مشروع قانون استقلال القضاء يثير زوبعة داخل مجلس النواب الأردني: هل يتراجع النواب عن مبدأ انتخاب عدد من أعضاء المجلس القضائي؟


2014-09-10    |   

مشروع قانون استقلال القضاء يثير زوبعة داخل مجلس النواب الأردني: هل يتراجع النواب عن مبدأ انتخاب عدد من أعضاء المجلس القضائي؟

مع استمرار مجلس النواب بمناقشة مواد مشروع قانون استقلال القضاء لعام 2014 ، تستمر المفاجآت في هذا الخصوص. فبعد أن اقر مجلس النواب في جلسة سابقة مبدأ الانتخاب الجزئي لأعضاء المجلس القضائي من خلال انتخاب اربعة اعضاء من اصل خمسة عشر عضوا بعد نقاش محتدم تحت قبة البرلمان، سرعان ما بدأت الدعوات لفتح هذا الموضوع مجددا للنقاش والتصويت للتراجع عن مبدأ الانتخاب والاكتفاء بالتعيين. فقد وقّع (54) نائبا مذكرة يطالبون من خلالها باعادة فتح المادة (4) من مشروع القانون للنقاش مجددا للعدول عن فكرة الانتخاب. وتنطلق حجج النواب المعارضين لانتخاب بعض اعضاء المجلس القضائي من كون ذلك سيدخل القضاة في دعاية وكولسات انتخابية تتنافى مع عمل القاضي على حد زعمهم. لا بل وصل الامر ببعضهم الى اعتبار ذلك مخالفا للدستور كونه يضيف حكما جديدا لمشروع القانون المقدم من الحكومة وهو ما لا يجوز دستوريا. الا ان السبب الحقيقي الذي يقف وراء تراجع عدد من النواب عن فكرة الانتخاب يعود لرغبة رئيس المجلس القضائي ووزير العدل بذلك. فقد أبدى رئيس المجلس القضائي القاضي هشام التل معارضته لفكرة انتخاب جزء من اعضاء المجلس القضائي، وجاء ذلك خلال لقائه قبل ثلاثة اشهر مع اللجنة القانونية في مجلس النواب خلال مناقشتها لمشروع القانون بحضور وزير العدل الدكتور بسام التلهوني. وذكر التل حينها "أن إدخال اجواء الانتخابات والدعاية الانتخابية وغيرها من هذه الامور ليس في مصلحة الجهاز القضائي وهيبته". واضاف رئيس المجلس القضائي أن العديد من الدول التي اعتمدت انتخاب جزء من مجلسها القضائي بدأت بالتراجع عنه، لان مهمة المجلس هي التعيين والتنقلات والاحالات على التقاعد[1].

وفي ذات السياق، وفي تطور ينذر بأزمة جديد ستهز الجسم القضائي الأردني، اتهمت النائبة هند الفايز اللجنة القانونية في مجلس النواب بسبب رفضها مقابلة 350 محاميا وقاضيا حاولوا التواصل معها لمناقشة قانون استقلال القضاء.النائبة الفايز أثارت الامر تحت القبة وخلال جلسة النواب الصباحية اليوم الثلاثاء الموافق في 9/9/2014, واشارت الى وجوب ان تكون اللجنة القانونية منفتحة على جميع الاطراف والجهات التي يخصها الامر وفتح الابواب لمناقشة الاقتراحات التي يبدونها.وردّ رئيس اللجنة القانونية عبد المنعم العودات موجهاً كلامه للنائب الفايز، ان الممثل للجسم القضائي هو المجلس القضائي، مبينا ان مجلس النواب خاطب المجلس القضائي لمناقشة مشروع قانون استقلال القضاء.وبين العودات ان المجلس القضائي شكل لجنة لحضور مناقشات اللجنة القانونية في مجلس النواب حول مشروع قانون استقلال القضاء.وتأتي مناقشة النائبين على خلفية مناقشة مجلس النواب للمادة 17 من مشروع قانون استقلال القضاء، والتي تجيز للمجلس القضائي بتنسيب من رئيس المجلس المستند الى توصية لجنة مشكلة من اقدم خمسة قضاة من محكمة التمييز احالة اي قاض أمضى مدة خدمة لا تقل عن عشرين سنة الى التقاعد، والى الاستيداع اذا امضى مدة خدمة لا تقل عن 15 عاما، او انهاء خدمته ان لم يكن مستكملا مدة الخدمة اللازمة لإحالته على الاستيداع او التقاعد[2].وتتمثل مطالب القضاة بخصوص هذا النص في أن يكون القرار الصادر بهذا الخصوص معللا، وان تُقيَد المادة بشروط وضوابط معينة تحدّ من امكانية الانحراف او اساءة استعمال السلطة وتتماشى مع المعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية[3].

وفي ضوء هذه المساجلات بين اعضاء مجلس النواب وترددهم وتخبطهم بخصوص مشروع هذا القانون، يجدر طرح تساؤل بشقين، الاول: هل حقيقة ان السلطة القضائية مستقلة وبعيدة عن التجاذبات السياسية والتدخلات من السلطات الاخرى؟ ، اما الشق الثاني : في ضوء هذا التردد والتخبط من اعضاء مجلس النواب بخصوص مواد قانون استقلال القضاء، هل تعبر السلطة التشريعية عن قناعاتها الذااتية ام هي مجرد اداة تنفيذية لقناعات السلطة التنفيذية؟، وهل فعلا أن اعضاء مجلس النواب يغيرون ويبدلون مواقفهم بناء على توجيهات من جهات اخرى؟، واذا كان الامر كذلك فإن السلطة التشريعية هي اذا فاقدة لاستقلالها، ومن ثم فإنها لا تملك ان تمنح او تعزز استقلال السلطة القضائية، ففاقد الشيء لا يعطيه، وهذا ما وصفه احد النواب في مداخلة له اثناء مناقشة مذكرة فتح المادة ( 4 ) للنقاش "بخضوع المجلس للتجييش"[4] تعبيرا عن خضوع المجلس لضغوطات خارجية للعدول عن قراره السابق. ومن جانبها علقت النائبة هند الفايز على ذلك بقولها لرئيس مجلس النواب "أن (الو) اشتغل من امبارح وهذا يؤدي الى تسييس النواب من جهات اخرى تتدخل في عمل المجلس"[5]. ووفقا لمجريات الامور في مجلس النواب، فإن مشروع القانون يسير باتجاه اقراره بخلاف مطالب القضاة لاسيما المادتين (4 و17) مثار الجدل والمتعلقتين بانتخاب جزء من اعضاء المجلس القضائي، وآلية انهاء خدمات القضاة، الامر الذي ينذر بتجدد حراك القضاة للاعتراض على هذا القانون في حال اقراره دون الالتفات لمطالب القضاة والانحياز لرغبة رئيس المجلس القضائي المتناغمة مع رغبة السلطة التنفيذية اساسا. وسيكون خروج مجلس النواب من هذا المأزق بأحد طريقين: الأول، من خلال اعادة فتح المادة (4) للنقاش مجددا في مجلس النواب ومن ثم التصويت على الغاء فكرة الانتخاب من اساسها، وهنا لا يجوز فتح المادة مجددا للنقاش الا بعد اكتمال مناقشة مشروع القانون، وقبل التصويت عليه بمجموعه، وذلك وفقا لاحكام المادة (84/أ) من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013[6]. والثانية : في حال عدم نجاح الاقتراح بفتح المادة مجددا للنقاش واقرار مبدأ الانتخاب الجزئي لاعضاء المجلس القضائي (وهو أمر مستبعد)، سيتم رفع مشروع القانون للغرفة التشريعية الثانية وهي مجلس الاعيان والذي في ضوء تركيبته المحافظة والمنحازة اصلا للسلطة التنفيذية، سيرفض اقرار هذا النص ويعارض مجلس النواب، الامر الذي يتطلب وفقا لاحكام الدستور عقد جلسة مشتركة للمجلسين لحسم الخلاف عملا باحكام المادة (92) من الدستور. ونلاحظ ان كلا الطريقين يوصل لذات النتيجة وهي تراجع غير مبرر عن مبدأ الانتخاب الجزئي لاعضاء المجلس القضائي وعدم الاستجابة لمطالب القضاة المتعلقة بكيفية انهاء خدماتهم.

وختاما نرى ان اصلاح الجهاز القضائي والارتقاء بمهنة القضاء يجب ان تبنى بالاساس وتنطلق من تشريع يكفل لها الاستقلال التام عن بقية السلطات لاسيما التنفيذية بحيث تتولى السلطة القضائية كافة امورها بعيدا عن التدخل من قبل اي سلطة او جهة اخرى ، ولا يقل اهمية عن التشريع من سيطبق هذا التشريع الذي يملك الصلاحيات للارتقاء بالجهاز القضائي بما يكفل الحقوق والحريات العامة ويشيع الشعور بالعدل والطمأنينة في نفوس القضاة والمتقاضين في آن واحد.



[1]– هل سينضم ( استقلال القضاء ) للقوانين العالقة بين غرفتي التشريع ؟، http://www.alwakeelnews.com/index.php?page=article&id=109900 .
[2]-ولعت بين الفايز والعودات ، 9/9 / 2014 http://www.sawaleif.com/mob/Details.aspx?DetailsId=125744  .
[3]– ينص البند ( 12 ) من المبادئ ألاساسية بشأن استقلال السلطة القضائية،اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في ميلانو من 26 آب/أغسطس إلى 6 أيلول/ديسمبر 1985كما اعتمدت ونشرت علي الملأ بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 40/32 المؤرخ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1985 
40/146
المؤرخ في 13 كانون الأول/ديسمبر 1985" يتمتع القضاة، سواء أكانوا معينين أو منتخبين، بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب، حيثما يكون معمولا بذلك"  .http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b050.html.
[5]– النائب الفايز لرئيس مجلس النواب تشتغلون على ال ( الو ) ، 9/9/ 2014 ، http://www.alwakeelnews.com/index.php?page=article&id=109976. وفي هذا السياق ايضا و في لقاء تلفزيوني سابق مع النائب يحيى السعود على احدى القنوات الفضائية الاردنية أعتذر من خلال الشاشة السعود للشعب الأردني بأنه أحد النواب الذين يغيرون مواقفهم بناءً على تدخلات من المخابرات العامة عبر الإتصالات الهاتفية.
http://www.sawaleif.com/Details.aspx?DetailsId=61414#.VA8jpcJ_vfI.
[6]– تنص المادة ( 84 / 1 ) من النظام الداخلي لمجلس النواب الاردني لعام 2013 على انه " بعد الانتهاء من التصويت على المواد يؤخذ الرأي على مشروع القانون بمجموعه ويجوز للمجلس ان يؤجل أخذ الرأي على المشروع بمجموعه الى جلسة تالية لاعادة التصويت على مادة او اكثر من مواده اذا طلب ذلك رئيس المجلس او رئيس اللجنة او مقررها او عشرة من اعضاء المجلس " .
انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني