوّل الأسر الكبيرة التي تضمّ عدداً كبيراً من الأفراد إلى بؤر من مكتومي القيد بعد زواج الأولاد واستمرار المشكلة.  

ومن هذه الكتل تلك التي تشكّلت في قصر شاهين في سوق السمك بطرابلس وبدأت بزواج بدور الخولي من السوداني الجنوبي نيكولا نايلوك لاعب كرة القدم بنادي التضامن طرابلس في حزيران 1990، متحدّية المجتمع والأفكار النمطية في محيطها وإنجابها ناي، وآيان، وندى، وشذا، وأدولف.

لم يسجّل الزوجان ولادة أبنائهم وبناتهم. وبعد انفصالهما وتحوّل الزوج إلى مقيم غير شرعي في لبنان، أصبح من المستحيل تسجيل ولادة الأولاد والزواج في سجلات وقوعات الأجانب نظراً إلى منع قانون تنظيم وزارة الداخلية ذلك على الأجنبي المقيم بصورة غير نظامية. لذلك تطالب الجمعيات الحقوقية بالفصل بين نظامية الإقامة للأهل والحق في تسجيل الولادات فوراً ووضع الآلية المناسبة وعدم حصر الاستثناء بالولادات السورية. ولاحقاً أوقف الأمن العام الوالد بشبهة جنائية قبل تسفيره إلى الدولة الوليدة في جنوب السودان.

قبل سنتين، فقدت العائلة الاتصال بنيكولا الذي كان يقيم في جوبا، الأمر الذي حرم الفتيات من أمل الحصول على هوية سودانية. وعند سؤال الوالدة عن الإجراءات التي قامت بها لاستدراك الأمر وتسجيل أبنائها وبناتها، يتّضح أنّها لم تستطع استدراك الأمر نظراً إلى البعد الجغرافي عن الزوج السابق، وعدم وجود سفارة لجنوب السودان في بيروت، وقلة الوثائق التي تتيح إمكانية الوصول إلى حل قانوني.

تحمّل بنات بدور والديهما مسؤولية مشتركة عن حالة كتمان القيد التي يعانون منها لأنهما لم يسجّلاهنّ في الفترة القانونية عندما كان ذلك ممكناً. وتقول ناي البنت البكر لبدور “لولا إهمال وتقصير والديّ لكنّا نعيش الآن حياة طبيعية ولم نكن لنُحرم من التعليم والعمل والضمان الصحي والعناية الطبية”.

ولم ترد ناي الوقوع في خطأ والدتها فبعد أن تزوّجت من السوري خ. ي. وأنجبت منه حتى الآن سبعة أطفال، اتجهت إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، وطلبت تعيين محامٍ لإتمام قيود أبنائها في السجلات السورية.

ولكن شقيقتي ناي آيلان وندى وقعتا في خطأ والدتهما نفسه فهما متزوجتان واحدة من لبناني والثانية من سوري مقيم، وأدى عدم معرفتهما بالإجراءات أي تسجيل الولادات خلال سنة من حصولها و”الخشية من دفع مبالغ مالية كبيرة لإجراء القيود القانونية وتصحيحها” إلى عدم تسجيل أبنائهما. وبذلك إنضمّت جماعة جديدة إلى قافلة مكتومي القيد ضمن العائلة لتتحوّل فعلياً إلى بؤرة من مكتومي القيد.

لكن الدولة هي من يتحمّل المسؤولية الأساسيّة بسبب العقبات التي تضعها أمام إمكانية تسجيل الزيجات والولادات في هذه الحالات وعدم عملها الجدّي لمنع تكاثر حالات انعدام الجنسية على أراضيها.

مكتومو القيد في وادي خالد ومرسوم التجنيس

بالانتقال شمالاً نحو عكّار، نعثر على أعداد كبيرة من مكتومي القيد. ويشير الناشط أحمد جهجاه لـ”المفكرة” إلى وجود كتلتين كبيرتين من مكتومي القيد، الأولى في سهل عكار حيث يعيش عدد كبير من الرّحّل واللاجئين السوريين، والثانية في منطقة وادي خالد الحدودية بين لبنان وسوريا.

تعتبر وادي خالد عينة ممثلة لواقع مكتومي القيد لأسباب قانونية تاريخية. تبدأ معاناة عشائر وادي خالد مع معاهدة لوزان 1923 التي نظّمت تفكيك السلطنة العثمانية ونقل الأراضي التابعة لها إلى الدول الناشئة وبالتالي إسقاط التابعية التركية عن سكان هذه الدول، واعتبارهم حكماً مواطنين في الدول الناشئة. ومع حصول إحصاء 1932 للسكّان في لبنان، تهرّب عدد كبير من أبناء العشائر من التسجيل بسب خوفهم من التجنيد وبطش الأغاوات، لذلك بقي حوالي 80% من السكان بلا وثائق هوية. بناء لهذا الإحصاء منحت الجنسية اللبنانية للمواطنين الذين تم التعريف بهم. وبقيت أعداد كبيرة من سكان وادي خالد مكتومة القيد، ولم تتمتع بالجنسية على ضفتي النهر الكبير سواء اللبنانية أو السورية. انتظر هؤلاء مرسوم التجنيس الشهير رقم 5247 عام 1994 وحظيت بالجنسية اللبنانية أعداد كبيرة من مكتومي القيد هناك، إلّا أنّ أعداداً أخرى لم يشملها واستمرّت معاناتها.

يقدّر رئيس رابطة المخاتير في وادي خالد المختار مروان الوريدي عدد الأسر مكتومة القيد في وادي خالد بثمانين عائلة أي ما يقارب 500 فرد. ويلفت الوريدي في حديثه لـ”المفكرة” إلى أنّ مكتومي القيد يتنقّلون بموجب إفادة مختار للتعريف عنهم، ويحرم هؤلاء من أبسط الحقوق من ضمان اجتماعي، إلى تقديمات الشؤون الإجتماعية للعائلات الأكثر فقراً، أو العناية الطبية على نفقة وزارة الصحة.

يوجد الكثير من المفارقات في ملف تجنيس وادي خالد، حيث يوجد ضمن العائلة الواحدة مجنّسون وأفراد مكتومو القيد “سقطوا من المرسوم” حسب تعبير الوريدي، كما أن هناك مجموعة من الأفراد الذين كانوا من القصّر عند صدور المرسوم ولم يتم إيراد أسمائهم. ومع بلوغ هؤلاء سنّ الرشد، اتّجهوا لتكوين عائلات وحرم مواليدهم من القيد لأن آباءهم من مكتومي القيد. كما يوجد فئة من الشباب الذين توفّي آباؤهم قبل إتمام توثيق القيود لدى دوائر النفوس، وجاء الطعن بالمرسوم من قبل الرابطة المارونية في العام نفسه لصدوره ليعيق إجراءات تصحيح الملفات.

تقدّم قصة إحدى العائلات (نتحفّظ على ذكر الاسم) في وادي خالد نموذجاً لمعاناة الأفراد مع مرسوم التجنيس تحديداً. ففي 1994 عند تقديم ملفات التجنيس، كان رب العائلة مسجوناً في سوريا بتهمة التهريب، فرُفع الملف إلى الحكومة اللبنانية باسم الزوجة والأبناء الثلاثة، وبالتالي تضمّن مرسوم التجنيس أسماء هؤلاء، فيما تمّ استثناء الوالد. بعد خروج الأخير من الحبس عام 1998، استمرّ بالعيش كمكتوم قيد، وأنجبت الأسرة طفلين جديدين انضما إلى والدهما دونما جنسية لبنانية أو هوية.

يؤكد أهالي وادي خالد أنّهم يزوّدون كل سياسي يزورهم بملفات مكتومي القيد لإنصافهم، وعشية الانتخابات الأخيرة حصلوا على تطمينات إلى إمكان النظر في طلباتهم من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ومن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وغيرهما من رؤساء التيارات السياسية الفاعلة. ولكن حتى اليوم لم يشهد أهالي هذه المنطقة المحرومة على أية بوادر على الوفاء بهذه الوعود.

المجتمع المدني يقدّم العون القانوني للأفراد

يؤكّد العاملون في الجمعيات المعنية بقضية مكتومي القيد في لبنان أنّه رغم اتّساع مشكلة مكتومي القيد وتداخل عوامل عدّة فيها من عوامل ذاتية وقانونية وسياسية، إلّا أنّ كلّ ملفّ من ملفّات مكتومي القيد قد يوفّر عناصر تساعد على حلّه عبر القضاء وأحياناً عبر إجراءات إدارية.

وقد نشط المجتمع المدني في العقدين الأخيرين على خط حل ملف مكتومي القيد، أو أقلّه تقديم المساعدة القانونية ضمن حدود الإمكان لهذه الفئة. فجمعية “رواد حقوق” تقدّم المساعدة القانونية للأسر والأفراد الذين يعانون من هذه الظاهرة من خلال التعاون مع محامين وتكليف ممثلين قانونيين أمام المحاكم وتقديم الحلول المتاحة للصعوبات التي قد يواجهها والمتابعة في إتمام الإجراءات الإدارية والقانونية عند الحاجة.

تلفت برنا حبيب العضو في الجمعية لـ”المفكرة” إلى أهمية العمل لتغيير القوانين والسياسات العامة وتكريس الوجود القانوني للأفراد واحترام حقوق الإنسان.

كما تعمل رواد على خط الأبحاث القانونية، وآخرها دراسة حول “وصول الأشخاص عديمي الجنسية إلى القضاء” بالإضافة إلى الدراسة الميدانية حول ملامح عديمي الجنسية.

تتحدث برنا حبيب عن تفاوت في درجات الصعوبة في الملفات التي تقاربها الجمعية وفي مدى تعاون القضاء، ففي قضايا القيد التي تكون جنسية الأهل ثابتة كانت الإجراءات سريعة والتعاطي ساده التعاطف. أما بالنسبة للفئة الثانية عندما يكون الأب غير لبناني، تصبح الإجراءات أكثر صعوبة بسبب دخول عامل الاعتبارات السياسية للدولة وتوجهاتها في ملف منح الجنسية وأحقية الأفراد. في هذا السياق، تضيء حبيب على المبدأ العام الذي يسود القانون اللبناني لناحية تثبيت منح مجهولي التابعية الحق في الجنسية والحؤول دون زيادة شريحة عديمي الجنسية. وتوضح أن الصعوبة في هذه القضايا إنما تكون من تصلّب موقف الدولة وهيئة الإستشارات لناحية تضييق هامش منح الجنسية، داعيةً إلى إرساء توازن بين حماية الجنسية وعدم الحرمان من الحق القانوني.

أما بالنسبة إلى الأجانب، تطالب حبيب الأهل الأجانب بتسجيل ولاداتهم بغض النظر عن وضع إقامتهم بالتصريح بولادات أولادهم. وتشدّد على التصريح بالولادات لأنه ليس من الضروري إتمام معاملات التسجيل بالصورة النهائية، ويجب الذهاب إلى مأمور النفوس وتقديم وثيقة الولادة إليه، والاستحصال على “رقم وارد” بالولادة حتى في حال لم تكن الإقامة نظامية أو الزواج مسجّل، ويهدف هذا التصريح إلى حماية حق الطفل بالقيد وإلى قطع مهلة السنة المفروضة في القانون للتصريح عن الولادات.  

في المقابل، تنشط الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة على خط توثيق الزواج. وتنتقد لورا صفير رئيسة الهيئة عبر “المفكرة” ظاهرة الزواج العرفي الذي ينتشر في الأوساط الريفية وبين اللاجئين، حيث ينتج عنه ضياع حقوق المرأة عند النزاع والانفصال (الحرمان من المؤخر والمهر والنفقة والميراث والضمان والحضانة بسبب عدم الاعتراف بنسب الأولاد). كما يشكل الزواج العرفي عاملاً أساسياً في انتشار ظاهرة تزويج القاصرات. وتحذر صفير من أن عدد مكتومي القيد في لبنان قارب حسب إحصاءات غير رسمية 80 ألف شخص، ويعتبر عدم تسجيل عقود الزواج سبباً أساسياً لذلك. ومن هذا المنطلق تدعو إلى تضافر جهود المجتمع المدني للتوعية حول الموضوع لإيجاد حلول سريعة وفعالة.

وتُفرد “روّاد” قسماً من دراستها الأخيرة لمسألة التوعية والوصول إلى المعلومات المتعلّقة بالقوانين والإجراءات الرسمية المعتمدة لإنجاز مختلف المعاملات لما لذلك من أهمية في تفادي العديد من حالات كتمان القيد. 

لا تتأخروا في قيد المواليد!

تحتل مسألة قيد المواليد أهمية كبيرة[1] في تمتع الفرد بحقوقه القانونية ووجوده المعنوي. أسندت المادة الثالثة والحادية عشر من قانون 7 كانون الأول 1951 تنظيم وثائق الأحوال الشخصية فيما يتعلق بقيد وثائق الولادة، إلى كل من الوالد أو الوالدة أو الولي، الطبيب أو القابلة. ويلزم المشرّع تنظيم وثيقة الولادة خلال 30 يوماً تلي تاريخ الولادة، موقّعة من شاهدين ومصدقة من المختار على صحة التواقيع. وأمام الأهل مهلة سنة من تاريخ الولادة للتصريح لدى الإدارة (النفوس) بولادة أولادهم وإن انقصت المهلة من دون تصريح يتحوّل عقبها المولود إلى مكتوم قيد ولا يمكن إتمام عملية القيد إلا بموجب قرار قضائي يصدر في غرفة المذاكرة بناء لطلب النيابة العامة أو صاحب العلاقة.

وفي هذه الحال، يتولّى القاضي المنفرد المدني صلاحية النظر في قضايا الأحوال الشخصية التي تشتمل ضمنياً على عملية قيد المواليد الذين مرّ على تاريخ ولادتهم أكثر من سنة من دون أن يتم التصريح عنهم، على أن يكون لوالديهم قيود في سجلات النفوس.

يعود إلى القاضي المنفرد قيد المواليد الأجانب الذين انقضى على ولادتهم أكثر من سنة، وكذلك قيد المولود اللبناني الناتج عن “زواج مظنون” لا تنطبق عليه الشروط الشكلية والقانونية إذا تجاوز السنة من العمر.

أما فيما يتعلق بالمولود غير الشرعي، فإن المادة 15 من قانون وثائق الأحوال الشخصية، تشير إلى أنه إذا ولد طفل غير شرعي، يتولّى تنظيم وثيقة الولادة “الشخص الذي تعهّده، أو الطبيب، أو القابلة”. وحظر القانون ذكر اسم والده إلّا إذا اعترف به، وإذا لم يتم الإعتراف به فإن الطفل يقيّد بالأسماء التي يختارها منظّم وثيقة الولادة. كما لا يجوز ذكر إسم والدة الطفل إلا بناء لتصريح منها، يؤكد أنها “أم الطفل” أو بناء لحكم قضائي. 

وبالنسبة للمولود لأب أجنبي في لبنان كما هو حال السيدة الطرابلسية (قبل أن يصبح الوالد مقيماً غير شرعي)، يتم تنظيم وثيقة ولادة وفق الشروط العامة المفروضة على اللبناني، وتقدّم إلى دائرة وقوعات الأجانب في المديرية العامة للأحوال الشخصية. ويجب أن يصحبها جواز سفر الوالدين وإقامة صالحة في لبنان لتسجيلها في الدائرة، وترسل نسخة عنها لسفارة بلده. أما إذا تم تجاوز مهلة السنة من العمر، فلا يقيّد إلا بموجب قرار قضائي.

يشار إلى أنّ تعاميم صدرت عن مدير عام الأحوال الشخصية والأمن العام بتسهيل إجراءات تسجيل الولادات السورية (الإعفاء من بعض المستندات كالإقامة بموجب قرار للأمن العام في أيلول 2017) ومن مهلة السنة للولادات الحاصلة قبل شباط 2019 (صدر أول قرار عن مدير الأحوال الشخصية في آذار 2018 ثم تم تمديده في أيلول 2019)

فحص الحمض النووي: عنصر إثبات رئيسي

تحوّل فحص الحمض النووي إلى عنصر أساسي لمعاملات الإثبات في المرحلة القضائية، ويتم المطالبة به بشكل شبه منهجي وبغض النظر عن وجود نزاع أو شك بشأن البنوّة من عدمه، لأنه يُعارض القواعد التشريعية العامة “النسب للفراش” لأن النظام القانوني اللبناني قائم على قرينة الأبوّة إلى حين إثبات العكس في حال النزاع على النسب.

هذا وتبلغ كلفة الفحص 189 ألف ليرة للشخص الواحد في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، وطبعاً ترتفع الكلفة أكثر في المستشفيات الخاصة. ويُضاف إليها سلفة الكاتب التي تتراوح بين 250 ألف و500 ألف ليرة لبنانية، ليزداد العبء في حال تعدد أفراد العائلة. وهذا الأمر يشكّل عائقاً كبيراً أمام ذوي الدخل المحدود للتمكّن من الحصول على قرار قضائي يقضي بتسجيل الولادات.

الدعوى الرجائية

تدخل دعوى قيد المواليد ذوي أصول لبنانية (الأب أو الجد لبناني الهوية) في نطاق الدعاوى الرجائية، ويمكن تقديمها دونما حاجة إلى توكيل محامي أو تسجيل الوكالات. وتلفت برنا حبيب إلى المساعدة التي تقدمها جمعية “روّاد” للمستدعين في إعداد اللوائح المنوي تقديمها إلى المحكمة وعدم وقوف القدرة المادية عائقاً لأن رسوم الدعوى بحد ذاتها منخفضة.

أما بالنسبة للحالات المعقدة على غرار عدم تثبيت الأصول لزيجاتهم، أو مشكلة في النسب، فإن الحاجة إلى محامي تصبح ضرورية لأن هناك مشاكل قانونية يجب حلّها قبل الانتقال إلى البت في دعوى القيد. وتؤك حبيب أنه إذا لم تتمكن الجمعية من تكليف محام فإنها تقدّم استشارة حول طريقة التعاطي مع محامي، وتوعية المدعين لكيفية تنظيم العلاقة مع المحامي والمطالبة بإيصالات وتوضيحات من الوكيل القانوني حول المصاريف الإضافية لمنع الاستغلال المادي.


[1] راجع: مؤلف د. عبد المنعم بكار: الأحوال الشخصية في لبنان. ومؤلف د. حنا مالك: الأحوال الشخصية في لبنان للطوائف المسيحية.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني