مشروع قانون العنف ضد المرأة في ليبيا: خيبة أمل في الشكل والمضمون


2018-02-21    |   

مشروع قانون العنف ضد المرأة في ليبيا: خيبة أمل في الشكل والمضمون

“إذا أردت أن أحترم القانون، فضع قانوناً محترما أولاً”

(شعار حركة عصيان النساء في بريطانيا في بدايات القرن العشرين التي انتهت بمنح المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية في أوروبا)

رغم الأزمة السياسية الحادة في ليبيا، فإن مجلس النواب الليبي، يفاجئنا دون مقدمات بين الحين والأخر بإصدار تشريع جديد، أو تعديل قانون قائم، أو عرض مشروع قانون جديد. وفي هذا السياق المرتبك قدمت اللجنة المكلفة بإعداد مشروع قانون العنف ضد المرأة عملها إلى مجلس النواب في النصف الثاني من أغسطس 2017 وذلك في احتفالية رسمية بمدينة طبرق، حيث مقر المجلس في الشرق الليبي. وقد أثار المشروع ـ سيما الجانب الجنائي منه ـ  حفيظة النواب أعضاء اللجنة القانونية بالبرلمان. وفيما تعلق الكثير من النساء وقائدات الحركة النسوية آمالا عراضا عليه معتبرة إياه تتويجاً لنضال نسوي بشأن مكافحة العنف ضد المرأة، ترى أصوات أخرى أنه من غير المناسب إصدار هذا القانون الذي يعد تمييزا إيجابيا لفئة من المواطنين، خصوصا أن النصوص الواردة في قانون العقوبات تبسط حمايتها للمرأة من كل صنوف العنف. وقد توصل الحاضرون في ورشة عمل عقدت بطلب من مجلس النواب في جامعة بنغازي إلى ضرورة عقد مزيد من حلقات النقاش حول المشروع ليصبح أكثر جاهزية للعرض على النواب وليحظى بالقبول المجتمعي؛ حيث أنه وبوضعه الراهن تعتريه كثير من المثالب قد تعرقل اعتماده مما يفقد النساء في ليبيا فرصة تاريخية لإقرار قانون حمائي لهن في مواجهة كل صنوف العنف.

وعلى سبيل المساهمة في هذا الجهد، نحاول في هذه المقالة تقويم المشروع بالاحتكام إلى معايير المشترك الإنساني والخصوصية الثقافية القانونية، ودقة الصياغة. وقبل المضي في ذلك، سنعمد أولا في تحديد ملامحه الرئيسية.

الملامح الرئيسية لمشروع القانون

يتضح من مشروع القانون حرص واضعيه على توسيع تعريف العنف ليشمل مروحة واسعة من الأفعال، منها العنف ضد المرأة بهدف الحرمان التعسفي من ممارستها لحقوقها العامة أو الخاصة، وفعل تزويج المرأة قبل بلوغها السن القانوني للزواج باستخدام الطرق الاحتيالية أو المستندات المزورة، وإكراه المرأة على الزواج، وحرمان المرأة حقها في الميراث الشرعي، وحرمان الولي للمرأة الخاضعة لولايته من التعليم الإلزامي، وإخلال صاحب العمل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في نطاق العمل.

كما جاء المشروع شاملاً لأوجه الحماية القانونية كافة، حيث أنه عرّف مصطلح الحماية في الفقرة الرابعة من المادة الأولى بأنها “بسط الحماية القانونية على المرأة المعنفة وتمكينها من الحصول على حقوقها”.

فعلى الصعيد العقابي، حرص المشروع على إعادة تجريم كثير من الأفعال المجرمة في قانون العقوبات الليبي، مع التشدد في العقوبات. وفي سبيل إظهار حرصه على السياسة المتشددة إزاء مرتكب العنف ضد المرأة صرح واضع المشروع في مادة بعنوان “تشديد العقوبة” بأن “لا تخّل العقوبات المقررة في هذا القانون، بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات، أو أي قانون آخر”. كما يلحظ أن المشروع حرّر الدعوى الجنائية من قيد شكوى الضحية.

كما تمت ترجمة التعريف الشامل لأوجه الحماية القانونية في نصوص عدة من مشروع القانون، بإعلان الدولة التزامها بتوفير سبل المساعدة وتقديم الخدمات للمعنفات، وإنشاء صندوق رعايا الضحايا والتأكيد على تمتع الضحية بالحقوق المقررة للمعاقين طبقاً لقانون الإعاقة، والتأكيد على إلزام الدولة بإنشاء مؤسسات لتوفير خدمات التأهيل لضحايا العنف. كما أكد المشروع على جملة من الالتزامات منها: تطبيق برنامج توعي قانوني للفتيات والنساء بالتشريعات ذات العلاقة، وتعيين مراقبين لحقوق المرأة في جميع وزارات الدولة.

وتحسب للمشروع جملة من المناقب واجبة الذكر في مستهل هذه المقالة ومنها : نصه على العقوبة التخـيرية، مما يسمح للقاضي بأن يمارس سلطته التقديرية في تفريد العقوبة. كما يحسب له النص على بدائل العقوبات وذلك في المادة 20 منه ونصها : “يجوز للمحكمة المختصة – إذا ارتأت أن ذلك مناسباً – لظروف المتهم والمجني عليها، استبدال العقوبات السالبة للحرية في جرائم الجنح المنصوص عليها في هذا القانون، بتكليف المتهم بأداء خدمة مجتمعية بالجهات التي تحددها الوزارة المختصة، وبالاشتراك مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية  بهذا المجال، وذلك لمدة أو لمدد لا تزيد عن نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة”.

يحسب للمشروع أيضا إيراده لإجراءات جنائية متطورة حيث نصت المادة 18 منه على أنه “يجوز للمحكمة الاستماع للمجني عليها والشهود والخبراء من خلال وسائل الاتصال الحديثة، أو من خلال الإنابة القضائية”. أيضاً نص المشروع على أن بيانات الشاكيات والضحايا من العنف والشهود التي يدلون بها أمام وحدة مكافحة العنف وجهات التحقيق والمحاكمة، هي من البيانات السرية التي لا يُفصح عنها إلا بطلب ولأسباب يقدّرها قاضي المحكمة. كما نص على إنشاء قاعدة بيانات إحصائية للمعنفات على مستوى الدولة.  ويحتسب للمشروع نصه على “التزام الدولة بدعم وتشجيع المجتمع المدني على إنشاء جمعيات حقوقية مستقلة تهدف إلى التوعية ضد العنف والتقليل من حالاته وتأهيل الضحايا وتقديم المساعدات القانونية لهم، كلا حسب اختصاصه” وفق ما جاء في المادة 21 منه.

ومن بين الإجراءات الجنائية المستحدثة، ما نصت عليه المادة 17 من المشروع التي أعطت صلاحيات للنيابة العامة بإصدار أوامر حماية للمجني عليهن أو الشهود كما أعطتها صلاحيات إصدار أوامر مساعدة مالية مؤقتة تصرف من صندوق رعايا الضحايا المنصوص عليه في المادة 13 من المشروع وهو صندوق ينشأ بقرار من رئيس الوزراء لرعاية ضحايا جرائم العنف من الإناث وذويهم ويدخل ضمن موارده الغرامات المقضي بها من الجرائم المنصوص عليها في المشروع.

كما ألزم مشروع القانون وزارة الداخلية بإنشاء إدارةً متخصصةُ لمكافحة العنف ضد المرأة، يكون لها فروع في كافة البلديات، على أن تنشأ في إطارها وحدات للجهات الشرطية الأخرى التي يحددها وزير الداخلية، على أن تتضمن في تشكيلها العدد اللازم من الشرطة النسائية، والأخصائيات الاجتماعيات والنفسيات وأطباء وفنيين.

مشروع متّسق مع المشترك الإنساني؟

من دون التقليل من أهمية القانون، نستطيع القول أن هذا المشروع حاد كثيراً عن القانون النموذجي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في الدول العربية، من زوايا عدة أهمها الآتية:

  1. أن المشروع أهمل الجوانب الإجرائية في معالجة جرائم العنف ضد المرأة على نحو من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف فاعلية القانون، في ظل العادات والأعراف الذكورية الموروثة. ويشار إلى أن القانون النموذجي أفرد فصلا كاملا في هذا الخصوص تمحور حول إنشاء وحدة شرطة متخصصة مكونة من عناصر نسوية متدربات على قضايا العنف، فضلا عن إنشاء نيابة عامة ومحكمة متخصصتين. كما يشار إلى أن القانون النموذجي استحدث جرائم بحق المحقق الذي قد يرتكب عمداً أفعالا من شأنها عدم وصول شكوى ضحية العنف إلى القضاء، كما رتب مسؤولية تأديبية في حال إهمال المحقق للشكاوى والتبليغات عن جرائم العنف.
  2. أن المشروع أهمل خصوصية العنف ضد المرأة أثناء النزاعات المسلحة.
  3. أن المشروع أهمل مسؤولية القيمين على الدوائر الرسمية المختصة بتسجيل عقود الزواج، في إطار مكافحة الزواج المبكر. يشار إلى أن القانون النموذجي منع على الدوائر الرسمية المختصة تسجيل أي عقد زواج قاصر وعاقب كل مخالف بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات. كما عاقب الموظف الذي يمتنع عن إبلاغ النيابة العامة بالمخالفة لهذا الحظر بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة مالية.
  4. أن المشروع خلا من إيلاء المنظمات المدنية المعنية بالعنف ضد المرأة أي دور في الإجراءات القضائية المتصلة بالجرائم التي يشملها. ويلحظ أن المشروع النموذجي نص على الحق في تمثيل النساء ضحايا العنف في القضايا المرفوعة من قبل النيابة العامة.
  5. أن المشروع نص على عقوبة الإعدام بخلاف القانون النموذجي الذي حرص على استبعادها.

مدى توافق المشروع مع النظام القانوني وبخاصة القانون الجنائي

 أن المشروع يخالف القواعد الجنائية المستقرة من زوايا عدة:

  1. عدا عن أنه يعنون المواد بالعقوبة المقررة وليس بالفعل المجرم، فإنه يقسم المواد حسب العقوبات. وعليه، جمع المشروع أشكالا من السلوك المجرم في نموذج تجريمي واحد، لا تجمعهم أي قواسم مشتركة لا مادية ولا شخصية مثل: الجمع بين فعل الأجنبي الذي يستخدم جسد المرأة بصورة غير لائقة بقصد تحقيق ربح مادي أو دعائي، وفعل الإكراه الذي يمارسه القريب على المرأة لإجبارها على الزواج. والخطأ المفصلي الذي وقع فيه صناع مشروع قانون العنف ضد المرأة هو الخلط بين المحل المادي والمحل القانوني حيث اعتبرت المرأة محلاً قانونياً في حد ذاتها وهو ما لا يجوز قانوناً فالمرأة محل مادي وحقوقها المختلفة (في الحياة، في الحرية، في سلامة العرض، في الشرف والاعتبار، في السلامة الجسدية …إلخ) هي المحل القانوني للنصوص التجريمية وهي مناط صياغة النص الجنائي محدداً الفعل الذي يتصور المشرع بأنه قد يصيبه بضرر أو يعرضه للخطر،
  2. خلافاً للمبدأ السائد بضرورة تحديد الركن المادي على سبيل الوضوح وبما يرفع اللبس نجد أن السلوك المجرم رسم بطريقة ضبابية غير محددة مما يعيق تطبيقه في الواقع فمثلا كيف يحدد القاضي فعل الإخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في نطاق العمل؟ أو كيف يحدد القاض السلوك العنيف الهادف لحرمان المرأة التعسفى من ممارستها الحقوق العامة أو الخاصة ؟. ومن العيوب الجسيمة التي يعاني منها المشروع كونـه يعاقب على أفعال بعينها بالتشديد في ظروف خاصة ولكن عقوبة التشديد أقل من عقوبة الجريمة البسيطة وذلك كما في نص المادة 10 منه، كما أن المشروع في المادة 9 منه جعل من ارتكاب بعض الأفعال تحت تأثير المخدر ظرف تشديد يصل بالعقوبة للإعدام دون بيان صريح بأن المقصود هو التعاطي المدبر للمخدر وفي ذلك خطورة بالغة من أن يفسر النص عل ظاهره بحيث يفهم منه شمول التشديد للعقوبة عند ارتكاب الفعل تحت تأثير التعاطي الاختياري والتعاطي الاضطراري .
  3. أن المشروع بدا في محلات عدة وكأنه يعاقب أفعالا ذات خطورة مختلفة بالعقوبة نفسها، الأمر الذي يخالف مبدأ تناسب العقوبة مع خطورة الجرم. ونستشف هذا الأمر من التسوية في العقاب بين الاغتصاب والشروع فيه وهتك العرض وخدش الحياء،
  4. أن المشروع جعل من الجزاء الجنائي يقتصر على العقاب دون التدابير الوقائية وهذا مخالف للسياسة الجنائية الليبية.

صياغة قانونية غير دقيقة

فضلا عما تقدم، بإمكاننا القول أن دقة الصياغة القانونية قد غابت عن المشروع جملة وتفصيلاً. ومن الأدلة على ذلك، عدم تطابق العناوين مع مضامين المواد ومثال ذلك المادة 20 منه عنوانها ” المحكمة المختصة” ومضمونها هو منح لقاضي الموضوع سلطة تفريد العقاب واستبدال العقوبة بعمل مجتمعي.

ناهيك عن استخدام مصطلحات متناقضة للتعبير عن معنى واحد، والإغراق في التعريفات بتفصيل غير موفق، وسرد المواد ارتجالياً بدون إحكام لغوي أو بلاغي. ولعل المادة 22 من المشروع والتي جاءت تحت عنوان “استحقاق” أصدق تعبير عن ذلك حيث نصت: “النساء بحاجة إلى مؤسسات أمنية فاعلة لحمايتهن وإلى نظام قضائي فعّال لتمكينهن من الوصول إلى العدالة. كما إنهن بحاجة إلى نظام صحي يوفر الدعم النفسي والاجتماعي للناجيات من العنف ، وتستحق النساء والفتيات العيش دون خوف من العنف . فمن حقهن أن يعشن بكرامة ، كمواطنات متساويات في الحقوق ، ومن حقهن المساهمة في بناء ليبيا.”

ونؤكد ختاماً على أهمية صياغة مشروع قانون العنف ضد المرأة من قبل لجنة من الخبراء من ذوي التخصص الدقيق في القانون الجنائي، وعلم الاجتماع،  سيما علم اجتماع الجريمة، وعلم الفلسفة، سيما فلسفة القانون، وبعد أن تعكف تلك اللجنة على صياغته يطرح للمشاركة المجتمعية في حملات توعية كبيرة  لمحاولة الإقناع به، والاستزادة من خبرات ذوي الشأن، والمهتمين بالقضية التي هي في الأساس قضية مجتمعية، وكل ذلك من أجل أن يصدر قانون ليبي للعنف ضد المرأة أبن بيئته، ومواكب لأهم التطورات الفقهية العربية والعالمية.

نشر في العدد 10 من مجلة المفكرة القانونية في تونس

 تعليق السيد صلاح المرغني وزير العدل الليبي سابقاً على مشروع قانون العنف ضد المرأة بإدراج في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بتاريخ : 11يناير 2018م.

 من رئيس كتلة المرأة في مجلس النواب الليبي السيدة حليمة العايب

 منهم على سبيل المثال : السيد مفتاح كويدير المحامي ، والسيد رمضان شمبش المحامي أيضاً.

وبالفعل عقدت حلقة النقاش صبيحة يوم الخميس الموافق 11 يناير 2018م  بحضور كل من السيد عميد الكلية د. طارق الجملي، والسيدة رئيس قسم القانون الجنائي د. جازية شعيتير، و السيدة رئيس اللجنة الثقافية بالكلية د. هالة الأطرش ولفيف من السادة أعضاء هيأة التدريس بالكلية والنخب الحقوقية والقانونية ، وقد قدمت أ نهلة الورفلي نقد جنائي مميز للمشروع.

 إعداد جمعيات نسوية حقوقية في أكثر من 14 دولة عربية من بينها منظمة ليبية وهي : منظمة نتاج لتنمية قدرات المرأة. النسخة النهائية له أنجزت     في 19/12/2017م.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، ليبيا ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني