مجلس السلطة القضائية يتراجع عن نقل قاض من دون رضاه في المغرب: سابقة هامة يؤمل تعميمها


2018-09-20    |   

مجلس السلطة القضائية يتراجع عن نقل قاض من دون رضاه في المغرب: سابقة هامة يؤمل تعميمها

يتبين بالاطلاع على بلاغ نادي قضاة المغرب حول تتبع أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن هذا الأخير أقرّ في سابقة تعد الأولى من نوعها تصحيح وضعية قاض سبق وأن قرر المجلس في دورته الأخيرة نقله بعد ترقيته بدون طلب إلى محكمة استئناف توجد في منطقة نائية.

النقل دون طلب: حينما تتحول الترقية من نعمة إلى نقمة

يعتبر نقل القضاة بعلة الترقية أهم المواضيع الحساسة التي شكلت محور الحراك القضائي الذي عرفه المغرب منذ سنة 2011، بل وحتى قبل هذا التاريخ. فإذا كان الأصل هو حصانة القضاة ضد النقل المقررة دستوريا، إلا أن القانون السابق كان يعطي المجلس الأعلى للقضاء سلطة نقل القاضي(ة) دون طلب منه، في عدة حالات من بينها، الترقية إلى منصب جديد. وهو ما كان يحوّل الحق في الترقية من نعمة الى نقمة، خاصة إذا صاحب قرار الترقية نقل القاضي إلى منطقة نائية، من دون أدنى معايير واضحة بين قضاة نفس الفوج.

وكان القانون السابق يعطي القاضي امكانية رفض المنصب الجديد، شريطة التنازل عن الترقية، الشيء الذي يترتب عنه تأخر في مساره المهني مقارنة مع باقي زملائه.

القضاء الدستوري يعتبر نقل القضاة دون طلب استثناء لا ينبغي التوسع فيه

أثناء مناقشة قوانين السلطة القضائية بالبرلمان، خاض نادي قضاة المغرب معركة غير مسبوقة من أجل مراجعة المقتضيات التي تبيح تنقيل القضاة من دون طلب منهم بعلة الترقية، معتبرا ذلك مسا بمبدأ ثبات المنصب القضائي، وهدرا لحق القضاة في الترقية، ومنفذا من منافذ التأثير غير المشروع عليهم. وفي هذا الصدد، نظم النادي جلسة للاستماع إلى مظالم القضاة المتضررين من الترقية الملغومة، كما ضمن مذكراته عدة مقترحات لوضع معايير واضحة وموضوعية تحول دون تحوّل هذا المقتضى من استثناء إلى قاعدة.

وخلال عرض مشروع النظام الأساسي للقضاة على أنظار المجلس الدستوري للبت في مدى دستوريته، اعتبر المجلس في قرار وصف بالمبدئي أن النقل بسبب الترقية استثناء لا ينبغي التوسع فيه. وقد جاء في القرار:

“حيث إن المادة 35 تنص على أنه “يقبل كل قاض تمت ترقيته في الدرجة المنصب القضائي الجديد المعين به وإلا ألغيت ترقيته، وفي هذه الحالة يسجل في لائحة الأهلية برسم السنة الموالية”، وإن المادة 72 تنص على أنه “يمكن أن ينقل القاضي وفق المعايير المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية في الحالات التالية:

– بناء على طلبه؛

– على إثر ترقية في الدرجة؛

– إحداث محكمة أو حذفها؛

– شغور منصب قضائي أو سد الخصاص”؛

وحيث إن الدستور نص في فصله 108 على أن قضاة الأحكام “لا ينقلون إلا بمقتضى القانون”؛

وحيث إنه، لئن كـان عـدم القـابلية للنقـل من الضمانات الأساسية المخولة لقضاة الأحكام، التي لا يجوز المساس بجوهرها باعتبارها من مظاهر استقلال السلطة القضائية، فإنه يستفاد مما ينص عليه الفصل 108 المذكور من كون قضاة الأحكام لا ينقلون إلا بمقتضى القانون، أن المشرع يجوز له أن يحدد حالات معينة يمكن فيها، بصفة استثنائية، نقل هؤلاء القضاة؛

وحيث إن الدستور نص أيضا في فصله 118 على أن “حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون”، ونص في فصله السادس على “مبدأ المساواة أمام القانون”.

وحيث إن حق التقاضي يعد من الحقوق الأساسية المخولة للمواطنين وضمانة رئيسية لإعمال مبدأ سيادة القانون، وأن مبدأ المساواة أمام القانون، الذي من مظاهره المساواة بين المواطنين في الولوج إلى مرفق القضاء، يستلزمان أن توضع رهن إشارة المواطنين، المحاكم الضرورية والقضاة اللازمون لجعل حق التقاضي المخول دستوريا للمواطنين حقا مكفولا فعليا؛

وحيث إنه، يتعين ضمان التوازن بين المبدأ الدستوري القاضي بعدم قابلية قضاة الأحكام للنقل إلا بمقتضى القانون، والمبدأ الدستوري الذي يكفل للمواطنين حق التقاضي؛

وحيث إنه، تأسيسا على ذلك، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أناط به الدستور، بصفة أساسية، السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، لا يجوز له أن يقرر نقل قضاة الأحكام، في الحالات التي حددها المشرع، دون طلب منهم، إلا بصفة استثنائية، يبررها ضمان حق التقاضي المكفول دستوريا للمواطنين”.

المجلس الأعلى للسلطة القضائية يقرر تصحيح وضعية قاضٍ

خلال تتبعه لأشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية، انتقد نادي قضاة المغرب في بيان سابق وضعية قاض رقي من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية، وتم تنقيله دون طلب من محكمة ابتدائية إلى محكمة استئناف بمنطقة نائية، دونما أي مراعاة لوضعيته الاجتماعية وللقرب الجغرافي، في مخالفة تامة لمقتضيات المادة 77 من القانون التنظيمي للمجلس،

وبعد أيام قليلة تدخل المجلس وقام بتصحيح هذه الوضعية وقرر إعادة نقل القاضي إلى محكمة تطوان مؤخرا.

يشكل قرار المجلس بتصحيح هذه الوضعية المتعلقة بالنقل دون طلب سابقة في تاريخ المؤسسة مند الإصلاحات القضائية الجديدة، ويعكس نوعا من المرونة في التعامل مع المقتضيات القانونية التي تنظم الموضوع. وهو ما يبدو من خلال الجوانب التالية:

-تم تصحيح وضعية القاضي قبل تنفيذ قرار الانتقال ودون الإلتحاق بمحكمة الاستئناف (النائية)؛

-تم تصحيح وضعية القاضي دون تنازله عن الحق في الترقية[1] (المادة 35 من النظام الأساسي للقضاة)؛

-تم تصحيح وضعية القاضي دون اللجوء إلى الطعن في المقرر الصادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية[2].

نادي قضاة المغرب يرحب بقرار المجلس تصحيح وضعية قاض ويدعوه إلى تعميمه على كافة القضاة

رحب نادي قضاة المغرب في بلاغ رسمي بتاريخ 16/09/2018 بمبادرة المجلس تصحيح وضعية بعض القضاة، ودعا المؤسسة الدستورية إلى تصحيح باقي الحالات المشابهة التي تقدم أصحابها بتظلمات بخصوصها، لتعميم هذا الاجتهاد القضائي المبدئي على كافة القضاة.

مواضيع ذات صلة:

قراءة في مذكرة نادي قضاة المغرب حول مشروع القانون المتصل بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ،

لهذه الأسباب، رفض نادي قضاة المغرب مسودة النظام الأساسي للقضاة

في قراءة نقدية للنسخة الثالثة لمشاريع قوانين السلطة القضائية في المغرب(1): في أبرز اعتراضات ومطالب الجمعيات المهنية للقضاة

في قراءة نقدية للنسخة الثالثة لمشاريع قوانين السلطة القضائية في المغرب (2): المتغير والثابت في فلسفة المشاريع الحكومية

نادي قضاة المغرب يفتح أرشيف مظالم القضاة

مسودة مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية: أي جديد؟

نادي قضاة المغرب ينتقد مشروع النظام الأساسي للقضاة

 


[1]– تنص المادة 35 من النظام الأساسي للقضاة على أنه يقبل كل قاض تمت ترقيته في الدرجة المنصب القضائي الجديد المعين به وإلا ألغيت ترقيته؛ وفي هذه الحالة يسجل في لائحة الأهلية برسم السنة الموالية.

[2]– تنص المادة  101 من قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية على أنه :” تطبيقا لأحكام الفصل 114 من الدستور ، تكون المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية، الصادرة عن المجلس قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض.

تقدم الطعون في المقررات المتعلقة الفردية الصادرة عن المجلس خلال أجل ثلاثين (30) يوما من تاريخ تبليغها إلى المعني بالأمر.

لا يوقف الطعن المذكور تنفيذ المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس ، غير أنه يمكن للغرفة الإدارية بمحكمة النقض أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ المقرر المطلوب إلغاؤه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني