“
أعلن نادي قضاة المغرب مؤخرا أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية عين مقررا لمباشرة المسطرة التأديبية في حق عدد من القضاة من أعضاء النادي، من أجل ما نسب إليهم من إخلال بواجب التحفظ على خلفية عدة تدوينات نشرت في صفحة نادي قضاة المغرب على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك.
حرية التعبير مجددا
من جانبه، علق رئيس نادي قضاة المغرب عبد اللطيف الشنتوف، خلال تدوينة بالمجموعة الرسمية للنادي على موقع الفايسبوك، بأن الأمر يتعلق بـ “حرية التعبير المكفولة دستورا وقانونا لكل القضاة، كما أن هذا الإجراء الذي اتخذه المجلس جاء بعد الإجتماع معه لمرتين وتوضيح النادي لرؤيته والاتفاق على إجراء لقاءات دورية بين الطرفين”. وقد أعرب عن استغرابه في الآن نفسه لهذا الإجراء بعد سنة كاملة تقريبا من استدعاء القضاة الأربعة للمفتشية العامة للشؤون القضائية بخصوص نفس الموضوع.
ويذكر أن المادة 111 من الدستور المغربي الجديد، والتي اعتبرت أحد أهم مكاسب الدستور على الصعيد القضائي، كانت نصت حرفيا على الآتي: “للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية”. ويطرح تطبيق هذه المادة اشكالات عند تعريف التحفظ والأخلاقيات القضائية. وفيما ينتظر من المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يعلق على هذه المادة في مدونة الأخلاقيات القضائية التي يتعين عليه وضعها، فإن ثمة مخاوف من أن يعتمد تعريفات من شأنها الانتقاص من هذه الضمانة الدستورية. وكانت “المفكرة” تناولت في تصورها المقترح للأخلاقيات في المنطقة العربية مسألة حريتي القاضي بالتعبير والتجمع. وبعدما اعتبرت إياهما “السلاح الأبرز لتعزيز روابط التضامن والتواصل بين القضاة وأيضا لتحسيس الرأي العام بأهمية استقلال القضاء وبالأخص أهمية التمسك به والدفاع عنه” وشرطا لتحرر “القاضي من قيود الصمت والاستفراد ليصبح أكثر مناعة وقدرة على صون استقلاله وصدّ التدخلات في شؤونه”، فإنها رأت أن “من الضروري جمع حرية القاضي باستقلاله، وذلك من منظور جدلي بين هاتين القيمتين. فالاستقلالية تبقى منقوصة وهشّة من دون الاعتراف بحرية القاضي، والتمتع بحرية القاضي مضمون ومكفول دستوريا ولا تحده إلا مقتضيات الاستقلالية، التي تشكل جوهر العمل القضائي، والمكفولة هي الأخرى دستوريا. بهذا المعنى، يصبح استقلال القاضي هو غاية حريته وقيدها في آن”. وبموجب هذه القراءة، يكون وفق “المفكرة” للقضاة التمتع بأوسع قدر من حرية التعبير، فلا يحدّ منها إلا بما قد يستشف منه انتقاص من استقلاليتهم الفعلية أو الظاهرة.
مضامين التدوينات
فور إعلان خبر تعيين مقرر في حق عدد من أعضاء النادي، قام بعضهم بإعادة نشر تدويناتهم التي اعتبرت المفتشية العامة أنها تشكل خروجا عن واجب التحفظ.
ويتعلق الأمر بتدوينة أولى للكاتب العام لنادي قضاة المغرب عبد الرزاق الجباري لفت فيها الانتباه إلى ضرورة احترام البروتوكول الخاص بالسلطة القضائية في المناسبات العامة، وذلك بعد تقديم وزير العدل على الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في حفل تخرج الملحقين القضائيين. وجاء في التدوينة التي نشرت كخاطرة أدبية نقدية في صفحة نادي قضاة المغرب:
“قلت لصديقي القيدوم: ما هو رأيك في حفل أداء يمين الفوج 41؟
قال: جيد، لولا بعض الهفوات البروتوكولية، التي قد تسيء إلى السلطة القضائية، وتوحي كما لو أنها ضعيفة أمام سلط ومؤسسات أخرى.
قلت: مثل ماذا؟
قال: مثل تقديم وزير العدل، وعضوين معينين بالمجلس، على مؤسسة الرئيس المنتدب في تسليم قرارات التعيين.
قلت: ربما هي من باب العناية بالضيوف.
قال: وهل عدم إيلاء المكانة اللائقة بالأعضاء المنتخبين كممثلين للقضاة بالمجلس، هي أيضا من باب العناية بالضيوف ؟”.
أما التدوينة الثانية فتخص رئيس نادي قضاة المغرب بالعيون عفيف البقالي القاضي الذي تحدث بشكل عام عن الفساد الموجود في القطاع، قائلا في خاطرة على صفحة نادي قضاة المغرب بموقع الفيسبوك ما يلي:
“في القضاء فقط فئة تقضي وأخرى يقضى عليها وثالثة يقضى بها، فيه طائفة تكتري شققا وأخرى تسكن الفيلات، الأولى مثقلة بالديون والثانية لها فائض من الأصول يغنيها طول العمر ويغني الأبناء والأحفاد ….
هنا فقط تجد من ينتظر آخر الشهر ويعد الأيام عدا، بينما في المقابل تجد من لا يبالي لأنه يملك ملايين عددا، ففي القضاء تجد الفرق الشاسع والمخيف بين الطبقات، وقد لا تعني لغة الأرقام والأقدمية والرتبة والدرجة شيئا، فالأرقام كثيرا ما تكون كاذبة .
وفي القضاء أيضا، قد لا تحاسب على أصولك وثرائك، لكن بالمقابل قد تحاسب على الكلمة والقلم … ولا أدري أهي رسالة لغلق الأفواه وملء الجيوب، أم أنها همسة في أذن من لا يفهم … لكن في القضاء من الأفضل أن لا تفهم و لا تسمع، لكي تعيش شريفا، فالشرف رأسمال القاضي”.
ماذا يعني تعيين المقرر في حق قضاة الرأي؟
بموجب الإصلاحات القضائية الجديدة بالمغرب، أصبح قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينظم بشكل مفصل إجراءات المتابعة التأديبية للقضاة، حيث ينص على أن الرئيس المنتدب للمجلس يبلغ القاضي المعني ما نسب إليه من إخلال وباسم القاضي المقرر في قضيته. ويقوم هذا الأخير بإجراء كافة الأبحاث والتحريات الضرورية، بما فيها الاستماع إلى القاضي المعني بالأمر ولكل من يرى فائدة في الاستماع إليه، ويعد تقريرا مفصلا يودعه بالأمانة العامة للمجلس[1]، الذي يقرر بعد اطلاعه على تقرير القاضي المقرر، إما إصدار قرار بالحفظ أو إحالة القاضي المعني إلى المجلس إذا تبين له جدية ما نسب إليه. [2]
اجتماع طارئ لأجهزة نادي قضاة المغرب
تفاعلا مع هذه الأنباء، أكد رئيس نادي قضاة المغرب أن أجهزة النادي تستعد لعقد اجتماع طارئ في الساعات المقبلة، وأنها تتابع باهتمام تطورات الوضع، معربا عن أمله في أن يعالج هذا الموضوع من المجلس الأعلى للسلطة القضائية معالجة حكيمة، مطالبا بذات المناسبة القضاة بأن “يمارسوا في تعليقاتهم حريتهم في التعبير والتضامن مع زملائهم دون انفعال”، مسترسلا بالقول: “نادي قضاة المغرب سيواصل طريقه لأنه مؤمن برسالته النبيلة في خدمة القضاء والقضاة رغم كل شيء ..”. ومؤكدا عزم نادي قضاة المغرب على الوقوف إلى جانب القضاة المتابعين بسبب تدويناتهم، دفاعا عن حقهم في حرية التعبير التي كفلها دستور 2011.
مواضيع ذات صلة:
على هامش استدعاء قضاة من المفتشية في المغرب
المفتشية العامة للشؤون القضائية تستدعي عددا من القضاة بسبب تدويناتهم
تدوينات القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير وواجب التحفظ: قراءة في بعض التجارب العربية
موريتانيا: تدوينات القضاة على الفايسبوك”: اختلاف بين وزير العدل والقضاة حول واجب التحفظ
ردا على تصريحات وزير العدل المغربي: “موجب التحفظ” حين يتمدد
نادي قضاة المغرب يناقش وضع القيم القضائية على ضوء المستجدات التشريعية
تصوّر لمدونة أخلاقيات قضائية في المنطقة العربية: في اتجاه مدونة قادرة على تطوير البيئة القضائية
المفكرة تنشر ورقتها البحثية ال 7- 8 حول إصلاح القضاء في لبنان: حرية القضاة في التعبير والتجمع وتأسيس جمعيات
دليل حول معايير استقلالية القضاء – تونس
[1]– المادة 89 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
[2]– المادة 90 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
“