أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن انعقاد جلسة تشريعية أيام 21 و22 و23 نيسان في قصر الأونيسكو. وتأتي الجلسة في أجواء استثنائية حيث حملت التدابير المفروضة في ظل مكافحة جائحة كورونا إلى إغلاق تام ومنع التجمّعات.
على جدول أعمال الجلسة المرتقبة 66 بنداً، تحاول المفكرة من باب رصدها لأعمال البرلمان، ومن باب ضرورة التنبّه إلى كل خطوة في الظرف الحالي، أن تبرز أهمية أو خطورة عدد من هذه البنود.
ونتمعّن هنا بالتحديد برزمة المقترحات التي تقدّم بها نواب كتلة “لبنان القوي” بصفحة المعجّل مكرّر في 9/4/2020، والتي تسهم بمكافحة جائحة كورونا بحسب إدعاء مقدّميها، وبمشروعي قانونين مقدّمين من قبل الحكومة في السياق نفسه. ومن شأن هذه المقترحات أن تفتح الباب واسعا أمام تمادي الزبائنية بأشكال مختلفة.
- بإمكان أشخاص الحق العام منح هبات ومساعدات
ترتبط بعض المقترحات بتمكين أشخاص الحق العام من تقديم مساعدات وهبات في إطار مواجهة جائحة كورونا، عكس توجّه موازنة 2020 التي كانت قد حدّت من هذه الإمكانية في سبيل مكافحة الهدر والفساد. ومنها مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 6218 الرامي إلى تمكين الأشخاص المشمولين بأحكام المادة 32 من قانون موازنة 2020 من تقديم هبات ومساعدات في مواجهة فيروس “كورونا”، ولم يتسنّ لنا الإطلاع عليه (بند 3). هذا مع العلم أن إقتراح القانون المقدّم من كتلة “لبنان القوي” الرامي إلى تعليق العمل مؤقتا بأحكام هذه المادة (بند 65).
وتنص المادة 32 في فقرتها الأولى، وفي سياق الحدّ من الهدر والفساد، على منع “جميع المؤسسات العامة والبلديات وإتحادات البلديات والهيئات والمجالس والصناديق والمصالح المستقلة والمصارف والشركات وأشخاص القانون العام” من “أن تنفق أو تساهم أو تمول أية جهة عامة أو خاصة من أي نوع كانت بأي مبالغ نقدية أو عينية أو مشاريع برامج على إختلاف تسمياتها خدمات وشراء خدمات وغيرها من حالات الإنفاق الخارجة عن إطار مهماتها الحصرية”، منها “على سبيل المثال لا الحصر، جميع أنواع التبرعات والمساهمات والرعايات والخدمات (…)”. أما الفقرة الثانية فتمنع كل أشكال التوظيف المؤقت والدائم فيها، والثالثة فتضع على عاتق كل منها تقديم موازنة سنوية يعمد مجلس الوزراء إلى تحديد الجهة التي تدقّق بها.
ويعمد اقتراح قانون “لبنان القوي” إلى تعليق العمل مؤقتاً بالمادة المذكورة واستثناء “المساهمات والمساعدات والهبات المقدمة من البلديات وإتحاداتها، والمؤسسات العامة لمواجهة أعباء كورونا في لبنان”. وجاءت الأسباب الموجبة لتبرّر تقديم الإقتراح بتقديم الإجابة الشافية عن تساؤلات “البلديات وإتحاداتها عما إذا كان الحظر المذكور يحول دون مساهمتهم في مواجهة أعباء هذا الوباء”.
واللافت أنه تم تعليق هذه المادة من دون وضع أي ضوابط إزاء التعسف أو التمييز أو الاستغلال السياسي.
- الإعفاءات الضريبية للهبات والمساعدات
هنا نجد مشروع القانون المعجل الوارد بالمرسوم رقم 6219 الرامي إلى عدم فرض الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للهبات المقدمة من الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات بقصد المساعدة والممولة من مصادر داخل لبنان نتيجة إنتشار فيروس كورونا (بند 4). ولكن لم يتسنّ لنا الإطلاع عليه.
كما نجد اقتراح القانون المقدّم من كتلة “لبنان القوي” والذي يوسّع قاعدة الإعفاء بشكل كبير، حيث يقترح اعفاء هذه الهبات والمساعدات “من جميع الضرائب والرسوم مهما كانت الجهة التي قدمت لها أو وردت إليها” (بند 62). كما شمل الإقتراح الهبات والمساعدات الواردة من الداخل والخارج، وذلك لمدة ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. وتبرّر الأسباب الموجبة ذلك بآثار الجائحة السلبية على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، “ولا سيما في ضوء الإجراءات التي إتخذتها الحكومة لمواجهة إنتشار الوباء بإعلان التعبئة”، كما “الآثار التي خلفتها الأحداث التي حصلت منذ 17 تشرين”، والتي أدت إلى إغلاق العديد من المتاجر والشركات وصرف موظفين وعمال كثر، والأزمة المالية والنقدية المرافقة. كما أضافت الأسباب الموجبة وبوضوح “أن الحكومة قد حاولت أن تتصدى للمشكلة عبر توزيع مساعدات نقدية على العائلات الأكثر فقراً. إلا أن هذه المساعدات لا تشكل حلا دائما للمشكلة ولذلك طلبت مساعدة الدول الخارجية ولا سيما من مجموعة الدعم الدولي”، وأن مؤسسات المجتمع المدني والطوائف الدينية يمكنها أن “تسهم في هذا الجهد الكبير عن طريق تلقي الهبات والساعدات المادية والعينية من الداخل والخارج وتوزيعها بالتالي على من هم بحاجة إلى المساعدة”.
- تعليق أقساط الديون
كما ورد إقتراح قانون معجل مكرّر تقدّم به النائب ألان عون. يهدف الإقتراح إلى تعليق أقساط الديون والإستحقاقات المالية للأشخاص والقطاعات الأكثر تضررا من أزمة كورونا لدى المصارف وكونتوار التسليف وترحيلها لمدة 6 أشهر (بند 61). كما ينص الإقتراح على وجوب تعليق جميع الإجراءات القانوينة أو القضائية أو التنفيذية وتقاضي المصارف أية فوائد تأخير تترتّب على تأجيل السداد.
وحدّد الإقتراح من هم المعنيون بعبارة “الأكثر تضررا من أزمة كورونا” والمشمولين بالقانون، بحيث حدّدهم ب ”العملاء الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري الحد الأدنى للأجور، الأجراء الذين تم تخفيض دخلهم إلى النصف وما دون أو توقيفهم عن العمل بشكل جزئي أو نهائي”. وبالنسبة إلى القطاعات، حددها بقطاعات النقل، وقطاع السياحة والمطاعم والمقاهي، وكل القطاعات الإنتاجية المتضررة مباشرة. وبررت الأسباب الموجبة تقديم الإقتراح ب”القوة القاهرة العالمية الناتجة عن أثر فيروس كورونا المستجد وما يشكله من تحديات للإقتصاد الوطني”.
- صندوق خاص للمصروفين من العمل
وأخيراً في هذا السياق، نجد إقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى إنشاء صندوق خاص لمواجهة تداعيات وباء كورونا على من فقدوا عملهم في القطاع الخاص، المقدم أيضاً من “لبنان القوي” (بند 63).
ويعمد الإقتراح إلى إنشاء الصندوق واعتباره “من أشخاص القانون العام”، ولكن ليس من المؤسسات العامة. ويربط الإقتراح الصندوق ب ”لجنة وزارية تضم وزارات المالية والإقتصاد الوطني والعمل والشؤون الإجتماعية”، تعتبر مجلس إدارته.
أما بالنسبة لمهام الصندوق فهي “تقديم مساعدات شهرية تعادل نسبة معينة من الأجر لا تقل عن الثلث أو عن الحد الأدنى للأجور ولا تزيد على مليوني ليرة لبنانية”، ومساعدة المؤسسات الصغيرة التي يتراوح عدد العاملين فيها بين 3 و10 على إستئناف العمل وإعادة العاملين فور إنحسار الوباء أو إلغاء التعبئة، ومساعدة المؤسسات الصغيرة التي ترغب بتغيير نشاطها الإنتاجي.
ويقترح النص تمويل الصندوق من 1% من الإيرادات المحصلة من ضريبة الدخل على الأرباح والضريبة على فوائد الودائع المصرفية، والهبات والتبرعات والمساعدات (…)، والقروض و سندات الخزينة طويلة الأمد (…)”.
ويعمد إلى وضع نظام داخلي ونظام مالي للصندوق يصادق عليهم مجلس الوزراء، كما يخضع إلى رقابة ديوان المحاسبة.
واستندت الأسباب الموجبة إلى “الدراسة الحديثة التي أجرتها اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) والتي أشارت إلى أن 8,3 مليون شخص سيدخلون دائرة الفقر في المنطقة العربية نتيجة تفشي فايروس كورونا وفقدان حوالي 1,7 مليون وظيفة على الأقل”، وإلى كون بعض الباحثين قد قدروا عدد الذين “فقدوا وظائفهم حتى منتصف شهر شباط الماضي ب 220 الف” شخص.
تعديل وجهة قرض من البنك الدولي لتجهيز المستشفى الحكومي
يضاف إلى هذه الإقتراحات، مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 6199 الرامي إلى طلب الموافقة على تعديل القانون رقم 89 تارخ 10/10/2018 المتعلق بإبرام إتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ مشرور تعزيز النظام الصحي في لبنان المقدم بتاريخ 15/3/2020 (بند 1). ويتضمّن التعديل “إعادة توزيع قيمة القرض المذكور (120 مليون د أ) بحيث يقتطع منها مبلغ 40 مليون د أ تخصص لتجهيز المستشفيات الحكومية لتشخيص ومعالجة الحالات المشتبه إصابتها بفيروس الكورونا، وتأمين كافة الإحتياجات اللوجيستية ووسائل الحماية الشخصية وكافة إجراءات التواصل والتوعية”.
خلاصة:
بالخلاصة، يتبين أن مجمل هذه القوانين قد اندرجت في إطار تشجيع الهبات وثقافة الصدقة بعيدا عن منطق الحقوق والتضامن الاجتماعي. فلم يقدم أي اقتراح لتعليق تسديد بدلات الإيجار للأماكن السكنية وغير السكنية بفعل تعطيل الاقتصاد الوطني نتيجة الكورونا. ولم يقدم أي قانون لحماية الأجراء من امكانية التعسف. كما لم يقدم أي اقتراح لفرض ضريبة على الثروات أو وضع إلزامات على الأوقاف انطلاقا من إعفائها من الضرائب منذ أمد بحجة دورها الخيري (فأين هو هذا الدور؟)…الخ. وما يزيد من عوامل القلق في هذا الصدد هو أن إرساء ثقافة الصدقة هذه إنما يحصل من دون ضوابط. فلا نجد أي ضوابط على العطاءات التي تقدمها المؤسسات العامة أو الصناديق المزمع إنشاؤها للأفراد مثلا، منعا للتمييز والاستغلال السياسي. كما لا نجد أي ضوابط على قيام الأحزاب بجمع تبرعات وتوزيعها بما يشبه الرشاوى السياسية.
كما لا نجد أي مسعى لفهم واقع الاحتياجات الاجتماعية من خلال إحصاء للسكان (وفق مشروع حزب مواطنون ومواطنات في دولة) تمهيدا لوضع مخطط للتضامن الإجتماعي.
بالنتيجة، أكثر ما نخشاه هو أن تسهم كتلة هذه الاقتراحات إلى استغلال حاجات الناس لإعادة سطوة منظومة التحالف القائمة بين الزعماء وأصحاب المصالح والشبكات الطائفية على الواقع الإجتماعي من خلال نظم التبعية والزبائنية بعدما كانت انتفاضة تشرين قد أسهمت في ترنّحها بشكل كبير.
اقتراح اعفاء الهبات والمساعدات المقدمة لمواجهة كورونا من جميع الضرائب والرسوم.pdf
اقتراح انشاء صندوق خاص لمواجهة كورونا على من فقدوا عملهم في القطاع الخاص.pdf
تعليق اقساط الديون والاستحقاقات المالية لدى المصارف وكونتوار التسليف.pdf
اقتراح تعليق العمل مؤقتا باحكام المادة 32 من موازنة 2020.pdf
مشروع اتفاقية تعزيز النظام الصحي في لبنان.