لبنان الرسمي يتلاعب بمصير اللاجئين السوريين


2015-01-21    |   

لبنان الرسمي يتلاعب بمصير اللاجئين السوريين

 بتاريخ 13/1/2015 صدر قرار عن بلدية القرقف (عكار) موقع من رئيس البلدية يقضي بمنع اقامة اللاجئين السوريين في نطاق البلدية "تحت طائلة الملاحقة القانونية". وفيما كان من المفترض ان يدخل القرار حيز التنفيذ في 19-1-2015، إلا ان ذلك لم يحصل بعد ان قررت البلدية "تعليق العمل به حتى اشعار آخر". وحصل التراجع عن تنفيذ القرار بناء على “توجيهات محافظ عكار عماد لبكي وتمنيات مديرة برنامج الأمم المتحدة للطفولة وطلب معالي وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق". ولم يأت العدول عن تنفيذ القرار بسبب عدم قانونيته أو نتائجه الكارثية على أوضاع اللاجئين السوريين المقيمين في البلدية بل "إفساحا في المجال لمعالجة المشاكل والأزمات التي أدت الى استصدار هذا القرار" حسبما تم الاعلان عنه.
وما حدث خلال الأسبوع الفائت من صدور القرار والاخذ والرد الذي لحق صدوره ليس الا دليلا إضافيا على هشاشة أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، الذين باتوا يستخدمون من قبل السلطات رسمية عدة كورقة ضغط،  من أجل الحصول على المزيد من المساعدات لمنطقة ما او مشروع ما. ومن المعلوم أن هذه السلطات لا تتورع عن انتهاك مواد قانونية جوهرية للوصول الى غاياتها.
 
في لجوء البلدية الى أساليب غير قانونية
بنت البلدية قرارها على نص المادة 74 من قانون البلديات. وقد بررت ذلك بأنه ليس لها "قدرة … على تحمل تبعات واكلاف خدمة النازحين السوريين المقيمين في (نطاق) البلدية" وأن السلطة اللبنانية غير منصفة في توزيع الخدمات المتعلقة بالنازحين المقيمين على الاراضي اللبنانية. بدليل أن وزير التربية أقدم على إقصاء البلدية "من عداد المدارس المعتمدة لتعليم ابناء النازحين السوريين".
وكانت المفكرة القانونية قد بينت في معرض التعليق على القرارات البلدية بحظر التجول ان المادة 74 المشار اليها أعلاه لا تبرر اجراءات مماثلة. فالمادة المذكورة أولت رئيس/ة البلدية مهام "المحافظة على الراحة والسلامة والصحة العامة بشرط أن لا يتعرض للصلاحيات التي تمنحها القوانين والأنظمة لدوائر الامن في الدولة". ومن المسلّم به أن صلاحية التنظيم المعطاة لرئيس البلدية في هذا المجال لا تسمح له بتجاوز قواعد مكرسة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وسواها من مواثيق الأمم المتحدة والتي باتت كلها جزءا من الدستور. فحرمان مقيمين في لبنان من حق التجول أو الاقامة في مكان معين من لبنان لا يصح الا في حال صدوره بقانون بعد التثبت من حال الضرورة ومن دون تمييز. وهذا ما نستشفه من المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكرس حق الفرد بالتنقل وباختيار مكان اقامته[1]. كما نستشفه من اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على كافة اشكال التمييز والتي حظرت "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة".  أخيراً أتى هذا القرار في مخالفة للاتفاقيات الثنائية المبرمة بين لبنان وسوريا والتي تكرس للمواطنين اللبنانيين والسوريين حق التنقل والإقامة بحرية في كل من البلدين.[2]

حياة اللاجئين السوريين: أداة بيد السلطات اللبنانية
مما تقدم، يظهر أن البلدية ربطت قرارها بالتمييز الحاصل ضدها في توزيع المساعدات على نحو يجعلها غير قادرة على تحمل أعبائهم. وقد صرح رئيس بلدية القرقف عبر نشرة اخبار المؤسسة اللبنانية للإرسال ان قرار البلدية بطرد اللاجئين السوريين يعود الى اعتماد وزارة التربية مدارس من خارج القرقف لتوزيع المساعدات عليها. انفعل وزير التربية من تلميح رئيس البلدية الى فساد في وزارة التربية، ما حمل الوزير الياس بو صعب الى الرد على هذا الاتهام، مرجعا قرار عدم منح مدرسة البلدية مساعدات، الى الجهات المانحة. وتبعا لذلك، تم الرجوع عن القرار بناء على تمنيّات بعض الجهات المانحة وطلب وزير الداخلية.
وعند استعراض تسلسل هذه الوقائع، بالامكان طبعا التساؤل فيما اذا كان هدف البلدية أصلا استعمال ورقة طرد اللاجئين المقيمين في نطاقها ومنعهم من ذلك للحصول على منافع مادية معينة. وفي حال صحت هذه المخاوف، تكون البلدية قد استباحت الحقوق المدنية للاجئين ولم تجد أي حرج في التعرض لها أو التهديد بضربها في سياق مطلبها بمنافع، فاذا حصلت عليها عادت واقرت بحقوقهم. والسؤال الذي يطرح: ما هي ضوابط ألعاب كهذه في حال عدم التدخل لوقفها؟ من سيمنع بلدية أخرى من اتخاذ قرار مماثل من اجل الضغط للحصول على المزيد من الدعم؟ ومن سيمنع بلديات كهذه من تنفيذ قراراتها في حال انعدام الدعم؟ كل شيء يشير الى ان "الاتي أعظم" بالنسبة للاجئين السوريين في لبنان.



1.  المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: "لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته.
2. . لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.
3.  لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد.
4. لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده.
 
[2]يراجع اتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي بين الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية الموقع بتاريخ 16/9/1993
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني