مبدأ الحيطة في قرار قضائي مغربي


2015-08-11    |   

مبدأ الحيطة في قرار قضائي مغربي

في 2-6-2015، أصدر قاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بمكناس (المغرب) أمراً استعجالياً[1]يعد من بين الأوامر المبدئية التي أقرت مبدأ رفع الضرر المرتبط بأجهزة تقوية إرسال الهواتف الخلوية التي يتم تنصيبها فوق سطوح المنازل.

وكان ساكنة العمارةتقدموا بدعوى استعجالية في مواجهة مالك العمارة وشركة اتصالات. وقد عرضوا فيها أن مالك العمارة عمد إلى منح سطحها إلى شركة اتصالات قصد تركيب الجهاز اللاقط الخاص بالهاتف الخلوي. والتمسوا توقيف أشغال بناء الجهاز اللاقط، وتفكيك الجزء الذي تم تركيبه منه، لوجود ضرر وشيك الوقوع على صحة ساكنة العمارة بسبب الإشعاع المغناطيسي المنبعث من الجهاز. وأجابت شركة الاتصالات المدعى عليها بأن المدعين لم يثبتوا وجود الضرر. وأكدت أنها تشتغل وفق دفتر تحملات مضبوط تحت مراقبة الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات التي تقوم بمراقبة وقياس شدة الحقل الكهروميغناطيسي بالقرب من المحطات الأساسية، معتمدة على منشور وزير الصحة الذي يؤكد أن المعلومات العلمية المتوفرة لدى الوزارة لا تقدم أي دليل قاطع على وجود أضرار صحية أو تأثير على صحة الانسان داخل الحقل الكهروميغناطيسي.

حيثيات القضية

علل قاضي المستعجلات أمره بحيثيات غير مسبوقة معتمدا على مبدأ الحيطة والحذر الذي يقتضي اتخاذ بعض التدابير الاحترازية كلما توفر سبب كاف للاعتقاد بأن نشاطا ما قد يسبب أضرارا جسيمة بصحة الانسان، معتبرا أن وجود مجرد شك في مدى سلامة أجهزة شبكة الارسال الخاصة بالهاتف الخلوي يبقى سببا وجيها لإعمال مبدأ الحيطة والحذر في التعامل معها ومن ثم اعتبر طلب اصدار أمر بوقف أشغال تنصيب برج تقوية شبكة الارسال الخاصة بالهاتف الخلوي فوق سطح العمارة طلبا وجيها، يدخل ضمن اختصاص قاضي المستعجلات بالنظر إلى حالة الخوف التي تصيب ساكنة حي من جراء تنصيب مثل هذه الأجهزة التي يخشى منها على سلامة صحتهم.

وهكذا جاء في حيثيات الأمر الاستعجالي:

“ولئن كانت الأبحاث العلمية المتوفرة حاليا لم تجزم بوجود أضرار في الاشعاعات الكهروميغناطيسية غير المؤينة المنبعثة عن المنشآت الكهربائية اللاسلكية، فإنها لم تحسم في مقابل ذلك في مدى سلامتها على صحة الانسان خاصة على المدى البعيد مما يوجب اعتماد مبدأ الحيطة والحذر في التعامل معها.

وحيث إن مبدأ الحيطة والحذر يقتضي اتخاذ تدابير احترازية عند الاقتضاء كلما كان هناك سبب كاف للاعتقاد بأن أي نشاط أو منتج قد يسبب أضرارا جسيمة بشكل غير قابل للتدارك على صحة الانسان، دونما الحاجة إلى إقامة الدليل القاطع والملموس على وجود علاقة سببية بين هذا النشاط أو المنتج والأضرار الوخيمة التي قد تترتب عليه مستقبلا.

وحيث والحال كذلك فإن عدم ثبوت ضرر محدق وملموس بالمدعين لا يحول دون البت في الطلب اعتبارا لضرورة اعمال مبدأ الحيطة والحذر وأخذا بعين الاعتبار للآثار المباشرة المترتبة عن حالة الشك المرتبطة بسلامة أجهزة الارسال المدعى فيها،

وحيث أن حالة الخوف التي تصيب ساكنة حي من جراء تنصيب برج لتقوية شبكة الارسال الخاصة بالهاتف الخلوي بالمحاذاة من سكناهم ومن منطق عدم اليقين العلمي الذي يحوم حول سلامتها على صحتهم، ولما لهذه الحالة من تأثير على راحتهم النفسية وسكنهم وحتى استقرارهم ليجعل حالة الاستعجال قائمة في الدعوى، وموجبا لتدخل قاضي المستعجلات لأمر شركة الاتصالات بإيقاف أشغال تنصيب برج تقوية شبكة الارسال الخاصة بالهاتف الخلوي فوق سطح العمارة المذكورة وإزالة الأجزاء المركبة، تحت طائلة غرامة تهديدية”.

 نشر في العدد 2 من مجلة المفكرة القانونية في تونس 



[1]أمر عدد 612/2015، في الملف الاستعجالي عدد 209/1101/2015.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، الحق في الصحة والتعليم ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني