مكافحة ظاهرة زواج القاصرات في مصر: الشرع يؤيد ذلك، ولكن ماذا عن فاعلية القانون؟


2014-11-04    |   

مكافحة ظاهرة زواج القاصرات في مصر: الشرع يؤيد ذلك، ولكن ماذا عن فاعلية القانون؟

تنتشر ظاهرة زواج القاصرات في بلاد عربية عدة. وقد سعت مصر الى مواجهة الظاهرة بتحديد سن الزواج، بحيث تصبح السن القانونية شرطاً من شروط الزواج التي لا يمكن عند غيابها تسجيل الزواج. ولكن الظاهرة لم تنته في مصر مع اتخاذ هذا الإجراء، بل تستمر حتى الوقت الحالي بالمخالفة للقانون.

القانون المصري: تحديد سن الزواج بـ18 عاماً
في البداية، تجدر الإشارة الى أن الدستور المصري 2014 وقانون الطفل يعرّفان الطفل بأنه “”كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشر سنة ميلادية كاملة””. ويرتب الدستور على ذلك وجوب حماية الطفل من العنف والاستغلال الجنسي (مادة 80)، الأمر الذي يعني حمايته من الزواج لأن ذلك يعد نوعاً من أنواع الاستغلال الجنسي.

فضلاً عن ذلك، كان القانون المصري ينص صراحة في المادة 28 من قانون الأحوال الشخصية على أنه “لا يجوز توثيق عقد الزواج إذا كانت سن الزوج أقل من 18 سنة وسن الزوجة أقل من 16 سنة”. ولكن هذه المادة كانت تخالف اتفاقية السيداو كما يشير الأستاذ الجامعي فتوح الشاذلي[1] لأنها تميز بين الذكر والأنثى بخصوص السن الأدنى للزواج، بالإضافة الى أنها كانت تسمح بزواج البنت وهي لا تزال طفلة طبقاً لتعريف قانون الطفل. لذلك، تم في عام 2008، تعديل قانون الأحوال المدنية لتنص المادة 31 مكرر منه على أنه “لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية كاملة”.

ويلفت الشاذلي النظر الى أنه طبقاً لصياغة المادة، فإن القانون لا يحظر الزواج لمن هم دون الـ18 سنة بل يحظر توثيق الزواج، ما قد يؤدي الى فتح الباب أمام الزواج العرفي الذي يضر بحقوق المرأة[2].

علماء الأزهر: لا تعارض بين تحديد سن الزواج والشريعة الإسلامية
ثار جدل في مصر بعد رفع سن الزواج الى 18 سنة. وعاد هذا الجدل الى السطح مرة أخرى خلال جلسات مجلس النواب المصري في عام 2012. فقد دارت نقاشات حول ضرورة تخفيض السن أو إلغاء تحديد السن، وذلك بحجة مخالفة القانون للشريعة الإسلامية التي لا تحدد سن للزواج وتقبل بزواج البنت منذ بلوغها مهما كان عمرها.

وقد صرح أكثر من مرجع في جامعة الأزهر بعدم مخالفة تحديد سن الزواج للشريعة الإسلامية. فقد صرح د. سعد الدين الهلالي أن “القرآن ارتضى للمجتمع بحسب أعرافه وأوضاعه تقرير هذه السن بما لا يضر الصغير ويحرم حقه من الطفولة، ولا يمنع من بلغ سن الزواج من حقه في الزواج. وهذه سن تتفاوت في الأزمنة والأمكنة بحسب البرامج الحضارية المتاحة”، وأضاف أن “تقدير سن الزواج بحكم الشرع الإسلامي في يد المجتمع يرفعه ويخفضه بحسب المصلحة التي يتوخاها ودرء المفسدة التي يبتعد عنها، ولذلك يجب على الجميع الالتزام بسن الزواج في القانون الجديد بعدما رفعه من 16 الى 18 عاماً”[3]. كما أكد د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، على اتفاق تحديد سن الزواج مع الشريعة الإسلامية، مذكراً بأن “الرأي الراجح عند الحنفية هو أن الأنثى لا يعقد عليها عقداً شرعياً صحيحاً إلا اعتباراً من سن الـ18 عاماً فصاعداً”[4].

وفي قضية حقق فيها المحامي العام الأول لنيابات جنوب الجيزة لزواج قاصر تبلغ من العمر 14 عاماً، طلب استطلاع الرأي الشرعي للمفتي في هذا الزواج. وقد عارض المفتي السابق علي جمعة هذا الزواج، معتبراً أن “زواج القاصرات يعتبر استغلالاً جنسياً للأطفال يجب معاقبة من يفعله أو يقوم به، سواء الأبوان أو المحامون أو الوسطاء (السماسرة)”[5].

وقد أدت هذه الآراء الى إزالة الحاجز الشرعي أمام تحديد سن الزواج والتصدي للظاهرة قانونياً في مصر[6].

استمرار زواج القاصرات في مصر رغم تحديد سن الزواج
توضح الدراسات والتصريحات الصادرة عن المجلس القومي للطفولة والأمومة استمرار ظاهرة زواج القاصرات رغم تعديل القانون، وتنتشر في قرى وأحياء محافظة الجيزة ومحافظات الصعيد[7].

وتنتشر ظاهرة زواج القاصرات من خلال نوعين من الزواج:

الأول هو ما يطلق عليه “الزواج السياحي”، وهو تزويج الفتاة لرجل عربي ثري مقابل مبلغ من المال يحصل عليه الأب، وهو الأمر الذي يدخل ضمن نطاق الاتجار بالبشر ويعاقب جنائياً عليه طبقاً لقانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر عام 2010. ويتم هذا الزواج في الغالب من خلال سماسرة معروفين ويكون ناتجاً من فقر العائلة وحاجتهم الشديدة الى المال. وتشير دراسة صادرة عن المجلس القومي للمرأة الى أن 300 حالة من الزواج المبكر لفتيات مصريات من غير مصريين تسجل يومياً في الشهر العقاري، وترتفع الى 500 حالة في موسم الصيف[8]. وتتم هذه الزيجات إما بعقد عرفي ومن ثم لا يتم تسجيل الزواج، أو عن طريق تزوير سن الفتاة لإثبات عمر أكبر من عمرها الحقيقي لإتمام الزواج بطريقة قانونية وتسجيله.

النوع الثاني هو زواج القاصر بحكم العادات والتقاليد، ويكون زواجاً مثل غيره، أي دون الحصول على مبلغ من المال، ولكنه ينتج من تغليب الأهل عادات القرية أو المحافظة وتقاليدها على الحدود المفروضة قانوناً.

وتشير دراسة صادرة عن المجلس القومي للمرأة الى أن 36% من زيجات الريف تتم في سن تقل عن 16 سنة[9]. ويرجع الزواج في هذه الحالة الى العادات والتقاليد في هذه المناطق والتي تعتبر البنت التي لا تزال عزباء عند سن الـ16 عاماً “عانساً”[10]. وتؤثر قلة المستوى التعليمي في هذه المناطق على استمرار تلك العادات.

وتتم هذه الزيجات بعدة طرق، الأولى أن يتم الزواج بطريقة عرفية على أن يتم رسمياً عند بلوغ البنت سن الـ18، أو أن يقوم المأذون بعقد الزواج بطريقة شرعية ولكن لا يقوم بتسجيله إلا عند بلوغ الزوجين 18 عاماً، أو أن يتم استخراج شهادة ميلاد جديدة للبنت[11]، فيقوم موظف الصحة بتسنين البنت[12] التي تظهر في أغلب الأحيان أكبر من عمرها الحقيقي.

وتنص المادة 227 من قانون العقوبات المصري على عقوبات قد تصل الى الحبس لمدة قد تصل الى سنتين على “كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقاً، كذلك متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق”. كما تعاقب المادة بالحبس أو بغرامة “كل شخص خوّله القانون سلطة ضبط عقد الزواج وهو يعلم ان أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون”. وتعد هذه المادة هي السبيل لمواجهة طرق التحايل على القانون المذكورة أعلاه.
ولكن، من الواضح من خلال الأرقام المشار اليها أعلاه أن الحدود القانونية لا تكفي لمواجهة ظاهرة الزواج المبكر، فالأمر يحتاج الى مقاربة اجتماعية مختلفة، أهمها رفع المستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي والمادي للأسر المصرية الفقيرة.

نشر هذا المقال في العدد | 22 |تشرين الأول/أكتوبر/  2014 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

دعوى العادة تأسيس النظام العام:الجهورية أمام القضاء

للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا

 


[1]راجع د. فتوح الشاذلي “حقوق المرأة في مجال الأحوال الشخصية: إشكاليات الزواج من الوجهة القانونية”، نشر على الموقع الالكتروني للمجلس القومي للمرأة بتاريخ 15-10-2012.
[2]المرجع السابق نفسه.
[3]راجع “آراء فقهية تحسم الجدل حول سن الزواج”، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الأهرام بتاريخ 18-1-2013.
[4]المرجع السابق نفسه.
[5]راجع “زواج القاصرات: انتهاك الطفولة واستغلال الدين وتجاوز القوانين”، نشر على الموقع الالكتروني “العربية.نت”، بتاريخ 11-2-2010.
[6]تنص المادة 2 من الدستور المصري على “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.
[7]راجع “زواج القاصرات: عشرات الحالات يوميا وقومي الطفولة يلاحق المتورطين”، نشر على الموقع الالكتروني لأصوات مصرية بتاريخ 19-10-2014.
[8]راجع أمل صقر، “الزواج المبكر في مصر”، صادر عن المجلس القومي للمرأة، في يناير/كانون الثاني 2013
[9]المرجع السابق نفسه.
[10]Sarah El Masry, “Under reported and underage: Early marriage in Egypt”, Daily news, 5-12-2012.
[11]المرجع السابق نفسه.
[12]أي إعطاؤها سناً.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني