ماسح الأحذية الذي مات خوفا: هل يعرقل محافظ بيروت الاستماع إلى عناصر الشرطة المشتبه بهم؟


2019-02-06    |   

ماسح الأحذية الذي مات خوفا: هل يعرقل محافظ بيروت الاستماع إلى عناصر الشرطة المشتبه بهم؟

لا تزال قضية وفاة ماسح الأحذية الطفل أحمد الزعبي تراوح مكانها. فإلى الآن لم يتم الاستماع إلى عناصر الشرطة الذين لحقوا أحمد في اليوم المشؤوم والذين يعتقد أنهم تسببوا بإخافته ليلقى مصيره. السبب الرئيسي في عدم الاستماع إليهم، فيعود إلى تأخر محافظ بيروت القاضي زياد شبيب عن إعطاء الإذن بهذا الأمر. هذا ما يؤكده وكيل عائلة الطفل المحامي واصف الحركة للمفكرة: “لا يزال الملف ينتظر أن يأذن محافظ بيروت بالاستماع إلى حراس بلدية بيروت الذين قاموا بملاحقة الطفل وإلى الآن لم يسمح بذلك”. هذا وقد أرسلت النيابة العامة إلى القاضي شبيب الطلب لإعطاء الإذن، ولكن حتى الآن لم يأتِ أحد منهم ليتم الإستماع لهم.

وقال الحركة:”اليوم (5/2/2019)  قمت بالادعاء المباشر على عناصر الشرطة وعلى أصحاب المبنى وطالبت بالاستماع إلى الشهود وكما طلبت بإحضار جميع الكاميرات الموجودة في الشارع لأن كاميرات جامع السلام قامت بتصوير الشارع من الخارج فقط ولم تصور “الزاروب” الذي أظن أنه وإن لم يتم دفع الصبي بالمباشر فإنه تم إيصاله نتيجة الخوف الذي وقع به إلى هذه النهاية”. وعن الادعاء بأن المباني في المنطقة لا يوجد فيها كاميرات، أجاب:”أن هذا الأمر غير صحيح” وقال: “نحن متأكدون من وجود الكاميرا في احدى المباني الموجودة هناك ناهيك عن أن المنطقة هناك تعد منطقة أمنية وعلى مقربة من عينة التينة والغالبية الساحقة من المباني فيها مزودة بالكاميرات”.

بلدية بيروت لا تجد حرجا في اتهام ضحيتها بالسرقة

للتذكير، كان الطفل أحمد الزعبي سقط منذ حوالي الأسبوعين في “منور” أحد مباني منطقة فردان، جراء ملاحقة عناصر من الحرس البلدي له، مما أدى إلى وفاته. وقد اكتشفت جثته هنالك بعد ثلاثة أيام من اختفائه.

وقد تفاعلت القضية آنذاك في لبنان، بعدما نشرت الناشطة والصحافية مريم مجدولين لحام، ما جرى عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. ولم تمرّ ساعات حتى انتشر الخبر مُحدثاً تعاطفا عارما لافتا مع الضحية، بدا في  تمايز عن الخطاب اللبناني المثقل بفوبيا اللاجئين (النازحين). وعن ذلك، تقول لحام: “اتصلت بمحافظ بيروت القاضي زياد شبيب. وبعد اطلاعه على  الفيديو وما كتبته على صفحتي، توجه بالتعزية الى ذوي الطفل ومن ثم بعد وقت قصير (اليوم نفسه) رد عليّ “أن حرس البلدية لا علاقة لهم بالموضوع”. وإذ طلبت منه إصدار بيان توضيحي، عادت البلدية واتهمت الطفل بالسرقة، “علما أن عائلته عثرت بحوزته على 11 ألف ليرة أي ما يعادل 7$. المضحك المبكي أن تهمته هي سرقة صندوق الصدقة أي الصندوق المخصص للفقراء”. وقد جاء في بيان البلدية أن”أحد عناصر الدورية قام بمحاولة توقيف الشاب ماسح الأحذية، ‏ ولكنه لاذ بالفرار من خلال عبوره زاروباً يقع بين بناءين وصولاً إلى الشارع الآخر، ‏فغادرت الدورية”، و أن”عناصر البلدية لَم يعلموا شيئاً عن مصير الشاب بعد فراره من الدورية”. وفيما لم يعلن البيان أي نية بإجراء تحقيق في البلدية أو تعويض عائلة الطفل، استفاض في تمجيد عناصر حرس بيروت. فبعدما أكد أنهم “يقومون بعملهم في خدمة أهل بيروت وسكانها بكل مناقبية ‏وانضباط وفِي إطار القوانين والأنظمة وأن قيامهم بمنع الأعمال المخالفة للقانون أو غير المرخصة وتوقيف المخلين ‏بالقانون يتم بكل احترام ودون أي عنف أو إساءة”، حذر من مغبة توجيه الاتهام إليهم والذي يعد “افتراء وتضليلاً”. وقد بدا واضحا من البيان أن البلدية لم تجر أي تحقيق في الموضوع وأنها تعتبر أن ثمة فرضا على الجميع بالتسليم بمناقبية حراسها وأن أي تشكيك بهؤلاء يعدّ افتراء وتضليلا.

من جهته، يعيد ابن عم الطفل أحمد واسمه جمال الزعبي، رواية الحادثة لل “المفكرة” ويتابع: “لقد هرب أحمد من الموت إلى الموت”،  مشدداً على أن”القضية ليست قضية لاجئين من سوريا كما حاولت إحدى القنوات المحلية تصوير الأمر، وإنما القضية إنسانية بامتياز، فاليوم أحمد وغداً غيره”. ويلفت الى أن”والد أحمد وأقاربه يعيشون في لبنان منذ نحو ثلاثين عاماً، لكن أحمد جاء إلى لبنان في الأحداث الأخيرة الدائرة في سوريا، ترك مدرسته وقرر العمل في مسح الأحذية ليعين  والده الذي يعمل عتالاً”.

وشدد جمال على أن”أحمد قتل مرتين: الأولى حين خسر حياته، والثانية عندما قالت بلدية بيروت في بيانها أنه سرق صناديق الصدقة”. وطالب بمحاسبة المتسببين بالحادثة.

مسيرة للمطالبة بالعدالة: بلدية تجهد في تبرئة ذاتها

وكان ناشطون دعوا إلى مسيرة تضامنا مع الطفل وذويه، حصلت يوم الجمعة الواقع في 25/1/2019. منتهى المسيرة كان بلدية بيروت التي وصلت إليها قرابة الساعة الثامنة مساء. ومن أهم الشعارات التي رفعت أثناءها: “أحمد انظلم بحياتو ما تظلمو بعد مماتو”.

وقف المتظاهرون أمام باب البلدية وطلبوا من عناصر الشرطة مقابلة المسؤول من بينهم. ولكن جاء الرد أنه لا يوجد أحد. عندها قام المحامي نبيل الحلبي، مدير مؤسسة “لايف” الحقوقية بالاتصال بعدد من أعضاء المجلس البلدي، ولفت نظرهم إلى أن الناشطين لن يبرحوا مكانهم قبل التحدث مع أحد يوضح ملابسات ما حصل.

وخلال دقائق، وصل عضو المجلس البلدي منير سنجابة الذي قال:”إن قائد الحرس، وفي رواية غير رسمية، قال لنا أن الدورية كانت تقوم بواجبها بإزالة المخالفات ومظاهر التسول في بعض شوارع الحمرا وفردان، ويبدو ان أحمد كان موقوفا سابقاً في منطقة شارل الحلو”.

عندها علقت الناشطة سينتيا سليمان على كلامه بأن”الاطفال عندما يتم توقيفهم يجبرون على دهن الجدران”. ووجهت اتهاماً للمعنيين بالتوقيفات بعمالة الأطفال.

وسأل الناشط هاشم عدنان عن “الإجراءات التي تقوم بها البلدية في هذه القضية ، وهل سيتم إجراء تحقيق داخلي مع فوج الحرس؟”.فأجاب سنجابة:”لا معلومات لدي”.

لاحقاً وصل عضو المجلس البلدي، ورئيس لجنة الحرس في بلدية بيروت عدنان عميرات الذي قال:”المعلومة التي لدينا هي أنه تم فتح تحقيق في هذا الحادث وأخذوا إفادات العناصر والموضوع بني على أساس أن لدينا الكثير من المتسولين على الطرقات وتأتينا الشكاوى من هذا الأمر. علماً أنه ليس لدينا عدد كاف من العناصر لتوزيعهم على كل المفارق في بلدية بيروت، وإنما تأتي دوريات من مكان لآخر، ولذا فإن المتسولين أو الأشخاص الذين يقفون خلف المتسولين  يهربون”.

أضاف: “إن نظام الحرس لدينا ليس ضابطة عدلية ليقوم بتوقيف الأشخاص. وأكد أنه سيتم فتح تحقيق وأن العدلية ستقرر. فلدينا مرجع قضائي يتابع الموضوع ويأخذ إفادات الحرس. نحن كمجلس بلدي سلطتنا تقريرية والسلطة التنفيذية ليست بيدنا بل هي بيد المحافظ”.

عندها سأل وكيل عائلة الطفل المحامي واصف الحركة عميرات:” هل انطلاق حرس بيروت في دورياته يتم بموجب قرار مجلس إدارة البلدية أو المحافظ؟”. فردّ:”نحن عندما تصل الشكاوى لنا نطلب من المحافظ التخفيف من وطأة التسول في شوارع بيروت وهذا حق أهالي بيروت”.

يلحظ أنه على طريق المسيرة، كان هنالك مجموعة من ماسحي الأحذية من عمر أحمد وربما أصغر. يسأل أحد الأطفال رفيقه في منطقة  سبيرز “شو عم يعملو”، فيجيبه:”هيدولي ماشيين كرمال الصبي لي مات هو والشرطة لاحقينو”، ربما أحمد لم يكن معروفاً بين أترابه، ولكنه قصته لا بد أنها انتشرت اليوم بينهم حيث صار لزاماً عليهم التزام الحيطة والحذر حتى لا يلقوا المصير نفسه.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني