لماذا لم تقبل استقالة وزراء القوات بعد؟


2019-10-28    |   

لماذا لم تقبل استقالة وزراء القوات بعد؟

تقدم وزراء حزب القوات اللبنانية باستقالتهم من الحكومة الحالية في 19 تشرين الأول المنصرم، وقد تم توجيه كتاب رسمي إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بهذا الخصوص. لماذا رغم انقضاء أكثر من أسبوع لم تصدر بعد مراسيم قبول الاستقالة وفقا للفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور والتي تنص على أن استقالة الوزراء تتم بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء؟

إن تقديم وزير ما لاستقالته تعني انقطاعه فورا عن ممارسة صلاحياته الدستورية والقانونية إذ لا وجود لوزير تصريف أعمال في ظل حكومة غير مستقيلة كون الوزير المستقيل أصبح خارج المحاسبة البرلمانية. فمبدأ المسؤولية البرلمانية لا يستقيم مع وجود حكومة غير مستقيلة في كنفها وزير مستقيل يصرّف الأعمال إذ لا سبيل إلى محاسبته من جهة، ومن جهة أخرى سيقوم باتخاذ قرارات وحتى التوقيع على مراسيم لمجلس وزراء مكتمل الصلاحية وهذا ما يخالف أسس النظام البرلماني. وفور توقيع الوزير على كتاب استقالته يقوم الوزير الوكيل بممارسة صلاحية المستقيل وكالة ريثما يتم تعيين وزير جديد.

وبالفعل صدر المرسوم رقم 4646 بتاريخ 30 نيسان 2019 القاضي بتعيين وزراء بالوكالة عند غياب الوزراء الأصيلين. لكن التدقيق في هذا المرسوم يظهر فداحة منطق المحاصصة الذي وصل اليها نظام الزعماء إذ يظهر جليا من خلال مقارنة أسماء وزراء كل حزب من أحزاب السلطة أن الوزير الوكيل الذي سيحل مكان الوزير الأصيل هو من الحزب نفسه. ما يعني أن من شأن استقالة جميع وزراء جهة سياسية (كما حصل مع استقالة وزراء القوات) أن يؤدي إلى غياب ليس فقط الوزير الأصيل بل الوزير الوكيل أيضا. على سبيل المثال كميل أبو سليمان وزير العمل هو وزير التنمية الادارية بالوكالة أي الوزارة التي تتولاها مي شدياق التي تنتمي للحزب السياسي النفسه لكميل أبو سليمان.

ينسحب هذا الأمر على وزراء كل الأحزاب المشاركة في السلطة بحيث يظهر جليا أن الهدف هو إحكام قبضة زعماء الطوائف على وزارات معينة بحيث يتم تعطيل عملها فور انسحاب حزب معين من الحكومة، أو أن يتولى وزير من الحزب نفسه ممارسة صلاحية الوزير الغائب من أجل تكريس هيمنة منظق الزبائنية على مؤسسات الدولة. لذلك لا يمكن قبول استقالة وزراء القوات دون الاتفاق على تعيين بدلاء عنهم أي دون توافق الزعماء على تقاسم جديد للسلطة أو على الأقل الاتفاق على تعيين وزراء جدد بالوكالة إلى حين التوافق على الصيغة الحكومية الجديدة ما يعيدنا إلى منطق نظام توافق الزعماء نفسه.

إن ظاهرة عدم قبول استقالة الوزراء برزت بشكل قوي بعد 2005 وهي آلية سلطوية بامتياز هدفها الحفاظ على توازن المصالح السياسية داخل مجلس الوزراء. وقد كان وزير الداخلية حسن السبع أول من تقدم باستقالته في 5 شباط 2006 ولم يوقع عليها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من أجل الحفاظ على التوازن السياسي في حكومة التحالف الرباعي التي شكلت بعد انتخابات 2005. وقد عاد حسن السبع عن استقالته عندما سنحت له الفرصة بعد اغتيال الوزير بيار الجميل في تشرين الثاني 2006.

تكرر الأمر نفسه مع استقالة جميع وزراء حزب الله وحركة أمل في 11 تشرين الثاني 2006 من حكومة فؤاد السنيورة. فلم تصدر مراسيم قبول الاستقالة خوفا من فقدان الحكومة تدريجيا لأكثر من ثلث الأعضاء المحدد في مرسوم تشكيلها ما يجعلها مستقيلة حكما.

لكن الحاجة لصدور مرسوم من أجل قبول استقالة الوزراء لا يخضع لمنطق واحد لدى أركان النظام. فعندما أعلن وزراء تكتل الإصلاح والتغيير وحركة أمل وحزب الله استقالتهم من حكومة سعد الحريري الأولى في 12 كانون الثاني 2011 لم يصدر أي مرسوم بقبول استقالاتهم لكن رئيس الجمهورية ميشال سليمان اعتبر أن الحكومة فقدت أكثر من ثلث عدد الوزراء المحدد في مرسوم تشكيلها واعتبرها مستقيلة داعيا إلى استشارات نيابية من أجل تشكيل حكومة جديدة، علما أن لا شيء من الناحية الدستورية كان يمنعه أن يعتبر أن تقديم الاستقالة من دون صدور مرسوم بقبولها لا يكفي من أجل اعتبار الحكومة مستقيلة.

إن عدم صدور مرسوم بقبول استقالة الوزراء بات مجرد وسيلة سياسية لا تخضع لأي منطق دستوري هدفها تأمين التوازن بين زعماء الطوائف وفقا لمنطق توافقي يضع اللبنانيين بين خيارين لا ثالث لهما: إما توافق الزعماء على حساب الدستور وإما تعطيل مؤسسات الدولة وصولا إلى النزاع المسلح والحرب.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني