قطاع المستلزمات الطبية قد يلجأ إلى القضاء ضد المصارف: حين تهدد الأزمة مرضى القلب والعظم والسرطان


2020-01-28    |   

قطاع المستلزمات الطبية قد يلجأ إلى القضاء ضد المصارف: حين تهدد الأزمة مرضى القلب والعظم والسرطان

أكدت ممثلة تجمّع مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية سلمى سابا عاصي لـ”المفكرة” أنّ التجمّع قد “يلجأ إلى القضاء مدعياً على المصارف في حال عدم توصّل اللقاءات والمفاوضات إلى إزالة العراقيل والمشاكل التي تعتري تحويل الأموال إلى الخارج لإتمام صفقات استيراد المستلزمات الطبية”. وحمّلت عاصي المصارف مسؤولية أيّة تداعيات طبية تؤثر سلباً على حياة المواطنين، بعدما أدت الأزمة الحالية في لبنان إلى نقص في مستلزمات طبية ضرورية عدة تُستعمل في علاجات أمراض مستعصية وأمراض عدة، وطبعاً في العمليات الطبية.

كلام عاصي يلتقي مع ما كان ورد في القرار الذي أصدرته قاضية الأمور المستعجلة في زحلة ريتا حرّو بتاريخ 13 كانون الثاني 2020، حيث لم تكتفِ بالتأكيد على عدم قانونية القيود التي فرضتها وتفرضها المصارف على التحويلات، بل توقّفت عند “الحق الحيوي كحق الإنسان في الطعام والشراب والعمل والطبابة والعيش الكريم ومجمل الحقوق الأساسية اللصيقة بالطبيعة البشرية لا سيما الحق في الملكية الفردية”. واعتبرت أن هذه الحقوق تتسع لتشمل استمرارية قطاعات إقتصادية واسعة مهددة بالإنهيار المحتم نتيجة التدابير المصرفية المشددة، ومنها قطاع المستشفيات في ظل نقص “المستلزمات الطبية وغير الطبية.. ما قد يعرّض سلامة المرضى للخطر”.

تعريض سلامة المرضى للخطر هو تحديداً إحدى تبعات الأزمة المالية التي تعصف بلبنان. وتطال الأزمة وفق عاصي، ونقيب أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون “لسوء الحظ كل شيء: من خيطان التقطيب (الغرزات الطبية) إلى أكياس الدم والكواشف للفحوصات الطبية (التي تسمح بكشف تحاليل نتائج تحاليل الدم لتشخيص الأمراض) إلى صمامات وروسورات وبطاريات القلب، والبراغي والأدوات المستعملة في عمليات العظم، وكذلك الغازات الطبية ومنها الأوكسين والمخدر (البنج)”. وفي عمليات القلب هناك نقص في القياسات في الروسورات والصمامات، وفي عمليات العظم لم تعد قياسات كل البراغي المستعملة متوفّرة”. وعليه يتم إرجاء كافة العمليات المصنّفة باردة، أي تلك التي يمكن تأجيلها. وتضيف عاصي على النواقص “الآلات التي تستعمل في مد مرضى السرطان بعلاجاتهم، وهو ما يعرّض حياتهم للخطر عبر تأخير مكافحة المرض”.

بناءً على ما تقدم يقول هارون لـ”المفكرة” إنّ “على اللبنانيين أن يقولوا وداعاً للرفاهية الطبية وخدمة الدرجة الأولى الإستشفائية التي طالما تميّز بها لبنان حين كان مستشفى للمنطقة”. وكدليل على تفاقم الأزمة، يرصد هارون “سفر بعض المقتدرين من اللبنانيين للعلاج في الخارج”. إذ، لا يمكن، وفق ما يقول، “التكهّن بقياس الروسور أو البرغي الذي نحتاجه في العملية قبل إخضاع المريض لها، عندها في حال عدم توفّر القياس المطلوب سيعمد الطبيب إلى استبداله بقياس آخر متوفّر وهو ما يقلل من نسبة نجاح العملية، ومنح المريض حقه في العلاج المناسب لحالته، كما جرت العادة”.

النقص في المستلزمات الطبية وبالتالي لوزام المستشفيات يوازيه بعض التقشف والندرة في الأدوية المتوفرة والتي يعيدها نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة في حديثه لـ”المفكرة” لسببين: الأول هو أزمة السيولة بالدولار، فيما يضع السبب الثاني في خانة النفسي “حيث خاف المواطنون من إنقطاع الأدوية فتهافتوا على شراء أدوية الأمراض المزمنة كالقلب والسكري والضغط والمعدة والربو والكوليسترول،  ليخزنوا في منازلهم أربع إلى خمس علب خوفاً من انقطاعه من السوق، مما أدى إلى تخفيض المخزون من هذه الأدوية في المستودعات. واستتبع التهافت على شراء الأدوية تقشّف المستوردين في تسليم الصيادلة الكميات التي يطلبونها”. ويتابع: “حاولنا أن ننظم استهلاك هذه الأدوية ريثما نتمكن من تغذية المخزون، وإعادته ليخدم ثلاثة أشهر إلى شهرين كحد أدنى”. وأدّى التقشف في التسليم إلى تهافت المرضى أكثر على تخزين الأدوية “كونهم اعتبروا تسليم كميات محددة من كل دواء دليل على انقطاعه، فأقبلوا على شراء أدوية إضافية”.

نحن نتحدث عن الجهات الأساسية المعنية بالإستشفاء في لبنان لجهة تأمين مقوماته الأساسية من مستلزمات طبية وأدوية ومستشفيات.

وتعرّف عاصي قطاع المستلزمات الطبية الذي يبلغ حجمه 400 مليون دولار بأنه يضم كل ما تحتاجه المستلزمات ما عدا الطاقم الطبي وبناء المستشفى أي جدرانها. وتبلغ الأزمة هنا ذروتها “كوننا نستورد كل شيء، من الشاش المعقّم إلى الإبرة المستعملة في الحُقن وصولاً إلى ما نحتاجه في غرف العمليات”، تقول، مؤكدة “أننا لا نصنع أي شيء في لبنان في هذا القطاع. وعليه، ندفع بالدولار لاستيراد كل احتياجاتنا”.

بدأت الأزمة، وفق عاصي، منذ شهر أيلول 2019 (أي قبل الانتفاضة) “عندما بدأ الحديث عن صعوبات تحويل المال لحاجات الاستيراد إلى الخارج”. يومها وعدت وزارة الصحة قطاع المستلزمات الطبية “أن تشملنا التسهيلات مع مستوردي الدواء في التعميم الذي صدر في 26 أيلول 2019، ولكن تفاجأنا أننا بقينا خارجه، أي خارج تأمين جزء من احتياجاتنا للتحويل بالدولار من المصارف من دون عوائق”.

ترى عاصي أنه لم يكن هناك تلمّس لأهمية المستلزمات الطبية ودورها في قطاع الطبابة في لبنان: “وعندما صارت المصارف تمنعنا من التحويل إلى الخارج، اجتمعنا مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وانتظرنا ثلاثة أسابيع حتى جاء القرار بشمولنا بتغطية 50% من تحويلاتنا إلى الخارج على السعر الرسمي، كما قطاعات الدواء والنفط والطحين، على أن نشتري 50% من الصرّافين على السعر الموازي للسعر الرسمي”.

وهنا صادف القطاع مشاكل جمة تمثلت في وجوب تأمين 50% من عند الصرافين “كاش من فئة المئة دولار وليس من حساب الشركات أو عبر شيكات مصرفية”. والأسوأ أنه لدى تأمين المال السائل (الكاش) كانت المصارف “تقطّر لنا التحويلات، وأحياناً لا تحوّلها بحجّة عرقلتها في مصرف لبنان”.

ولدى مراجعة مصرف لبنان، كان الأخير يشير إلى عدم تسلّمه الملفات من المصارف. وعليه، جمع مستوردو المستلزمات الطبية 160 ملفاً للتحويل إلى الخارج وجرى تعقّبها بين المصارف ليتبيّن، وهذا، تضيف عاصي، “ما رأيته بعيني، حيث أشار أحد المصارف إلى إرساله الملف إلى مصرف لبنان بتاريخ 20 كانون الأول بينما وجدنا أن مصرف لبنان تسلم الملف عينه في 15 كانون الثاني”. وعليه تأكد مستوردو المستلزمات الطبية أنّ “المصارف تلعب لعبة في الموضوع”، وفق عاصي، و”تحتفظ بالمال ولا تحوّله”.

اليوم وبعدما حصل قطاع المستلزمات الطبية على قرار من مصرف لبنان يساويه بقطاع الدواء والنفط والطحين، أي على تغطية 85% من احتياجاته من الدولار على السعر الرسمي، على أن يؤمن القطاع الـ15% المتبقية من سوق الصرافين “بدأنا”، وفق عاصي، “بتحضير ملفات لكل مصرف على حدة، وبوضع آلية مع مصرف لبنان لملاحقة الملف وتحديد مكان وجوده في مصرف لبنان لنعرف تحديداً من يضع العوائق وكيف ولماذا”. وعليه، تحمّل عاصي “المصارف مسؤولية أي ضرر قد يلحق بأي مريض يحصل معه شيء طبيّ سيّئ”.

وتشير عاصي إلى أنّ تأمين شركات مستوردي المستلزمات الطبية المال السائل (الكاش) لا يمكن إلّا مع دفع القطاع العام مستحقاته للمستشفيات “كوننا نضطر أن ندفع للشركات الموردة في الخارج سلفاً بعدما توقفت عن إرسال الشحنات قبل قبض ثمنها إثر تراجع تصنيف لبنان عالمياً، إذ لم يعد لديهم ثقة بنا في لبنان”. وعليه “إذا لم تدفع لنا المستشفيات ولم يحوّل المصرف بسهولة، كيف نستورد؟”. ولذا يضغط قطاع استيراد المستلزمات الطبية مع قطاع الدواء مع أصحاب المستشفيات على الدولة لدفع مستحقات المستشفيات لتمكين العجلة الطبية من الدوران الصحيح باتجاه مصلحة المريض.

وعن البوادر الإيجابية لتلبية حاجات السوق، تحدثت عاصي عن تحويل 16 شركة مستوردة للمستلزمات الطبية خلال شهر كانون الأول المال للإستيراد وبدأت بالإستيراد، وكذلك هناك 12 شركة تمت الموافقة على تحويلاتها، “شوي شوي بيرجع يبلش الدولاب ليبلش الإستيراد”.

ويوافق نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون على ما تقوله عاصي، مشيراً إلى أن وزير الصحة السابق جميل جبق حوّل جزءاً من مستحقات المستشفيات إلى وزارة المالية “ونحن بانتظار قرار وزير المالية الجديد غازي وزني لدفعها للمستشفيات لنتمكن من دفع مستحقات المستلزمات الطبية والأدوية وكذلك تأمين ما نحتاجه من أدوية ومستلزمات جديدة، وفق المتاح”. ويرى هارون أن سياسة التقشف في إدارة ما هو متوفر مستمرة في الوقت الراهن ريثما تنحلّ الأزمة.

مصادر وزير المالية في الحكومة الجديدة أكدت لـ”المفكرة” أنّ الوزير غازي وزني “يعطي الأولوية اليوم لصياغة البيان الوزاري ونيل الثقة للحكومة ليتمكّن من البت في الملفات، ومنها بالتأكيد الملف الطبي”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني