مشروع قانون أكاديمية القضاة في مصر منسيا: انتصار المصالح الفئوية للقضاة


2014-08-14    |   

مشروع قانون أكاديمية القضاة في مصر منسيا: انتصار المصالح الفئوية للقضاة

خلال فترة حكم المجلس العسكري، طرحت فكرة انشاء اكاديمية للقضاء، تكون هى المعنية بتدريب المتقدمين لشغل وظيفة في النيابة العامة أي المدخل الأساسي الى القضاء، كما يكون من مهمتها التدريب المستمر للقضاة. وقد تطورت الفكرة الى صياغة مشروع قانون “الأكاديمية القضائية”. ويشكل طبعا إنشاء هذه الأكاديميا ضمانة أساسية ليس فقط لتحسين الأداء والكفاءة القضائيتين، انما هو يمهد أيضا لاجراء تعديلات أساسية على عملية اختيار هؤلاء. ومن هذه الزاوية، بدت الأكاديميا في مبادئها وأبعادها في حال تناقض سافر مع ممارسات التوريث السائدة داخل القضاء المصري، وهذا ربما ما يبرر أن يبقى مشروع الأكاديميا منسيا شأنه بذلك شأن مشاريع اصلاح قوانين السلطة القضائية. وهو منسي الى حد قد يكون هذا المقال معه المقال الأول والوحيد الذي يتناول تفاصيل مشروع القانون والاشكاليات المطروحة فيه.

ولوج القضاء في مصر
يعين القضاة في المحاكم الابتدائية في مصر عن طريق الترقية من بين أعضاء النيابة العامة حسب ما جاء في نص المادة 49 من قانون السلطة القضائية. ويتم اختيار المشتغلين بوظيفة النيابة العامة من قبل المجلس الأعلى للقضاء دون امتحان خطي وان كان في معظم الحالات يتم تبعا لمقابلة مع المرشحين.

وتعكس طريقة التعيين تلك غياب معايير واضحة لاختيار المشتغلين بالسلك القضائي في مصر، كما يعكس العشوائية في الاختيار، مما أدى في السنوات الأخيرة الى تظلمات من جانب غير المقبولين في تعيينات النيابة العامة. كما أدى الى تشكيك البعض في “توريث” القضاة المهنة لأبنائهم. وهو ما أكدته تعيينات وظيفة “معاون النيابة” لعام 2013 حيث حصل أبناء القضاة والمستشارين على أكثر من 25% من نسبة الوظائف المتاحة[1]. وهو ما يخالف المادة العاشرة من مبادئ الأمم المتحدة لاستقلال القضاء حيث نصت المادة على “يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفرادا من ذوي النزاهة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسبة في القانون. ويجب أن تشتمل أى طريقة لاختيار القضاة على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بداوفع غير سليمة. ولا يجوز عند اختيار القضاة، أن يتعرض أى شخص للتمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء، أو المنشأ القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو المركز، على أنه لا يعتبر من قبيل التمييز أن يشترط في المرشح لوظيفة قضائية أن يكون من رعايا البلد المعني.” وبناء على هذه المادة، يدرج تعيين أبناء القضاة في الوظائف القضائية من قبيل التمييز الايجابي لصالحهم بناء على المنشأ الاجتماعي.

تبعا لذلك، من شأن فكرة اخضاع الاختيار الى اجراء اختبار للقبول في معهد أو أكاديمية للقضاء ومن ثم الدراسة فيها لعدد من السنوات، يتم من خلالها تأهيل وتقييم القضاة لشغل الوظائف القضائية، أن تقدم للشكوك التي تساور المواطنين حول معايير الاختيار لشغل الوظيفة القضائية ومعها للامتيازات التي يحصل عليها ابناء وأقارب القضاة.

التعليم الأساسي والمستمر: حل للمشاكل التي تواجه النيابة العامة والقضاء
التعليم الأساسي لدخول القضاء عن طريق الانضمام الى معهد أو اكاديمية يعد ركيزة أساسية للقضاة. فمع تردي أحوال التعليم في الجامعات المصرية، وانتشار الحفظ والتلقين كوسيلة للنجاح وليس اعتماد التحليل والمنطق، لا تعتبر شهادة الحقوق كافية لتقلد المناصب القضائية. فالقاضي وعضو النيابة العامة يحتاج الى النظرة التحليلية والمنطقية للقوانين والدعاوى التي يتولاها، ولا يكفي معرفته لنصوص القوانين لتقلد الوظيفة. لذلك، يتم اخضاع القضاة في دول عديدة (مثلا فرنسا، لبنان، تونس) لدورة تكوين قبل تقلد الوظيفة القضائية.

بالاضافة الى ذلك، لم ينص قانون السلطة القضائية على ضرورة التعليم المستمر للقضاة وأعضاء النيابة العامة عن طريق حضور ندوات، محاضرات، دورات تدريبة أو غيرها من الوسائل، وذلك على عكس الوضع في فرنسا، حيث تلزم اللائحة الداخلية للمدرسة القومية للقضاء في المادة 125 القضاة على الاشتراك في تدريب (من أى نوع) لمدة 5 أيام على الأقل كل عام. ويترتب على ذلك، ضمان المنظومة القضائية الفرنسية اطلاع القضاة على المستجدات القانونية والاستفادة من خبرات وتجارب مختلفة في فروع عديدة غير القانون مثل علم الاجتماع، مما ينعكس ايجابا على الأحكام الصادرة وعلى المنظومة القضائية ككل.

وحسب ما نصت مواد السلطة القضائية، تكون الترقية مع مراعاة الأقدمية هى الوسيلة لشغل الوظائف القضائية الأعلى دون النص على حضور القاضي أو عضو النيابة العامة لدورات أو غيرها من وسائل التعليم المستمر التي تسمح له بمتابعة تطورات القضاء والقوانين. فشغل وظيفة ما لعدد من السنوات لا يعني بالضرورة استعداد الشخص لشغل وظيفة أعلى، خصوصا وان كانت مختلفة عن مهامه السابقة. وقد نصت اللائحة الداخلية للمدرسة القومية للقضاء في فرنسا في مادتها 126 أن القاضي الذي يتم اختياره لشغل وظيفة قضائية تتطلب مهامّ جديدة عليه، أى لم يقم بممارستها من قبل، يجب أن يخضع لتدريب متخصص لمدة 20 يوما (توزع مناصفة بين تدريب نظري وعملي).

وقد ينعكس نقص التعليم المستمر على أعمال النيابة العامة والقضاء، كما أشار التقرير الصادر عن المنظمات الحقوقية تحت عنوان “أذرع الظلم”. فقد اشار التقرير الى “اوجه عوار” في أعمال النيابة العامة منها “اهمال مراجعة التشريعات على الدستور النافذ واهمال طلبات الطعن بعدم الدستورية”، وهو ما يعني عدم متابعة أعضاء النيابة العامة للمستجدات الخاصة بالتشريعات والأحكام. كما اشار التقرير الى عدة نقاط تتعلق بالقضاء، منها ما وصفه التقرير ب”الاستهانة بالدستور”. بالاضافة الى ذلك، اشار التقرير الى بعض المشاكل المتعلقة بأخطاء في الاجراءات أو قبول بعض الاجراءات المقترحة من وزارة الداخلية والتي من شأنها الاخلال بالعدالة.

كل ما سبق هو نتاج لعدة أسباب منها ما يتعلق باستقلال السلطة القضائية، وضرورة تعديل بعض المواد في قانون السلطة القضائية. ولكن، تنتج أيضا، عن غياب المعايير الواضحة لاختيار أعضاء النيابة العامة، وغياب تكافؤ الفرص، مما ينتج عنه في بعض الحالات تولي غير الكفؤ مناصب النيابة العامة. بالاضافة الى ذلك، ينتج عن غياب التعليم الأساسي لأعضاء النيابة العامة، كذلك غياب التعليم المستمر لأعضاء النيابة العامة والقضاء.

وقد نص القانون المقترح لانشاء اكاديمية القضاة في مادته 16 بأن يتولى المعهد القومي القضائي “1-اعداد وتكوين المتقدمين لشغل وظائف القضاء والنيابة العامة وهيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الادارية. 2-التكوين الأساسي والتدريب المتخصص والمستمر لشاغلي الوظائف المذكورة…”. وهو ما يؤدي الى ضمان تكوين أعضاء النيابة العامة والقضاء تكوينا من شأنه أن يرفع جودة العمل بالنيابة العامة، وسير التحقيق والدعوى المقدمة للمحكمة، ويحقق العدالة. كما يضمن اطلاعهم على كل ما هو جديد في القضاء، محليا، عربيا ودوليا، للاستفادة بخبرات القضاة في البلاد المختلفة، وكذلك بتطورات المنظومات القضائية المختلفة؛ مما يترتب عليه رفع جودة الأحكام الصادرة من المحاكم، وارساء مبادئ مهمة يحتاجها المجتمع، واحترام الدستور، ومساهمة القضاء في المنظومة التشريعية.

قراءة في مشروع قانون اكاديمية القضاة
بالاضافة الى النص على امتحان القبول للاكاديمية والتعليم الأساسي والتعليم المستمر، ينص مشروع القانون على بعض النقاط الأخرى
التي يجب الالتفات اليها. وسنحصر في هذه الفقرة المناقشة بالمواد الخاصة بالتأهيل لشغل الوظائف في الجهات والهيئات القضائية.
فطبقا لنص المادة 2 المقترحة، ينحصر دور الاكاديمية باعداد وتكوين “المتقدمين لشغل وظائف القضاء، النيابة العامة، هيئة قضايا الدولة، هيئة النيابة الادارية، المتقدمين لشغل وظائف الخبراء بمصلحتى الخبراء والطب الشرعي، أعضاء مصلحة الشهر العقاري والتوثيق، الوظائف غير القضائية المعاونة للهيئات القضائية المنصوص عليها في القانون”. واللافت في هذه المادة هو أن تهتم الاكاديمية باعداد وتكوين العاملين بالقضاء العدلي، الهيئات القضائية وغيرها من الهيئات القضائية وغير القضائية مع تجاهل اعداد المتقدمين لشغل وظائف مجلس الدولة. فكيف تهتم الاكاديمية باعداد المتقدمين لشغل الوظائف غير القضائية وتسقط من حساباتها اعداد هؤلاء المتقدمين لشغل وظيفة قضائية هامة هى القضاء الاداري ممثلا في مجلس الدولة؟

وإذا كانت الحجة انه في دول مختلفة في العالم، يوجد معهد خاص بالقضاء العدلي، وأخر للقضاء الاداري أو للوظائف الادارية في الدولة، فان هذا مردود عليه بأن المادة الثالثة المقترحة أنشأت ثلاثة معاهد مختلفة: الأول هو المعهد القومي للقضاء[2]، الثاني هو المعهد القومي للخبراء والطب الشرعي والشهر العقاري، والثالث هو المعهد القومي للوظائف غير القضائية المعاونة. وكان من الحري اذا أن يتم انشاء معهد رابع خاص بالقضاء الاداري على غرار لبنان مثلا، أو معهد يهدف الى اعداد كل المتقدمين لشغل الوظائف العامة الادارية في الدولة بما فيها قضاء مجلس الدولة على غرار فرنسا. ولكن ترك اختيار العاملين في مجلس الدولة دون أى معايير واضحة ومع غياب الزامية التأهيل الأساسي والتعليم المستمر أمر يستدعي تداركه.

على جانب أخر، نصت المادة 24 المقترحة على أن تكون فترة الاعداد والدراسة لشغل أدنى الوظائف القضائية، على سبيل المثال وظائف معاوني ومساعدي النيابة العامة، على ثلاث مراحل على أن تكون مدة كل مرحلة ستة أشهر (اى باجمالي مدة سنة ونصف). كما اشترطت المادة تقييم الدارسين عند نهاية كل مرحلة، على أن يحصل الدارس على نسبة 65% للانتقال الى المرحلة الثانية. واذا لم يحصل على هذه النسبة، لا يجوز له الاستمرار في المعهد. كما اشترطت المادة الحصول على نسبة 70% على الأقل من مجموع المراحل الثلاث للتخرج من المعهد وشغل الوظيفة القضائية المتقدم اليها. وتعد الشروط التي نصت عليها هذه المادة جيدة فهى تعادل النص أن يكون شاغل الوظيفة القضائية حاصلا على درجة جيد فما فوق، وهو الأمر المحمود لأنه يجب أن يكون القضاة على درجة عالية من المعرفة بالقوانين بالاضافة الى القدرة التحليلية وغيرها.

بالاضافة الى ذلك، نصت المادة أن يتخلل برنامج الدراسة تطبيقات عملية تشمل “حضور ومباشرة بعض اجراءات التحقيق وجلسات المحاكم المختلفة وأوجه العمل القضائي الأخرى تحت اشراف الأعضاء المختصين في الجهات القضائية المختلفة وفقا للقواعد التي يضعها مجلس ادارة الاكاديمية بالتنسيق مع المجالس العليا المختصة.” ويعد النص على التدريب العملي حصانة لعدم انحصار التعليم في المعهد على تلقين القوانين والاطلاع على الأحكام ومناقشتها وتحليلها.

الخلاصة
كانت مشاريع القوانين التي قامت بصياغتها اللجنة المشكلة من مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار أحمد مكي موضوع نقاش لشهور عديدة، كما ترتب عليها بعض التجاذبات بين اللجنة ونادي القضاة. ولعل ذلك كان السبب الرئيسي لامتناع المجلس العسكري عن اصدار تعديلات قانون السلطة القضائية، والقانون الخاص بالاكاديمية بانتظار أن يتم مناقشته في البرلمان.
ولكن، بعد نشر نسبة أبناء القضاة من التعيينات الأخيرة في النيابة العامة، دون أن يكذب الخبر القضاة أو مجلس القضاء الأعلى، وارتفاع الأصوات المطالبة باعلان معايير واضحة لشغل الوظائف القضائية وتطبيق الدستور بخصوص حق المرأة في شغل الوظائف القضائية، أصبح انشاء معهد للقضاء ضرورة لتحقيق معايير الكفاءة والمساواة.

للإطلاع على نص مشروع قانون الأكاديمية القضائية كاملا الرجاء إضغط على الرابط أدناه


[1] نشر الخبر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 7-12-2013، تحت عنوان “أبناء القضاة يستحوذون على ربع تعيينات دفعة النيابة الجديدة”.
[2] طبقا للمادة 16 المقترحة يتولى هذا المعهد “1-اعداد وتكوين المتقدمين لشغل وظائف القضاء والنيابة العامة وهيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الادارية. 2- التكوين الأساسي والتدريب المتخصص والمستمر لشاغلي الوظائف المذكورة. 3- اجراء البحوث العلمية والتطبيقية في المجالات القضائية والقانونية والادارية”.
انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني