“مسرح المضطهدين” أو الأرتيفيست في تونس


2019-04-22    |   

“مسرح المضطهدين” أو الأرتيفيست في تونس

تجربة “مسرح المضطهدين” للمسرحي البرازيلي أوغستو بوال في سبعينيات القرن الماضي أعادت طرح تساؤلا كبيرا حول علاقة الفن بالسياسة وكانت سببا في محاولات عديدة حول العالم لتغيير النمط المسرحي الكلاسيكي بما يمكنها من طرح قضايا اجتماعية معاشة ومضامين حقوقية على خشبة المسرح. بل اجتازت تجربة “بوال” عبر السنين حدود المسرح لتشكل ثورة في مضمون كافة أشكال الفن ليصبح الفن تظاهرة اجتماعية قائمة بذاتها. في تونس، كان لمسرح المضطهدين تجربة منذ ما قبل الثورة تبنتها مجموعة من الشباب المعارضين لسياسات بن علي القمعية. لم يكن لهؤلاء سوى المسرح والكاريكاتور والغناء للاحتجاج بسبب تضييق الحريات ومساحات التعبير بأمر من السلطة.

توسعت هذه التجربة بعد الثورة بشكل كبير حيث دفعت الروح الثورية النضالية العديد من الشباب للانضمام إلى هذه المجموعة. أما اليوم فهي جمعية معترف بها رسميا تعمل تحت اسم “أرتيفيست”، artivistes وهي تسمية بالعربية تعني “الفنانون الناشطون”. تضم “أرتيفيست” فنانين ومواطنين ناشطين، هدفهم تقديم أعمال فنية حقوقية نضالية مختلفة تكسر نخبوية الفن وتستبدل خطابه المعقد أحياناً بخطاب شعبي بسيط من السهل فهمه ووصوله للعامة.

من الشعب، إلى الشعب ومع الشعب…

الشارع هو المكان الذي يشهد معظم نشاطات جمعية “أرتيفيست”، من غناء ومشاهد مسرحية ورسم، إلخ. جمهورها عادة ما يكون من العامة. ولكن للجمعية نشاطات أخرى تتوجه بها إلى جمهور خاص، كالطلبة، السجناء، العمال، بهدف العمل معهم لتسليط الضوء على مشاكلهم والعمل على إيصال أصواتهم لمن يهمه الأمر. كل ذلك عبر الفن. يختصر دور نشطاء الجمعية على إرشاد المشاركين من هذه الفئات إلى نوعية الفن المناسب لقضاياهم ومحتوى النشاط وكيفية القيام به.

“نحن نؤمن أن صفتنا كمواطنين تسبق أي صفة أخرى نملكها. لذلك نحن قبل أن نكون فنانين أو ناشطين، نحن مواطنون نعيش مشاكل اقتصادية واجتماعية وهووية وعملنا يتمحور حول هذه المشاكل. نحن لا ندافع عن الشعب ولا نناضل من أجل حقوقهم. نحن من الشعب … كلنا يجب أن ندافع عن بعضنا البعض لمواجهة السلطة وافتكاك حقوقنا منها”. قال أيوب الجوادي، المدير الفني ل “أرتيفيست” خلال لقائه مع المفكرة القانونية. مضيفا، “الفنان ناشط حقوقي بطبعه بل وهذه وظيفته. الفنان له دور سياسي أيضاً. فهو يمتلك قدرات للعمل السياسي وأدواته التعبيرية أجمل وأقرب للناس من تلك التي يمتلكها ويستخدمها السياسي”. لذلك تعتبر جمعية “الأرتيفيست” أن المتعة والترفيه الفني وسيلة وليست غاية نشاطاتهم. “من خلال المتعة والترفيه نحاول لفت أنظار الناس وتوعيتهم حول قضاياهم الحقوقية وحرياتهم”.

لتونس خصوصية؟

لتونس خصوصية نتحسسها من خلال عروض الفنانين الناشطين من ناحية اختيار الأسلوب المناسب للقضية المعالجة ومن ناحية قرب التجربة التونسية من التونسيين. هذا ما أكده “الجوادي”، حيث قال “تجربتنا تحمل خصوصية تونسية. نحن لم نأتِ بنظريات أو تجارب من أوروبا أو جنوب أميركا لنطبقها في تونس. نضالنا عبر الفن هو أسلوب تونسي الأصل. تاريخيا، كان الفن في تونس أداة تعبيرية احتجاجية. على سبيل المثال، عبد القاسم الشابي كان له سلاح الشعر فقال “إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر”. الفن الحقوقي ليس نظرية بل واقع فرض نفسه. أذكر عند صعود الإسلاميين للحكم تحت حكم الترويكا، كان الفن في الواجهة. عندما احتدام الصراع في 2013، كنا كفنانين جنودا عرضنا أجسادنا للخطر لمواجهة السلفيين.”

ذكر “الجوادي” فرقة “فّلان” (FLANN)، كلمة تجمع كلمتين فن وclan أي مجموعة، وهي فرقة تجمع بعضا من شباب سيدي حسين، وهي ضاحية فقيرة ومهمشة من ضواحي مدينة تونس، أغلبهم عاطل عن الدراسة والعمل. أخذوا، بدعم من “أرتيفيست”، يعبرون عن قضاياهم ومطالبهم من خلال الغناء. “اليوم، سيدي حسين في طور ثورة بسبب هؤلاء الشباب، الذين أخذوا يعملون في شتى الوظائف، في مقهى أو في مطعم، لتوفير مبلغ يمكنهم من شراء استوديو لتسجيل أغانيهم. هذه الأغاني التي شغلت شباب سيدي حسين والرأي العام بقضاياهم الاجتماعية والاقتصادية. وكانت بمثابة تجربة نتجت عنها العديد من التجارب الأخرى من مدن ومناطق أخرى في تونس.” كما يتنقل نشطاء جمعية “أرتيفيست” في الولايات والجهات لخلق تجارب مماثلة.

في هذا السياق، نذكر أنه دفاعا عن خصوصية هذا الفن في تونس ودول المغرب، بادرت مجموعة “أرتيفيست” منذ سنتين لإطلاق شبكة أفريقية لمسرح المضطهدين. تحاول هذه الشبكة جمع تجارب مسرح المضطهدين من مختلف البلدان الأفريقية لتبادل التجارب والخبرات وإطلاق مشاريع عابرة للحدود لمعالجة قضايا حقوقية.

المهرجون … نشطاء أيضاً

كما فرقة “فّلان”، تشكلت كتيبة المهرجين الناشطين من رحم جمعية أرتيفيست. هذه الكتيبة التى تضم مهرجين بأزيائهم الملونة وابتساماتهم العريضة وأنوفهم الحمراء اشتهرت من خلال مشاركتها في مسيرات احتجاجية عديدة منذ 2015. كانت بدايتها مع احتجاجات حملة “مانيش مسامح” (لست مسامحا) التي قامت ضد قانون المصالحة الاقتصادية والإدارية. عادة ما يتخلل مشاركة المهرجين في الاحتجاجات عرض بسيط محوره القضية أو المطلب الاحتجاجي بشكل مسرحي عفوي في الشارع. يحاول المهرجون خلال العرض تشريك الناس. حيث يكون للمتفرجين دور في العرض دون درايتهم. كما يقصد النشطاء التجول في الشوارع بعد العرض حاملين لافتات كتب عليها عنوان الحملة كمحاولة للوصول لشريحة أكبر من الناس. “كتيبة المهرجين هي بمثابة “وحدات تدخل فنية”. فهي تنزل للشارع بشكل مفاجئ لتصدم الناس خلال احتجاجات تحمل مطلب أو قضية طارئة استعجالية. حدث ذلك مؤخرا في 9 أفريل 2019 حين ساندنا مطلب حملة “سيب القائمة الرسمية”، وهي الحملة التي تطالب رئيس الحكومة بنشر قائمة شهداء وجرحى الثورة في الرائدة الرسمية. “نحن مستعدون للنزول إلى الشارع في أي وقت. تكفينا ساعة لتحضير العرض.”

القانون والقضاء … مسرح

حصلت “أرتيفيست” على تأشيرتها الرسمية في أواخر عام 2018. اليوم تستعد للانضمام للائتلاف المدني للحريات الفردية وإلى ائتلافات حقوقية أخرى. “قريبا سندعو لجلسات شبابية للتعريف بقوانين تخص الحريات والحقوق. كما وسنعمل على إدخال القانون في صلب نشاطاتنا الفنية النضالية”، قال الجوادي.

للجمعية علاقات تعاون مع العديد من المحامين. كما أنها مهتمة بدخول المعترك القضائي. مؤخرا، كان ل “أرتيفيست” تجربة قضائية قام بها كاتب الجمعية العام مازن كورشيد حين أعد ملف قضية تجاوز السلطة التي رفعتها كلّ من منظّمة بوصلة ومنظّمة أنا يقظ وموقع نواة في 11 جانفي 2019 ضد قرار رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي، الموقّع في 10 ديسمبر 2018، بمنح عفو خاص لبرهان بسيّس (وهو المقرّب من كوادر حزب النداء)، الذي حكم عليه من قبل المحكمة الابتدائيّة ومحكمة الاستئناف بسنتين سجن وبغرامة مالية في قضيّة فساد وتحقيق فائدة دون وجه حقّ لنفسه وخدمة لنظام بن علي. هذا ما أوضحه لنا “الجوادي”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني