الرأي الاستشاري للجنة البندقية حول المرسوم المعدل لقانون الانتخابات: انتقاد لخطوات سعيد ورد غاضب منه


2022-05-31    |   

الرأي الاستشاري للجنة البندقية حول المرسوم المعدل لقانون الانتخابات: انتقاد لخطوات سعيد ورد غاضب منه
رسم عثمان سلمي

أصدرتْ “اللجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون” المصطلح على تسميتها ب “لجنة البندقية”، بتاريخ 27/5/2022 رأيا نقديا بشأن المرسوم المتعلق بتعديل القانون الأساسي للانتخابات والدعوة للاستفتاء على دستور جديد لتونس. صدر هذا الرأي بناء على طلب تقدّمت به هياكل الاتحاد الأوروبي وأتى في سياق زمني يتميز محليا ودوليا بتصاعد الانتقادات لتفرد الرئيس سعيد بالحكم. وقد اعتبرت لجنة البندقية أن تعديل قانون الانتخابات يخرق في أحكامه الدستور التونسي والقواعد المتعلقة بشفافية ونزاهة الانتخابات علاوة على كونه لم يلتزم بمقتضيات الأمر عدد 117 لسنة 2021 الذي يدار الحكم بواسطته، داعية للتراجع عنه. كما أكّدت أن الاستفتاء المزعم إجراؤه بتاريخ 25-07-2022 حول دستور جديد لتونس لا يتوفّر على شرط احترام المكتسب الديموقراطي بما يستدعي التراجع عنه وإلا تحسين شروط ممارسته.  

من جهته ، ومساء يوم 30-05-2022 اعتبر الرئيس سعيد ذاك الرأي تدخلا في الشأن التونسي يذكر بالسلوك الاستعماري وطلب من وزير الخارجية عثمان الجرندي سحب عضوية تونس من اللجنة كما أمره بطرد أعضائها في تونس.

ويستدعي هذا الرأي الذي يستمدّ قوته من مصداقية اللجنة ورد فعل السلطة التونسية عليه ابداء الملاحظات الآتية: 

استعمالات خطاب السيادة الوطنية 

في صناعته لخطابه السياسي بعد 25 جويلية 2021 تاريخ انفراده بالسلطة، أكثر الرئيس قيس سعيد من استخدام شعار السيادة الوطنية للحدّ من أثر مواقف القوى الخارجية بشأن تفرده بالسلطة ورفض الإنصات للتوصيات التي صدرت عنها ودعته للارتداد للمسار الديموقراطي. كما استخدم هذا الشعار لاتهام معارضيه بالاستقواء بالأجنبي. في المقابل، كشفت ماديات رأي لجنة البندقية أن حاكم قرطاج يناقش الشأن التونسي مع الخارج. كما بين رأيها ان مفهوم السيادة الوطنية الذي يستعمله لا يجب أن يكون مبررا لخرق الالتزامات الدولية. وهو ما لم يرقْ للرئيس سعيّد الذي أشهر في مواجهته حديث السيادة.

  • على مستوى إجرائي: في مرحلة أولى نظام 25 -07 تعاون مع اللجنة 

أكدت اللجنة في تقريرها أن الخارجية التونسية وجهتها للقاءات مع شخصيات رسمية تمثلت أساسا مع الصادق بلعيد المعين من قبل قيس سعيد رئيسا للهيئة الوطنية الاستشارية المكلفة بالحوار حول مشروع جمهوريته الجديدة. والذي قدّم ملاحظاته حول المسائل التي طلب منه فريق خبرائها إبداء الموقف منها. كما كشفت عن كون محمد صالح بن عيسى وامين محفوظ واللذيْن يعتبران من مهندسي المراسيم الرئيسية ومن المقربين من الرئيس قبلا بتقديم إفادات لها. وهي أمور تؤكد أن النظام ورموزه ممن يرفضون نقاش التونسيين فيما يتعلق بما يخططون لهم لا يجدون حرجا في أن يُساءلوا من الأجانب في ذات المسائل متى ظنوا أن لهم القدرة على إقناعهم وهو ما لا يتحقق عادة.

  • اللجنة: السيادة لا تتنافى مع وجوب الخضوع للالتزامات الدولية

حاولت الخارجية التونسية تبرير الالتجاء للاستفتاء لتغيير النظام السياسي بالسيادة الوطنية. وهنا أجابت اللجنة بكون احترامها لحق التونسيين في تحديد النظام السياسي الذي يريدون لا يتعارض مع ما لها من حق في إبداء الرأي فيما تعلق بإجراءاتها ومضمونها في بعدها المتعلّق باحترام المعايير الدولية وقيم المجتمعات الديموقراطية. ويبدو هذا التصحيح المفهومي مهما لأنّه يذكّر النظام بأن انتماء تونس لمعاهدات ومؤسسات دولية يفرض عليه عدم الانغلاق ويستدعيه لاحترام حقوق شعبه بمنظارها الذي يكرس البعد الكوني لحقوق الإنسان وهي المواقف التي استعمل الرئيس سيادته لردها.

  • في مواجهة من يعارضون حديث السيادة يفيد دوما

استقبال الرئيس سعيد لرئيس لجنة البندقية وتعامل حكومته الإيجابي معها فترة إعدادها لتقريرها لم يمنعه متى اطلع على مخرجاته من استعادة خطاب السيادة ومن اتخاذ قرار ترحيل من كان بتونس من أعضائها علاوة على التلويح من الانسحاب منها. واتهام كل من تعامل معها أو تواصل معها بالعمالة للأجنبي وبالتضحية بسيادة دولته. ولا يمكن فهم هذا الرد العنيف دون تبيان أهم ما انتهى له التقرير وأثر ذلك على مشروع الرئيس.

تحصين المراسيم وغياب المحكمة الدستورية لا يمنع القول بعدم دستوريتها: قول أغضب الرئيس

قبل 25 جويلية وفيما يرجح أن يكون بداية تحضيره لها امتنع سعيد عن ختم مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب والذي يعدل شروط انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية. في مرحلة ثانية وضمن إجراءاتها بادر إلى حلّ الهيئة المؤقتة للرقابة على دستورية مشاريع القوانين ولينتهي أخيرا إلى حظر الطعن قضائيا في مراسيمه. في هذا كان الرئيس يقدر أن احتكاره التشريع يستدعي منع أي رقابة على دستوريته مما يمكنه من تجميع حقيقي للسلطة.

موقف حقق غايته لحد الان على صعيد محلي. لكن يبدو انه سيكون سببا في تدويل المنازعة في دستورية تشاريع حقبة الاستثناء ومقرراتها كما ينبئ بذلك تعليل اللجنة لقرارها. فهي وبعد أن بينت انه لا يجوز لها مبدئيا النظر في دستورية التشريع عادت لتؤكد أن غياب القضاء الدستوري وإمكانية المنازعة في الدستورية يفتح لها المجال للنظر في دستورية التشريع الانتخابي الذي تعهدت بنظره.

ويبدو موقفها هذا مما أزعج الرئيس سعيد الذي لوح في مواجهته بالانسحاب من اللجنة منعا لكل رقابة مستقبلية وبحثا عن تحصين جديد لنصوصه وممارساته .

تشاريع سعيد الانتخابية تخرق الدستور والمعايير الفضلى وتزيد على ذلك فتتعارض مع ما سبق من مراسيمه : تقييم يزعج الرئيس الخبير 

على مستوى أول، أكدت اللجنة أن مراسيم سعيد المنظمة للانتخابات تخالف الفصلين 125 و126 من الدستور، لجهة عدد أعضاء هيئة الانتخابات والجهة التي تختارهم وآلية ذلك ومدة ولايتهم. وهي بذلم مسّت باستقلالية الهيئة بشكل جذري ومكنت الرئيس من التحكم فيها وهي بذلك ردت جواب وزارة الخارجية التي اكتفت بتبرير تغيير تركيبة الهيئة بما قالت أنه تعيين لأعضاء أكفاء وأكدت أن التعديل التشريعي ألغى فعليا الهيئة المستقلة للانتخابات. 

وعلى مستوى ثان، أكدت اللجنة أن مصادقة تونس على الاتفاقات الدولية يلزمها باحترام المعايير الفضلى لشفافية الانتخابات ونزاهتها وهي بالاستناد لها تعتبر مقتضيات المراسيم غير متلائمة معها لكونها 

  • تجيز إعفاء أعضاء هيئة الانتخابات بقرار من الرئيس في مخالفة لمبدأ عدم عزلهم  خارج نطاق مؤاخذة تأديبية عادلة المكرس كشرط للاستقلالية.
  • تقوي حصانة أعضاء الهيئة بإسناد مجلسها وحده صلاحية رفعها بما يعزز ثقافة عدم المؤاخذة. 
  • تمكّن رئيس الجمهورية من تعيين أعضائها وإعفائهم في حال أنه مرشح انتخابي محتمل. 
  • تعدل القانون الانتخابي في سنة انتخابية بما لا يحقق استقرار القواعد الانتخابية. 
  • إن مدة عمل الهيئة الاستشارية للحوار حول الجمهورية الجديدة لا تكفي لحوار جدي حول المسائل الدستورية. 
  • أنه يخلو من قواعد تضمن الشفافية عند اللجوء إلى آلية الاستفتاء والذي يخشى أن يستعمل في الديموقراطيات الناشئة لصناعة دكتاتوريات جديدة. 

أما على مستوى ثالث، فقد ذكرت اللجنة بأن الأمر 117 نص على أن الإصلاحات التي سيتم اتخاذها يجب ان تحافظ على المكتسبات الديموقراطية. وهذا لم يتحقق بما يستدعي رجوعا للمسار الديموقراطي والذي ترى اللجنة أنه ما زال ممكنا. 

ولم يخف الرئيس غضبه من هذا الموقف الذي تضمن اتهاما له كمشرع بضعف الأداء فخصص الجانب الأكبر من كلمته التي ألقاها بمحضر وزير الخارجية لتأكيد كفاءته القانونية ولاتهام خبراء البندقية بالاستعلاء الاستعماري. 

رابعا: خريطة طريق من لجنة البندقية للعودة للمسار الديموقراطي 

خلال لقاءاته المتكررة برئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، أكّد سعيّد رفضه الاستعانة بالخبرة الأجنبية في الإصلاح التشريعي بحجة أنّ لتونس الكفاءة لإجراء ذلك دونها وبرفض اعتماد مراقبين أجانب للاستفتاء بدعوى أن البلاد مستقلّة ولا تقبل الوصاية الأجنبية. إلا أن مواقفه لم تمنع اللجنة من التأكيد على استعدادها لمساعدته في إخراج تونس من أزمتها، داعية إياه لإلغاء المرسوم المعدل لهيئة الانتخابات وتأجيل موعد الاستفتاء لحين استيفاء شروط اجرائه في مناخ ديموقراطي وفي ظل وفاق وطني حوله وبرقابة ملاحظين أجانب وكل ذلك بعد اجراء انتخابات تشريعية وفق الدستور التونسي.

نلاحظ هنا ان خريطة الطريق المقترحة  تناغمت إلى حدّ بعيد مع مواقف منظمات وطنية بارزة من أهمها الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد يكون هنا تلاؤم مقترح البندقية مع المزاج السياسي الأغلبي وتزامن طرحه مع ما ظهر من أزمة في تنزيل مشروع الرئيس للحوار مما برر اعتبار الرئيس له جزءا من مؤامرة دولية تستهدفه.

الخلاصة:

بدا عمل لجنة البندقية على التشريعات الانتخابية الرئاسية مهما جدا لكونه بين النقائص التي اعترته وتجاوز ذلك لتصور آليات تساعد على إخراج تونس من أزمتها السياسية التي تعاظمت بفعله. وكان ينتظر أن تتعامل تونس التي اختارت أن تنظم للجنة لتستفيد من خبرتها بإيجابية معه وهو ما كانت تفعله طيلة العشرية الفائتة. على خلاف ذلك، فإن الرئيس سعيد اختار أن يحوّل النقاش حول تشريعاته إلى خصومة مع اللجنة معها يخشى أن تدعم عزلة تونس الخارجية خصوصا في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي الذي يعد اهم شركائها الاقتصاديين. علاوة على أنه يحرمها من فرصة جدية لتصحيح حقيقي للمسار الذي دخلته منذ 25 جويلية وبات يهدد ما تبقى من تجربتها الديموقراطية.


  1.   صفحة 17 فقرة 65
انشر المقال

متوفر من خلال:

دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، المرصد البرلماني ، أوروبا ، محاكم دستورية ، البرلمان ، منظمات دولية ، تشريعات وقوانين ، مرسوم ، استقلال القضاء ، مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني