مجلس النواب الأردني: تشريع مرتجل ومشاهد اثارة باهظة الثمن


2014-09-18    |   

مجلس النواب الأردني: تشريع مرتجل ومشاهد اثارة باهظة الثمن

يكاد يُجمع القاصي والداني ان دور مجلس النواب الأردني التقليدي لم يكن كفاعلية الأسلحة المستخدمة من قبل بعض أعضائه أو مؤثرا كالعراكات و الملاسنات التي تمت في أروقته. لكن لابد من الاعتراف ان المجتمع الأردني تابع هذه الدراما باهتمام شديد، خاصة عندما امتزجت بشيء من الأكشن كإخراج موقوف على ذمة التحقيق من مركز أمني بطريقة عجزت عن تصويرها أفلام الإثارة.  الاستمتاع بهذه الأحداث هو الأمر الوحيد الذي يمكن للمواطن الأردني القيام به، بدلا من التحسر على 34 مليون دولار سنويا مخصصة في الموازنة لمجلس الأمة.

الحديث عن الدور التشريعي لمجلس النواب هو موضوع الساعة، خاصة بعد أن حاول أعضاء مجلس الأمة منح أنفسهم راتب تقاعدي مدى الحياة اثناء مناقشة قانون التقاعد المدني. و الملفت للنظر ان المجلس لم يتردد بإجراء تعديلات جوهرية على مشاريع القوانين المعدة من قبل الحكومة دون دراسة مسبقة أو دراية بالآثار المترتبة على مثل هذه التعديلات، كما هو الحال عند إلغاء هيئة التأمين التي تضطلع بالرقابة على شركات التأمين وحماية المتعاملين مع هذه الشركات خاصة إذا ما اخذنا بعين الاعتبار اختلال عنصر التكافؤ في العقود التأمينية. كما سبق وأن أشرنا كيف ان التعديل الذي أجراه المجلس على قانون الطوائف غير المسلمة حرم شريحة لا بأس بها من أبناء المجتمع الأردني من التمتع بحقوقهم.

كما نجد أن المجلس ابتدع سياسة إعداد مشاريع القوانين كنوع من أنواع التعاطي مع منظمات المجتمع المدني أو الرأي العام، مثل قانون تجريم التحرش الجنسي الذي تبنى ثلاثة تعريفات أخذت من قوانين اجنبية وضعت لمحاربة التحرش في بيئة العمل و ليس التحرش بشكل عام دون الأخذ بعين الاعتبار أن أغلب الأفعال الجرمية الموجودة بالتعريف يعاقب عليها قانون العقوبات النافذ حاليا. وكذلك الأمر عندما ارتجل المجلس مشروع قانون ينص على حقوق أبناء الأردنية المتزوجه من أجنبي، فلم يتنبه المجلس أن الحقوق التي أوردها المشروع لا تحتاج إلى قانون وانما الى تعديل للأنظمة و التعليمات الصادرة عن السلطة التنفيذية. ولا أعتقد انه من المناسب الحديث هنا عن توصيات اللجان وتقرير المراجعة الدورية الشاملة الصادر عن مجلس حقوق الإنسان بخصوص التشريعات الواجب تعديلها، فهذه بالتأكيد ليست من أولويات المجلس. خلاصة الأمر، فان أفضل ما يمكن أن يقال عن آلية التشريع لدى المجلس أنها تفتقر للمهنية وتعتمد على سياسة الفزعة.

فيما يتعلق بدوره الرقابي، فللأمانة، قامت لجان التحقيق النيابية بالنظر بجموعة من القضايا المهمة التي انطوت على شبهات فساد وشغلت الرأي العام الأردني. إلا ان هذه التحقيقات لم تسفر عن أي ادانة. كما ان الأسئلة والاستجوابات التي تقدم بها النواب للحكومة لم تسفر عن أي نتائج ملموسة، إضافة إلى انها كانت  محدودة الأثر، متعددة الاتجاهات تفتقر إلى هدف معين وواضح. وفي حالات قليلة، كان الهدف من السؤال إحراج وزير لم يتجاوب مع مطالب خدماتية تقدم بها نائب معين. لكن أهم ما ما يلفت النظر هو غياب آلية للتنسيق مع الجهات الرقابية الأخرى مثل ديوان المحاسبة، المركز الوطني لحقوق الإنسانو ديوان المظالم، وهي مؤسسات وطنية مستقلة تراقب أداء الحكومة المالي و الإداري و مدى احترامها لمعايير حقوق الإنسان. وبحسب قوانين هذه الأجهزه، فإنها تقدم تقاريرها السنوية للمجلس حتى يستخدم نتائجها لمحاسبة الحكومة عن أوجه التقصير، الاهمال وانتهاكات حقوق الإنسان.

وبحسب مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب، السيدة ردينه العطي، فان السبب لعدم الاستفادة من تقارير ديوان المحاسبة هو تراكمها لعدة سنوات الأمر الذي يحد من المحاسبة الفورية. كما ان عملية دراسة التقارير السابقة يستهلك الكثير من الوقت، بمعنى أنه لغاية الآن لم يطور مجلس النواب آلية فعالة لاستغلال مخرجات ديوان ومحاسبة المسؤولين[1]، خاصة و ان بعض المخالفات لا يجوز السكوت عنها كأن تكون ميزانية الضيافة والتنقل لرئيس جامعة حكومية أكثر من ميزانية البحث العلمي.

اما المركز الوطني لحقوق الإنسان، فقد أشار أكثر من مره في تقاريره السنوية إلى عدم موافقة القوانين الوطنية للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي التزم الأردن بها، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفة حجم التجاوز على هذه المعايير من قبل أجهزة انفاذ القانون. ولا يخلو تقرير من تقارير المركز الوطني إلا ونبه البرلمان إلى الكثير من الانتهاكات والثغرات في حقوق الإنسان في الأردن[2]، إلا ان المجلس لم يحرك ساكنا. في حين أن آلية تعامل مجلس النواب مع ديوان المظالم كانت مختلفة نوعا ما؛ إذ تمثلت بمحاولة إلغائه عند مناقشة قانون دمج المؤسسات المستقلة.

وفي النهاية، ما ذكر لا يقلل من حجم عنصر التشويق والإثارة لدى مجلس النواب حتى انه طغى على المسلسلات التركية المدبلجه. ولا هم اذا كانت التكلفة المادية كبيرة، فلا بد لنا أن نشجع الصناعة المحلية.

الصورة منقولة عن موقع petra.gov.jo



[1]النائب ردينة العطي، مقرر اللجنة المالية البرلمانية، دور البرلمان الأردني في وظيفة الرقابة المالية، أبو ظبي، 11/6/2014. متوفر على الرابط التالي: https://www.cvmena.org/sites/cvmena/files/PFM2-1100-04-AlAtti.pdf
[2]أنظر على سبيل المثال التقرير السنوي السابع للمركز الوطني لحقوق الإنسان في المملكة الأردنية الهاشمية للعام 2012، عمان، 2013، ص 4.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، دستور وانتخابات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني