معركة صندوق تعاضد الفنانين تنتقل إلى نقابتهم: فصل إحسان صادق وآخرين عقابا على المساءلة والكشف عن الفساد


2020-09-14    |   

معركة صندوق تعاضد الفنانين تنتقل إلى نقابتهم: فصل إحسان صادق وآخرين عقابا على المساءلة والكشف عن الفساد

منذ أيام، نشرت المفكرة القانونية مقالا بعنوان “التعاضدية المهددة بالفساد في ظل الأزمة اللبنانية” حول الصراع الحاصل داخل صندوق تعاضد الفنانين ومن حوله. استعرض المقال مختلف محطات هذا الصراع وأبعاده. وتحدثنا فيه عن خطورة تساهل مجلس شورى الدولة مع مخالفات جسيمة ارتكبت فيه والأخطر مع القرار الصادر عن مجلس إدارة الصندوق بفصل العضو الذي تجرأ على إخبار الإدارة عن هذه المخالفات. فمن شأن تساهل مماثل أن يثني المواطنين عن الكشف عن الفساد وتاليا أن يقوض حظوظ مكافحته. بعد ذلك، انتقلت عدوى فصل المتمردين من صندوق تعاضد الفنانين إلى نقابة الفنانين التي يشرف عليها الأشخاص أنفسهم، ومن أبرز الأعضاء الذين تم فصلهم نقيب الفنانين السابق إحسان صادق. نتابع هذه القضية بالنظر إلى أهميتها ومحوريتها لفتح ملف صناديق التعاضد والمخالفات الحاصلة داخلها (المحرر).

تعود القضيّة إلى العام 2018، حين تقدّم الموسيقي وعازف الغيتار علي رضا بشكوى للمديريّة العامة للتعاونيات التابعة لوزارة الزراعة، متّهماً إدارة الصندوق التعاضدي للفنانين (برئاسة شكري أنيس فاخوري) بجملة من المخالفات الماليّة والإداريّة. كان رضا عضواً في لجنة الرقابة على الصندوق، الذي اتّخذ مجلس إدارته قراراً بفصله بعد ذلك، متّهماً إياه بإطلاق شائعات تمسّ بكرامة الفنان والنقابة والصندوق.

وبناءً عليه، بادرت المديريّة برئاسة غلوريا أبو زيد وبتاريخ 8 آذار 2019 إلى تطبيق المادة 25 من المرسوم الاشتراعي 35/1977، والتي تسمح لها “بحال لمست إهمالاً أو تقصيراً من قِبَل مجلس الإدارة أو لجنة الرقابة أن تعلّق صلاحياته وأن تكلّف مجلساً أو لجنة مؤقتة… لتولّي هذه الصلاحيات”، فعلّقت صلاحيات المجلس وعيّنت لجنة مؤقتة مؤلفة من موظفّي المديريّة. ثم عادت وأصدرت المديريّة قراراً تعديليّاً في 22 آذار، فضلاً عن قرارٍ آخر بتعيين لجنة مؤقّتة جديدة في 30 تشرين الأوّل 2019 برئاسة الممثل إحسان صادق.

لم يرضخ مجلس إدارة الصندوق لقرارات المديريّة واعتبرها تعسّفية، ورفض تنفيذها، وتقدّم بطعن ضدّ القرار الأول. فلم تتمكّن الإدارة الجديدة في اللجنة المؤقّتة من استلام مجلس الإدارة إلا بعد تدخّل قضاء العجلة وأمر بتسليم الصندوق إليها. فحصل التسليم مع أضرارٍ جانبيّة، حين عمد بعض أعضاء المجلس المعلّقة صلاحياته إلى تسليم أجهزة الكمبيوتر بعد محو مئات المستندات منها، التي نجح فيما بعد الخبير ديفيد سلّوم (المعيّن من قبَل قاضي الأمور المستعجلة) في استعادة قسمٍ منها.

بعدها، عيّنت اللجنة المؤقتة الخبير المالي سامي تلج الذي وضع تقريراً مفصّلاً في 9 آذار 2020 خلُص إلى تثبيت عددٍ كبير من المخالفات المالية والتجاوزات القانونية والإدارية الحاصلة في إدارة صندوق التعاضد من قِبَل مجلس الإدارة المعلّقة صلاحياته. وقد تمّ إبراز تقرير سلّوم وتلج لمجلس شورى الدولة، كتبرير لتعليق صلاحيات مجلس الإدارة. لكن مجلس شورى الدولة، أصدر قراراً بتاريخ 16 تمّوز 2020 بإبطال قرارات المديريّة العامة للتعاونيات (الصادرة في آذار 2019) – ما عدا القرار الأخير رقم 73 الذي لم يطعن فيه- ضارباً عرض الحائط كلّ الإجراءات القضائية التي باشرت بها مديريّة التعاونيات ضدّ مجلس الإدارة المعلّقة صلاحياته، والشكاوى التي تتّهمه فيها أمام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت بتزوير المستندات والتلاعب بها؛ ومتغاضياً عن الشكاوى التي تحرّكت على أساسها النيابة العامة المالية ضدّ أمين صندوق المجلس فادي سعد على خلفيّة التهرّب الضريبي أمام قاضي التحقيق في بيروت.

 

نقابة الفنانين تفصل أعضاءها المتمردين

في موازاة كلّ هذا التخبّط في صندوق التعاضد، كانت نقابة الفنانين المحترفين (برئاسة الممثل جهاد الأطرش) تتحرّك من جهتها وتصدر قرارات فصل جماعيّة بحقّ الفنانين، أصحاب الدعاوى القانونيّة المقدّمة ضدّ ارتكابات مجلس إدارة صندوق التعاضد المعلّقة صلاحياته.

فصلت النقابة خمسة أعضاء في البداية، وهم: علي رضا، كاتيا كسرواني، سيرج مناسا، رانيا مراد وفرنسوا رحمة. وعادت لتصدر قراراً بفصل ثلاثة غيرهم، وهم: إحسان صادق (نقيب سابق)، آنجيل أيوب (المعروفة فنيّاً باسم أماني) وناصيف راضي، مستقوية بقرارات وزير الزراعة والثقافة عبّاس بإبطال جميع قرارات مديرة التعاونيات.

وقد وصف الملحّن والمغنّي ناصيف راضي في حديثٍ إلى “المفكّرة” إن “قرارات الفصل جائرة من أشخاص لا يتمتّعون بحسّ المسؤوليّة ويتعاطون بخفّة في موضوع الإدارة العامة لشؤون نقابة الفنانين، ولا ينفّذون النظام الداخلي للنقابة بشفافية ومناقبية، بل ينزلقون لغاياتٍ شخصية غير آبهين بسمعة النقابة وشؤون الفنانين وحاجاتهم وتحسين ظروفهم المعيشيّة”. ويُشير راضي إلى أنّ الفصل من النقابة مرتبط بكلّ ما يحدث في صندوق التعاضد، قائلاً: “يحاولون فصلنا من الصندوق لأننا، وخلال إدارتنا له، كشفنا الكثير من المخالفات التي قامت بها الإدارة السابقة المتمثلة بشكري أنيس فاخوري (رئيساً) وفادي سعد (أمين سرّ) وجهاد الأطرش (عضواً في لجنة الرقابة على الصندوق).

بدوره، يؤكّد الفنان علي رضا أن قرارات الفصل كيديّة والهدف منها واضح: “ألّا تكون لنا صفة في الصندوق. فمن يفقد عضويته في النقابة، يفقد عضويّته في الصندوق تلقائياً. وبالتالي، فصلنا يعني فقدان صفتنا بتقديم دعاوى ضدّ مجلس إدارة الصندوق، بما أن الإدارة (في النقابة والصندوق) هي نفسها. فادي سعد هو أمين سرّ النقابة، شكري أنيس فاخوري هو عضو مستشار، وجهاد الأطرش هو النقيب”.

من جهته، يقول نقيب الفنانين الممثل جهاد الأطرش لـِ”المفكّرة القانونيّة” إنها “جاءت بعدما تمرّد هؤلاء على قرارات النقابة وتمرّدوا حتى على قرارات الصندوق نفسه. الفنانون الذين تمّ فصلهم لم يهتمّوا باسم النقابة وحيثياتها وفاعليتها ولم يحترموها، فاجتمع مجلس الإدارة واستدعاهم للمساءلة أكثر من مرّة”. ويأسف الأطرش أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة في صندوق التعاضد، مؤكداً أن “هناك انهياراً في الصندوق. تمّ القضاء على صندوقٍ ناجح حيث لم يعد يلبّي مطالب الفنانين المنتسبين حتى، ورفضوا تجديد انتسابات كثيرين من زملائنا وهذا يسيء إلى سمعة الصندوق ودوره”. ويرد النقيب الأطرش على رضا قائلاً “إن نزع الصفة النقابية هي حجّة واهية وضعيفة جداً. يمكن لأيّ فرد أن يتقدّم بدعوى قضائية ضدّنا في حال كان متضرّراً”.

عودة إلى مخالفات صندوق تعاضد الفنانين

وعليه، يبدو سريعا أنه لا مجال للفصل بين مخالفات صندوق تعاضد وقرارات فصل أعضائه. وفي هذا المجال، سعى النقيب الأطرش إلى تسفيه هذه المخالفات وصولا لتبرير عقوبات الفصل: “فادي سعد (أمين الصندوق) المتّهم بالاختلاس حضر مراراً وتكراراً أمام المحقّق المالي، لماذا لم يتمّ توقيقه حتى اللحظة؟ يتّهمونه أنه لم يدفع ضريبته، سيدفعها. هو حرّ طليق، يحضر التحقيقات ويعود إلى منزله وعمله. اعترضوا على أن سعد يتاقضى راتباً شهرياً، بدأ بـِ800 دولار ليصل الآن إلى 2500. مجلس إدارة النقابة (برئاسة المخرج الراحل آلبير كيلو) قرّر ذلك قبل 20 عاماً، وللمجلس الحقّ والحريّة في اتخاذ القرار المناسب. هذا الإنسان كرّس وقته وجهده وتفرّغ لأمانة الصندوق طيلة 20 عاماً”.

ترفض جينا شمّاس، وهي رئيسة جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد، هذا الحديث مؤكّدةً أن النصوص واضحة “أيّ عضو من أعضاء مجلس الإدارة، وفي حال كان يتقاضى راتباً، يجب أن يتمّ ذلك بقرار من الجمعيّة العموميّة، وهذا قرار لا يصدر مرّةً واحدة ثم يصبح واقعاً. هو قرارٌ يجب أن يتجدّد كلّ عام، لأن الجمعيّة العموميّة تتغيّر. كل عضو موجود خلال لحظة اجتماع هذه الجمعيّة له الحقّ في قبول أو رفض قرارات الدفع لأيّ عضو من مجلس الإدارة. وهذا ليس الواقع في حال صندوق تعاضد الفنانين. فادي سعد يتقاضى راتباً، بناءً على قرارٍ صدر منذ 20 عاماً”.

“صحتين عَ قلب كلّ عضو بيقبض في حال كان ذلك قراراً صادراً عن الجمعيّة العموميّة”، تقول شمّاس وتضيف “مشكلة مجلس الإدارة أنه أخفى قرار دفع الراتب. وحين كُشف أمره، حاول التغطية من خلال ادّعاءات لا تستند إلى قوانين واضحة”. وتؤكّد: “هذا الصندوق، ومن خلال دفع الرواتب، يخلق سابقة من نوعها عبر تخطّيه المراسم الاشتراعيّة، وهي أنه يحقّ لأعضاء مجالس إدارة باقي الصناديق تقاضي رواتب من دون موافقة الجمعيّات العموميّة”.

يؤكّد الأطرش أنّ كلّ تفاصيل الصندوق والنقابة كانت تُذكر في المحاضر التي كان يتمّ إرسالها إلى وزارة الثقافة ومديريّة التعاونيّات طوال الوقت، “من دون أن يأتينا أيّ اعتراض أو تحذير من أن ذلك لا يجوز”. ويسأل: “لماذا لم تقم مديريّة التعاونيات بواجبها، وقرأت المحاضر التي كانت تصلها، وقالت هذا يجوز وهذا لا يجوز؟ بعد 20 عاماً تذكّرت المديريّة أن الراتب لا يجوز”؟

شمّاس، وهي أيضاً رئيسة مجلس إدارة الصندوق التعاضدي لأعضاء نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، تؤكّد أن “هناك محاضر وصلت إلى مديريّة التعاونيّات من دون الصفحة الأخيرة، حيث تُكتب قرارات مجلس إدارة الصندوق. تقرير الخبير يُشير إلى أنّ هناك محاضر مصدّقة في المديريّة كانت تنقصها الصفحة الأخيرة، وهي الأساسيّة حيث توجد قرارات تقاضي الراتب”.

أجواء مقربين من مديريّة التعاونيّات تشير أيضا إلى مخالفات عدّة كان يرتكبها الصندوق على مرّ الزمن، إحداها مثلاً أنه تبيّن لها في وقتٍ لاحق أن مجالس الإدارة كانت تُنتخب من قِبَل جمعيّات عموميّة غير قانونيّة. فالأعضاء الذين يتخلّفون عن دفع اشتراكاتهم السنويّة يُمنع عليهم المشاركة في الجمعيّة العموميّة (الانتخاب أو الترشّح)، لكنهم مع ذلك كانوا يشاركون. وفي هذا الإطار، تُشير أجواء المديريّة إلى أنّ فاخوري – ولدى انتخابه رئيساً لمجلس إدارة الصندوق – لم يكن يحقّ له الترشّح في الأساس لأنه كان مديوناً للصندوق بحوالى سبعة آلاف دولار كبدل اشتراكات.

الخلافات الحادّة داخل الصندوق جعلت مديريّة التعاونيات تقترح حلّه وإنشاء صندوقٍ موحّد للفنانين، بإدارة جديدة وبعيدة عن الأسماء المتنازعة فيما بينها، لا سيما وأن هناك بيئة جرميّة متماديّة – بحسب هذه الأجواء – من هدرٍ للمال العام وتهرّب ضريبي، إلّا أن وزير الزراعة رفض اقتراح المديريّة.

“المفكّرة” حاولت – مراراً – التواصل مع مديرة التعاونيّات غلوريا أبو زيد للتأكّد من كلّ تلك المعلومات، والوقوف عند تعليقها على قرار مجلس شورى الدولة ووزير الزراعة بإبطال قراراتها. لكنها لم تردّ. إلا أنها كانت أكّدت، في حديثٍ أجرته مع إذاعة لبنان الحرّ بتاريخ 9 أيلول الجاري، أن جميع الملفّات التي أرسلتها المديريّة إلى الوزارة والقضاء موثّقة مع المستندات والمواد القانونية اللازمة. “نحن لا نروي حكايات أو نقدّم وجهة نظرنا. نستند إلى القانون، والقانون واضح”. تتفهّم أبو زيد التحيّز ضدّ قراراتها، وتقول في هذا السياق “هناك شخص كان مديراً للصندوق وكان يستفيد منه ويتصرّف بالأموال بطريقة غير صحيحة. تبيّن أن هناك اختلاساً في الصندوق، وتزويراً، وصرفاً للأموال من دون وجه حقّ ومن دون إذنٍ مسبق من الأعضاء كما ينصّ القانون… إلخ. ومن الطبيعي ألا تكون المجموعة التي تديره ممنونةً من قرارات المديريّة لأنها تستفيد”.

حول قرار وزير الزراعة والثقافة عبّاس مرتضى بإبطال جميع قرارات أبو زيد، تقول شمّاس في حديثٍ إلى “المفكّرة” إن “الوزير لا يحقّ له ولا يملك صلاحيّة إبطال قرارات المديرة العامة للتعاونيّات. المدير العام له صلاحيات مطلقة، ولا يمكن لأحد سوى مجلس شورى الدولة إبطال قراراتها. الوزير بحدّ ذاته يخالف القانون”.

“فادي سعد وسّع أحلامه”، يقول النقيب الأطرش و”يتفهّم” اعتراض البعض الذي يسأل كيف يحقّ له تأمين سيّارات لأعضاء الصندوق، وإذ لا “يشكّك” الأطرش – بحسب تعبيره – في أن هذا الأمر ممنوع وغير قانوني، لا يعتبره “سرقة أو نهباً”.

راضي يقول في هذا الإطار: “لم يعد الصندوق مخصّصاً للفنان وحده، لقد دخل ابن خالة الفنان على الخطّ وصديقه، وهذا مخالف للنظام الداخلي لصندوق التعاضد. لم يستفد أحد من الفنانين من الصندوق، لأنه كان يعمل بشكلٍ تجاري بحت”.

عن الخطوات التي ينوي أن يتّخذها الفنانون المفصولون من النقابة، يُشير راضي “اعترضنا على القرار الصادر عن مجلس إدارة نقابة الفنانين المطعون بشرعيّته لدى مجلس شورى الدولة، وأرسلنا اعتراضنا إلى وزارة الثقافة بتاريخ 22 حزيران 2020، لا سيما وأن قرار الفصل تعسّفي وغير مستند إلى حيثيّات قانونيّة وانتقامي”.

الفنان علي رضا أدلى لـِ”المفكّرة” أنهم طعنوا بقرار فصلهم لدى وزارة الثقافة، “نريد إبطال قرار الفصل لأن أسبابه غير موجبة، وأملنا كبير بالقضاء في الدعاوى المقدّمة من قبَلنا ضدّ عددٍ من أعضاء مجلس الإدارة السابق، والتي لا تزال قائمة. فالجلسة المقبلة موعدها في 23 من شهر أيلول الجاري”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

نقابات ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني