عودة نقاش الحريات الفردية في المغرب بعد تسريب صور لوزير إسلامي: فضيحة أم دليل على تغير الذهنية داخل حزب العدالة والتنمية؟


2018-10-02    |   

عودة نقاش الحريات الفردية في المغرب بعد تسريب صور لوزير إسلامي: فضيحة أم دليل على تغير الذهنية داخل حزب العدالة والتنمية؟

أدى تسريب صور للوزير محمد يتيم المنتمي لحزب العدالة والتنمية المغربي ذي المرجعية الدينية رفقة فتاة ماسكا يدها في شارع الشنزلزيه بباريس إلى عودة نقاش موضوع الحريات الفردية والعلاقات الرضائية في المغرب بعد أن كان هذا النقاش قد فتر في الآونة الأخيرة.

وبغض النظر عن موضوع الصور المسربة التي ترى المفكرة القانونية أنها تبقى شأنا خاصا ولا يجوز المساس به بخلفية أيديولوجية أو سياسية، فإن المهم في الحادثة هو الوقوف عند موضوع الحرية الفردية الذي تبقى له أبعاد حقوقية وقانونية في المغرب ويهم المفكرة نقله لقرائها في العالم العربي إسهاما منها في هذا النقاش العام.

فما هي كرونولوجيا هذا الموضوع في المغرب؟ وكيف تم التعاطي مع واقعة الوزير يتيم؟

كرونولوجيا موضوع الحريات الفردية في المغرب:

موضوع الحريات الفردية في المغرب ظل لسنوات موضوعا نخبويا لا يحظى بالنقاش العام كثيرا. وقد شهد هذا الأمر تحولا مع نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، مع تأسيس مجموعة من المنظمات الحقوقية تبعا للإنفراج السياسي الذي عرفه المغرب سنة 1998. ومنذ ذلك الحين، ظهر نقاش قوي وأحيانا أفعال رمزية تدعو إلى تخليص القانون المغربي، ولاسيما الجنائي منه، من الأفعال التي تشكل حريات فردية ويجرمها هذا القانون، من قبيل جرائم الفساد الجنسي والسكر (ما لم يكن مقرونا بأفعال توجب التجريم مثل السياقة أو التخريب) والإفطار العلني في رمضان وغيرها من هذه القضايا التي لا تهم النظام العام القانوني في شيء .

وقد عرف هذا النقاش أوجه عندما قدمت وزارة العدل والحريات في عهد الحكومة السابقة التي كان يقودها حزب العدالة والتنمية سنة 2014 مسودة مشروع القانون الجنائي الذي يتغير تغييرا كبير منذ سنة 1962. وحظيت هذه المسودة بنقاش عام كبير غير مسبوق في المغرب وخاصة فيما لها علاقة بالقضايا الحقوقية مثل مسألة تجريم العلاقات الرضائية والحرية الدينية وبقاء عقوبة الإعدام في المسودة وغيرها من هذه المواضيع.

وقد طغا على هذا النقاش العمومي الطابع الإيديولوجي الديني بشكل كبير. هكذا تم تصوير الأمر أو بدا كذلك، مما أدى إلى اتهام الفريق المحافظ باستغلال الدين في السياسة مع قرب الاستحقاقات الانتخابية لسنتي 2015  الجماعية و2016 التشريعية مع وجود نسبة كبيرة من المجتمع لا تقرأ ولا تكتب. بالمقابل، اتهم الطرف “الحداثي” بأنه ضد توجهات غالبية المجتمع المغربي المحافظ وأنه يسعى إلى فرض أجندته. وهكذا ضاع مشروع تغيير القانون الجنائي المغربي الذي يعود إلى الستينات بسبب هذا النقاش، مع أن القانون الجنائي به عدة مواضيع تحتاج للمعالجة بل يحتاج كله إلى إعادة النظر في بنائه العام وفلسفة العقوبة التي بني عليها.

كيف تم التعاطي مع واقعة الوزير يتيم؟

في البداية، نشير إلى أن واقعة الوزير محمد يتيم ليست هي الأولى في المغرب. فقد سبقه الحديث عن وجود علاقة بين وزيرين في سنة 2014 (هما الوزير السابق الحبيب الشوباني والوزيرة سمية بن خلدون المنتميان لحزب العدالة والتنمية) انتهت بإعلان الزواج واستقالتهما من الحكومة بعدما أصبحت قضية رأي عام. كما تم توقيف قيادي مع قيادية في حركة التوحيد والإصلاح وهي الذراع الدعوي لجزب العدالة والتنمية المغربي داخل سيارة قرب شاطئ البحر. وأكدت محاضر الدرك أنهما قاما بممارسة جنسية فيما أكد المعنيان بالأمر بأنهما متزوجان وأنهما بصدد توثيق الزواج. وقد خلفت هذه الحادثة ردود أفعال مجتمعية كبيرة بين من رأى أن الأمر لا يعدو أن يكون تصفية حسابات سياسية مع التيار الإسلامي ومن انتقد هؤلاء بتناقض ممارستهم مع خطاباتهم.

بعد نشر صور الوزير يتيم، تعرض الرجل لانتقادات حادة من داخل حزبه الإسلامي: فالرجل كان في قيادة حركة التوحيد والإصلاح ولسنوات أحد الوجوه الإسلامية المعروفة في تاريخ المغرب الحديث. وفيما أكد خصومه اليساريون في بداية كل تعليقاتهم على أن الأمر يدخل ضمن الحرية الفردية، فإنهم سارعوا بعد ذلك في الهجوم على الوزير يتيم وعلى الاسلامين عموما على اعتبار انهم يستغلون مشاعر عامة الناس بالدين للوصول لمراكز الحكم دون أن تكون لهم قناعة فيما يدافعون عنه؛ والدليل هو قيام هذه القيادات بأفعال تنافي ما يقولون في خطابهم العام وفي معارضتهم لمشروع القانون الجنائي الذي كان فرصة لتعزيز الحريات الفردية. وقد ذهبت بعض التعليقات إلى أن ظهور الوزير الإسلامي مع فتاة بلباس عصري قصير هو رسالة سياسية تنم عن تحول في إيديولوجية بعض القيادات داخل التيار الإسلامي وأنه من الممكن التعامل معهم لإحداث تغييرات في المنظومة القانونية باتجاه تعزيز الحقوق والحريات الفردية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني