قرار قضائي ينتصر للسلطة المحلية في قابس


2022-04-04    |   

قرار قضائي ينتصر للسلطة المحلية في قابس

صدر بتاريخ 19 مارس 2022 قرار  قضائي بتأجيل تنفيذ قرار للمُعتمد الأوّل المكلّف بتسيير شؤون ولاية قابس بمباشرة مهامّ رئيس البلدية الكبرى فيها “قابس” بصفة وقتية. القرار الذي صدر عن الدائرة الابتدائية للمحكمة الإدارية بقابس بناء على الفصل 268 من مجلة الجماعات المحليّة، تصدّى للتطبيق الأول من نوعه للفصل 268 من مجلّة الجماعات والقاضي بإمكانية حلول الوالي محلّ رئيس البلدية في حال امتناعه أو إهماله القيام بأعماله. وقد عللت الدائرة الابتدائية موقفها بأنّ القرار موضوع النظر يؤول مبدئيّا إلى احداث تغيير جوهري في قواعد الاختصاص المقرّرة صلب الباب السابع للدستور والمنظم للسلطة المحليّة.

صراع السرديّات يخفي صراع المواقف من السلطة المحليّة

اختلفت سرديّات رئيس بلديّة قابس ونقابة بلدية قابس المنضوية تحت الاتحاد العامّ التونسي للشغل، حول الأزمة التي “استوجبت” حلول المعتمد الأوّل محلّ رئيس بلديّة قابس.

في الواقع، انطلقت الأزمة في بلدية قابس منذ شهر أكتوبر 2021، إثر تقديم النقابة الأساسية لمطالب شغليّة تتعلّق أساسا بتسوية وضعية المتعاقدين عن طريق انتدابهم، فتح باب الانتداب نظرا لارتفاع عدد الشغورات في البلدية، فتح باب التكوين والرسكلة وصرف المتخلّدات المالية المتعلّقة بساعات العمل الليلية. أمّا على المستوىالسياسي“، فقد طالبت النقابة بإيقاف ما سمتهبـ هرسلة الإطارات والأعوان والعملةمن طرف رئيس بلديّة قابس وما يترتب عن ذلك من توتر للمناخ الاجتماعي للجهة. أخذ الوضع يتأزم بين رئيس البلدية والنقابة على خلفيّة عدم حضوره لجلسة صلحيّة انعقدتْ بتاريخ 21 ديسمبر 2021، تحت إشراف المعتمد الأوّل السابق وأفضتْ إلى الدخول في إضراب حضوري أعقبه اعتصام مفتوح بمقرّ البلديّة. ولعلّ الجدير بالذكر في وضعية بلديّة قابس هو المرور من أزمة على مستوى بلديّة بعينها إلى تبنّي المطالب النقابية من طرف أعوان بلديّات ولاية قابس والذي تبلور عبر الدخول في يوم غضب وطني لقطاع البلديين في 28 ديسمبر 2021 للتنديد بممارسات رئيس بلديّة قابس وعدم تفاعله مع مطالب الأعوان. كما توجهت النقابة الأساسية لبلدية قابس بمراسلة إلى وزير الداخلية تطلب فيها التدخّل لاتخاذ إجراءات جزرية في حقّ رئيس بلدية قابس مطالبة بعزله. كما تقدّمت النقابة الأساسية برسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية بتاريخ 01 جانفي 2022، مطالبة إيّاه بعزل رئيس البلدية، حلّ المجالس البلديّة و”تجميد العمل بمجلّة الجماعات المحليّة باعتبارها “تكريسا لدكتاتوية الديمقراطية المفتعلة ورمزا لضرب وحدة الدولة التونسية“. هذا التوجّه عاضده الاتحاد الجهوي للشغل و قسم الوظيفة العمومية بالاتحاد العامّ التونسي للشغل معتبرا في لائحة مهنيّة صادرة بتاريخ 12 جانفي 2022 أنّ مجلّة الجماعات المحليّة أعطت المجالس البلديّة سلطات غير مسبوقةمما شرّع لضرب وحدة الدولة تحت غطاء التدبير الحرّ والاستقلالية المالية والادارية“، مطالبة بالمراجعة الفوريّة لمجلة الجماعات المحليّة لتعارضها مع القانون وضربها لوحدة الدولة.

من جهته، اعتبر رئيس بلديّة قابس أنّ تحرّكات المحتجّين جاءت كإجابة على تقدّمه بقضيّة جزائية في حقّ من حرق شاحنة وقد قُضي فيها ابتدائيا بالإدانة كما تقدّم بشكاية جزائيّة ضدّ الكاتب العامّ الأسبق من أجل الفساد المالي والإداري وهو ما أدّى إلى حالة الاحتقان في صفوف الأعوان ودخولهم في إضراب عن العمل مطالبين باستقالة رئيس البلدية إثر رفضه سحب الدعاوى المرفوعة. كما اعتبر رئيس بلديّة قابس أنّه قد راسل السلطة المركزية ممثلة في وزير الداخلية والوالي مطالبا بتسخير الأعوان لضمان الحدّ الأدنى من سير المرفق العامّ اإاّ أنّ مطلبه جُوبه بالتجاهل. وقد أكّد هذا الأخير أنّ المعتمد الأوّل قد نبّهه إلى ضرورة إصدار ميزانية بلدية قابس وإلاّ فإنّه سيتم اللجوء إلى آلية الحلول. هذا وانعقدت جلسة تفاوضيّة بتاريخ 08 مارس 2022 مع الهياكل النقابية، تمّ خلالها الاتفاق على صرف الأجور مقابل فضّ الاعتصام مع استئناف نشاط الأعوان إلاّ أنّ رئيس البلديّة فوجئ باللجوء الى آليّة الحلول محلّه.

في هذا الصدد، اعتبر المجلس البلدي أنّ القرار الصادر بالحلول محلّ رئيس البلدية يفتقد إلى الأساس القانوني، مؤكّدا على رفضه للقرار ومقاطعة أشغال المعتمد الأوّل المكلّف بتسيير الولاية. واتّجه المجلس إلى إبرام اتفاق مع الكاتب العامّ الجهوي لعمّال تونس القاضي بعودة مرفق جمع الفضلات والخدمات المالية والعمل بالدوائر البلدية بتاريخ 24 مارس 2022.

الحلول محلّ رئيس البلدية

شهدت بلديّة قابس أول وضعيّات الحلول محلّ رئيس البلديّة منذ انتخابات ماي 2018. في الواقع، تتيح مجلّة الجماعات المحليّة بمقتضى الفصل 268 منها إمكانية حلول الوالي محلّ رئيس البلديّة في حالتيْ امتناعه أو إهماله القيام بعمل من الأعمال التي يُسندها له القانون والتراتيب. وأمام إحدى الوضعيتين السابقتين، يُحمل على عاتق الوالي التنبيه عليه كتابيا بأن يتمّ ما يستوجبه القانون. ويضيف الفصل أنّه في صورة تقاعس رئيس البلدية أو عجزه عن تمام مهامه مع توفّر وجود خطر محدق، ُيتاح للوالي إمكانية مباشرة تلك الصلاحيات بنفسه أو أن يكلّف من ينوبه للقيام بهذه المهّام بمقتضى قرار معلّل على أن ينتهي تدخّل الوالي بزوال الأسباب الموجبة لتدخله.

في الواقع، أثارت مسألة الحلول محلّ رئيس البلدية من قبل الوالي المختصّ ترابيّا، اختلافات متعدّدة أثناء مناقشة مشروع مجلة الجماعات المحلية. حيث اعتبر عديد النوّاب على غرار منظمات المجتمع المدني أنّ آلية الحلول هي صورة من صور رقابة السلطة المركزيّة على رئيس البلدية المنتخب ولها تداعيات خطيرة على استقلالية الجماعات المحليّة، كما أنّها تُعدّ ضربا لمبدأ التدبير الحرّ. كما اعتبر الحلول حينها آلية استثنائية وخطيرة وطُرحت حيالها عدّة تخوّفات من قبيل “تغوّل ممثل السلطة المركزية أي الوالي” وعدم تمكّن الرئيس الذي تمّ الحلول محلّه اللجوء إلى القضاء الإداري خاصّة أمام عدم دقّة وغموض بعض المصطلحات على غرار ” تقاعس، العجز الجليّ، الخطر المؤكّد”. وعليه، تمّ اقتراح تقييد سلطة الحلول بشكل دقيق مع ضبط مجالاته وإجراءاته وتعزيز الضمانات القضائية في هذا الصدد. وقد أفضى هذا النقاش الى تعزيز الضمانات من خلال إضافةالتنبيه الكتابيعلى رئيس البلدية من قبل الوالي إلى جانب تعليل قرار الحلول وتقييد مدّته  بزوال الأسباب التي علّلت القيام به، مقارنة بالنسخة الأصلية.

ممارسة السلطة المحليّة: تهديد للمصلحة العامّة؟

تتالت الإعفاءات منذ 25 جويلية 2021، في صفوف الولاة، ولم يكن والي قابس في معزل عن ذلك. حيث أصدر قيس سعيد أمرا رئاسيا يقضي بإنهاء تكليف السيد منجي ثامر بمهام وال بولاية قابس بتاريخ 8 أكتوبر 2021-والذي كان يترأسها منذ سنة 2016-ليعيّن المعتمد الأوّل قدور البراهمي مكلّفا بتسيير شؤون ولاية قابس إلى حدود فيفري 2022، حين تمّ تعويضه بالمعتمد الأول الجديد صابر البنبلي.

بدأت المفاوضات مع المعتصمين داخل بلدية قابس خلال عهدة المعتمد الأول السابق قدور البراهمي وتواصلت مع المعتمد الأول الجديد.

في 19 مارس 2022، اتخذ المعتمد الأوّل صابر البنبلي قرار الحلول محلّ رئيس بلديّة قابس معنونا قراره “تغليبا للمصلحة العامّة ومن أجل عودة المرفق البلدي لخدمة البلاد والعباد. وقد اعتبر هذا الأخير أنّ اللجوء إلى آلية الحلول تعود لأسباب ثلاث: أوّلها التعطّل شبه الكلّي للعمل ببلديّة قابس وتأثيره المباشر على المرفق العامّ والخدمات. ثانيا؛ استحالة تسخير أعمال القوّة العامّة لفضّ الاعتصام دون إذن قضائي. ثالثا؛ استنزاف السبل الصلحيّة بين الأطراف المتدخّلة وأخيرا أنّ اللجوء إلى “أيّ قرار مركزي يقتضي صدور أحكام قضائية باتّة”، مؤكّدا على أنّ رئيس بلديّة قابس قد أهمل القيام بالأعمال التي يسندها له القانون والتراتيب وعجز كلّيا عن إتمام المهام المستوجبة رغم وجود خطر مؤكّد”.

لم يمضِ يومان على اتخاذ القرار المذكور ليقوم المعتمد الأوّل بتكليف مدير الشؤون المالية والإدارية ببلدية قابس لتسيير شؤون البلدية.

المحكمة الإدارية تنتصر للسلطة المحليّة

ردّا على قرار المعتمد الأوّل المكلّف بتسيير ولاية قابس والقاضي بتولّيه تسيير شؤون بلديّة قابس، قامت الجامعة الوطنية للبلديات التونسيّة، وتحديدا مكتبها الجهوي بقابس، بالتوجه للقضاء الإداري للطعن في هذا القرار أمام الدائرة الابتدائية بالمحكمة الإدارية بقابس معتبرة أنّ القرار يقوم على تأويل خاطئ للفصل 268 من مجلّة الجماعات المحليّة وأنّ الهدف من القرار ليس تحقيق مصلحة عامّة وانّما تنحية رئيس بلدية قابس من منصبه.

في هذا الصدد، دفعت الجامعة بأن قرار الحلول يجب أن يصدر عن الوالي وليس عن من كُلّف بمهامه، وهو في صورة الحال المعتمد الأوّل، معتبرة أنّ الأمر يتعلّق بقواعد الاختصاص والتي تؤوّل تأويلا ضيّقا. كما أكّدت على أنّ الضمانات المنصوص عليها بالفصل 268 من مجلّة الجماعات المحلية لم تتوفر باعتبار أنّ المعتمد الأول راسل رئيس البلديّة إلكترونيا بالإضافة إلى كونه لم يقم بتمكينه من آجال معقولة استجابة للتنبيه. كما تمسكت بكون تعطيل المرفق العامّ نتج عن اعتصام غير قانوني لمجموعة من العملة ورفض المعتمد الأولّ القيام بتسخير أعوان لاسترجاع السير العادي للمرفق العامّ رغم المطالبة به. على المستوى السياسي، دعت الجامعة لمساندة رئيس بلديّة قابس في مواصلة مهامه بصفة طبيعية الى جانب مقاطعة أنشطة المعتمد الأولّ بقابس داعية إياه تسخير الأعوان لعودة النشاط العادي في البلديّة ومنتهية الى ضرورة التسريع في تعيين وال بالجهة.

أصدرت الدائرة الابتدائية للمحكمة الإدارية بقابس قرارا يقضي بتأجيل تنفيذ قرار المعتمد الأوّل المكلّف بتسيير شؤون ولاية قابس بتاريخ 19 مارس 2022 والمتعلّق بمباشرته مهام رئيس بلدية قابس بصفة وقتية بناء على الفصل 268 من مجلة الجماعات المحليّة. هذا وقد اعتبرت الدائرة الابتدائية أنّ القرار موضوع النظر يؤول مبدئيّا إلى إحداث تغيير جوهري في قواعد الاختصاص المقررة صلب الباب السابع للدستور والمنظم للسلطة المحليّة وهو ما يتوفّر معه عنصر التأكّد ويتّجه بناء عليه تأجيل تنفيذ القرار. في انتظار البتّ في الأصل، من الضروري الإشارة إلى أنّ القرار ينمّ عن جرأة قضائية في سياق عامّ يتّسم باحتدام الصدام بين ممثلي السلطة المحليّة والسلطة المركزيّة وخطاب سياسي مرذّل للامركزية في تونس. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الدوائر الابتدائية بالمحكمة الإدارية في مادّة ايقاف التنفيذ تبرهن مجدّدا عن شجاعتها في ضمان الحقوق في زمن لم تتوانى السلطة السياسية على حلّ المؤسسة الضامنة، على الأقلّ نظريّا، لاستقلاليتها.

للاطلاع على القرار

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم إدارية ، سلطات إدارية ، قرارات قضائية ، مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني