قراءة في باب الحقوق والحريات في مسودة الدستور المصري الجديد


2014-01-06    |   

قراءة في باب الحقوق والحريات في مسودة الدستور المصري الجديد

انتهت لجنة الخمسين المكلفة بإجراء التعديلات على دستور 2012[1] من عملها في أول ديسمبر من العام الجاري، والمزمع إجراء الاستفتاء عليها يومي 14، 15 يناير 2014 بعدما أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 678 لسنة 2013 بدعوة المواطنين لإبداء الرأي فيها. وحرصًا من المفكرة القانونية على تقديم وتحليل المستجدات القانونية في المنطقة العربية، فإنها تنشر هذه الورقة للحقوقي محمد الأنصاري، والتي تتناول إطلالة على المبادئ الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات والواجبات العامة الواردة في الباب الثالث[2] من المسودة الأخيرة لمشروع الدستور التي انتهت إليها لجنة الخمسين، وذلك بمقارنتها بدستور 2012 والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان للوقوف على الإيجابيات والسلبيات التي تضمنها هذه المواد. وتضاف هذه الورقة الى أوراق سبق للمفكرة نشرها بشأن مكانة الشريعة ووضع المرأة في الدستور (مع الحقوقية منة عمر) أو أيضا بشأن القضاء (مع د. فتوح الشاذلي).

أولا: الحقوق المدنية والسياسية

مبدأ المساواة أمام القانون
إن الدساتير المصرية جميعها بدءًا من دستور 1923 وانتهاءً بالدستور المعطل، رددت مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه للمواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، ذلك لأن الغاية من هذا المبدأ تتمثل أساسًا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها.

وترتيبًا على ذلك، نصت المادة (53)[3] من مسودة الدستور على الآتي: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.

التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".

إن هذه المادة تقابل ما تضمنه دستور 2012 في المادة 33 التي تنص على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك".

ويلحظ أن المادة 53 محل التعليق، قد تميزت عن هذه الأخيرة من خلال تعداد صور التمييز بشيء من التزيد مختتمة إياها بعبارة "أو لأي سبب آخر". هذا فضلا عن تضمين المسودة المادة 11 التي كفلت فيها الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.وما يميزها فعليا هو أنها جرمت التمييز والحض على الكراهية، وألزمت الدولة بإنشاء مفوضية لمكافحة كل صور التمييز. وبهذا تكون لجنة الخمسين قد استجابت لمطالبات بعض المنظمات الحقوقية التي طالبت بإنشاء مثل هذه المفوضية لمكافحة التمييز مثلما هو مقرر في العديد من الدساتير ومن بينها الدستور المغربي.

إلا أنه وعلى الرغم من أن المادة أقرت مبدأ المساواة بين المواطنين، إلا أنها أغفلته بموجب بعض المواد الواردة في المسودة وفي مقدمتها "حرية ممارسة الشعائر الدينية"، والتي أجازت المسودة في المادة (64) ممارستها لأصحاب الديانات السماوية دون غيرهم. وبذلك يكون أول انتهاك لمبدأ المساواة وعدم التمييز قد جاء في مسودة الدستور نفسها.
 
حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية
دأبت الدساتير المصرية المتعاقبة -بدءًا من دستور 1923 وحتى دستور 1964- على الفصل ما بين حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، حيثأنها أطلقت حرية الاعتقاد وقيدت حرية ممارسة الشعائر الدينية بقيد عدم الإخلال بالنظام العام والآداب العامة، في حين أن دستور 1971 لم يقيد تلك الأخيرة نظريًا عندما نصت المادة 46 منه على أن "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية". إلا أنه وفقًا للواقع العملي لم يتم الاعتراف بحرية ممارسة الشعائر الدينية إلا لأصحاب الديانات السماوية دون غيرهم -على الرغم أن أصحاب الديانة المسيحية كانوا يعانون الأمرين في بناء كنائسهم-. وخير دليل على ذلك، الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري سنة 2008[4]، لذي قضى بأحقية أصحاب الديانة البهائية في وضع علامة (-) في خانة الديانة، مؤكدة على أن حرية العقيدة مطلقة من كل قيد، إلا أن هذا الحكم لم يخول لهذه الفئة حقهم في ممارسة شعائرهم حتى داخل منازلهم.

في الاتجاه نفسه، ذهب دستور 2012 في المادة (43)، ومسودة دستور 2013 في المادة (64). فمع الإشارة الى أن هذه الأخيرة قد استبدلت عبارة "مصونة" ب"مطلقة" للدلالة على حرية المعتقد، التقت هاتان المادتان على أن "حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون".  

يؤخذ على هذه المادة أنها أهدرت مبدأ المواطنة، الذي يفترض المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات العامة، ضاربًا بأبسط حقوق الإنسان وأهمها عرض الحائط، خارقًا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي كفلت حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل.

كما يؤخذ عليها أيضًا عدم تضمينها صراحة حق أصحاب الأديان السماوية في تغيير ديانتهم إلى أي ديانة أخرى، رغم الإشكالات الكثيرة المتأتية عن غياب نص مماثل.وهذا ما نستشفه بالفعل من حكم سابق صادر عن محكمة القضاء الإداري[5]، بعدم جواز الداخل في الإسلام من تغيير ديانته بالعودة مرة أخرى إلى الدين السابق على دخوله هذا، بقولها "إن تغيير الديانة من المسيحية إلى الإسلام لا يتم عرفًا وواقعًا إلا بعد جلسات للنصح والإرشاد يقوم بها رجال الدين المسيحي على ما هو متعارف عليه، وهو ما يقطع بأن تارك دينه المسيحي عازف عنه عزوفًا لا رجعة فيه ليدخل في الدين الإسلامي بملء إرادته دون إكراه، راضيًا الالتزام بأحكامه وقواعده، ومنها عدم الاعتداد بالردة أو الخروج من الدين الإسلامي بعد ذلك سواء بالعودة إلى دين سماوي آخر أو الخروج إلى غير دين سماوي كلية، لأن القول بغير ذلك يؤدي إلى التلاعب بالأديان والعقائد والشرائع بما يتعارض مع القواعد الآمرة التي يفرضها النظام العام واستقرار المجتمع، الأمر الذي يضحى معه قبول رجوع الخارج عن الدين الإسلامي من هيئة دينية أخرى اعتداء على الديانة الإسلامية التي دخل فيها، وزج بالمعتقدات الدينية في أتون خلافات عقائدية".

فإذا كانت لجنة الخمسين وبحق لديها الرغبة في وضع دستور لكل المصريين، فكان لزامًا عليها أن تطلق حرية ممارسة الشعائر الدينية، هذا بالإضافة إلى حرية المواطنين في تغيير دياناتهم.

– حرية التنقل
عني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 13) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 12) بالنص على حق كل فرد في التنقل داخل وطنه أوخارجه. وتماشيًا مع ذلك، نصت المادة (62)من مسودة الدستور على أن "حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون"[6].

وبالتالي فإن مسودة الدستور كفلت لكل مواطن الحق في التنقل متسقة في ذلك مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، إلا أنه يعيبها عدم وضع حد أقصى للمنع من مغادرة البلاد أو فرض الإقامة الجبرية، أو حظر إقامته في مكان معين، مكتفية بعبارة "لمدة محددة" تاركة للقانون تحديد مثل هذا الأمر. ويخشى أن تكون هذه العبارة بمثابة الباب الذي يمكن من خلاله للسلطة التشريعية تطويل هذه المدة، مما يتيح لها إمكانية التعسف في استخدام سلطتها في تقديرها بصورة قد تنال من الحق ذاته.

الحق في الخصوصية
تناولت المادة (75) من مسودة الدستور حرمة الحياة الخاصة للمواطنين والمقيمين على إقليم الجمهورية، عندما نصت على أن "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والالكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، لمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك"[7].

بينما تناولت المادة (76) حرمة المسكن للكافة، بقولها "للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، وذلك كله في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من في المنازل عند دخولها أو تفتيشها، واطلاعهم على الأمر الصادر في هذا الشأن"[8].
إن هاتين المادتين توافقتا مع ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 12)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 17).

الحق في الحرية والأمان الشخصي
تناول العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 9 مسألة حق كل شخص في الحرية، وفي الأمان على شخصه في الحالات الجنائية، مؤكدة على عدم جواز توقف أحد أو اعتقاله تعسفًا، وعدم جواز حرمانه من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون، واضعة بعض الأطر لحماية حقوق الإنسان قبل وبعد القبض عليه، ومن بينها إبلاغه سريعًا بأسباب التوقيف والتهم الموجهة إليه، هذا بالإضافة إلى مراعاة إحالته فورًا إلى أحد القضاة أو الموظفين المخولين قانونًا بمباشرة الوظائف القضائية، وحقه في أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه، بحيث لا يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، مع حقهم في الرجوع إلى محكمة لكي تفصل في قانونية الاحتجاز أو الاعتقال مع حفظ حقه في الحصول على التعويض من جراء التوقيف غير القانوني.

وفي هذا الإطار، قررت المادة (54) بأن "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس. وفيما عدا حالات التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمَكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته. ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقًا للإجراءات المقررة في القانون. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا. وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه، وفي جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو منتدب".

إن هذه المادة تلافت العوار الوارد في المادة 35 من دستور 2012، عندما قررت وجوب الإبلاغ الفوري للشخص المقبوض عليه بحقوقه والاتصال بذويه وبمحاميه، بينما كانت الأولى توجب ذلك خلال 12 ساعة من وقت القبض عليه. كما أنها عنيت بذوي الإعاقة في حين أن هذه الأخيرة قد أغفلته. ويحسب للجنة الخمسين مراعاتها لهذه الفئة التي تستأهل الحماية في ظل هذه المواقف الصعبة، وتوفير المساعدة لهم حسب نوع الإعاقة.

إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، أبقت على ذات العوار الوارد في دستور 2012، بإحالتها تنظيم مدة الحبس الاحتياطي إلى القانون، الأمر الذي يتماشى مع تأبيد الحبس الاحتياطي في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام والسجن المؤبد والحاصل بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 83 لسنة 2013.
 
وفي ذات السياق قررت المادة (55) بأن "كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا القانون. وللمتهم حق الصمت، وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه يهدر ولا يعول عليه".
وعلى الرغم من أن هذه المادة لها إيجابياتها المتمثلة في حماية شخص المقبوض عليه والمقيدة حريته من كافة صنوف المعاملة اللاإنسانية، وتضمينها "حق المتهم في التزام الصمت" تأسيسًا على أن الأصل في المتهم البراءة، فمن ثم أنه ليس على المتهم إثبات براءته من الجرم المنسوب إليه، ولكن على النيابة العامة عبء إثبات إدانته.

وتتمثل سلبيات هذا النص في جواز احتجاز المقبوض عليه في أمكان غير خاضعة للإشراف القضائي مكتفية بأن يكون المكان لائقا إنسانيًا وصحيًا، وفي هذا تراجع عما قررته المادة 36 من دستور 2012 والتي أكدت على ضرورة أن تكون كافة مقار الاحتجاز خاضعة للإشراف القضائي.

حظر التعذيب
إن الدول كثيرًا ما تلجأ إلى تعذيب المشتبه بارتكابهم جرائم، تعويضًا عن تدني قدرات البحث والتحري عن الجرائم وضعف القدرة على الوصول إلى الحقيقة عبر الوسائل المشروعة، هذا بالإضافة إلى عزوف الدول عن تقديم مرتكبي تلك الجرائم إلى المحاكمة وإنصاف ضحايا التعذيب.

اهتمت المواثيق والاتفاقيات الدولية بتجريم التعذيب كونه يشكل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وفي هذا السياق، حظرت المادة (52) من مسودة الدستور التعذيب بجميع صوره وأشكاله، معتبرة إياه جريمة لا تسقط بالتقادم.
إن هذه المادة توافق نظريًا ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 5)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 7) واللذان أكدا على عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر.

إلا أنه من الناحية العملية، حتى يفعل النص الدستوري بما يتضمنه من حماية الضحية من التعذيب بكافة صوره وأشكاله، يتوجب إجراء تعديل تشريعي للنصوص العقابية المجرمة للتعذيب، ذلك لأنها تعاقب فقط على تعذيب شخص المتهم أو الأمر بتعذيبه لحمله على الاعتراف[9].
ومن ثم فإن المشكلة ليست في النص المقترح من لجنة الخمسين، ولكنها في التشريع العقابي أنه لا يمتد ليشمل العديد من الضحايا الذين تم تعذيبهم لغرض التأديب أو لمجاملة طرف ثالث. كما لا يشمل أيضًا الذين يجري تعذيبهم للضغط على طرف آخر موضع اشتباه -غالبا من أفراد العائلة- وإجباره على الاعتراف بجريمة ما، أو لتسليم نفسه إن كان هاربا، وهو ما يعرف بسياسة احتجاز وتعذيب الرهائن. وفي تلك الحالات التي لا تتوفر فيها أركان التعريف القانوني يتم تكييف القضية من جريمة تعذيب إلي جريمة استخدام قسوة، وفي حال وفاة الضحية أثناء التعذيب أو بسببه، يتم التعامل معها وكأنها جريمة ضرب أفضى إلى موت، أو قتل خطأ أثناء تأدية موظف عام لمهام تمليها عليه وظيفته، والنتيجة أن قتل مواطن قد تكون عقوبته الحبس سنة، وقد يكون ذلك مع إيقاف التنفيذ أو الاكتفاء بالعقوبة الإدارية التي قد لا تتجاوز الخصم من الأجر، حيث تنص المادة 129 من قانون العقوبات علي أن "كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتمادا على وظيفته بحيث أنه أخل بشرفهم أو أحدث آلاما بأبدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه".

فكان من الأجدى أن يضع النص الدستوري تعريفًا للتعذيب مثلما وضعته اتفاقية مناهضة التعذيب[10] في المادة 1 منها التي تنص على أن "يقصد بالتعذيب، أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًا كان أم عقليًا، يلحق بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه أو أي شخص ثالث –أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها".

هذا بالإضافة إلى تضمين النص، التزام الدولة تأهيل ضحايا التعذيب بدنيًا ونفسيًا كجزء من التعويض وجبر الضرر.

المساواة أمام القضاء
تناول العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 14 فقرة 1 الحق في محاكمة منصفة وعادلة والحق في نظام قضائي يتمتع بالنزاهة والاستقلال، وبذلك بنصها "الناس جميعًا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون".
وعلى الرغم من أن مسودة الدستور تناولت في المادة (97) حق كل فرد في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي، وحظر المحاكم الاستثنائية. إلا أنه خرج على ذلك في المادة (204) التي أجازت محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكريةأو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم.

إن هذه المادة لم تكتف باختصاص القضاء العسكري على نحو ما ذكر، بل أجازت للسلطة التشريعية إضافة اختصاصات أخرى له.
إن النص الأخير يعيبه أنه وضع القضاء العسكري في قالب دستوري، وبالتالي اكتسبت هذه المحاكم شرعية دستورية لا تعلوها شرعية أخرى، بالمخالفة للتقارير الصادرة عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التي قررت أنه "تلاحظ اللجنة أنه توجد، في بلدان عديدة، محاكم عسكرية أو خاصة تحاكم المدنيين. وقد يثير ذلك مشاكل خطيرة فيما يتعلق بإقامة العدالة على نحو منصف وحيادي ومستقل. وغالبا ما يكون السبب في إنشاء مثل هذه المحاكم هو التمكن من تطبيق إجراءات استثنائية لا تتفق مع المعايير العادية للعدل. ومع أن العهد لا يحظر هذه الفئات من المحاكم، إلا أن الشروط التي ينص عليها تشير صراحة إلى أن محاكمة المدنيين من جانب مثل هذه المحاكم ينبغي أن تكون استثنائية جدا، وأن تجرى بشروط تسمح أساسًا بتوافر جميع الضمانات المنصوص عليها في المادة 14…"[11].
 
–  حرية التعبير عن الرأي وحرية الإبداع
أن حرية التعبير عن الرأي، فهي الحرية الأصل التي تتفرع منها العديد من الحريات كحرية الاجتماع، حرية تكوين الجمعيات والنقابات، حرية الصحافة، حرية الإبداع وغيرها، فكل هذه الحريات هي وسائل للتعبير عن الرأي.

تضمنت مسودة الدستور حرية التعبير في مسودة الدستور في المادة (65) بصورة لا تختلف كثيرًا عما تضمنه دستور 2012، وذلك عندما نصت على أن "حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".

أما بشـأن حرية الإبداع، فقد تضمنت المادة (67) من مسودة الدستور النص على أن "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوبتها. وللمحكمة في جميع الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة على التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون".

ومن ثم تكون مسودة الدستور قد ألزمت السلطة التشريعية بتعديل كافة المواد العقابية المقررة لعقوبات سالبة للحرية في قضايا التعبير عن الرأي بطريق الإبداع الفني والأدبي. هذا بالإضافة الى استلزام النص تحريك الدعوى الجنائية عن طريق النيابة العامة وليس بطريق الادعاء المباشر الذي طالما استخدم في مواجهة الفنانين والمبدعين والكتاب وتوجيه اتهامات لهم بدعوى ازدراء الأديان والإخلال بالنظام العام والآداب العامة وغيرها.
 
حرية الصحافة والإعلام
تناولت مسودة الدستور حرية الصحافة في ثلاث مواد، فقد تضمنت المادة (70) النص على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر والورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية".

كما أكدت المادة (71) على أن "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناءً فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوبتها القانون. وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة الى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون".

وقد ألزمت المادة (72) الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام.

إن هذه المواد الواردة في مسودة الدستور، أفضل كثيرًا مما تضمنه دستور 2012 في شأن حرية الصحافة والإعلام، بحيث أنها أقرت إلغاء العقوبات المقيدة للحرية في قضايا النشر -إلا في القضايا المتعلقة بالحض على التمييز والعنف والطعن في الأعراض- التي طالما طالب بها العاملون في الحقل الإعلامي وأيضًا المنظمات الحقوقية المصرية. إلا أن مسودة الدستور الجديد قيدت حرية الصحافة من جانب آخر، بما يتعلق بحرية تداول المعلومات. فقد نصت المادة (68) على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم في رفض إعطائها. كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة وفقًا لقانون".

فهذه المادة أحالت تنظيم حرية تداول المعلومات إلى القانون وهذا ما يعيبها، ذلك لأنه وبمطالعة كافة مشروعات القوانين المقترحة من الحكومة في هذا الشأن نجد أنها لا تكتفي بتنظيم تلك الحرية بل تدخل قواعد من شأنها توسيع حظر الاطلاع على المستندات، بالاستناد الى موانع مطاطة كمانع الأمن القومي[12].  

الحق في التجمع السلمي
عنيت المواثيق الدولية بالنص على حق الفرد في التجمع السلمي، ومن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 20)والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 21). وجرت كذلك الدساتير المصرية المتعاقبة –ابتداءً من دستور 1923 وانتهاءً بالإعلان الدستوري الصادر في 2013 على كفالة الحق في التجمع السلمي.

وترتيبًا على ذلك، فقد عنيت مسودة الدستور بالنص على كفالة هذا الحق في المادة (73) منه بقولها "للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وحق الاجتماع الخاص سلميًا مكفول، دون الحاجة على إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته أو التنصت عليه".
وعلى الرغم أن هذه المادة –كما سبق القول- مقررة في الدساتير كافة وآخرها المادة 10 من الإعلان الدستوري الصادر في 2013، إلا أن قانون التظاهر الجديد رقم 107 لسنة 2013 التف على هذا الأخير عندما النص الدستوري  بدا وكأنه يلتف حوله ، عندما أخذ لممارسة هذا الحق بنظام هو أقرب الى نظام التصريح[13]. وهذا ما يستبين من نص المادة 10 من ذات القانون التي منحت لوزارة الداخلية الحق في الاعتراض استنادًا على أسباب فضفاضة –كوجود معلومات جدية على تهديد الأمن أو السلم العام- ولا يخفى ان تقدير مدى جدية هذه المعلومات يرجع إلى تقديرات وزارة الداخلية دون سواها. ذلك على الرغم من تأكيد المحاكم المصرية بأن "حق الاجتماع ليس منحة من الإدارة، تمنعها أو تمنحها كما تشاء، بل هو حق أصيل للناس اعترف به القانون وأكده الدستور، ولذا فهو لا يقتضي طلبًا من قِبل صاحب الشأن، ولا يلزم لنشوئه صدور قرار الإدارة بالترخيص فيه، وإنما هو مستمد من القانون وفقط يجب عليه إن أراد استعماله أن يخطر الإدارة بزمان الاجتماع ومكانه وغير ذلك من البيانات التي نص عليها القانون وسلطتها في منع الاجتماع وفي فضه هي سلطة استثنائية"[14].
هذا بالإضافة إلى أنه أجاز فض التظاهرات عند وقوع أية جريمة مهما بلغت من التفاهة، وبصورة غير منضبطة. هذا فضلًا عن أن القانون أجاز فض المظاهرات العفوية التي لا تتطلب الحصول على ترخيص أو إخطار في العديد من دول العالم، وقرر لها عقوبة الغرامة ومن ثم لا يجوز القبض على منظميها. إلا أن جهاز الشرطة عمل على تلفيق بعض الاتهامات التي من خلالها يسهل لهم القبض على منظميها، وخير مثال على ذلك القبض على النشطاء السياسيين المناهضين لدسترة المحاكمات العسكرية للمدنيين وتلفيق اتهامات لهم كسرقة ضابط شرطة بالإكراه، وتخريب الممتلكات العامة وغيرها.

حرية تكوين الجمعيات
تنص المادة 75 من مسودة الدستور على أن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائي، وذلك على النحو المبين بالقانون".

سار هذا التعديل على النهج الذي ظل معمولا به في ظل دستوري 2012 و1971، مكررًا ذات العيب، متجاهلًا مطالب المنظمات الحقوقية المصرية بعدم حصر هذا الحق بالمواطنين دون غيرهم، الأمر الذي سيؤدي في تطبيقه إلى حرمان كافة الأجانب المقيمين في مصر من ممارسته. فكان لزامًا على لجنة الخمسين أن تستبدل لفظ "المواطنين" بـ "الأفراد" حتى تتمكن المنظمات الأجنبية من العمل داخل مصر.
 
 
ثانيًا: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

الحق في العمل
تضمنت مسودة الدستور الحق في العمل في أكثر من موضع، فقد قررت المادة 12 من مسودة الدستور بأن "العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل". كما نصت المادة 13 على أن "تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعي، وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفيًا، وذلك كله على النحو المبين بالقانون". كما عنيت المادة 14 بالنص على أن "الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون". هذا فضلا عما تضمنته المادة 15 من الاعتراف بحق الإضراب السلمي وفقًا للقانون.

وبمطالعة هذه النصوص نجد أن المادة 12 جاءت خالية من ثمة التزام على الدولة بتوفير فرص عمل لموطنيها للحد من نسبة البطالة التي تزداد من يوم إلى آخر مثلما هو مقرر في بعض الدساتير المقارنة، كما نص عليه الدستور المغربي في المادة 31 منه على أن "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة من الحق في: الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل أو في التشغيل الذاتي، ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق". هذا بالإضافة إلى ما تضمنته المادة 36 من الدستور السوري من أن "1. العمل حق لكل مواطن وواجب عليه وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين. 2. يحق لكل مواطن أن يتقاضى أجره حسب نوعية العمل ومردوده وعلى الدولة أن تكفل ذلك. 3. تحدد الدولة ساعات العمل وتكفل الضمان الاجتماعي للعاملين وتنظم لهم حق الراحة والإجازة والتعويضات والمكافآت".

ومن ثم كان يتعين على لجنة الخمسين أن تضع التزامًا على الدولة يمكن من خلاله توفير فرص عمل لمواطنيها، فضلًا عن كفالة تمتعهم بشروط عمل عادلة تكفل لهم أجورًا ومكافآت عادلة تتناسب مع الأعمال التي يؤدونها دون تمييز.
أما بشأن المادة 13، فجديدها بالنسبة الى دستور 2012 يتمثل في تضمينها عبارة "ويحظر فصلهم تعسفيًا". فهذه العبارة تضع سياجًا من الحماية للعمال في مواجهة أصحاب العمل، الذين طالما قاموا بفصل العمال تعسفيًا دون سبب قانوني، وقاموا بتسريحهم مقابل مبلغ مالي زهيد لا يتناسب مع ما قدموه من خدمات لأصحاب الأعمال. حيث أن قانون العمل 12 لسنة 2003 يجيز فصل العمال تعسفيًا مقابل أجر شهرين عن كل سنة من سنوات الخدمة.

أما فيما يخص المادة 14 من المسودة، نجد أنها تجيز فصل العاملين المشتغلين بالوظائف العامة بالطريق التأديبي، وذلك وفقًا للمرسوم بقانون 181 لسنة 1952 بشأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، والذي تضمن في المادة الأولى منه "يكون فصل الموظفين العامين بزعم أنهم غير الصالحين للعمل أو تتعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، وذلك بموجب قرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء بحسب الأحوال".

والجدير بالذكر أن هذا المرسوم بقانون سبق استخدامه في أحداث مذبحة القضاة 1968، والتي تم خلالها عزل رئيس محكمة النقض، وأكثر من نصف مستشاريها، وبلغ عدد القضاة المعزولين ما يقرب من 200 قاض من القضاة المتمتعين بحصانة عدم القابلية للعزل بغير الطريق التأديبي طبقاً للقانون.

أما بشأن المادة 15، وعلى الرغم من اعترافها بحق الإضراب. إلا أنها أحالت تنظيمه إلى القانون، وهو ما جرت عليه الدساتير المصرية المتعاقبة. فهذه النص بصورته هذه خول المشرع العادي سلطة الافتئات على حق العمال في الإضراب، فكان لزاما على لجنة الخمسين أن تضع من القيود على المشرع العادي كي لا يفتئت على الحق عند تنظيمه. وخير دليل على ذلك ما أتى به قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 من قيود على حق الإضراب السلمي بصورة تجعل من ممارسته أمرًا مستحيلًا.

وهناك العديد من الأمثلة التي أتت بها دساتير الدول، ومن بينها المادة 28 بند (2) من الدستور السويسري، والتي تنص على أن "يسمح بالإضراب وإغلاق المصانع أمام العمال فيما يخص علاقات العمل على أن يتفق ذلك مع واجب الحفاظ على السلام في علاقة العمل أو اللجوء إلى الصلح".

حرية تكوين النقابات
وضعت المادة (76) من مسودة الدستور الإطار العام لحرية تكوين النقابات، وذلك عندما نصت على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ولا
يجوز إنشاء أي منها بالهيئات النظامية".

إن هذا النص سار على درب المادة 52 من دستور 2012، ضاربًا بنقدها والمأخذ الواردة عليها عرض الحائط. بل أنه أزاد قيودًا على ممارسة حرية تكوين النقابات، وهو ما سنورده عند تعليقنا.

فمن المأخذ الواردة على هذا النص، عدم الأخذ بنظام الإخطار لاكتساب المنظمات النقابية لشخصيتها الاعتبارية، بخلاف ما قررته المادة (75) من المسودة الخاصة بحرية تكوين الجمعيات، تاركًا للمشرع العادي سلطة تنظيم الكيفية التي يمكن من خلالها أن تكتسب هذه المنظمات الشخصية الاعتبارية، ومن ثم يكون قد فتح الباب على مصراعيه أمام السلطة التشريعية للأخذ بنظام التصريح دون الإخطار في تسجيل النقابات العمالية، وهو ما يخالف المعايير الدولية لحرية التنظيم النقابية التي أرستها منظمة العمل الدولية في الاتفاقية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي في مادتها الثانية، والتي قررت أنه "للعمال وأصحاب العمل، دون تمييز من أي نوع، الحق في إنشاء ما يختارونه هم أنفسهم من منظمات، ولهم كذلك، دون أن يرتهن ذلك بغير قواعد المنظمة المعنية، الحق في الانضمام إلي تلك المنظمات، وذلك دون ترخيص مسبق".

كما أن هذا النص يشوبه القصور بعدم تضمينه حق المنظمات النقابية في وضع دساتيرها وأنظمتها الأساسية، وطريقة انتخاب ممثليها، وتنظيم إدارتها وأوجه نشاطها، وصياغة برامجها. ذلك لأن التشريعات المصرية المنظمة للنقابات العمالية، قد دأبت على فرض قيود على تلك المنظمات تتعلق بكيفية تكوين جمعيتها العمومية ومجالس إدارتها، وكيفية انعقاد كل منها بمعزل عن أعضائها.

أخطر من ذلك، أن هذا النص أتى بحكم جديد لم يكن مدرجًا بالمادة 52 من دستور 2012، يتمثل في عدم جواز إنشاء النقابات العمالية بالهيئات النظامية، والتي تتمثل في مجلس الشعب، الجيش، المحاكم، السلطات، والمصالح العامة.

إن هذا النص الدستوري سيقف حائلًا أمام حرية العاملين بهذه الهيئات في تكوين منظماتهم النقابية التي تزود عنهم، كما أنه سيلقي بظلاله على كافة النقابات المنشأة في قطاعات الدولة، ومن بينها على سبيل المثال، نقابة الضرائب العقارية التي تعد أولى النقابات المستقلة في مصر، وأيضًا نقابة العاملين المدنيين بوزارة الداخلية التي تأسست عقب ثورة يناير وسط مضايقات من الوزارة. كل هذه النقابات سيتم حلها بموجب هذا النص الدستوري –حال الموافقة عليه- مما سيشكل في حقيقته قيدًا على حرية العاملين المدنيين بكافة قطاعات الدولة من حرية إنشاء نقاباتهم، هذا بالمخالفة لما أكدت عليه منظمة العمل الدولية في الاتفاقية رقم 151 الخاصة بحماية حق التنظيم النقابي، التي تنطبق على جميع الأشخاص الذين تستخدمهم سلطات عامة، مؤكدة في مادته الرابعة على توفير حماية كافية للموظفين العموميين من أية أعمال تميزية على صعيد استخدامهم تستهدف المساس بحريتهم النقابية.

جدير بالذكر، أنه بموجب هذا النص الدستوري، تتحلل مصر من التزاماتها بموجب الاتفاقية تلك، حيث لم يعد لهذه الأخيرة جدوى -بعد الموافقة على هذا النص الدستوري- كون الدستور يعد في مرتبة أعلى من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عل

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني