دفعت الحوادث الارهابية ضد المواطنين ورجال الشرطة والجيش والمنشآت العامة والخاصة عقب ثورة الثلاثين من يونيه 2013 وقبلها المشرع المصرى، مؤيدا من قطاع كبير من المصريين، إلى إعادة التقكير فى إصدار تشريع متكامل لمكافحة الارهاب. وبدأت وزارة الداخلية مع قرب انتهاء حالة الطوارئ، التى أعلنت لمدة ثلاثة أشهر لا يجوز مدها إلا بعد إجراء استفتاء شعبى، وهو الأمر غير المقبول فى ظل حالة الانفلات الأمنى والعنف فى كل أنحاء البلاد، فى إعداد مشروع القانون الذي تعتقد أنه يمكنها من فرض الأمن والقضاء على العنف والارهاب، ولو كان ثمن ذلك التضحية بالحريات. وقبل أن نعرض لوجهات النظر المعارضة والمؤيدة لإصدار قانون خاص لمكافحة الارهاب، نبدأ باستعراض نصوص مكافحة الارهاب فى القوانين المصرية السارية، وما يستحدثه المشروع المقترح من وزارة الداخلية.
أولا: نصوص مكافحة الارهاب في القانون المصري الراهن:
من أجل مواجهة موجة الجرائم الارهابية التى سادت فى مصر فى بداية تسعينيات القرن الماضى، صدر القانون رقم 97 لسنة 1992، والمسمى بقانون مكافحة الارهاب. وقد تضمن هذا القانون تعديل بعض نصوص قوانين العقوبات، والاجراءات الجنائية، وإنشاء محاكم أمن الدولة، وسرية الحسابات بالبنوك، والأسلحة والذخائر.
وفيما يتعلق بقانون العقوبات، قسم قانون 1992 الباب الثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، الخاص بالجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل، إلى قسمين : خصص الأول لتعريف الارهاب (م 86)، ثم لتجريم صور الجرائم الارهابية فى المواد من 86 مكررا إلى 88 مكررا (ب)، وبيان الأحكام العامة الموضوعية التى تسرى على هذه الجرائم مثل أحكام الاشتراك والمصادرة وتقييد المادة (17) من قانون العقوبات الخاصة بالظروف المخففة، فلا يجوز النزول بالعقوبة إلا درجة واحدة بالنسبة لعقوبة الاعدام والسجن المؤبد دون غيرهما، وجواز الحكم بتدبير أو أكثر من التدابير المنصوص عليها فضلا عن الحكم بالعقوبة المقررة للجريمة، والإعفاء من العقوبات فى حالة التبليغ عن الجرائم الارهابية، سواء فى ذلك الاعفاء الوجوبى أو الجوازى.
كذلك شدد قانون مكافحة الارهاب عقوبات بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات إذا ارتكب أي منها تنفيذا لغرض إرهابى. من ذلك جرائم القتل العمد، الذي يشدد عقابه من السجن المؤبد أو المشدد إلى الاعدام، والضرب المفضي إلى عاهة، فيضاعف الحد الأقصى للعقوبات المقررة له، والضرب المفضي إلى موت، حيث يصل الحد الأقصى لعقوبته إلى السجن المشدد أو السجن لمدة 15 عاما. كذلك تتحول بعض جنح الإيذاء العمدي وغيرها من الجنح المنصوص عليها فى قانون مكافحة الارهاب إلى جنايات إذا ارتكبت تنفيذا لغرض إرهابى.
وفيما يتعلق بالأحكام الاجرائية، أضاف قانون 1992 جرائم الارهاب المنصوص عليها فيه إلى الجرائم الواردة فى الفقرة الثانية من المادة (15) من قانون الاجراءات الجنائية، وهي الجرائم التى لا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عنها بمضي المدة. كما خصص هذا القانون دائرة أو أكثر من دوائر محكمة أمن الدولة العليا، المنشأة بدائرة محكمة استئناف القاهرة، لنظر جرائم الارهاب دون التقيد بقواعد الاختصاص المنصوص عليها فى قانون الاجراءات الجنائية، كما تختص أيضا بالفصل فيما يقع من هذه الجرائم من الأحداث الذين تزيد سنهم على خمس عشرة سنة وقت ارتكاب الجريمة.
ومنح قانون 1992 الخاص بمكافحة الارهاب النيابة العامة فى تحقيق الجرائم الارهابية، بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة لها سلطات قاضى التحقيق ومحكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة فيما يتعلق بالحبس الاحتياطى. كما لا تتقيد النيابة العامة فى مباشرة التحقيق ورفع الدعوى فى جرائم الارهاب بقيد الطلب المنصوص عليه فى المادة 9 من قانون الإجراءات الجنائية.
كذلك وسع القانون من سلطات مأمور الضبط القضائى إذا توافرت لديه "دلائل" كافية على اتهام شخص بارتكاب احدى جرائم الارهاب، فأجاز له اتخاذ الاجراءات التحفظية "المناسبة"، والقبض على المتهم بعد الإذن له من النيابة العامة لمدة لا تجاوز 7 أيام، وسماع أقواله وإرساله إلى النيابة العامة المختصة بعد انتهاء مدة السبعة أيام. ويجب على النيابة العامة أن تستجوب المقبوض عليه فى ظرف 72 ساعة من تاريخ عرضه عليها، ثم تأمر بحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه.
كما منح القانون النائب العام أو من يفوضه من المحامين العامين سلطة الأمر بالإطلاع أو الحصول على أى بيانات أو معلومات تتعلق بحسابات أو ودائع أو أمانات أو خزائن البنوك إذا اقتضى ذلك كشف الحقيقة فى جريمة من الجرائم الارهابية.
وأخيرا، قرر قانون 1992 عدم إقامة الدعوى الجنائية ضد من انتمى إلى جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة ارهابية، إذا بادر خلال شهر من تاريخ العمل بالقانون بابلاغ النيابة العامة أو سلطات الأمن بانفصاله عن التنظيم وتوقفه عن ممارسة أي نشاط فيه.
تلك هى نصوص مكافحة الارهاب فى القوانين المصرية النافذة، فهل توجد ضرورة لإقتراح قانون جديد لمكافحة الارهاب، أو كان يكفي تعديل النصوص السارية لمواجهة يعتقد البعض أنها ستكون أكثر فعالية ضد الارهاب؟ تقتضي الإجابة على هذا السؤال عرض أحكام المشروع المقترح.
ثانيا : أحكام مشروع قانون مكافحة الارهاب:
هذا المشروع أعدته وزارة الداخلية. وبمراجعة نصوصه، يتبين لنا أن جوهره هو ذات نصوص قانون الارهاب رقم 97 سنة 1992، مع بعض الاضافات، كما أن بعض الصور المجرمة فى المشروع الجديد ينص عليها قانون العقوبات في مواد متفرقة. وقد تضمن مشروع القانون أربعة أبواب على النحو التالي:
الباب الأول: الأحكام العامة:
1- عرف المشروع فى المادة (2) العمل الارهابى تعريفا يشمل ما نصت عليها المادة 86 من قانون العقوبات ويزيد عليه فى عبارات فضفاضة. فهو "كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، هدفه الاخلال الجسيم بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر…". وقد نصت المادة الثالثة على أن الجريمة الارهابية "هى كل جريمة منصوص عليها في هذا القانون وكذلك كل جريمة ترتكب بقصد تحقيق أحد أهداف العمل الارهابى أو لتمويل الارهاب".
2- وسعت المادة (4) نطاق سريان قانون مكافحة الارهاب إلى خارج مصر ليشمل كل من يرتكب جريمة إرهابية فى الخارج فى أحوال معينة. هذا التوسيع قد يتعارض مع سيادة الدولة التى وقعت الجريمة على إقليمها عندما لا تكون هذه الجريمة ماسة بمصالح الدولة المصرية، مثل الجريمة التى تهدف إلى إلحاق الضرر بأى من المقيمين فى مصر أثناء وجوده خارج مصر، أو بأى من المنظمات والهيئات الدولية أو الاقليمية خارج مصر؟
3- عاقب المشروع على الشروع فى جرائم الارهاب بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة (م5)، خروجا على القاعدة العامة فى عقاب الشروع فى قانون العقوبات المصرى بعقوبة أقل من عقوبة الجريمة التامة.
4- عاقبت المادة السادسة من المشروع على الاشتراك فى جريمة إرهابية بذات العقوبة المقررة لفاعل الجريمة، وذلك تطبيقا للقاعدة العامة فى القانون المصرى أن من اشترك فى جريمة فعليه عقوبتها.
5- تقييد استعمال الظروف المخففة بالنزول درجة واحدة، وذلك إذا كانت عقوبة الجريمة الاعدام أو السجن المؤبد فقط.
الباب الثاني: الجرائم والعقوبات:
يلاحظ أن الجرائم الارهابية عديدة ومتنوعة، وقد تطال أنشطة لبعض جمعيات ومنظمات المجتمع المدنى، والعقوبات المقررة لهذه الجرائم تتراوح بين الاعدام والسجن المؤبد والمشدد والسجن والحبس والمصادرة والتدابير التكميلية، ولا مكان للغرامات المالية. ونكتفي ببعض الأمثلة على الجرائم المعتبرة إرهابية وعقوباتها.
1- يعاقب بالاعدام أو السجن المؤبد كل من أنشا أو أسس أو نظم أو أدار منظمة ارهابية أو تولى زعامة أو قيادة فيها. وتقضى المحكمة بمصادرة أموال المنظمة وحلها وإغلاق مقارها فى الداخل والخارج. وبدهي أن اغلاق مقر المنظمة فى الخارج يتطلب موافقة دولة المقر الخارجى على تنفيذ الحكم الجنائى الصادر من محكمة مصرية.
2-يعاقب بالسجن كل من انضم إلى منظمة إرهابية أو شارك فيها بأى صورة مع علمه بأغراضها. وفى هذه الحالة يكفي إعلان تنظيم الاخوان المسلمين منظمة إرهابية من قبل الدولة، لعقاب كل أعضاء التنظيم أو من يشاركون فيه بأي نشاط، إذا استمرت عضويتهم أو مشاركتهم بعد دخول قانون مكافحة الارهاب إلى حيز النفاذ.
3-يعاقب بالسجن المشدد من أنشأ أو أدار على خلاف أحكام القانون جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة، غرضها الدعوة لتعطيل الدستور أو القوانين أو عرقله عمل مؤسسات الدولة أو سلطاتها العامة أو الاعتداء على الحريات والحقوق التى كفلها الدستور والقانون أو الاضرار بالوحدة الوطنية، وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا كان الارهاب من الوسائل التى تستخدم فى تحقيق أو تنفيذ الدعوة. وبدهي أن الجمعية ليست في هذه الصورة في ذاتها إرهابية، لكنها أنشئت أو أديرت بالمخالفة للقانون، فإذا كان الارهاب من وسائلها شددت العقوبة. وهذا النص يسمح بعقاب الجمعيات الأهلية التى يمكن أن تنتقد تصرفات السلطات العامة أو تدعو المواطنين إلى التظاهر أو الاضراب للمطالبة بتحقيق إصلاحات، لأنها تكون قد أديرت على خلاف أحكام القانون ولو كان إنشاؤها مطابقا للقانون.
4- تعاقب المادة 18 من المشروع كل مصرى تعاون أو التحق بغير إذن كتابى من السلطات المختصة بالقوات المسلحة لدولة أجنبية أو جمعية تهدف إلى ارتكاب الأعمال الارهابية، حتى ولو كانت أعمالها غير موجهة إلى مصر. ولا يظهر من صياغة النص حكم المصرى الذي يحمل جنسية دولة أجنبية مع الاحتفاظ بجنسيته المصرية إذا التحق بالقوات المسلحة للدولة الأخرى التى يحمل جنسيتها. ولا نرى ملاءمة انشغال السلطات المصرية بأمر المصرى الذي ينضم إلى منظمة أو جمعية خارج مصر، لا توجه نشاطها الارهابى إلى إقليم مصر أو إلى مواطنيها أو مصالحها خارج مصر.
5- يعاقب المشروع بالسجن مدة لا تزيد عن 5 سنوات على الترويج المباشر أو غير المباشر للأغراض أو الأعمال الارهابية بأى وسيلة بما فيها المواقع الإلكترونية، ويعد من قبيل الترويج غير المباشر الترويج للافكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف. وتشدد العقوبة إذا كان الترويج لأغراض يستخدم الارهاب لتحقيقها أو حدث داخل دور العبادة أو بين القوات المسلحة أو الشرطة. والترويج غير المباشر فكرة غير محددة، لاسيما إذا كان موضوعه الأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف.
6- يعاقب المشروع بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات كل من أنشأ موقعا على شبكة المعلومات الدولية أو غيرها بغرض الترويج للافكار أو المعتقدات الداعية إلى استخدام القوة أو العنف. ويعاقب بالسجن كل من استخدم موقعا للغرض ذاته. ويجوز للنيابة العامة وقف المواقع المذكورة علما أن الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى استخدام القوة أو العنف يشمل الدعوة إلى تغيير الدستور أو اسقاط الحاكم المستبد أو تغيير حكومة غير قادرة على ادارة شؤون البلاد. ووفقا لهذا النص، كان يمكن عقاب الشباب الثوار فى 25 يناير 2011 لأنهم اعتمدوا أساسا على استخدام "الإنترنت" فى الدعوة للثورة على نظام مبارك وإسقاط مجلس الشعب الذي انتخب فى 2010 بالتزوير.
7- يعاقب القانون بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات كل من قام بعمل من أعمال الإعداد أو التحضير لارتكاب جريمة من جرائم الارهاب، ولو لم يتعد عمله هذا الاعداد أو التحضير. وتعبير الإعداد أو التحضير يعنى العقاب على الأعمال التحضيرية ولو لم يكن المتهم قد بدأ فى التنفيذ، وهو تعبير واسع تندرج تحته العديد من الأنشطة التى يبدو ظاهرها أنها إعداد لجرائم إرهابية مثل عقد إجتماعات أو تبادل رسائل حول الأوضاع السائدة فى البلاد تظهر عدم رضاء أو تذمر ولو لم يكن ذلك بقصد ارتكاب أى عمل ارهابى. كما يعاقب بالعقوبة ذاتها من يقوم بجمع معلومات عن أحد القائمين على تطبيق القانون لغرض تهديده أو الإعداد لإلحاق الأذى به أو بذويه.
8- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين كل من علم بوجود جريمة من جرائم الارهاب أو علم بالإعداد أو التحضير لها ولم يبلغ السلطات المختصة، عدا الزوج والأصول والفروع. وهذا النص يفتح بابا واسعا للبلاغات الكيدية التى تتم بقصد الإنتقام لا سيما فى حالة الإدعاء بوجود إعداد أو تحضير يعتقد المبلغ أنه بقصد ارتكاب جريمة ارهابية طبقا لتقديره.
الباب الثالث: الأحكام الإجرائية:
أهم الأحكام الإجرائية التي جاء بها مشروع القانون:
1- إنشاء نيابة متخصصة تسمى "نيابة الجرائم الارهابية"، يشمل اختصاصها جميع أنحاء الجمهورية، يكون لأي من أعضائها (أيا كانت درجته) ذات سلطات واختصاصات النيابة العامة وقاضى التحقيق ومحكمة الجنح المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة، وهي سلطات واسعة.
2- يجوز حبس المتهم احتياطيا أو مد حبسه أكثر من مرة بقرار من النائب العام أو من يمثله لمدة لا تجاوز ستة أشهر أو لحين الانتهاء من إجراءات التحقيق أيهما أقرب. ويعنى ذلك إمكان تجاوز الحبس للمدة المحددة دون سقف يتوقف عنده، طالما أن التحقيق لم ينته بعد.فإذا انتهى التحقيق وأحيل المتهم إلى المحكمة، كان لها حبس المتهم لمدة لا تجاوز سنتين، وفى حالة نقض الحكم وإحالة المتهم إلى محكمة الجنايات لإعادة محاكمته، يكون لمحكمة النقض ومحكمة الاحالة، إذا كانت العقوبة هى الاعدام أو السجن المؤبد، حبس المتهم احتياطيا دون التقيد بأى حد أقصى طبقا للتعديل الأخير للمادة 143 من قانون الاجراءات الجنائية(1).
3- يجوز اتخاذ التدابير التحفظية بما فيها تجميد الأموال والمنع من التصرف فيها أو إدارتها فى الاحوال التى يقوم فيها من "الاستدلال" أو التحقيق "دلائل كافية" على الاتهام فى جريمة ارهابية. وهذا النص يخرج على القواعد المقررة فى المادة 208 مكررا (أ) من قانون الاجراءات الجنائية، التى تتطلب أن يكون هناك تحقيق (ولا تكتفى بالاستدلال) وأن توجد أدلة كافية من التحقيق (ولا تكتفى بالدلائل).
4- يجوز للنائب العام أو رئيس النيابة الأمر بالاطلاع على حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم فى البنوك وكذلك المعاملات المتعلقة بها، أو بالحصول على أى بيانات أو معلومات عنها، إذا اقتضى ذلك كشف الحقيقة فى أعمال "الاستدلال" أو التحقيق بعدد أى جريمة ارهابية.وهذا النص يشكل استثناء من قانون سرية الحسابات المصرفية، وخطورته أنه لا يتطلب إذنا من المحكمة أو من قاض كما ينص قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد لسنة 2003، كما أنه يسمح بذلك فى مرحله الاستدلال وليس التحقيق فقط، ويسمح بخرق السرية المصرفية بصدد أى جريمة ارهابية، ولو كانت من الجنح. وهذا النص يجاوز ما كان مقررا فى قانون مكافحة الإرهاب لسنة 1992.
5- تخصيص دوائر فى محاكم الجنايات والمحاكم الجزئية والمحاكم الابتدائية لنظر جرائم الارهاب والجرائم المرتبطة بها. ويفصل فى هذه الجرائم على وجه السرعة، "تحقيقا لقيم العدالة الناجزة " كما يذكر نص المادة 40 من المشروع.
6- قرر المشروع استثناء الجرائم الارهابية من التقادم، سواء فى ذلك انقضاء الدعوى الجنائية أو سقوط العقوبة المحكوم بها بمضي المدة.
7- خصص المشروع الباب الرابع للتعاون القضائى الدولى، سواء فى مجال تبادل المعلومات، أو الدخول أو التسليم المراقب، أو تنفيذ الأحكام الجنائية النهائية الصادرة من الجهات القضائية الأجنبية. كما نص المشروع على عدم اعتبار جرائم الارهاب من الجرائم السياسية أو المالية فى تطبيق أحكام التعاون القضائى الدولى.
ثالثا: مشروع قانون مكافحة الارهاب بين المؤيدين والمعارضين:
ما تقترحه وزارة الداخلية فى المشروع المقدم منها يتجاوز ما ينص عليه قانون الطوارئ من أحكام تخرج عن القواعد العامة. فإذا أضيف إلى هذا المشروع قانون التظاهر المزمع إصداره قريبا، وقانون فتح الحد الأقصى للحبس الاحتياطى الذي صدر بالفعل وغيره من القوانين التى تعدها السلطة الانتقالية، فإنه قد يكون من الأفضل عودة حالة الطوارئ بما تفرضه من تدابير، قيدتها المحكمة الدستورية العليا بالقيود المنصوص عليها فى القوانين العادية. لذلك ينقسم الرأى بشأن مشروع قانون الطوارئ بين محبذ لصدور القانون ومعارض له.
أ- المعارضون لمشروع القانون يستندون إلى عدة حجج:
1- أن القوانين القائمة فيها الكفاية إذا أدخلت عليها بعض التعديلات، فلا حاجة لإصدار قانون استثنائى من القوانين سيئة السمعة.
2- أن القانون يحتاج إلى برلمان منتخب لإصداره إذا قدر ملاءمة ذلك، فلا يجوز صدور مثل هذا القانون الاستثنائى من سلطة انتقالية مؤقتة.
3- أن القانون لا يتفق مع روح الثورة التى طالبت بإلغاء القوانين والاجراءات والمحاكم الاستثنائية. فلا يقبل الالتجاء إلى قوانين استثنائية ونحن نؤسس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم على سيادة القانون وتحمى حقوق الانسان وحرياته الاساسية.
4- لا يخفى تأثير هذه القوانين الاستثنائية على بيئة الاستثمار، لأن المسثمرين لا يحبذون الاستثمار فى دول تحكمها قوانين استثنائية.
ب- المؤيدون لمشروع القانون يثيرون عدة اعتبارات:
1- صعوبة تجديد حالة الطوارئ، لتطلب الاعلان الدستورى النافذ ضرورة استفتاء الشعب لمد حالة الطوارئ من أجل مواجهة الظروف الاستثنائية
التى تمر بها البلاد فى الوقت الراهن.
2- أن حالة الطوارئ بطبيعتها مؤقتة، بينما القانون دائم لا يحتاج إلى تجديد.
3- أن قانون مكافحة الارهاب يعطي سلطات واسعة لرجال الضبط وسلطات التحقيق تتجاوز ما هو مقرر بقانون الطوارئ، لا سيما بعد أن قيدت المحكمة الدستورية العليا تدابير الطوارئ بضرورة احترام الضوابط المقررة فى القوانين العادية، فقد صار قانون الطوارئ بعد حكم الدستورية غير ملائم لما تتطلبه مكافحة الارهاب من تدابير سريعة تتجاوز ما هو مقرر في القوانين العادية.
والحقيقة أن السلطات الواسعة التى يقررها مشروع قانون مكافحة الارهاب تتجاوز ما يقرره قانون الطوارئ بعد تقييده من المحكمة الدستورية العليا. لذلك لا شك فى أن المشروع المقترح بعد إقراره من السلطة الانتقالية سوف يكون محلا للطعن عليه بعدم الدستورية فى مواد عديدة عرضنا لها. لذلك قد يكون من الافضل التريث وعدم إصدار القانون المقترح قبل إقرار الدستور الجديد وتشكيل البرلمان كى يقرر بشأنه ما يراه. وقد ثبت أن قانون الطوارئ لم يمنع العنف والارهاب، وذلك دليل على أن العنف والارهاب لهما عوامل عديدة لا تكفي القوانين المقيدة للحريات لاقتلاعها من جذورها، بل ينبغي تشخيصها وعلاجها. ولهذا الموضوع حديث اخر.
(1) راجع فى ذلك فتوح الشاذلى، مشروع قانون لاقرار نظام الحبس الاحتياطى المفتوح فى مصر، المفكرة القانونية فى 9 أيلول (سبتمبر) 2013.