مساعٍ لمنع “علانية المحاكمة” في جريمة المنية: جلسات استجواب قصيرة بعد إسقاط الحقّ الشخصيّ


2020-07-14    |   

مساعٍ لمنع “علانية المحاكمة” في جريمة المنية: جلسات استجواب قصيرة بعد إسقاط الحقّ الشخصيّ

صباح أمس الواقع في 13 تمّوز 2020، عقدت  محكمة جنايات بيروت برئاسة القاضي سامي صدقي، جلسة لمحاكمة الشيخ خليل الدهيبي وشقيقيه في جريمة قتل محمّد الدهيبي في آب 2018. أثارت هذه الجريمة عند حصولها انتباه الرأي العام والإعلام، خاصّة لما رافقها من روايات عن إفتاء الشيخ خليل الدهيبيّ بقتل محمّد على خلفية شتم العزة الإلهية، وعن التنكيل بجثّة هذا الأخير، فضلا عن وصف الجريمة بالداعشيّة والتكفيريّة. الجديد في هذه القضيّة، أنّ ذوي الضحيّة قاموا بإسقاط حقّهم الشخصيّ ووافقوا على تسوية تقضي بامتناع الشيخ خليل عن “أي عمل يتعلق بالإمامة أو بالخطابة أو بإعطاء الدروس الدينية على كافة الأراضي اللبنانية وذلك لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ توقيع اتفاق الصلح والإستحصال على إسقاط حق”. حصلت التسوية في شهر نيسان 2020 خلال فترة التعبئة العامّة التي توقّف فيها انعقاد جلسات المحاكمة، وقد نشرت “المفكّرة القانونيّة” أمس تعليقها عليها.

بعد غياب ذوي الضحيّة محمّد الدهيبيّ عن الجلسة تبعاً لإسقاط حقّهم الشخصيّ، واقتصار المحاكمة على النظر في الحقّ العام، اكتفى القاضي صدقي باستجواب المتهمّين الثلاثة في جلسة لم تتجاوز مدّتها الساعة. اقتصر الاستجواب على أسئلة قليلة محدّدة وقصيرة، وعلى أسئلة من وكيلة المتهمين. كانت أجوبة المتهمين عليها متشابهة ومحدّدة لجهة حصر الحادثة برواية الدفاع عن النفس، وبالتالي اتّجاه المحاكمة للإستجواب في هذا الإطار فقط، خاصّة مع غياب الحقّ الشخصيّ.

وبعدما كانت القضيّة محطّ أنظار الوسائل الإعلاميّة كافّة، لم يحضر أيّ منها لمتابعة القضيّة في هذه الجلسة، وتعرّض الحضور الوحيد من قبل “المفكّرة” (أي حضوري) بهدف تغطية مجريات المحاكمة، لإعتراض من قبل ذوي المتهمّين والأجهزة الأمنيّة الموجودة، في محاولة قد يكون الهدف منها طمس القضيّة وتغييبها عن الإعلام والرأي العام.

اعتراض من قبل ذوي المتهمين على تغطية الجلسة

كعادتي في تغطية جلسات المحاكمات ذات الطابع الحقوقي أو الإجتماعي، فتحت دفتري لتدوين مجريات الجلسة. إذ ذاك وقف أحد الحضور في قاعة المحكمة وتكلّم مع شخص آخر، قبل أن يقترب منّي ويعترضني معرّفا عن نفسه بأنّه “عسكريّ”، ويسألني عن الشخص الذي أذن لي بالحضور والكتابة. ولم تقتصر هذه المساءلة على هذا العسكريّ، والذي كان بلباس مدنيّ، بل أتت أيضا من شخص آخر يرافقه وهو عمّ المتهمّين الثلاثة وفقا لما عرفته لاحقا. بدأ الرجلان بمساءلتي عن بطاقتي الصحافيّة واسمي أو بطاقتي التعريفيّة، وكذلك عن سبب تغطيتي مجريات الجلسة. في هذا الوقت، استدعى العسكريّ أحد عناصر جهاز “أمن الدولة” المتواجد على باب المحكمة، وأحد عناصر القوى الأمنيّة المتواجدين في القاعة، وتقدّموا نحوي، وطلبوا بطاقتي الصحافيّة، وسألوا عن كيفيّة دخولي إلى الجلسة، واستمرت مساءلتهم لي حوالي الدقيقتين دون أن يلتفت القاضي لما يحصل، علما أني كنت جالسا في الصفوف الأمامية في قاعة المحكمة. وإذ تمسكت بعلنيّة الجلسة وحقّ أيّ شخص بحضورها وحقّ أيّ صحافيّ بمتابعة أيّ قضيّة، لم يكن جوابي مقنعا بالنسبة إليهم. بعد زهاء دقيقتين، تنبّه أحد مستشاري المحكمة للأمر، فأوعز لأحد الموظّفين في قصر العدل بإعلام العناصر الأمنية بحقّي في الكتابة. تبعا لذلك، كفّ هؤلاء عن مساءلتي وظلّ عمّ المتهمين الثلاثة يحاول معرفة إسمي ويراقب ما أكتب، وكان قد استنكر وجودي وسأل عنصر “أمن الدولة” عن كيفية السماح لدخولي بدون بطاقة صحافية، وظلّ ممتعضا من الأمر بالرغم من توقف العناصر الأمنية عن مساءلتي. وبعد الإنتهاء من الجلسة، قام هذا الرجل فورا بإعلام وكيلة المتهمين بأنّني كنت أدوّن ما يحصل في الجلسة، وكان هدفه التأكّد ممّا إذا كانت تغطيتي مقتصرة على هذه القضيّة فقط. وتبريرا لسؤالهم عن بطاقتي الصحافية وتغطيتي للقضية داخل جلسة علنيّة، عرّفت الوكيلة وعم المتهمين على الشخص الذي بادر إلى مقاطعتي في أول الجلسة بأنّه عسكريّ.

وقد شكل هذا الأمر محاولة للمسّ بمبدأ علنيّة الجلسة الذي يسمح للرأي العامّ بمتابعة القضايا التي ينظر فيها القضاء باسم الشعب اللبنانيّ، إضافة إلى أنّ الأجهزة الأمنيّة تحركت لمنعي من التغطية بناء على اعتراض ذوي المتهمين من دون مراجعة رئيس المحكمة، مما يؤشر على قلة وعيها ومعرفتها بأبرز أصول المحاكمة، التي هي العلنية. وكأنّ ثمة توجّسا إزاء التغطية الإعلاميّة ومسعى لطمس القضية، بعدما أسقط ذوو الضحيّة حقّهم الشخصيّ. وكان يمكن لمحاولة الطمس أن تنجح لولا تدخل مستشار المحكمة تأكيدا على مبدأ العلانية.

استجواب المتهمين: محمّد الدهيبيّ هو من اعترض طريقنا وهجم علينا

بدأ القاضي صدقي الجلسة بالإعلان عن إسقاط الحقّ الشخصيّ من قبل أهل الضحيّة. وبعدها باشر استجواب المتهمين الثلاثة. وبسؤال القاضي لخليل الدهيبي عن الحادث، قال الأخير بما معناه إنّ القتيل محمّد وصل إلى مكان تواجد خليل وكان سكرانا وشتم الإسلام. فإذا نظر إليه خليل، تهجم محمد عليه ومن ثمّ تمّ إخراجه من المكان. أضاف خليل أنّه أخبر شقيقيه اللذين لم يكونا متواجدين، بأنّ شخصا هجم عليه فقدما إلى حيث كان شقيقهما الأكبر. بعد ذلك، وبحسب تصريح خليل، عاد محمّد وهجم عليهم وشتمهم. تابع خليل أنّه وخلال ذهابهم إلى منزلهم رأى ضوء سيارة في وجهه، ونزل محمّد من السيّارة وكان بحالة سكر، ثم ضرب شقيقه عمر ثلاث طعنات سكين حتّى سال الدم منه، فنزل شقيقه الآخر عبدالله وحاول سحب السكين وحصل تضارب بينهما ودخلت السكين و”شطبت المغدور في صدره” ووقع أرضا وسقطت من يده السكين. وبحسب الكلام نفسه، أخذ عبدالله السكين وطلب من محمّد الرجوع إلى الخلف، في حين أنّ الأخير أصرّ على الهجوم، ومن بعدها تمكّن خليل من إبعادهما عن بعضهما، وكان قد حضر بعض الشبان، واستقلّ الإخوة الثلاثة السيّارة وذهبوا إلى المستشفى. وبسؤال القاضي عن كيفيّة إصابة القتيل، قال خليل إنّ محمّد أصيب في جانب صدره ويده وقدمه وظلّ ينزف حتّى قدوم الصليب الأحمر. وهنا انتهى الإستجواب مع خليل.

وبذلك، بدا خليل أنه يكرر ما انتهت إليه الهيئة الاتهامية في الشمال، وما يناقض ما تثبت منه القرار الظني الصادر عن قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصار والتي هي على العكس من ذلك اعتبرتْ أنّ القتل حصل عمدا، تنفيذا لفتوى أصدرها الشيخ بالقتل على خلفية شتم العزة الإلهية.

وحين حاول خليل التعليق على التسوية في المحكمة والتي يستشف منها اعتراف من قبله بالذنب، أوقفه القاضي صدقي باعتبار أنّ لا صلاحية للقاضي بإحداث أيّ تغيير فيها.

بعد ذلك، استجوب القاضي عبدالله الدهيبي الذي أخبر أنّهم (المتهمين الثلاثة) تفاجأوا بمحمّد يعترض طريقهم ويطلب منهم عدم الإقتراب منه، ثمّ نزل من السيّارة ليتحدّث معهم وبحوزته سكّين، فنزل عبدالله لمساعدة شقيقه الأكبر خليل فتعرّض للضرب بالسكّين. ومن ثمّ نزل حتّى يسحب السكين من يد محمّد وهو يقع على الأرض فأصابته في جانب من صدره، “علما أنه خلال التشابك بيننا طعنني وأنا كنت أطلب منه الرجوع وهو يقترب منّا”. وتوجّهت وكيلة المتهمين بسؤال عن الشخص الذي وجّه له القتيل رسالة صوتيّة يهدّد فيها بالقتل، قكان جواب خليل أنّ هذه الرسالة هي لشخص يدعى راضي الدهيبي.

أمّا المتّهم عمر، فأخبر خلال استجوابه عن الطريق حيث حصلت الحادثة، أنّها لا تتسع لسيارتين فأتى محمّد بشكل معاكس واضطر المتهمون أن يتوقفّوا. “وما إن فتحت الباب لأنزل من السيارة حتّى ضربني ووقعت أرضاً بعدما سال دمي كثيرا، ولم أشعر بشيء إلا عندما صرت في المنزل”.

طلب القاضي من المتهمّ تفسير حيازته على عصا ضرب فيها القتيل على رأسه، فأجاب المتهمّ أنّه لم يستطع الوصول إلى محمّد لتكون لديه فرصة للعراك معه. وبسؤال آخر للقاضي عمّا إذا كان خليل هو من طلب من عمر وعبدالله مرافقته، فأجاب عمر أنّه ذهب وعبدالله من تلقاء نفسيهما لتفقّد شقيقهم. وكانت الأسئلة المقتضبة الأخيرة التي وجّهها القاضي صدقي تدور عن جسم محمّد الدهيبي وحالته ساعة الحادثة. فسأل عن حجم جسمه فأجاب المتهمون بأنّه ضخم وطويل. وسأل عن كيفيّة معرفة المتهمين أنّ القتيل كان سكرانا، فقال أحدهم إنّ محمّد كان يخرج اللعاب من فمه عندما كان يأكل ويتكلّم معهم. وأجابوا أنّهم لم يكن طبيعيّا حين سأل القاضي عن طريقة سيره. ونفى المتهمون أنّ يكونوا على علاقة سابقة بالقتيل لأنّه من المنية في حين أنّهم من دير عمار. وأكّد أحد المتهمين أنّ الطريق التي حصلت عليها الحادثة هي الوحيدة التي يمكن لهم سلوكها للوصول إلى منزلهم. وتأجلت المحاكمة إلى 16 أيلول 2020، لدعوة الشهود الذين كانوا وقت الحادثة وهم من آل العويّك، إضافة إلى دعوة الطبيب الشرعيّ لحضور الجلسة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكم جزائية ، قرارات قضائية ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني