لقاء مع بثينة الخليفي عضو لجنة اعتصام الدكاترة: البطالة آفة المعرفة


2020-07-10    |   

لقاء مع بثينة الخليفي  عضو لجنة اعتصام الدكاترة: البطالة آفة المعرفة

في نهاية الشهر السادس من سنة 2020، عرف الحراك الاجتماعي المطالب بالتشغيل بتونس تطورا نوعيا تمثل في دخول الدكاترة المعطلين عن العمل في اعتصام  مفتوح بمقر وزارة التعليم العالي للمطالبة بالإنتداب في الجامعات ومراكز البحث. أكد التحرك الإحتجاجي الذي وجد مساندة من الأوساط الحقوقية والمجتمعية أن ظاهرة بطالة أصحاب الشهادات العليا التي كانت من مسببات  الثورة التونسية قد استفحلت من بعدها. أهمية هذا الإعتصام وما ينتظر من أثر له على خطابات التنمية والتشغيل كان سبب توجه المفكرة بالسؤال لواحدة من أهم قيادته عن الأزمة التي دفعت له وما ينتظر من آثار له (المحرر).

المفكرة: يعتصم منذ يوم 29 جوان 2020 عدد من الحائزين على درجة الدكتوراه في مقر وزارة التعليم العالي كما تظاهروا بتاريخ 07-07-2020 بساحة الحكومة بالقصبة. ما هي خلفيات هذا التحرك الاحتجاجي؟

بثينة الخليفي: كما هو معلوم تعد الدكتوراه أرقى المؤهلات العلمية ولا يتحصل عليها إلا من قضى جانبا هاما من مسيرته في البحث الأكاديمي. ونحن نقدر أن هذه الكفاءات لها حق في العمل احتراما لجهدها المعرفي وكذلك لتحقيق استفادة المجموعة منها. في المقابل، تتجاهل الدولة هؤلاء فتغلق أبواب الإنتداب في التعليم العالي في وجوههم. كما أنها لم تعدل شروط الإلتحاق بالوظيفة العمومية بما يسهل انتدابهم وفق مؤهلاتهم العلمية. نهدف من خلال تحركنا لصناعة الوعي بأهمية الظلم الاجتماعي الذي تتعرض له هذه النخبة كما نعمل على تغيير واقعها بفعلنا النضالي الميداني.

 

المفكرة: هناك اختلاف بينكم وبين وزارة التعليم العالي في تقدير عدد الحائزين على درجة الدكتوراه المعطلين. أنتم تتحدثون عن خمسة آلاف فيما يذكر وزير التعليم العالي أن موقع وزارته لم يسجل به إلا ألف وخمسمائة. ما مرد هذا الخلاف وكم عدد من شارك منهم في تحرككم؟

الخليفي: الإختلاف الذي تتحدث عنه يؤكد ما سلف قوله من ضعف أداء الحكومة على الملف. من المفروض أن يكون للدولة قاعدة معطيات دقيقة حول نخبها من الحائزين على أعلى الدرجات العلمية والذين يشكلون فعليا ثروة معرفية. لكن هي لا تعلم شيئا عن هؤلاء. كل المعطيات التي تمسكها هي حصيلة تسجيل اختياري يتولاه عدد من الحائزين على الدكتوراه بموقع وزارة التعليم العالي وهي معطيات لا يمكن الإستناد إليها لإحصاء عدد الدكاترة المعطلين عن العمل. وربما من أول مكاسب تحركنا الاحتجاجي أنه كشف عن الحاجة لإحصاء دقيق يتعلق بالدكاترة، كما كان له فضل تعرية ضعف الأداء الرسمي فيما تعلق بالمعطيات المتعلقة باحتياجات مواطنيها ومنهم الدكاترة.

فيما تعلق بعدد المعتصمين، وجُب التنبه لكونه متحركا. فالإعتصام يتكون من عدد من التحركات الاحتجاجية وعدد المشاركين يتطور باعتبار الحاجة والمصلحة. من يعتصمون بشكل قار بمقر وزارة التعليم العالي يناهز الثلاثين دكتورا فيما فاق عدد من شاركوا في التظاهرة الاحتجاجية بساحة الحكومة الألف وهو عدد هام جدا.

المفكرة: تذكر الجهات الرسمية أنها تتفهم حراككم في مقابل اعتبارها أن مطالبكم تعجيزية لتعارضها مع قرارها بإغلاق باب الإنتداب بالوظيفة العمومية وتقترح عليكم التوجه للقطاع الخاص لضمان التشغيل؟

الخليفي: أقدّر أن هذا التوصيف للقضية والحلول المقترحة لها يستند لعدم إلمام بتفاصيلها. كما أنه ينتهي لتملص الدولة من التزاماتها. ففيما يتعلق بحق الدكاترة في التشغيل، أفيدكم أنّ عددا هاما منهم فعليا يدرس في الجامعات ويعمل في مراكز الأبحاث ولكن وفق صيغ تشغيل هشة لا تضمن ما هو مطلوب من استقرار وظيفي ومن مستوى تأجير. ويستفاد من هذا أن المطالبة بالحق في العمل تقابلها حاجة واقعية للدكاترة في حقل البحث العلمي. إضافة لهذا المعطى الواقعي، وجُب التنبه لكون عدد هام من الدكاترة لهم اختصاصات علمية وفنية دقيقة بما يفترض معه أن تسعى الدولة لإفادة المجموعة الوطنية منهم. يكون بالتالي التشغيل في مجالات البحث والمعرفة واجبا يحمل علينا لفائدة المجموعة كما هو حق لنا ونحن اليوم نناضل من أجل نيله.

أما فيما تعلق باعتبار أن القطاع الخاص من يجب أن يشغل الدكاترة فيجب التنبه لكون الحق في التشغيل حقا مطلقا لا تمييز فيه بين قطاعات الإنتاج وإنما شرطه الوحيد أن يتم الإلتزام في إنفاذه باحترام الشروط القانونية له. نحن نرفض الدفع بنا في اتجاه تصورات جديدة لتشغيل هش تعمق الإشكال ولا تقدم حلولا للأزمة الاجتماعية للدكاترة.

 

المفكرة: ما هي الحلول التي تقدمونها كبديل للطرح الرسمي المذكور. وألا تقدرين كون المطالبة بتشغيل كل الدكاترة في البحث العلمي يبدو مطلبا تعجيزيا؟

الخلفي: كما وضحت لكم، نحن نتمسك بالتشغيل في البحث العلمي كمطلب إنطلاقا من واقع حاجة المؤسسات البحثية للدكاترة الباحثين وهي حاجة لا تخفيها الدولة ذاتها. بموزاة هذا، نحن نطالب بتطوير القوانين وشروط الإنتداب لتكون قادرة على ضمان حق الدكاترة في أن ينتدبوا خارج التعليم العالي وفق مؤهلهم العلمي وطبق ما يقتضيه من شروط تأجير. ويعد هنا تحركنا دعوة لإصلاح عميق لمختلف تشريعات العمل هدفه تحسين قدرة المؤسسات على الاستفادة من الكفاءات ومن التطور الحاصل في مؤهلات خريجي الجامعات. نحن نعي جيدا إكراهات المرحلة الاقتصادية ونعتقد أن استثمار الثروة البشرية ومنها الكفاءات العلمية هي السبيل لتجاوزها. فيما نقدر أن تجاهل تلك الكفاءات وتهميشها سيزيد من الاحتقان الاجتماعي وبالتالي سيكون سببا في تعميق الأزمة الاقتصادية.

المفكرة: كيف تفاعلت السلطة مع تحرككم؟ وهل ثمة بوادر لحلول تفاوضية قد تتوج تحرككم؟

الخلفي: للأسف، التفاعل كان أمنيا بالأساس. خلال الأيام الأولى من الإعتصام، تم منع الدكاترة من الإلتحاق به. ونحن من نجحنا في تفعيله. تم احتجازنا ومنعنا من الخروج من ساحته. كل من كان يخرج ولو لقضاء حاجته، يمنع من الرجوع. وربما يفسر هذا قلة عددنا. لاحقا و بفضل ما وجدنا من مساندة من اتحاد الشغل ومن المجتمع المدني تم تخفيف الحصار عنا قليلا إذ بات يسمح للمعتصمين داخل الوزارة بالخروج من مركز الإعتصام والعودة إليه. بالمقابل، يتواصل منع من يريدون الإلتحاق بنا من دخول ساحة الإعتصام. طبعا هذا لا يعني تطورا كبيرا في التعامل مع المعتصمين إذ لا زال لليوم الدكاترة المعتصمون يتوسدون الأرض في نومهم ويمنعون من إدخال الأغطية والحشايا كما لا زالت وزارة التعليم العالي تفرض عليهم استعمال دورة مياه واحدة بعيدة عن مقر اعتصامهم.

لا يمكن الحديث عن مفاوضات أو عن رغبة جدية من الحكومة في إيجاد حلول للإشكالية. يبدو أن الالتزام بوصفات صندوق النقد الدولي يمنع ذلك. نحن نأمل في فتح حوار جدي. ونعتقد أن طرح السؤال حول وضعية الدكاترة المعطلين عن العمل مدخل جيد لمعالجة إشكاليات الأزمة الاجتماعية والتنموية بتونس. لكن نلاحظ للأسف غياب إرادة سياسية جدية في هذا الاتجاه.

المفكرة: هل لديك ما تضيفين؟

الخلفي: ليس لي ما أضيف إلا دعوة كلّ الفاعلين لمساندة تحركنا لكونه تحركا يكشف عن عمق ما وصلت إليه الأزمة الإجتماعية بتونس ولكون حلحلة مشاكل الدكاترة المعطلين ينتهي بالضرورة لبناء منوال اقتصادي جديد يقوم على استثمار حقيقي في الذكاء. وهذا هو السبيل الحقيقي للتنمية.

 

 

 

 

[1]  دكتور دولة في الفيزياء  ، ناشطة نقابية وحقوقية  ، تعد من الناشطين البارزين في الاعتصام و من المتكلمين باسمه .

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية ، حقوق العمال والنقابات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني