قرار قضائي يلزم الجمارك والمالية باحترام حقوق المعوقين


2018-02-26    |   

قرار قضائي يلزم الجمارك والمالية باحترام حقوق المعوقين

تمكن المحامي ميشال حنوش بتاريخ 10 أيار 2016 بأن يحصل على حكم لصالحه من مجلس شورى الدولة يقضي بإبطال قرار كانت أصدرته مديرية الجمارك. والحال أن قرار الجمارك الذي تم إبطاله يقضي بعدم قبول طلب كان تقدم به حنوش – وهو يعاني من إعاقة في بصره- لإعفائه من رسوم الجمارك على سيارة مستوردة. وقد أسند حنوش طلبه إلى قانون 220/2000 المتعلق بالأشخاص المعوقين والذي يمنح الشخص المعوق حق الإعفاء من الرسوم الجمركية على السيارة الخاصة (المادتين 85 و83). إلا أن إدارة الجمارك ولغاية منتصف سنة 2017 كانت تعتمد تمييزاً في التعامل مع الإعفاءات الجمركية للأشخاص المعوقين، مستندةً إلى شروط كان قد وضعها وزير المالية الأسبق فؤاد السنيورة في العام 2001. وتأتي هذه الشروط لتحصر حق الاستفادة من الإعفاء الجمركي لصالح الأشخاص الذين يستطيعون قيادة السيارة بأنفسهم، وبطبيعة الحال لا يمكن تطبيق شروط السنيورة على الأشخاص المكفوفين كحالة حنوش.

تفسير غير دقيق للقانون 220

في المبدأ، يرتبط هذا النزاع أساساً بالتفسير غير الدقيق من قبل إدارة الجمارك ووزارة المالية للقانون 220 ولا سيما المادة 85 المعطوفة على المادة 83 التي أخذت الحيز الأكبر منه. فالمادة 85 تنص على ما يلي: “تعفى من الرسوم والضرائب وسائل النقل الفردية والجماعية الخاصة بالمعوقين، شرط أن تكون الجهة المستوردة إما الشخص المعوق لاستعماله الشخصي…”.  وكان السنيورة أصدر قراراً حدد فيه السيارات التي تخضع للإعفاء الجمركي، أشار فيه انطلاقا من قراءة حرفية لهذه المادة أن “السيارة المقصودة بالإعفاء هي تلك المجهزة تجهيزاً خاصاً للاستعمال الشخصي للمعوقين وليس أية سيارة عادية يستوردها الشخص المعوق”.

وعليه، وتبعا لردّ طلب المحامي حنوش إعفائه من الرسم الجمركي المتوجب على استيراد سيارة، قدم حنوش دعويين: الدعوى الأولى أمام مجلس شورى الدولة للمطالبة بإبطال قرار مدير العام للجمارك بتاريخ 8/9/2012. والدعوى الثانية أمام المحكمة الابتدائية المدنية الناظرة في القضايا الجمركية في بيروت في تاريخ 1/10/2012 بهدف استرجاع الأموال التي دفعها. وقبل المضي في عرض الحجج والحجج المضادة في هاتين الدعويين، يُشار إلى أن قرار مدير عام الجمارك موضوع الإبطال صدر خلافا لقرار سابق لمصلحة الجمارك، علما أن كلاهما استند إلى رأي ملتبس لهيئة التشريع والاستشارات (رقم 72/2010) في وزارة العدل.

عقاب جماعي بسبب احتيال البعض

أمام شورى الدولة، استخدمت الدولة رأي هيئة التشريع والاستشارات على نحو مغاير، إذ اعتبرت أن الإعفاء يطال وسيلة النقل الفردية “المجهزة تجهيزاً خاصاً لاستعمال المعوق وأن السيارة موضوع النزاع لم يتم تجهيزها بصورة خاصة لاستعمال المستدعي”. وإذ يفسر حنوش “التجهيز” الذي تحدثت عنه الدولة أنه يحصر الإعفاء عمليا بالأشخاص المعوقين حركيا، فإنه يؤكد أن الإدارة الجمركية منحت الإعفاءات فقط للأشخاص القادرين على القيادة والذين هم عموما أقل حرمانا من الذين يستحيل عليهم القيادة مثل المكفوفين. الأمر الذي يعتبره تمييزاً ضد الأشخاص الأكثر حاجة. كما يلفت حنوش إلى أن الإدارة اتبعت “هذا الإجراء بسبب حدوث عدة حالات استغلال للأشخاص المعوقين لغاية شراء سيارات باهظة الثمن معفاة من الرسوم الجمركية”. “لهذا السبب، ذهبت الإدارة نحو منع الإعفاء عن الأشخاص الذين يستحقونها لتلافي هذا الاستغلال، بدلاً من تفعيل دورها الرقابي في هذا الشأن” وفقاً لتعبيره.

لم تكتفِ الدولة بتعليلاتها المناقضة للنص القانوني بل ادّعت أن تعريف المعوق في القانون 220 لا ينطبق على حالة حنوش. وقد اعتمدت على هذا التصنيف بناء على الحالة المادية الجيدة التي يتمتع بها. وقد أدلت بأن إعفاء المستدعي من الرسوم على سيارة باهظة الثمن يخالف روح القانون ونصه. لكن هذا الإدلاء ظهر وكأن الإدارة تعتمد تصنيفاً للأشخاص المعوقين وكأنها تميز حيث لا يميز القانون. فمن منهم لديه كف بصري أو يتمتع بقدرات مادية جيدة فإنه يبقى خارج هذا التصنيف. لهذه الناحية، رد حنوش الموضوع إلى القانون 220 في جوابه على الدولة حيث أكد أن “القانون جاء شاملاً بحيث تطال أحكامه كل الأشخاص المعوقين دون تمييز بين حالة شخصية وأخرى”. وعليه، يؤكد حنوش للمفكرة أن كثيرين لم يستفيدوا طوال السنوات الماضية من الإعفاء الجمركي على سياراتهم بسبب أنهم غير قادرين على قيادتها بأنفسهم.

مزاجية في منح الإعفاء

أما في الدعوى المقامة أمام المحكمة المدنية، فقد استخدمت الدولة التبريرات ذاتها في تصنيفها للأشخاص المعوقين. كما تبين أنه لدى مديرية الجمارك توجه لطلب تعديل القانون 220/2000 وتحديداً المادة 85 منه، لغاية تصنيف السيارات التي تخضع لكامل الإعفاء الجمركي. وقد أوضح حنوش في هذا الصدد أن الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين التي أنشئت وفقاً لما نصت عليه المادة 6 من القانون 220 التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، قد وافقت على اقتراح الجمارك بدلاً من أن تكون حليفاً لحقوق الأشخاص المعوقين. يلفت حنوش أن الهدف من التعديل هو وضع شطور تقضي بإعفاء السيارة بنسبة من الرسوم وفقاً لسعرها. وهو ما يعتبره غير عادل، ذلك أن “التمييز بين السيارة الباهظة الثمن والسيارة ذات السعر المتدني التي يقودها الشخص المعوق لا يتلاءم مع مبدأ المساواة الذي يضمنه القانون 220”. وأوضح حنوش أن الإدارة الجمركية تمنح الإعفاء مزاجياً دون أي سند قانوني مشدداً على استفادته من أحكام القانون 220/2000. ويلفت في هذا الشأن إلى أن “ما وصل إليه من نجاح يتعلق بحالة شخصية تعنيه دون غيره من الأشخاص المعوقين”. في هذا الصدد، طلب حينها المستدعي “وجوب وقف السير بالمحاكمة لحين صدور قرار مجلس شورى الدولة فيما يتعلق بمراجعة الإبطال لتجاوز حد السلطة”.

القضاء يرفض التمييز بين الأشخاص المعوقين

صدر قرار شورى الدولة بعد نحو ثلاث سنوات من بدء النزاع في تاريخ 10/5/2016. وقد جاء مؤيداً لمطالب المستدعي، إذ أكد أن أحكام القانون 220 مطلقة ولا تتضمن أي تمييز. كما أكد على أنه وفقاً للقانون لم يتم تحديد حالات معينة من الإعاقة الجسدية تستفيد حصراً من الإعفاء من الرسم الجمركي. أيضاً، شدد شورى الدولة على أنه لا يستقيم قانوناً تفسير عبارة “استعماله الشخصي” بأنها تفيد قيادة السيارة بصورة شخصية من قبل الشخص المعوق بالذات. وقد برر شورى الدولة هذا الأمر مفترضاً أنه إذا تم “إعفاء فقط القادرين على القيادة بسبب تجهيزها تجهيزاً خاصاُ يمكنه من ذلك، لحصل تمييز وخرق لمبدأ المساواة بينه وبين غيره من الأشخاص المعوقين، ممن يستحيل عليهم القيادة بسبب نوع إعاقتهم”. بالإضافة إلى ذلك، أكّد شورى الدولة على حق المستدعي من الإعفاء الجمركي بعدما أبطل القرار المطعون فيه. وتبعا لصدور قرار الشورى المذكور، قررت المحكمة المدنية بتاريخ 30/6/2016 إلزام إدارة الجمارك اللبنانية بأن ترد للمحامي حنوش المبالغ المسددة منه.  وقد تم رد الاستئناف المقدم من الجمارك عملا بقرار الشورى نفسه بتاريخ 23/3/2017.

تنفيذ الحكم لمنفعة جميع المعنيين

بعد حصوله على قراري القضاء العدلي والقضاء الإداري، توجه حنوش بكتاب إلى المجلس الأعلى للجمارك بهدف تنفيذ الحكم القضائي، طالبا فيه تعميم قرار شورى الدولة ومحكمة الاستئناف على كافة الحالات المماثلة. فأحكام مجلس شورى الدولة ملزمة للإدارة وفقاً للمادة 93 من المرسوم رقم 10434 تاريخ 14/6/1975. وهو ما يصب في مصلحة الأشخاص المعوقين الحائزين على بطاقة من وزارة الشؤون الاجتماعية. بالفعل، أجاب مدير الجمارك الحالي بدري ضاهر على كتاب حنوش، وأحال الكتاب إلى المجلس الأعلى للجمارك بتاريخ 17/5/2017. وقد قامت هذه الأخيرة بإحالة الطلب إلى وزارة المالية التي أيدت ووافقت على التعميم. إلا أن وزير المالية علي حسن خليل اقترح من جديد على المجلس الأعلى للجمارك تعديل القانون بشكل يتلاءم مع رأي الإدارة.

مسألة نسبة الحد الأدنى 5%

رغم أهمية ما تحقق في هذه القضية، يبقى أن الجمارك ما زالت تستوفي الحد الأدنى من الرسوم، أي الـ 5 بالمئة كما الضريبة على القيمة المضافة من جميع الأشخاص المعوقين دون استثناء استنادا إلى قرار سابق للوزير السنيورة. في هذا الشأن، يوضح حنوش أن “هذه الضرائب غير قانونية، حيث يأتي قرار السنيورة مناقضاً لنص المادة 83 من القانون 220”. إذ تقول هذه المادة أنه “تعفى من الرسوم الجمركية وجميع رسوم الاستيراد ومن أية رسوم أو ضرائب أخرى على التجهيزات والمواد التعليمية والطبية والوسائل المساعدة والأدوات الخاصة بالأشخاص المعوقين…”. ويوضح حنوش أن هذا الموضوع سيكون موضوع قضية أخرى ينوي خوضها أمام إدارة الجمارك على نحو أوسع حيث يتطلع إلى توظيف طاقته في العمل على حقوق الأشخاص المعوقين.

نشر في العدد 53 من مجلة المفكرة القانونية، للاطلاع على العدد انقر/ي هنا “الإعلام والقضاء وحروب النرجسيات المهنية”

 (يُذكر أن القانون 220 قد ضم عدة أحكام منها إنشاء الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين. وتبين أن هذه الهيئة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية وتتمتع بصلاحيات شكلية. وذلك يظهر في أن إنشاء عدداً من اللجان الاستشارية مناطة بتفعيل بعض الحقوق الخاصة بالأشخاص المعوقين، دون إعطاء هذه الهيئة الاستقلالية الإدارية عن جميع الوزارات لتكون قادرة على فرض تنفيذ القانون على كافة الجهات الرسمية).

المراجعة النقدية في التشريع والتطبيق للقانون 220/2000، صادر عن اتحاد المقعدين اللبناني 2013، صفحة 38، النقص في إمكانات الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين ومحدودية صلاحياتها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني