بتاريخ 12 أيلول 2019، عيّنت الحكومة القاضي سهيل عبود رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، في موازاة عزل القاضي جان فهد عن هذا المنصب، بعدما شغله زهاء 7 سنوات. ورغم أن هذا التعيين حصل ضمن تعيينات قضائية بعضها لا يطمئن، فإنه لقي ترحيبا حارّا من نادي قضاة لبنان الذي احتفى ب “يوم قضائي مشرق”. وقد ذهب النادي حدّ التبشير ببدء “ورشة حقيقية لتفعيل الدور المنتظر للقضاء” وفتح “صفحة جديدة من العنفوان القضائي والمبادئ السامية”. واللافت أن النادي استهل بيانه بالتأكيد أن هذا التعيين جاء متوافقا مع إرادة غالبية القضاة وكل مؤمن حقيقي بوطنه، على نحو يصوّره على أنه انتخاب، أكثر مما هو تعيين. فما هي أسباب الاحتفاء بتعيين عبود؟ بمَ يختلف هذا التعيين عن تعيينات أسلافه؟ وما هي الآمال المعقولة التي بإمكاننا تعليقها واقعيا على هذا الحدث، وبكلمة أخرى ما هي درجة التفاؤل المعقولة في ظل مناخ سياسي تغلب عليه السلبية والتشاؤم؟

هذا ما سنحاول عرضه على طول هذا المقال.

القاضي المستقلّ

السبب الأول والمباشر للإحتفاء هو أن هذا التعيين جاء بمثابة نقيض للقواعد المعتمدة سابقا في تعيين أسلافه، في العقدين الأخيرين، وعمليا منذ خرج الراحل فيليب خير الله إلى التقاعد في 1997. فمنذ ذلك الحين، حصلت التعيينات وفق معايير غير واضحة، أساسها مدى قرب الشخص المعيّن من القوة السياسية الراجحة في الحكم أو مدى مرونة الشخص وقدرته على إقناع (أو بالأحرى إرضاء) مروحة واسعة من القوى السياسية.

ومن الأمثلة الفاقعة على هذه التعيينات، تعيين الراحل نصري لحود شقيق رئيس الجمهورية السابق إميل لحود في 2002. وفيما عرف القاضي أنطوان خير (2005-2008) بقربه من فريق 14 آذار في مرحلة تاريخية رجحت فيها كفة هذا الفريق، عرف كل من غالب غانم (2008-2010) وجان فهد (2012-2019) بمرونتهما الفائقة على التواصل مع القوى السياسية. تعيين سهيل عبود، وفق ما يتبينه أي مراقب موضوعي، حصل انطلاقا من معايير مختلفة. فعدا عن أنه مشهود له بنزاهته وكفاءته وتجرّده وتمسّكه بمواقفه طوال سيرته القضائية، يُعرف عنه أيضا رفضه المنتظم للقيام بأي خطوة للتقرب من المسؤولين أو السياسيين أو الاستجابة لدعواتهم، وذلك بخلاف العديد من القضاة، ومنهم كبارهم، الذين انتهوا إلى تبرير هذه السلوكيات بالواقعية، بعدما ساد اعتقاد أن ارتقاء القاضي مهنيا وتشكيله يرتبط بقربه من هذا الزعيم أو ذاك. وقد التزم عبود بهذه القاعدة ولم يستثنِ سوى رئيس الجمهورية ميشال عون لما يمثله هذا الأخير دستوريا. وإذ تناقل القضاة في الأشهر الأخيرة التزام الرئيس عون بتعيين عبود احتراما لمناقبيته، عاد الحديث عن انتفاء حظوظه بعدما رفض الدعوات الموجّهة إليه للقاء مسؤولين سياسيين من الباب الأول. وهذا ما ألمح إليه بيان النادي في يوم تعيينه من خلال التحية التي وجهها لرئيس الجمهورية “الذي ترفّع وفعل ووعد ووفى”، في إشارة منه إلى دوره في إسقاط الفيتوات التي يرجح أن تكون صدرت عن عدد من المسؤولين. وكان عبّود عبّر عن تصوّره لأخلاقيات القاضي في هذا المجال، في سلسلة من الخطب الموثقة. من أهمها “أن الاستقلالية لا تُستجدى ولا تخضع للمساومة وليست بحاجة إلى إثبات، بل هي واحدة وهي حقيقة عارية مثبتة بواقع وجودها” (محاضرة 1 تموز 2006 التي ألقاها في مؤتمر إقليمي تحت عنوان “القضاء المستقل، دروب ممكنة للإصلاح”)[1] وأيضا دعوته القضاة للتمسك بقيمهم وأهمها “المناعة العصية على أي ارتهان أو استتباع سياسي أو حزبي أو فئوي” و”واجب التحرّر من الارتهان الطائفي” (محاضرة تشرين الثاني 2017 في حفل أداء المحامين المتدرجين القسم أمام محكمته).

ولإدراك أهمية هذا الموقف، يقتضي التذكير بما كان صرّح به القاضي جان فهد وهو ما يزال في منصبه، في المقابلة التي أجرتها معه “المفكرة القانونية”. فبعدما سجّل أن هذه العلاقات تشكّل مخالفة مسلكيّة حين تصبح سببا لتغيير نتيجة أي قرار قضائي، انبرى لتبرير هذه الممارسة من خلال قوله: “لا نريد أن يشكل الأمر نوعا من السرسبة” و”أنه ليس من السهل وضع قواعد واضحة ومفصلة بهذا الشأن” و”أن هناك قضاة تجمعهم صداقات طويلة الأمد بسياسيّين وغير متولّدة دائماً عن موقعهم القضائي”.

أمر آخر يميّز عبّود عن غالبية أسلافه هو أن عمله القضائي انحصر في المجالين المدني والتجاري، من دون أن يتولى في أي لحظة منصبا في النيابة عامة أو قضاء التحقيق، وهي المناصب الأكثر تسيُّسا والتي شكلت عموما في العقود الأخيرة مدخلا لتعميق التواصل مع القوى السياسية وتاليا لارتقاء أعلى المناصب القضائية. يكفي هنا دلالة على ذلك، التذكير أن إثنين من رؤساء مجالس القضاء الأعلى، نصري لحود وجان فهد، شغلا قبل تعيينهم منصب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.

القاضي المتحرّر من بوتقة العزلة والصمت

فضلا عما تقدم، تجدر الإشارة إلى أن تمسّك عبود بهذه الأخلاقيات نبع ليس من تقاليد التحفّظ بل من تصوّره للوظيفة القضائية وما تفرضه من استقلالية، بدليل أنه ترافق مع قراءة تحرّرية لموجب التحفظ، في كل ما من شأنه تعزيز هذه الاستقلالية. ففيما استُخدم هذا المفهوم خلال العقود الماضية لحبس القاضي في بوتقة العزلة والصمت وفق ما كرّسته شرعة الأخلاقيات القضائية التي أقرّها مجلس القضاء الأعلى في 2005، شدد عبود في مناسبات عدة على ضرورة تحرّر القاضي من هذه البوتقة وانفتاحه على القوى الاجتماعية الإصلاحية، كشرط ضروري لأداء واجبه في الدفاع عن استقلال القضاء.

ومن أهمّ مواقفه في هذا المضمار، اعتماده خطابا واقعيا ونقديا لوضع القضاء تمهيدا لاستشراف وسائل إصلاحه بطريقة تتلاءم مع الواقع. وهذا ما نقرأه في محاضرة تشرين الثاني 2017 حيث صرح عبود بالفم الملآن أن “القانون مريض” و”القضاء مريض أيضا كما المحاماة” مستدركا بالقول بأن “المرض لا يعني يأساً أو استسلاما، ولا إحباطاً أو تباكياً… إنما هو داء نصنع نحن دواءه من عزم ومن حزم، ومن قامات ومن قيم”. وقد ضمّن القاضي عبود في مداخلته إشارات عدة إلى تفاقم التدخلات السياسية في القضاء ومخاطره، داعيا القضاة والمحامين إلى التحرّر من الارتهانات السياسية والطائفية كما سبقت الإشارة إليه. وبذلك، تمايز عبود عن الذين ما برحوا يتبجحون بقدسية القضاء وألوهيته وبضرورة التسليم بها في فصام تام مع الواقع وتحدياته، كما تمايز في الآن نفسه عن الذين يسلّمون باستحالة إصلاح القضاء في ظل النظام السياسي الحالي، والذين غالبا ما ينتهون إلى المهادنة مع هذا النظام، من دون أن يتخلّوا بالضرورة عن لعن الظلام.

وما يزيد من هذا الخطاب أهمية، هو أنه لم يقتصر على النصح والحثّ على الفضيلة وإعلان التفاؤل، إنما رشح عن مراجعة ثقافية وفكرية لعدد من المسلمات القضائية على نحو يسهم في استيلاد بيئة مهنية أكثر قدرة على مواجهة تحديات الواقع وتجاوزها. ومن أهم مواقفه في هذا الصدد، الآتية:

1- أنه كان أول من دعا القضاة إلى إنشاء جمعية، بعدما انطفأت جمعيتهم الأولى في 1971، وذلك من باب تسليح للقضاة لتمكينهم من الدفاع عن استقلالهم. حصلت هذه الدعوة في سياق المؤتمر الإقليمي المنعقد في 1 تموز 2006. ولإدراك أهمية هذه الدعوة، يجدر التذكير أنها جاءت تبعا لانتفاضة نادي قضاة مصر ضدّ نظام مبارك في 2005-2006 وخلافا للسياسة الرسمية لمجلس القضاء الأعلى الذي كان يعتبر تأسيس جمعية مخالفة مسلكية وقانونية. كما بدت الدعوة مجافية لشرعة الأخلاقيات القضائية التي تفترض قدسية القضاة وشجاعهم في التصدي لجميع التدخلات في موازاة حرمانهم من أي سلاح أو ضمانات للدفاع عن أنفسهم. كما عاد عبود ودعا لإنشاء جمعية في خطاب ثان ألقاه في 2011 في مؤتمر إثقليمي ثان تحت عنوان: القضاء العربي في ظلال الثورة (1): قضاة يتمسكون باستقلاليتهم: اي تدخلات؟ اي مقاومات؟ اي مساحة للتضامن“. وفي هذا الخطاب، ركز عبود على أن يكون من مهام الجمعية المنشأة “المدافعة عن القضاة المستقلين الذين قد يتعرضون “للانتقام” نتيجة عدم تجاوبهم مع التدخلات الجارية معهم من أي جهة أتت”. .ورغم أن عبود لم يكن من مؤسسي نادي القضاة الذي نشأ أخيرا في 2018 (أي بعد 12 سنة من دعوته تلك)، فإن دعمه لهذا النادي كان بيّنا وواضحا في أبرز بل أصعب المراحل التي قطعها. ولفهم موقفه، يكفي التذكير أن مجلس القضاء الأعلى وجّه إلى وزارة الداخلية، بواسطة وزارة العدل، كتبا عدة يحثها فيها على رفض الاعتراف بهذه الجمعية بذريعة أن موضوعها يخالف النظام العام كما وجه كتبا للقضاة يحذرهم فيه من مغبة الانتساب إليها. ومن أبلغ مواقفه في هذا الشأن، تمايزه عن كل القضاة من الدرجات العليا بحضوره للمؤتمر الصحافي الأول الذي عقده النادي في 31/5/2019، من باب التأييد والتضامن والتمسك بحرية القضاة في إنشاء جمعيات.

2- فضلا عن ذلك، أعرب عبود عن مواقف نستشف منها قناعة راسخة لديه بأن القضاء هو شأن عام لا ينحصر في القضاة وحدهم وأن إصلاحه مهمة تكاد تكون مستحيلة ما لم تشارك القوى الاجتماعية الإصلاحية فيه. وقد تجلى هذا الانفتاح في مناشدته القوى الاجتماعية (وفي مقدمتها نقابتي المحامين والجمعيات الحقوقية) في مؤازرة القضاة في مساعيهم الإصلاحية (خطاب 1 تموز 2006) وأيضا في مشاركته العديد من مؤتمرات “المفكرة” وأعمالها بما يتصل بإصلاح القضاء، وقد حصل ذلك حتى في الفترات التي تعرضت فيها هذه المنظمة لهجوم شبه مركّز من رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق جان فهد على خلفية مواقفها النقدية لأعماله. وقد بلغ انفتاح عبود على القوى الاجتماعية حده الأقصى بمشاركته في الجمعية العمومية للقضاة المنعقدة في 8 أيار 2019 والتي انتهت إلى الاحتكام للشعب ودعوته لمؤازرة القضاة في حربهم لتحقيق استقلاليتهم ومكافحة الفساد.

3- وفي ختام استعراض مواقف عبود التحررية، تجدر الإشارة إلى موقف لا يقل أهمية عما سبق، وقد تمثل في دعوة القضاة إلى تصوّر جديد لوظيفتهم القضائية بهدف معالجة ما أسماه مرض “القانون” أو التشريع. وقد رأى عبود أن انعتاق القضاة من حرفية النص شرط للوصول إلى “الحق” وتطوير المنظومة الحقوقية ككل وتشذيبها من هفواتها. “فبذلك، نتخطى الإحباط الوطني والمؤسساتي ونتحرر معا ونصنع دولة القانون والتطور والحرية”. وهو بذلك عبّر عن انحيازه لضرورة تجاوز التصور التقليدي للوظيفة القضائية والذي يجعل القاضي خادما للقانون أو فمه ويحوّله إلى شاهد زور على مظالم القوانين التي يطبقها من دون أي قراءة نقدية لها، في اتجاه اعتناق مفهوم القاضي حامي الحقوق والحريات الذي يتحرر من خلال اجتهاده وانفتاحه على قواعد التأويل، ليكون عنصرا رائدا في تحرير مجتمعه وتطويره.

وقد بدا عبود من خلال مراجعاته الثقافية الثلاث وكأنه يضاعف من العوامل الإيجابية لإنجاز الإصلاحات والتغييرات المطلوبة. ويؤمل أن تزيد قوة هذه المراجعات مع تعيينه في منصبه الجديد، على نحو يضاعف الحظوظ في استيلاد بيئة قضائية أكثر قدرة على حماية استقلال القضاء وتطوير وظيفته الاجتماعية.

القاضي الديمقراطي: المساواة بدلا عن الهرمية

أمر آخر تميّز به عبود على صعيد تعزيز الديمقراطية داخل القضاء، وبخاصة من خلال تفعيل الجمعيات العمومية للقضاة. وقد تمثل ذلك بداية في استجابة عبّود لدعوات التلاقي في جمعيات عمومية في خضمّ تحركات 2019. وفيما شكل انعقاد هذه الجمعيات العمومية بإرادة عفوية من القضاة وبمعزل عن مجلس القضاء الأعلى الذي دأب على احتكار الشؤون القضائية وإدارتها بشكل هرمي حدثا ديمقراطيا بحد ذاته، فإن عبود برز هنا أيضا من خلال إعلان التزامه بما تقرره غالبية القضاة لجهة استمرار الإعتكاف عن العمل، وإن كان مخالفا لتوجهه. وكان عبود ذهب في الإتجاه نفسه حين دعا في كانون الثاني 2019 قضاة محكمة بيروت التي كان يرأسها لجمعية عمومية، للتداول بشؤون المحكمة وتصويب مظاهر الخلل فيها، داعيا إياهم إلى المصارحة والمساءلة تصويبا لأي خلل قد يكون شاب عمله في هذا الإطار.

أعماله وأحكامه

لم تُعرف أعمال عبود وأحكامه والجهود الذي بذلها في هذا الإطار خارج الإطار المهني وأحيانا القضائي. ومرد ذلك هو أن أغلب المهام القضائية التي اضطلع بها كانت في غالبها ذات طابع مدني أو تجاري قلما تشكل قضايا تهمّ الشأن العام. إلا أنه رغم ذلك تسنى له في حالات قليلة النظر في قضايا كهذه، في الغالب تبعا لتنحي زميل أو زملاء عدة توجسا من قوة أحد فرقاء الدعوى أو من خطورة أو تعقيد أحد الملفات، وفق ما يرويه العديد من المحامين. ومن الحالات التي تناقلتها وسائل الإعلام، قرار الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسته المؤرخ في 23 شباط 2017 بالإفراج عن بهيج أبو حمزة بعدما احتجزت حريته لفترة طويلة تبعا لخلافه المالي مع الزعيم وليد جنبلاط. كما تجدر الإشارة إلى دور عبود في إطار عضويته السابقة للمجلس التأديبي للقضاة في استصدار ثلاثة أحكام صرف من الخدمة ضد قضاة، علما أن الهيئة العليا للتأديب التي كان يرأسها القاضي جان فهد عادت وفسخت أحد هذه الأحكام.

فضلا عن ذلك، يذكر أن عبود شغل بالإضافة إلى مهامه القضائية إدارة معهد الدروس القضائية (2008-2019)، حيث تبقى أيضا أعماله غير معروفة من العامة، علما أنه يسجل له إسهامه في تطوير مناهج تعليم المعهد على الصعيدين العلمي والعملي، والإشراف على جهود تأهيل عدد كبير من القضاة العاملين والمساعدين القضائيين في أوائل هذه العشرية، قبلما ينحسر دور المعهد في هذا الشأن.

على أساس هذه المواصفات، نفهم الاحتفاء بتعيين هذا القاضي الذي بدا وكأنه فرض نفسه من خلال أعماله وسيرته واحترام القضاة له في هذا المنصب.

ختاما، لا بد أن نلفت إلى أن قوة الاحتفاء بعبود حجب تماما أي سؤال أو اعتراض حول مدى صوابية عزل رئيس مجلس القضاء جان فهد. فبمعزل عن مدى ملاءمة فهد لهذا المنصب، فإن عزله من منصبه ووضعه بتصرف وزير العدل تم بقرار حكومي غير معلل، تماما كما حصل مع رئيسي مجلس شورى الدولة الأسبق شكري صادر وديوان المحاسبة أحمد حمدان، الأمر الذي يدعو للانتقاد، ولا سيما أن عزل أشخاص من هذه المناصب على هذا الوجه يفقد مشروعيته ويشكل سابقة خطيرة في حال حصوله من دون تبرير أو مساءلة. ولعل الصمت إزاء عزل فهد يعكس شبه إجماع على عدم نجاح الرجل في أداء مهمته التي مارسها سبع سنوات، علما أنه انتهج خلال هذه الفترة توجهات وأخلاقيات مناقضة تماما لتوجهات وأخلاقيات عبود التي أسهبنا في تبيانها أعلاه. ففيما أبدى فهد انفتاحا واسعا على التواصل مع مختلف القوى السياسية بما يرسي ممارسات لم يألفها القضاء سابقا وبخاصة عند وضع مشروع التشكيلات القضائية، فإنه بالمقابل تمسك بالفهم الكلاسيكي لموجب التحفظ بما يتصل بحرية القضاة في التجمع والتعبير وبما يتصل بانغلاق مجلس القضاء الأعلى على أي تفاعل أو شراكة مع المنظمات الإصلاحية أو القوى الاجتماعية العاملة على إصلاح القضاء. وقد وصل به الأمر إلى حد تنصله من قانون حق الوصول للمعلومات برمته باسم السرية المهنية.

وهذا ما عانى منه نادي قضاة لبنان منذ إنشائه ومعه المفكرة القانونية بما تمثله من التزام بالإصلاح القضائي، على حد سواء.


[1]  النهار 4 تموز 2006.