محامو الحراك (3) : المحامي والناشط، نحو كسر العلاقة التقليدية للمحامي ودوره


2016-04-13    |   

محامو الحراك (3) : المحامي والناشط، نحو كسر العلاقة التقليدية للمحامي ودوره

فرضت تجربة المحامين في اثناء الحراك الشعبي في صيف 2015 صورة غير معتادة للمحامي في الحيز العام. فالصورة النمطية للمحامي هي تلك المرتبطة في دفاعه عن القضايا الخاصة للموكل، فيما طرحت تجربة الدفاع عن متظاهري الحراك صورة مختلفة، وهي الدفاع عن قضايا الشأن العام ذات الأبعاد الاجتماعية. وقد برزت إذا هوية المحامي الجديدة في أداء دور يتجاوز دوره التقليدي، بحيث بتنا نراه حاضراً بين الناشطين في المظاهرات والاعتصامات وليس فقط في قصور العدل. وقد تبلورت خصوصية وأهمية هذا الدور من خلال إشكاليتين: الأولى، ارتباك لجهة فصل صفة المحامي المهنية عن صفته كناشط، والثانية، ـكسرٌ لنمطية العلاقة الهرمية مع الموكل (أي الناشط) في اتجاه استيلاد دينامية غير مألوفة بينهما.

أ‌.       محام أم ناشط: أي هوية اعتمد محامو الحراك؟

هل يجوز أن يكون المحامي ناشطاً؟ تظهر هذه الإشكالية في نقاشات أكاديمية حول دور المحامين في الحركات الاجتماعية، فتطرح أسئلة مثل: لأي درجة يجب أن يكون محامي الحركة الإجتماعية منغمساً في أنشطتها؟ وهل هو محام أو ناشط أم الإثنان معا؟ تتناقض أجوبة الباحثين في هذا القبيل، حيث يدعو البعض لوجوب إبقاء المحامي على مسافة من الحراك الاجتماعي، الأمر الذي يتماشى مع نموذج المحاماة “الموضوعية”[1]فيما البعض الآخر يدعو لشكل من المحاماة يكون أقرب للمجتمع أو ما يعرف “بالمحاماة الشعبية” (Grassroots lawyering).

تعيد المقابلات مع محامي الحراك هذه الجدلية إلى الأذهان، حيث يفضل عدد منهم الفصل بين دوره كمحام، أي دوره المهني، ودوره كناشط أي دوره السياسي. ويتم تبرير هذا الفصل بين الصفتين بحرص المحامي بأن يكون “محايداً” و”موضوعياً” و”غير مسيّس” وذلك وفقا لنظرية المناصرة الموضوعية التي أشرنا إليها سابقا، فيبدو إذا وكأنه يوجد فهم ضمني للتفريق بين المحاماة كمهنة والمناصرة كنشاط خارج حدود هذه المهنة، وهي إشكالية نكتفي بالإشارة إليها من دون التوسع فيها. إلا أنه، وبهدف فهم موقع محامي الحراك من هذه الإشكالية، نناقش في هذا الجزء طرق عمل المحامين ونظرتهم لدورهم في الحراك، لننتقل في الجزء اللاحق للحديث عن العلاقة مع الناشطين.

أولا، يتضح أن أغلبية المحامين المدافعين عن موقوفي الحراك هم أصلا ناشطونفي الحراك، أي أنهم كانوا جزءاً من المظاهرات والاحتجاجات السابقة وإن لم تكن بصفتهم المهنية، فيما أن عدد التوقيفات قد فرض عليهم، في مكان معين، تطويع خبراتهم المهنية في سبيل موقوفي الحراك.

“تواجدت في الحراك كناشط أولا للمطالبة بالمواضيع التي تطرح. شكل الاعتداء على الحراك محور مفصلي، وتحول دوري بعدها الى نقل المعركة من الشارع الى القضاء.”

“خضت كثير تجارب سياسية وآخرها في 2011 في إسقاط النظام الطائفي، والتمديد والموازنات إلخ… أنا منخرط في المظاهرات، ولكن كنت أنزل كناشط وليس كمحام لأن لم يكن هنالك دور للمحامين في تلك المظاهرات، فالتعديات كانت محصورة بخراطيم المياه وعدد قليل جدا من التوقيفات.”
“كنا ناشطين مثل هالعالم، كنا ننزل عمظاهرات وإذ صارت المظاهرة الكبيرة اللي صار فيها توقيفات كثيرة، بطريقة عفوية حقوقيين بين بعض حسوا انو نحنا لازم نكون سند للأشخاص الموقوفين لأن صار في توقيفات كثير.  هيك بلشنا، نحنا ناشطين وكان بدنا العالم تكون مرتاحة وعم تحس بسند القانون. الدستور بيكفل هيدا الحق فأنا شخصيا حبيت اعمل هالمبادرة لأنو حسيت بتعطي قوة لما يكون في تغليفة قانونية، بتعطي دعم للعالم”.
فمن الثابت إذا أن تطوع المحامين قد جاء في سياق إيمانهم بالحراك، وهو ما أشرنا إليه سابقا. فأغلبهم، بدأ كناشط أو متظاهر، ومن ثم “استعمل” صفته المهنية كمحامي. فكيف تعامل هؤلاء مع هذه الصفة ؟

إن اجتماع صفة الناشط والمحامي في شخص واحد، بالإضافة إلى ظروف التوقيفات، قد دفع المحامين إلى انتهاج أساليب عمل قد لا نشهدها في القضايا الأخرى. فبدءا من أسلوب التوكل ومجانيته، كذلك الظهور الإعلامي المستمر مرورا بعمل المحامين خارج الإطار التقليدي، حيث بات دوره الأساسي التفاوض مع القوى الأمنية والخروج عن لغة القانون والذهاب نحو لغة الملاءمة السياسية والمفاوضات، وهي إشكاليات سنفصّلها بشكل مسهب في الأقسام اللاحقة.

“بتذكر بكل التجارب لصارت، واحد بيوعى على أن دوره كمحامي  بصير بيتغير ببطل يلعب دوره كتطبيق القانون أو الدفاع عن حقوق موكله… يعني بالطريقة لصارو يسكرو فيها علينا وما يخلونا أبداً نفوت على المخافر وما يخلونا أبدا يكون عنا قدرة للوصول، بصيرو يجبرو المحامي انو شغلتو يصير يعمل مفاوضات، بين الأهل والدرك. بصير كأداة للمفاوضة بين الناس والقوى الأمنية وبين الناس والقضاة. بس عالمحامي بيوقع بهيدا الشي لان بكون تحت ضغط الأهالي يلي لبدن أجوبة معينة. بتصور وعيت لهيدا الشي كيف انو بطلنا نحكي قانون بطلنا عم ناقش بالقانون. صرنا عم ناقش مفاوضات. تاني شي كيف بهيك حالات تم غض النظر عن المسائل القانونية وتسييس الملفات وانو تأديب الأشخاص، متل انو بدن يعلموهن وبدن يربوهن وهيدا شي منو داخل بالقانون.”

وقد أشار المحامون لهذا الدور الجديد الذي لعبوه، وعبروا عن ضرورة كسر الصورة النمطية عن المحامي البعيد عن الشأن العام، معتبرين أن تجربتهم قد ساهمت في ذلك بشكل أساسي.

“يجب علينا كسر tabooفكرة المحامي الذي يكره الشباب والذي يكره الرأي العام بل وضع صورة المحامي الحامي والمدافع والسند. وهذا من أول الحراكات في لبنان الذي يكون فيه المحامي عنصر أمان للمتظاهرين”.

“إن المحامين في الحراك بمجموعهم اعادوا هيبة المحاماة في المجتمع اللبناني بل أعادوا صياغة  أهمية المحامي ودوره في المجتمع والحماية والدفاع عن الحقوق والحريات ووقفوا سد ضد تعسف السلطة ولولا وجودهم لاختفى الحراك بسبب قمع السلطة…”

إلا أنه، ومع تقدم الحراك، ظهرت عدة مؤشرات تدل على نية بالفصل بين صفة الناشط وصفة المحامي، أو بالأحرى، بين الحراك ولجنة المحامين. أول هذه المؤشرات كان إعتماد لجنة الحامين لخطاب قانوني تقني والإبتعاد عن المواضيع التي تعتبر سياسية. ففيما أبقى بعض المحامين على مواقفهم السياسية بشكل فردي، فإن اللجنة فضلت التركيز على لغة تقنية موضوعية. فنلاحظ فصل المحامون أنفسهم عن الحراك من خلال إصرار اللجنة أيضا على إستقلاليتها وإعلانها إستقلالها عن جميع مجموعات الحراك. أضف إلى ذلك أنه وبالرغم من تواجد عدد من المحامين بصفتهم الشخصية على الطاولة التنسيقية للحراك، إلا أن اللجنة لم تكن ممثلة ولم يكن لها أي دور مباشر في اتخاذ القرارات بشأن خطوات الحراك.

“ما كان في دور للمحامين على طاولة التنسيق. كان في كم محامي موجودين بصفتهم الشخصية. ولا مرة كنا نحن كمحامين عم نخطط مع الحراك. ببعض المرات كان في ناس من حملات الحراك عم تجتمع معنا بس لهني يفهموا شو عم بصير وشو وضعهم القانوني إذا انطلبوا للتحقيق”.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار أن للمحامين إنتقادات عديدة للحراك إن لناحية تطوره أم لناحية بعض التصرفات التي قام بها المتظاهرون، ولكنهم لم يعبروا عنها علناً وكأنهم لم يرغبوا بتوسيع رقعة عملهم، ففضلوا حصرها بالدفاع عن المتظاهرين، أي دورهم القانوني البحت.

كما الجدير بالذكر تمسك المحامين بالقانون في جميع المراحل، بالرغم من حماستهم للحراك وتضامنهم المعنوي والأيديولوجي مع الموقوفين. فهذا لم يؤدّ بالمحامي إلى ترك صفته القانونية، حيث اعتبر أن من دوره أيضا رسم تجربة رائدة للعمل المهني، فرأينا مثلا حرصه على عدم إدخال “الواسطة”، وكأنهم يعطون للأهالي دروسا بواجب احترام الأصول القانونية.

“كانوا الأهالي يترجونا أن نحكي مع الضباط ليفوتوا يشوفوا ولادهن. نحنا كان فينا نحكي مع الضابط بس كنا مصرين نطبق القانون ونقلهن يأخذوا إذن مواجهة ويتبعوا الأساليب القانونية. كنا نقول: نحنا بدنا نطبق القانون، كنا عم نعطي تجربة”.

شكّلت تجربة محامي حملات الحراك، كمحامي “بدنا نحاسب”، إستثناءً في هذا الإطار، حيث اندمجت صفتهم كناشطين بصفتهم كمحامين.
من هنا، يتبين أنه لا يمكن فعلا الوصول إلى إستنتاج عام حيث أن المحامين قد عالجوا هذه الإشكالية بطرق مختلفة، وهذا الإختلاف واضح بين محامي لجنة الدفاع عن المتظاهرين ومحامي حملات الحراك. إلا أنه وفي جميع الحالات، لا يمكن القول أن المحامين إبتعدوا فعلا عن دورهم المهني، ولكنهم حاولوا، وبأشكال متفاوتة، أن يبتكروا استخدامات وتقنيات جديدة لهذا الدور. ولعل أبرز الأمور دلالة على تطور عملهم هو علاقتهم بالموكلين.

2.  المحامون كسند للناشطين: نحن نحميكم

إضافةً لفرضهم صورة جديدة لأنفسهم، نجد أن المحامين المتطوّعين قد طوّروا صورة نمطية غير مألوفة لعلاقة المحامي بالموكل. فإضافة لرؤية المحامي في دور الناشط، نرى أيضا المحامي إلى جانب الناشط في المخافر. وقد أدى ذلك إلى تطوير علاقة تختلف عن علاقته “الطبيعية” بموكله، إن من حيث طريقة التوكيل أو من حيث تطور العلاقة الشخصية والأهداف.

جاء دور المحامين كصمام أمان لكل من يريد التظاهر. ومن أبرز الصور المعبّرة عن ذلك كانت الصورة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي قبيل مظاهرة 29 اب والتي دعت المتظاهرين لكتابة رقم الهاتف الساخن على أيديهم، وذلك تحسبا لاحتمال توقيفهم. فقد شكّلت هذه الصورة مشهدية مؤثرة فعلا، وكأن المحامون يقولون للمتظاهرين: تظاهروا، ونحن نحميكم. فكانت هذه الرسالة بمثابة “شد ركب” للحراك، وفي الوقت نفسه تنديد بقمع السلطات العامة لحرية التظاهر.

ظهر إذا المحامي في دور جديد، تعدى الدفاع عن الموقوفين، ليعطي المتظاهرين التطمينات والتحفيزات الضرورية للتظاهر. فتبدل عمله من ردة الفعل الدفاعية عند حصول التوقيف، لتحفيز الناشط للتظاهر وتطمينه مسبقاً أنه سيتم الدفاع عنه. وقد نتج ذلك عن طبيعة العمل حيث أن كلاً من المحامي والناشط مؤمنون بالقضية نفسها، وبالتالي أصبح هنالك نوع من “التواطؤ” غير المعلن بينهما: أنت تظاهرـ أنا أحميك.

“هي ليست علاقة تقليدية بين محام وموكل. أولا لأن ليس هنالك وكالة منظمة أصولا، ليس هنالك اتفاقية أتعاب، هنالك إعتداء على المواطن وتدخل من المحامي، وبالتالي أصبحت علاقة مع أشخاص وأصبح هنالك علاقة شخصية لأن هنالك أسماء ترددت في الإعتقالات”.

وقد تبلور دور المحامين في الحراك من خلال دورهم “على الأرض”. فبالرغم من أنهم لم يكونوا ممثلين، رسميا على الأقل، على الطاولة التنسيقية في الحراك إلا أن المحامي اكتسب نوعا ما دوراً قيادياً في تعاطيه مع ملف الموقوفين.

“وأصبحوا يتعاطون معه (أي المحامي) وكأنه قائد أكثر من القائد الموجود على الأرض. رأوا أن هنالك مصداقية وابتعاد عن الذات وعن المربح، مما كسر أفكارهم السائدة عن المحامين أي أنه غير صادق وكاذب، فتبين أنهم أشخاص مندفعون يعملون مجانا وقد يخسرون من موكليهم أو علاقاتهم مع القضاة من أجل تأمين الدفاع للمتظاهرين. شكل ذلك عاملا مهما تجاه المتظاهرين، حيث كانوا عادة يأخذون أرقام مسؤولي المجموعات. أما هنا فكانوا يأخذون أرقام المحامين، فعندما يرون المحامي يحسون بالأمان. هم وداخل الاعتقال، كانوا موجودين داخل الزنزانة ومكسورين فعندما يرون المحامين ترتفع عزيمتهم لوجود أشخاص يدافعون عنهم”.

وإتسمت علاقة المحامين بالناشطين بعدة ملامح ميّزتها عن العلاقة التقليدية. أول هذه الملامح، ولعلها الأهم، هي مجانية التوكيل. فمع إنشاء الخط الساخن لتلقي أنباء التوقيفات، بات بإمكان أي من الموقوفين (وعائلاتهم) الإتصال وطلب توكيل محامي مجانا. وقد أصرّ المحامون على ذلك طوال فترة الحراك بالرغم من عرض الأهالي عليهم أخذ وكالات فردية مقابل أتعاب.

“عرض أحد الأهالي على أحد المحامين أن يتوكل عن ابنه فقط وليس باقي الموقوفين مقابل أتعاب، ولكن المحامي رفض وقال “أنا من اللجنة متطوع، أنا ملتزم للكل.”

وإن ذلك خير دليل على أن تبدل علاقة المحامي بالموكل، فهو وكيل عن جميع المتظاهرين، عن “قضيتهم” وليس عن شخص واحد. بذلك، يبدو وكأن المحامي ينطلق من إعتبارات عقائدية عامة وليس من مصلحة شخصية. فإلتزام المحامين بالموقوفين “ككل” يدل على إلتزام معنوي ليس فقط بالموكلين، ولكن أيضا بالقضية وبدورهم كمناصرين للقضية، مما يعيدنا إلى ما أشرنا إليه سابقا في ما يتعلق بإمتزاج هوية الناشط والمحامي.

وأبعد من المجانية، نجد أن علاقة المحامي بالموكل قد تخطت الحدود المهنية. فإضافة لنشوء علاقات شخصية بين المحامين والموقوفين، يروي بعض المحامين كيفية تعاملهم مع الموقوفين لناحية تأمين إحتياجاتهم الشخصية. ولعل المبرر الواضح لهذه العلاقة “غير الهرمية” هو الإلتقاء في الأهداف بين المحامين والمتظاهرين. فالعديد من الموقوفين كانوا من فئات إجتماعية فقيرة، ومنهم من أتى من مناطق بعيدة عن بيروت ولم بتمكن أهله من زيارته. من هنا، لعب المحامين دوراً إنسانياً يخرج عادة عن نطاق عملهم، من حيث تأمين المأكل والملبس لهؤلاء الأشخاص. وقد انتقد بعض المحامين ذلك، بحيث أشار أحدهم “أنا كنت مع أن نتعاطى معهم بحرفية ونبعد عن الشق الإنساني”، مضيفا أن العلاقة بين المحامي والموكل يجب ألا تتعدى حدود المهنية، موحيا بأن المهنية تفرض على المحامي الفصل بين نشاطه في المناصرة.

من ناحية أخرى، يطرح المحامون الوجه الاخر لهذه العلاقة، حيث يشيرون إلى إشكاليات من الضروري أخذها بعين الإعتبار والإشارة إليها من باب التحذير؛ وأهمها أن وجود المحامين قد يطمئن الناشطين “أكثر من اللزوم”، حيث تطرق عدد من المحامين لهذه الإشكالية بشكل صريح:

“في اخر مرحلة كان عم يصير إستدعاءات على المخافر. أصبحوا الشباب متظمنين جدا فلم يذهبوا إلى المخفر! نحن صار عنا علاقات مع الأشخاص بالمخافر، فصار كل ما ينفتح ملف بموضوع الحراك يتصلوا فينا يقولولنا يا أساتذة شو بدكن تعملو. صرنا نحن نروح نحكي القاضي ويقلنا “إذا أنت الوكلاء خلص خلو الشباب يجو يحكو كلمتين وخلص ما في مشكل بالموضوع”.  ونحن كنا نقول للمخفر خلص ما تستدعوهن نحن من قلهن ينزلو يحضرو التحقيق تفاديا على أن يجي الدرك لعندهم على البيت. قد ما صارو متطمنين، الشباب صاروا يتكبروا علينا وعلى المخافر ويقولو: شو فيكن تعملو إذا ما نزلنا؟ تعوا بلغونا ببيوتنا. هذه نتيجة أنهم شافو حالهم وإعتبرو أن كل شي بيقطع وهذه مشكلة. ونحن مصرين على تطبيق القانون فإذا قال القانون لازم يحضروا ما فينا نحن نقلهن لا”.

وفيما نجد هذه الظاهرة في عدد من تجارب العمل المجاني (pro-bono)، حيث تشير بعض الأبحاث أن وجود المحامي “المجاني” قد يثير إرتياح الموكل لإرتكاب مخالفات أخرى، إلا أنه لا يمكن تعميم هذه الحالة على الجميع، كما وأنه من واجبات المحامي أن يشرح للموكل عواقب أعماله وحدود قدرته على الدفاع.

إشكالية أخرى طرحت في العلاقة مع الموقوفين، هي صعوبة التعامل مع الأهالي. ففيما يؤكد المحامون أن هذه الإشكالية مطروحة دائما في القضايا الجزائية، إلا أن وضع موقوفي الحراك كان أكثر صعوبة نظرا للعدد الكبير من الموقوفين من جهة، ولطبيعة الحراك ودور المحامين من جهة أخرى. فمثلا، سمع المحامين تكرارا لوماً من الأهالي وتحميلهم مسؤولية تظاهر أبنائهم وتوقيفهم (خاصة القاصرين منهم). وهذا ما لا نراه في القضايا العادية.

“أصبح هناك تباينات في مكان ما، وهي إنتقال المعتقلين إلى عقلية اللبناني يلي بيفهم بكل شي. التعاطي مع الأهل وزيارة الموقوفين وأخذ الأكل كان من منطلق إنساني في البداية ولكن وصلنا لمرحلة “جلقناهم”. صار إذا ما أكل أكلة على ذوقه بالنظارة، يزعل، إذا عملي missed callوتأخرت لأتصل فيه كمان يزعل ويقول “تركتولنا ولادنا”.

أضاءت تجربة المحامين المتطوعين للدفاع عن متظاهري الحراك على أساليب وإستراتيجيات عمل جديدة للمحامين المناصرين، كما وأنها بينت وبوضوح الإشكاليات التي يصادفونها في عملهم، إن لناحية علاقتهم بالموكلين أو لناحية طبيعة عملهم. ولطالما تشكل هذه الإشكاليات أساليب للضغط على المحامين والتشكيك بمهنيتهم وإعتبار عملهم خارج حدود المهنة.

نشر هذا المقال في العدد | 37 |آذار/ مارس/  2016، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

قصص الناس على مسرح القضاء

 


[1] Simon, W.H., 1978. Ideology of Advocacy: Procedural Justice and Professional Ethics, The. Wis. L. Rev., p.29.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني