في غياب التناصف الأفقي في رئاسة القائمات: تراجع نسبة النساء في البرلمان التونسي إلى أقل من الربع


2019-11-25    |   

في غياب التناصف الأفقي في رئاسة القائمات: تراجع نسبة النساء في البرلمان التونسي إلى أقل من الربع

مع إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية لسنة 2019، اتضحت تركيبة مجلس نواب الشعب في عهدته البرلمانية الثانية وهوية النائبات والنواب الجدد. ولعلّ أول الاستنتاجات التي تفرض نفسها هو تراجع تمثيلية المرأة، حيث أن انتخابات 2019 أفرزت صعود 51 نائبة فقط من اجمالي 217 مقعد يتكون منها المجلس، أي بنسبة الربع[1]،، بعدما كان عدد النساء في المجلس المتخلي يساوي، في نهاية عهدته، 79 نائبة، أي ما يمثل تقريبا 36% من المقاعد. وقد كان البرلمان التونسي يحتلّ المرتبة 31 عالميا في نسبة النساء حسب احصائيات الاتحاد البرلماني الدولي، غير أنه من المنتظر أن يتراجع ترتيبه، مع بداية العهدة النيابية الجديدة، إلى المرتبة 76.

تمثيل النساء رهين نتائج الأحزاب الكبرى

يفسّر ضعف تمثيل النساء في المجلس بضعف وجودهنّ على رأس القائمات، إذ أن القانون الانتخابي لا يفرض سوى التناصف العمودي، أي التناوب بين الرجال والنساء في المراتب ضمن كل قائمة انتخابية. أما على مستوى اختيار رؤساء القائمات، فإنه لا يفرض شروطا. عدم التنصيص على التناصف الأفقي أدّى، حسب رابطة الناخبات التونسيات، إلى أن النسبة الجملية للنساء في رئاسة القائمات لم تتجاوز 14%، مع تفاوت حسب الأحزاب والائتلافات، دون أن تتعدى في أحسن الحالات 27% (بالنسبة لحزبي آفاق تونس والدستوري الحرّ).

لكنّ هذه النسبة، على ضعفها الشديد، شهدت تحسّنا طفيفا بالمقارنة مع 2014 حين كانت نسبة النساء على رأس القائمات في حدود 12%. بل أن عدد النائبات اللاتي ترأّسن قائماتهنّ اقتصر في 2014 على 12 نائبة فقط، في حين شهدت انتخابات 2019 صعود 22 رئيسة قائمة إلى البرلمان.

الذي تغيّر خاصّة هذه المرة، هو التفتت الكبير في المشهد البرلماني نتيجة لتراجع نتائج الأحزاب الحائزة على المراتب الأولى، وهو ما ساهم في التراجع اللافت لعدد النساء النائبات. فضعف وجود النساء على رأس القائمات يجعل حضورهن في المجلس رهين نتائج الأحزاب الكبيرة، إذ كلما استطاعت قائمات انتخابية الفوز بأكثر من مقعد في نفس الدائرة، كلما ازداد حضور النساء في البرلمان. وبالعكس، كلما تشتت المشهد البرلماني واقتصر تمثير القائمات على رؤسائها، كلما قلّ حضور النساء.

وقد أظهرت نتائج انتخابات 2019 تراجعا كبيرا في نسبة الأصوات التي تحصلت عليها الأحزاب الفائزة، حيث أن الحزب الحائز على المرتبة الأولى (حركة النهضة) أحرز أقل من 20% من الأصوات أعطته 52 مقعدا، في حين أن الحزب الأول في انتخابات 2014 (نداء تونس) كان قد أحرز 86 مقعدا ب 38%  من الأصوات. رغم هذا، فإن نسبة حضور النساء تبقى الأكبر لدى الحزبين الأولين، حيث أنها تصل إلى 40% تقريبا لدى كتلتي النهضة وقلب تونس، يليها الدستوري الحرّ ب29%، في حين تتراوح نسبة النساء في باقي الكتل بين 4 و.14% الارتفاع النسبي لحضور النساء في الحزبين الأولين لا يعني التزاما أكبر بالتناصف، بقدر ما هو نتيجة قدرتها على الحصول على مقعدين على الأقل في عدد مهمّ من الدوائر.

ربع الدوائر الانتخابية لا تمثلها نساء.

ويظهر تشتت المشهد البرلماني خاصة في عدد الدوائر الانتخابية التي لم تتحصل فيها أي قائمة على أكثر من مقعد، وعددها 13 دائرة من أصل 33، بعضها دوائر كبيرة (7 أو 8 مقاعد). يعتبر هذا المشهد استثنائيا، حيث كانت هذه الحالة في 2011 و2014، تقتصر على بعض الدوائر التي يترواح عدد نوابها من واحدة إلى أربعة.

من بين هذه الدوائر، نجد ما لا يقلّ عن ثماني دوائر انتخابية يحتكر تمثيلها رجال، وهي القصرين (8 مقاعد)، سليانة (6 مقاعد)، و كل من نابل 2 وزغوان (5 مقاعد)، بالنسبة للداخل، ودوائر ألمانيا، (مقعد وحيد)، العالم العربي وبقية العالم (مقعدان) وإيطاليا (3 مقاعد) عن التونسيين المقيمين بالخارج. هذا يعني أن ربع الدوائر الانتخابية لا تمثلها أي امرأة.

عدد مرشح للزيادة مع تشكيل الحكومة

لقد جرت العادة، مع المجلس الوطني التأسيسي ثم العهدة الأولى لمجلس نواب الشعب، أن تزيد نسبة النائبات من بداية العهدة إلى نهايتها، إذ أن عدد النائبات ارتفع خلال العهدة البرلمانية المنقضية من 68 إلى 79، كما أن عدد النائبات في المجلس الوطني التأسيسي تطور من 49 عند تنصيب المجلس إلى 67 في نهاية العهدة. هذا التطور يفسّر باستقالة عدد من النواب وتعويضهم بمن يلي آخر فائز في قائماتهم. وبما أن سبب الاستقالة، في معظم الأحيان، هو تولي نواب لحقائب وزارية، فإن الأغلبية الساحقة من المستقيلين رجال، حيث أن نسبة النساء في مختلف الحكومات المتعاقبة ضئيلة جدّا.

ورغم بعض الدعوات، من منظمات المجتمع المدني وحتى من وزيرة المرأة الحالية لاعتماد التناصف في تشكيل الحكومة، إلا أنه من المرجح أن يتواصل ضعف حضور النساء في الحكومة القادمة. والمفارقة هي أن مواصلة تغييب النساء في تشكيل الحكومة قد يؤدي إلى ارتفاع عددهنّ في مجلس نواب الشعب.

لكن العدد لا يكفي، لوحده، لضمان حضور فعلي للنساء داخل البرلمان، إذ أن منظمة البوصلة كشفت، في تقييمها للعهدة النيابية المنقضية، أن معدّل حضور المرأة في رئاسة اللجان القارة على مدى الدورات البرلمانية الخمس لا يتجاوز 13%، بل أن أكثر من نصف اللجان القارّة لم تترأسها نساء في أي دورة برلمانية، من بينها لجان مهمة كالتشريع العام، والمالية، والصناعة والطاقة، والفلاحة[2].

 

فشل محاولات إقرار التناصف الأفقي في الانتخابات التشريعية

ينصّ الدستور في فصله 46 على أن “تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة”. نتائج انتخابات 2019 أثبتت، أكثر من أي وقت مضى، أن سعي الدولة لا يتحقق بالاكتفاء بإقرار التناصف العمودي. وكانت المسألة قد طرحت عند المصادقة على القانون الانتخابي في المجلس الوطني التأسيسي سنة 2014، حيث تقدمت مجموعة من النواب بمقترح تعديل يقرّ التناصف الأفقي، ولكنه سقط في التصويت[3]. وقد طعن عدد من النواب في دستورية القانون الانتخابي أمام الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين على اعتبار أن عدم إقرار التناصف الأفقي مخالف للفصل 46 من الدستور. لكن الهيئة الوقتية رفضت الطعن، بتعليل هزيل اقتصر على التذكير بأن عبارة “تسعى” تعني واجب بذل عناية، لا تحقيق نتيجة، دون أن تفصّل أو تناقش حتى ما يفترضه واجب بذل العناية، خلافا لما نجده في فقه القضاء المقارن وفقه المنظمات الأممية[4].

عاد الأمر ليطرح مع الانتخابات البلدية، حيث نصّ مشروع القانون المنقح للقانون الانتخابي والمقدّم من الحكومة على ضرورة احترام التناصف الأفقي من قبل القائمات الحزبية والائتلافية التي تترشح في أكثر من دائرة انتخابية بلدية، وعلى رفض ترشح القائمات التي لا تحترم هاته القاعدة. لكن لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية بالبرلمان حطّت من جزاء عدم الالتزام بالتناصف الأفقي إلى “الحرمان من المنحة العمومية في حدود عدد القائمات المخالفة”، دون إسقاط القائمات، قبل أن يتمّ تدارك الأمر في الجلسة العامة، بضغط من المجتمع المدني، والعودة إلى الصيغة الأصلية القاضية بإسقاط القائمات التي لا تحترم التناصف الأفقي، مع فتح الامكانية للتصحيح.

إقرار التناصف الأفقي في الانتخابات البلدية ساهم في أن تصل نسبة النساء في رئاسة القائمات إلى 30%، وفي أن تمثّل النساء قرابة 46% من أعضاء المجالس البلدية. إلا أن نسبة النساء في رئاسة المجالس البلدية بقيت في حدود الخُمس، رغم أن القانون الانتخابي حصر الحق في الترشح لرئاسة البلديات على رؤساء ورئيسات القائمات.

في منتصف شهر ماي 2019، تقدّم 42 نائبا ونائبة، معظمهم من كتلة الائتلاف الوطني ولكن يمثلون جلّ الكتل النيابية، بمقترح قانون للتنصيص على التناصف الأفقي في الانتخابات التشريعية، تماما مثلما هو الشأن بالنسبة للانتخابات البلدية. كان هذا بالتوازي مع نظر المجلس في تنقيحات للقانون الانتخابي أثارت جدلا واسعا، تضمنت إدراج عتبة انتخابية، وحذف إقصاء مسؤولي حزب التجمع المنحلّ من عضوية مكاتب الإقتراع، قبل أن تضيف الحكومة في آخر لحظة شروطا جديدة للترشح وصفت بالاقصائية. تمت المصادقة على التنقيحات المثيرة للجدل في شهر جويلية، دون أن تصبح قانونا نافذا نظرا لعدم ختمها من طرف رئيس الجمهورية. أمّا التناصف الأفقي، فقد آثرت مكونات مجلس نواب الشعب عدم مناقشته، رغم أن لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية لم يكن لها أي نشاط في ما بقي من الدورة البرلمانية (شهران ونصف)، وكان بامكانها مناقشة مقترح القانون لو توفّرت الإرادة السياسية.

لقد أثبتت نتائج الانتخابات التشريعية أن التناصف العمودي داخل القائمات لا يكفي أبدا لتحقيق التناصف في المجلس النيابي، أو حتى للاقتراب منه. فغياب التنصيص على التناصف الأفقي في رئاسة القائمات يترك حضور النساء رهينة إرادة قيادات الأحزاب… ومدى قدرة القائمات الأقوى على تحصيل نسبة كبيرة من الأصوات. وبما أن إعادة النظر في القانون الانتخابي تبدو، حسب تصريحات معظم الفاعلين السياسيين، من أولويات المجلس القادم، فإن النواب والنائبات مطالبون بإقرار التناصف الأفقي إذا ما تقرّر الحفاظ على نظام الاقتراع بالقائمات، وبصفة عامة بربط أي تفكير في تغيير نظام الاقتراع بواجب التناصف بين المرأة والرجل. فحتى إن لم يكن فرض التناصف بالقانون كافيا لتجاوز العقليات الذكورية التي تأبى الاعتراف للنساء بحقهنّ في ممارسة السياسة بالتساوي مع الرجال، فإنه شرط أساسي لذلك، وتطبيق لمقتضيات الدستور.


[1] خلافا للاحصائيات التي نشرها مجلس نواب الشعب يوم الجلسة الافتتاحية وفيها نسبة 26% (أي 57 نائبة)، قبل أن يستدرك الأمر مؤخرا ويصلح الخطأ على المنشور، دون إضافة توضيح أو اعتذار.

[2] منظمة البوصلة، تقرير « العهدة البرلمانية الأولى في أرقام »، https://www.albawsala.com/ar/pub/5d9471f04f24d01a6582f857

[3] المفكرة القانونية، »فرصة ضائعة في تطوير مبدأ “التناصف” بين الجنسين في تونس »، 2 جوان 2014.
https://mail.legal-agenda.com/newsarticle.php?id=687&lang=ar

[4] سلسبيل القليبي، « قائمات الترشّح للانتخابات التشريعية التونسية: امتحان أم محنة للفاعلين السياسيين؟ »، المفكرة القانونية، 8 ديسمبر 2014
https://webmail.legal-agenda.com/article.php?id=937&lang=a

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني