“مدرسة المشاغبين” في طرابلس: خيمة تمحو الأميّة


2020-03-09    |   

“مدرسة المشاغبين” في طرابلس: خيمة تمحو الأميّة

تثير لوحة كتب عليها "مدرسة المشاغبين" استغراب زوّار ساحة النور في طرابلس، إذ تعيدهم إلى مسرحية عادل إمام التي تتهكّم على الواقع التعليمي في البلاد العربية. ولكن لا يستمر هذا الإنطباع طويلاً، فما إن يدخل المرء إلى الخيمة حتى يجد نفسه يصغي إلى حوارات ونقاشات جادة، ولا يلبث أن يفهم أنّها خيمة تحوّلت إلى ورشة لمحو الأمية لشباب طرابلسيين من الأحياء الشعبية في القبة وأبو سمراء وباب الرمل.

حدد القائمون على ورشة محو الأمية وهم مجموعة مدرّسين ومدرّسات وأساتذة جامعيين قائمة من الأهداف الثقافية والإجتماعية التي يريدون تحقيقها تحت عنوان "التغيير من خلال التوعية والتعليم". وتطوّعت مجموعة من المدرّسات للتعليم في "المدرسة" ونجحت جهودهنّ بعد حوالي الشهرين من تأسيسها في تعليم حوالي 25 شاباً أميّاً وشبه أميّ من الفئات المهمشة القراءة والكتابة. ويوضح أحد المؤسّسين الأستاذ الجامعي سامر حجار أنّ "المدرسة تقوم بتمكين الناس من خلال تنمية المهارات الفردية بشكل مستدام، ومواجهة التسرّب المدرسي بدون إنتظار السلطة التي تسيطر عليها الأحزاب الفاسدة".

طلاب متحمّسون

ما إن تدق الساعة السادسة حتى يتسابق الشباب إلى خيمة الدراسة، وحول طاولة بيضاء بلاستيكية يتحلق هؤلاء للإصغاء إلى شرح المعلمة. يحدق الشباب بتركيز كبير على اللوح الأبيض الذي يتوسّط الخيمة، ويتسابقون على كتابة الأحرف والكلمات، ولا يخفون إعجابهم بأنفسهم بعد تدوين أي كلمة أو إنجاز أي مهمّة تطلبها منهم المدرّسة، فالنجاح يبدأ بخطوة تخطها أيديهم المرتجفة على اللوح.

تحتضن ورشة محو الأمية الكثير من التجارب والمعاناة لدى طلاب تجاوزوا سن التعليم ولم تتوفر لهم الفرصة للدراسة في مؤسسات تربوية نظامية.

تختصر قصة علي الريس قصص سائر رفاقه، إذ تجتمع فيها جميع العناصر الممكنة من التوق إلى التعلّم والكتابة، والطموح الواسع، وطيبة من عاش في الأحياء شعبية، من دون أن ننسى حياة الإنسان الكادح الذي يسعى جهده لقهر الظروف الظالمة.

يستذكر علي أيام الدراسة، فقد كان تلميذاً نبيهاً مثابراً يحفظ المعلومات بسرعة، لكنه في الوقت نفسه كان شقياً بعض الشيء. وتسرّب علي من النظام التعليمي وهو تلميذ في الصف الثالث أي في عمر التسع سنوات من أجل المساعدة في إعالة عائلته. وبدأت رحلته مع الكفاح صغيراً بعد تعرّض والده لإصابة أقعدته عن العمل، وأجريت له فيما بعد 14 عملية جراحية.

يعرب علي عن حماسته الشديدة للعودة إلى مقاعد الدراسة، وعن فرحته لأنه أصبح بإمكانه التعرّف على كل ما يحيط به، وإستغنى عن مساعدة الآخرين في القراءة والكتابة. ويفرح بشكل خاص لأنه أخيراً سيكتب إلى حبيبته بنفسه ويعبّر لها عن مشاعره من دون مساعدة أحد "أجمل كلمة تعلّمت أن أكتبها هي "قلبي".

ساهمت تجربة النجاح في محو الأمّية مع علي إلى تشجيع المزيد من الشباب، وتحديداً رفيقه يحيى ومازن إبن السابعة والثلاثين ويعتبر أكبر الطلاب سنّاً ويحظى بالتالي بالتقدير في أوساط رفاقه، خصوصاً لأنه يترك عمله في قهوة موسى لينضم إليهم.

أثار التقدّم الكبير في تعلّم اللغة العربية حماسة الطلاب لاكتساب لغة أجنبية، لذلك يشدّد علي على أنه يريد أن يتعلم الإنكليزية لأنها ستساعده في حياته والعمل وربما الهجرة مستقبلاً، كما سيتمكّن من تثقيف نفسه عبر الإنترنت.

مدرّسات متطوعات

يعتمد عمل الورشة على عدد من المدرّسات المتطوّعات كرّسن جزءاً من وقتهنّ لتعليم الشباب في الخيمة. من بين هؤلاء صبا مسعود التي تعمل في مجال التسويق الرقمي، وتأتي في المساء من أجل تقديم المساعدة لطلاب "مدرسة المشاغبين". بدأ عملها التطوّعي في مطبخ الثورة، حيث كانت تشارك في إعداد الطعام، وإندفعت لمشاركة "مدرسة المشاغبين" مشروعهم التربوي.

نجحت جهود صبا والمدرّسات الأخريات في تعليم الشباب، فهنّ بدأن مع شباب أمّيين بالكامل غير قادرين على القراءة والكتابة أو شبه أمّيين يخجلون من التعبير أو محاولة القراءة والتهجئة، وبعد حوالي الشهرين باتوا في مكان مختلف وأفضل.

تقرّ صبا بأنّها في البداية تملّكها الخوف من الفشل، ولكن رغبة الشباب الكبيرة في التعلّم وجهودها معهم حوّلتهم إلى أشخاص منضبطين وأجواء الصف إلى أجواء من الجدّية وفي الوقت نفسه المرح والمنافسة والاحترام.

يخضع الطلّاب لاختبارات دورية من أجل تقييم مدى تقدّمهم، ومن ثم محاولة سد الثغرات في العملية التعليمية.

مع مرور الأيام، تتأكد صوابية الخطوة التي أطلقتها "مدرسة المشاغبين"، فإلى جانب التأكيد على مبدأ التكافل الإجتماعي، فهي تشكل دعوة لتغيير حياة الشباب من خلال تنمية مهاراتهم الذاتية. ولأن الحق في التعليم هو من الحقوق الأساسية للإنسان، لا بدّ من تطوير مبادرات كهذه تساهم في خلق إنسان جديد ومجتمع متعلّم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني