مشاركة المرأة في الانتخابات السياسية في ليبيا: ماذا تعلمنا من الانتخابات السابقة؟


2018-03-26    |   

مشاركة المرأة في الانتخابات السياسية في ليبيا: ماذا تعلمنا من الانتخابات السابقة؟

منذ استقلال ليبيا سنة 1951، تبقى مسألة مشاركة المرأة في الحياة السياسية هاجسا يؤرق الحركة النسوية وأنصارها في ليبيا. وقد شهد نضال النساء في هذا المجال في المراحل السياسية المختلفة تطورات متباينة: فأحيانا حققت النساء انتصارات تشريعية مهمة اصطدمت بعقبات مجتمعية محافظة. وأحيانا أخرى، بقيت حقوق النساء بالمشاركة مقيدة اجتماعيا من دون أن يجدن أي مساندة سياسية أو تشريعية، علما أن هذه القيود الاجتماعية شهت مؤخرا تفاقما تحت وطأة النزاع المسلح وتأثيراته السلبية. وسنعرض في هذا المقال بإيجاز المشاركة السياسية للمرأة في فترتي النظام الملكي ونظام القذافي، لنفصّل من ثم تطورات المرحلة الانتقالية بعد 2011 مع محاولة استشراف أي مستقبل ينتظر المرأة الليبية في الحياة السياسية.

 

مشاركة المرأة في الحياة السياسية في النظام الملكي ونظام القذافي  

رغم حصول المرأة الليبية على حق الانتخاب في سنة 1963، فإنها بقت بعيدة كل البعد عن المشاركة السياسية لشيوع نسبة الأمية في المجتمع حينها والتي كانت تربو عن 90%. وبعد الانقلاب على الملكية وتولي القذافي زمام الأمور (1969- 2011)، صدرت حزمة من التشريعات لضمان حقوق النساء في الحياة العامة عموما. فلقد أكد المشرع من خلال القانون (20) لسنة 1991 بشأن تعزيز الحرية على التساوي في حقوق المواطنة وعدم جواز المساس بالحقوق. وذهبت المادة الثانية من القانون إلى التأكيد على حق الترشح للجنسين لعضوية أمانات المؤتمرات الشعبية، وهي الآلية السياسية التي كانت متاحة حينها. كما جاءت الوثيقة الخضراء الكبرى لتؤكد على هذه المساواة بشكل واضح، حيث نصت على أن "أبناء المجتمع الجماهيري متساوون رجالا ونساء في كل ما هو إنساني".

 

مشاركة المرأة السياسية في تشريعات ما بعد 2011

بعد التغيير الذي أطاح بنظام القذافي (2011-2017)، صدرت قوانين عدة ذات صلة بمشاركة المرأة سياسيا، سواء من حيث الإشارة إلى الحق بشكل عام أو من خلال  تنظيم الآلية. ورغم أن الإعلان الدستوري المؤقت 2011 لم يخصّ المرأة بنص منفصل بشأن مشاركتها السياسية، ولكنه لم يغفل عن التأكيد على المساواة من مدخل المواطنة. فقد نصت المادة (6) منه على أن "الليبيين سواء أمام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، وفيما عليهم من الواجبات والمسؤوليات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدِّين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الجنس أو النسب أو الآراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي أو الجهوي أوالأسرى". كما أشارت المادة (15) إلى كفالة الدولة لحُرية تكوين الأحزاب السياسية وتكوين منظمات المجتمع المدني.

كذلك جاء القانون رقم (4) لسنة 2012 الخاصّ بانتخابات المؤتمر الوطني العام ليفتح المجال واسعا أمام مشاركة النساء في عضوية المؤتمر، من خلال اعتماده آلية ترتيب المرشحين من الذكور والإناث عموديا وأفقيا في القوائم الحزبية، ورفض قوائم الأحزاب التي لا تحترم هذا المبدأ، الأمر الذي سمح للمرأة بالتواجد بنسبة 16.5%. في السياق عينه، جاء القانون (59) لسنة 2012 لنظام الإدارة المحلية ليمنح مقعداً واحداً على الأقل للمرأة في عضوية المجلس البلدي. ولقد منح القانون رقم (17) لسنة 2013 لانتخاب الهيئة التأسيسية لوضع الدستور للمرأة كوتا 10% بمعنى ستة مقاعد من واقع ستين، وهي نسبة ضئيلة تم التوصل إليها بعد مقاومة شرسة من نواب التيار الإسلامي في المؤتمر الوطني العام، وكذلك المعارضين عموما لنظم الحصص على خلفية اعتبارهم لنظام الكوتا أنه تجذيرٌ لمبدأ التمييز.  

كما خصص القانون  رقم (10) لسنة 2014 لإنتخابات مجلس النواب نسبة 16% من مقاعده للنساء، ووزع هذه المقاعد على بعض المراكز الانتخابية ( مادة 18).

 

مشاركة المرأة كمرشحة أو ناخبة في انتخابات المؤتمر الوطني العام 2012

في انتخابات المؤتمر الوطني للعام 2012، نجحت المرأة في الحصول على (33) مقعدا من واقع ثمانين مخصصة للأحزاب وفق نظام اللوائح، ومقعد واحد من واقع (120) مخصصة للمرشحين المنفردين. وعليه، لا يرجع حصول النساء على هذا العدد من المقاعد إلى قناعة اجتماعية بدورها أو الاعتراف بقدرتها على ممارسة العمل السياسي، إنما بالدرجة الأولى للأحكام القانونية التي فرضت وجود نساء في القوائم الحزبية. ولعل حصول النساء على مقعد واحد من المقاعد المخصصة للنظام الفردي هو الأكثر تعبيرا عن  نظرة المجتمع الليبي للمرأة ودورها في العمل السياسي. والجدير بالذكر أنه حتى في المناطق التي شهدت الحراك النسائي الأكبر في بداية الثورة، سجل ترشح المرأة على قائمة الفردي ضعفاً في الإقبال. ففي مدينة بنغازي، ترشحت (24) امرأة فقط على قائمة الفردي مقابل (303) مترشح رجل أي بنسبة ترشح تقل عن 7,5%. وهذا الأمر يتعارض مع عدد المرشحات على قائمة الأحزاب والذي بلغ 540 امرأة.

وعليه، يتبين لنا صعوبة الترشح بشكل مستقل بفعل معوقات كثيرة، قد يأتي على رأسها عدم وجود موارد مالية لتمويل الحملة الانتخابية، خاصة مع افتقاد الخبرة في القيام بحملات انتخابية وحشد الأصوات. وتجدر الإشارة إلى عدم تقبل مشاركة النساء في الانتخابات من قبل البعض، حيث عانت المرأة المترشحة كثيراً خلال حملتها الانتخابية من محاولات للتخريب والتشويه لصورها الانتخابية من قبل بعض الجماعات التي ترى في نشر صور النساء أمرا متنافيا مع القيم الدينية والاجتماعية، هذا ناهيك عن محاولات تشويه سمعة المرشحات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى صعيد الناخبين، شهد تسجيل الليبيون والليبيات نسبة اقبال عالية بلغت 61%، نتيجة الحماسة العالية لممارسة تجربة الانتخابات التي اعتبرها النظام السابق تدجيلا على الديمقراطية. وقد شكلت مشاركة المرأة كناخبة نسبة 45% من اجمالي عدد المسجلين في 13 دائرة انتخابية. وتحصلت دائرة أوباري على أعلى نسبة في المشاركة وقدرها 51%، في الوقت الذي سجلت فيه الخمس أقل نسبة مشاركة وصلت إلى 36%. ويبقى تبرير هذه النتيجة غامضا، حيث يتطلب ذلك القيام بدراسة حول اتجاهات السكان وسبب ارتفاع النسبة في أوباري تحديدا بالرغم أنه كان من المتوقع أن تكون أعلى نسبة مسجلة للمشاركة الانتخابية بين النساء في بنغازي أو طرابلس أكبر المدن وأكثرها حراكا مدنيا وسياسيا.

في نفس السياق، ما يمكن ملاحظته هو أنه بالرغم من نسبة مشاركة النساء الهامة في التصويت والتي بلغت 39% (687 ألف ناخبة من أصل 1750000 ناخبا)، فإن المرأة وظفت الجزء الأكبر من اصواتها لانتخاب رجال. وهذا ما يبرر عدم فوز النساء بأكثر من مقعد في قائمة الفردي. ولعل في ذلك مؤشرٌ على عدم ثقة النساء في قدرة وكفاءة بنات جنسهن، وإعادة إنتاج أحكام الدونية التي يسقطها المجتمع عموما على المرأة.

 

المشاركة في انتخابات مجلس النواب في 2014

خصص القانون (10) لسنة 2014  بشأن انتخابات مجلس النواب نسبة 16% للمرأة من مقاعد المجلس البالغة (200)، أي 32 مقعد. ولقد أفرزت الانتخابات فوز النساء بـ 29 مقعد. ومقارنة بقانون انتخابات المؤتمر الوطني، غابت الأحزاب وقوائمها وتمّ تبني النظام الفردي، وإن تساوى عدد النساء في المجلسين النيابيين.

بلغ عدد الناخبين المسجلين نحو مليون ونصف مليون أي ما يقارب نصف عدد من سجلوا في 2012. وقد بلغت نساء النساء من مجموع المسجلين 40%. كما أن المشاركة في الانتخابات جاءت جد ضعيفة، حيث اقترح 630 ألف فقط، أي ما يقارب ثلث مجموع المقترعين في 2012.

كذلك نلاحظ الفارق بين عدد المترشحات في انتخابات مجلس النواب مقارنة بمثيلاتهن في انتخابات المؤتمر الوطني والذي جاوز 500، بينما  وصل عدد المترشحات في انتخابات مجلس النواب 130 مترشحة. وهذا العدد لا يمكن تفسيره بمعزل عن انخفاض النسبة ذاتها للمترشحين الذكور، وهو يرجع تاليا إلى تراجع الاهتمام العام بالعملية السياسية في ظل تفاقم التهديدات الأمنية.

 

مشاركة المرأة في  انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور

كشفت انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عن إقبال ضعيف من الجنسين لأسباب تتعلق بالأمن وبتحديات معيشية وشعور بإحباط عام نتاج الأداء الضعيف لمؤسسات الدولة. فلقد وصل عدد الناخبين المسجلين إلى (1.101.541)، منهم (652.040) رجل، و(449.501) إمرأة ، ولقد انتخب منهم فقط 28%. وهذه النسبة ضعيفة جدا مقارنة بعدد الليبيين المتمتعين بالحق الانتخابي والمقدرين بعدد (3.401.000)، أي أن نسبة الناخبين لم تتجاوز 10% من هؤلاء. ووفقا لتقارير مفوضية الانتخابات، بلغت نسبة المشاركة على مستوى 11 دائرة انتخابية 41%، سجلت أعلى نسبة 44% في دائرة طرابلس، وأقل نسبة وهي 32% في الخمس.

ويلاحظ ضآلة عدد المترشحات على القوائم الخاصة بالمرأة والذي بلغ (55) مترشحة، أي ما نسبته 8%، و(9) مترشحات على قوائم العام بنسبة 1% من الاجمالي. وتجدر الإشارة إلى أن مقاعد النساء تم توزيعها بشكل غير عادل بين الدوائر الانتخابية. فوفقا لقانون الانتخابات، حُرمت النساء في سرت ومصراتة والزاوية وهي مدن كبيرة من التنافس على قوائم النساء، مما دفعهن للترشح على العام وفقدان احتمالية الفوز. وهذا ما خلصت اليه نتائج الانتخابات فعليا حيث لم تفز أي من السيدات المترشحات على قائمة العام. ومن شأن هذه النتائج أن تعزز حجج الداعين لاعتماد نظام الكوتا للنساء.

 

مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية

منح القانون 59 لنظام الإدارة المحلية المرأة مقعدا واحدا على الأقل. وهذا الأمر يعني وجوب ترجمة النظام الانتخابي بشكل يسمح بإمكانية التنافس على أكثر من مقعد للنساء في الانتخابات البلدية. إلا أن هذا الأمر لم يحدث، حيث أسفرت هذه الانتخابات عن اختيار امرأة واحدة فقط لكل مجلس بلدي بغضّ النظر عن عدد السكان. وعلى مستوى عمداء البلديات، نجد سيدة واحدة فقط في منصب عميد بلدية من واقع 112 وهي نسبة لا تكاد تذكر خاصة وأن هذه السيدة كلفت بمهام العميد لشغر مقعد العميد المنتخب ولم يتم انتخابها مباشرة.

 

أي مشاركة للنساء في الاستحقاقات القادمة؟

في المرحلة القصيرة  القادمة يبرز العديد من الاستحقاقات الانتخابية مما يفتح الكثير من الأسئلة حول كيفية ضمان حقوق النساء في القوانين القادمة المنظمة للانتخابات، بغياب أي ضابط دستوري في هذا الخصوص. فهل سنتفاجأ بنسبة تفوق 16% ككوتا أم تظل نسبة النساء تراوح عند هذا الحدّ، أو ستضرب هذه الحصة بطريقة أو بأخرى؟ الأهم، هل سنشهد تغييراً في إقبال النساء على الترشح أو التسجيل في الانتخابات؟ المستقبل وحده هو الكفيل بالاجابة على هذه التساؤلات.

 

 

 

د: عبير أمنينة : أستاذ مشارك في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بنغازي ورئيس مجلس إدارة مفوضية المجتمع المدني في ليبيا .

 

 

 

القانون رقم 20 لسنة 1991 بشأن تعزيز الحرية ، ص ص 516-522

 الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الانسان في عصر الجماهير، ص ص 507-513

 المجلس الوطني الانتقالي، "الاعلان الدستوري المؤقت"،3/8/2013، الجريدة الرسمية ،موجود على الرابط التالي: http://www.log.gov.ly/home/

 القانون59 لسنة 2012 لنظام الادارة المحلية، موقع المجلس الوطني الانتقالي

 

القانون رقم (10) لسنة 2014لإنتخابات مجلس النواب

www.hnec.ly/  المفوضية العليا للأنتخاابات، على الموقع التالي

   13  مقعد أجل انتخابهم بسبب المقاطعة أو أوضاع أمنية حيث لم يجري التصويت في درنة، التي كانت مسرحًا لتفجيرات واغتيالات من قبل جماعات إسلامية. بعض محطات الاقتراع الأخرى أقفلت أيضًا في الكفرة وسبها لأسباب أمنية

 على الرابط التالي www.hnec.ly/ المفوضية العليا للأنتخابات

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، دستور وانتخابات ، ليبيا



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني